Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

زيارة ميقاتي إلى دمشق: بداية جديدة للعلاقات اللبنانية - السورية

رُحل استكمال معظم الملفات إلى ما بعد تشكيل حكومة جديدة في لبنان

اللقاء بين ميقاتي والشرع يهدف إلى تأسيس علاقة جديدة بين لبنان وسوريا، تقوم على الاحترام المتبادل والسيادة الوطنية لكلا البلدين (مواقع التواصل)

ملخص

أجرى رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني نجيب ميقاتي زيارة إلى دمشق هي الأولى من نوعها منذ 2010، والتقى قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، وناقشا ملفات شائكة عدة، أبرزها ترسيم الحدود بين البلدين، وملف النازحين السوريين، وقضايا أمنية أخرى، وتعكس الزيارة رغبة في تأسيس علاقة جديدة بين لبنان وسوريا تقوم على الاحترام المتبادل.

في خطوة تمثل تحولاً مهماً في العلاقات بين لبنان وسوريا، أجرى رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني نجيب ميقاتي زيارة رسمية إلى دمشق هي الأولى من نوعها منذ عام 2010.

جاءت هذه الزيارة في وقت حساس، مع وجود إدارة سورية جديدة تحت قيادة أحمد الشرع، وهي الزيارة التي تحمل في طياتها ملفات شائكة تنتظر الحل، أبرزها ملف الحدود والنازحون السوريون والتعاون الأمني بين البلدين.

زيارة نجيب ميقاتي إلى سوريا شكلت لحظة تاريخية في العلاقات بين البلدين الجارين، إذ تعد الزيارة الأولى لمسؤول لبناني رفيع المستوى إلى دمشق منذ سقوط بشار الأسد، وقد تم اللقاء في قصر الشعب، حيث ناقش الطرفان مجموعة من الملفات العالقة التي تؤثر في العلاقات بين البلدين، أبرزها ترسيم الحدود وضبط المعابر والحدود بين البلدين وملف النازحين السوريين الذي يشكل ضغطاً كبيراً على لبنان.

وتشير المعلومات إلى أنه على رغم إيجابية الأجواء لم يُحسم أي من الملفات المطروحة بصورة حاسمة، باستثناء الموافقة على نقل السجناء السوريين من السجون اللبنانية إلى بلدهم، ومتابعة محاكمتهم في دمشق، ويبلغ عددهم نحو 1750، وهم من المحكومين جنائياً (الاتجار بالمخدرات، وتهريب البشر وجرائم قتل واغتصاب)، ومن غير العناصر الإرهابية التي نفذت أعمالاً تخريبية في لبنان ضد الجيش والمواطنين.

كما اتفق على استكمال البحث في ملف ترسيم الحدود التي يتشارك البلدان حدوداً بطول 330 كيلومتراً غير مرسمة في أجزاء كبيرة منها، مما جعل الحدود منطقة سهلة للاختراق من قبل المهربين أو الصيادين أو اللاجئين، واستجرار الكهرباء ومد أنابيب النفط من العراق، إلى حين تشكيل الحكومة المقبلة في لبنان.

ووفق ما سرب، فقد قدم الشرع مطالعة تاريخية عن العلاقات بين البلدين، مشيراً إلى أن "إيران أساءت إلى سوريا في عقر دارنا، وخلف ’حزب الله‘ لنا جراحاً كبيرة، ولن تكون سوريا بعد اليوم ممراً للسلاح الإيراني إلى الحزب، وعلى رغم كل ذلك فنحن على استعداد تام للتعاون مع كل المكونات في لبنان، ولا نريد لكم إلا كل الخير، خصوصاً بعد انتخاب رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون".

المجلس الأعلى اللبناني - السوري

أحد الموضوعات الرئيسة التي ُتطرق إليها في اللقاء كان ملف الحدود، إذ شدد ميقاتي على ضرورة ترسيم الحدود البرية بين لبنان وسوريا وضبطها بصورة كاملة من أجل الحد من عمليات التهريب. وقد اعتبرت هذه الخطوة ضرورية ليس فقط لمكافحة التهريب، بل أيضاً لضمان الاستقرار في المنطقة".

فيما تشير المعلومات إلى أن الجانب السوري تطرق إلى ضرورة إلغاء "المجلس الأعلى اللبناني - السوري" المؤلف منذ أيام الراحل حافظ الأسد، وحصر التواصل والتعاون عبر المؤسسات من دولة إلى دولة، وتنظيم العلاقات التجارية والاقتصادية بطرق تختلف عن السابق.

في ما يتعلق بملف النازحين السوريين، أعرب ميقاتي عن تفاؤله حيال إمكانية إيجاد حلول لهذه الأزمة التي أثقلت كاهل لبنان طوال الأعوام الماضية. وأكد أن العودة الطوعية للنازحين إلى سوريا هي أمر بالغ الأهمية، بخاصة بعد تحسن الوضع الأمني في عديد من المناطق السورية. من جهته، أبدى الشرع تفهماً كاملاً للواقع اللبناني، وأكد استعداد سوريا للتعاون في ملف العودة بصورة حاسمة.

علاقة جديدة

ويعتبر المراقبون أن هناك توجهاً نحو تأسيس علاقة جديدة بين لبنان وسوريا، علاقة لا تتسم بالتبعية أو الهيمنة، بل علاقة ندية تقوم على الاحترام المتبادل لمصالح البلدين، في ظل وجود إدارة سورية جديدة قد تكون أكثر مرونة في التعامل مع الملفات العالقة بين البلدين.

ومن التحديات الكبرى التي تواجه العلاقات اللبنانية - السورية في المرحلة المقبلة هو ملف المعتقلين والمفقودين اللبنانيين في السجون السورية، وهو ملف حساس يحتاج إلى تعاون أكبر بين الأجهزة الأمنية اللبنانية والسورية، وهناك مطالبات لبنانية بتفعيل الاتفاقات السابقة بين البلدين في مجالات عدة، وهو ما يتطلب مزيداً من العمل والتفاوض.

 

وفي السياق كشف الكاتب والباحث السياسي السوري غسان يوسف عن أن اللقاء تناول ملفات حساسة عدة، أبرزها الودائع السورية في البنوك اللبنانية وملف النازحين السوريين وقضايا المفقودين اللبنانيين في السجون السورية، إضافة إلى ترسيم الحدود بين البلدين.

وبرأيه تأتي هذه الزيارة في إطار مرحلة جديدة من التعاون بين البلدين، مشيراً إلى أن العلاقات ستستند إلى احترام سيادة كل طرف والعمل على حل القضايا العالقة بصورة تدرجية. وأشار إلى أن الوضع في سوريا يتغير بسرعة، مع وجود إرادة سياسية لبناء علاقة ندية مع لبنان، بعيدًا من التدخل في شؤونه الداخلية، لافتاً إلى دور المجتمع الدولي في دعم هذه المبادرات، بخاصة في ما يتعلق بالحدود ومكافحة تهريب السلاح.

وأضاف "لبنان وسوريا بحاجة إلى تعاون إقليمي ودولي لدعم هذا المسار، سواء بما يتعلق بضبط الحدود أو في معالجة قضايا اللاجئين والمفقودين".

وفي ما يتعلق بالودائع السورية في البنوك اللبنانية، أشار إلى أن القضية باتت ملحة بالنسبة إلى كثير من رجال الأعمال في سوريا، وذكر أن الرئيس السوري السابق بشار الأسد كان قد أعلن في وقت سابق عن وجود نحو 40 مليار دولار في البنوك اللبنانية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال يوسف "في ظل الأزمة المالية التي شهدتها البنوك اللبنانية، مُنع اللبنانيون من الحصول على ودائعهم، وهو ما أثر أيضاً في التجار السوريين الذين كانوا قد وضعوا أموالهم في هذه البنوك بسبب العقوبات المفروضة على البنوك السورية". وأضاف أن إعادة هذه الأموال إلى سوريا ستشكل خطوة مهمة لتحسين الاقتصاد السوري، وكذلك استعادة الثقة في البنوك اللبنانية.

كما تطرق إلى ملف النازحين السوريين في لبنان، وضرورة عودتهم إلى سوريا في أسرع وقت، مشيراً إلى أن العودة أصبحت ممكنة في ظل الوضع الأمني المستقر الذي تشهده عديد من المناطق السورية. وقال "اللاجئون في لبنان يشكلون عبئاً اقتصادياً على البلدين، وعودة هؤلاء إلى ديارهم هي الحل الأنسب".

وعلى رغم ذلك، أشار إلى أن هناك بعض التحديات المتعلقة بالبنية التحتية المدمرة في بعض المناطق السورية، التي قد تعوق عودة اللاجئين بصورة سريعة، بخاصة أولئك الذين أسسوا أعمالًا لهم في لبنان.

أما بالنسبة إلى ملف المفقودين اللبنانيين في السجون السورية، فقد أكد يوسف أن هذا الملف يعود إلى ما قبل عام 2010، وقد طالبت الحكومة اللبنانية مرات عدة بتوضيح مصير المفقودين. وأضاف "اليوم، بعد فتح السجون في سوريا، تبقى هناك تساؤلات حول مصير هؤلاء المعتقلين. ومن جهة أخرى، يجب على السلطات السورية التعاون مع الحكومة اللبنانية لمعالجة هذه القضية".

في ما يتعلق بترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، أشار يوسف إلى أن هناك تداخلاً تاريخياً في الحدود بين البلدين، مما يجعل من الصعب ضبطها بصورة كاملة. وأضاف "ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وسوريا يعد أمراً معقداً، نظراً إلى التداخل الكبير بين القرى والمناطق الحدودية. ومع ذلك، هناك رغبة من الجانبين لتفعيل التعاون الأمني وضبط المعابر غير الشرعية التي كانت تستخدم في تهريب السلاح والمخدرات".

إطار قانوني

من جانبه، أكد المحلل السياسي إبراهيم ريحان، أن مرحلة الانتقال في سوريا تجعل من الصعب التوصل إلى اتفاقات رسمية في شأن الحدود قبل استكمال مراحل صياغة الدستور وإجراء الانتخابات. وأوضح أن سوريا بحاجة إلى حكومة مستقرة قادرة على المصادقة على اتفاقات مهمة، مثل ترسيم الحدود، مشيراً إلى أن لبنان قد بدأ بتفعيل الإجراءات المتعلقة بالمصادقة على المعاهدات الدستورية.

وأعرب عن أهمية ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، لا سيما قضية مزارع شبعا التي تظل نقطة خلاف بين البلدين. وقال "مسألة مزارع شبعا تحتاج إلى نقاش طويل ومفاوضات دقيقة لأنها مرتبطة بالأبعاد الإقليمية، بخاصة مع إسرائيل".

 

وكشف عن أنه ُتووفق على إنشاء لجان مختصة لمعالجة الملفات الأمنية والاقتصادية والسياسية بصورة تدرجية، مع التركيز على ضبط الحدود والملفات الإنسانية مثل قضية اللاجئين، وذلك على رغم أن التفاهم بين لبنان وسوريا يحتاج إلى وقت طويل لحل القضايا العالقة.

تعاون مشترك

من جانبه، أشار الصحافي السوري سامر الخليوي إلى أن الزيارة تأتي في إطار رغبة حقيقية بين لبنان وسوريا لإصلاح العلاقات التي شهدت توترات كبيرة في الماضي، وقال "هناك قيادة جديدة في سوريا ورئاسة جديدة في لبنان، وهذه الزيارة تأتي في وقت مناسب بعد أعوام طويلة من التوتر، إذ اتُّفق على ضرورة فتح قنوات التواصل بين البلدين".

وسلط الضوء على الملف الأمني، بخاصة في ما يتعلق بضبط الحدود ومنع تهريب المخدرات مثل الكبتاغون، الذي كان يتسبب بضرر كبير للبنان. وقال "الأمن وضبط الحدود كانا من الأولويات في اللقاء، وهو ما يعكس رغبة الجانبين في تجاوز المشكلات القديمة، وعلق قائلاً "الحدود بين البلدين مليئة بالمعابر غير الشرعية التي كان يستفيد منها أطراف متعددة، بما في ذلك ’حزب الله‘".

بداية جديدة للبنان

بدوره، اعتبر المحلل السياسي علي حمادة أن لبنان يعيش اليوم مرحلة جديدة، مع تغيرات جيوسياسية في المنطقة، وتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تحولات كبيرة على صعيد العلاقات اللبنانية - السورية والعربية، موضحاً أن زيارة ميقاتي تمثل خطوة نحو إعادة تصحيح العلاقة بين البلدين، التي تأثرت على مدى أكثر من نصف قرن من الزمن بالتدخلات والهيمنة السورية، خصوصاً خلال حكم حافظ الأسد وابنه بشار.

وقال حمادة "العلاقات بين لبنان وسوريا كانت مليئة بالتعقيدات والضغوط على مدى عقود. اليوم، مع وجود قيادة جديدة في سوريا ورئاسة جديدة في لبنان، أصبح هناك أمل في تصحيح هذه العلاقة".

وأضاف أن كثيراً من الملفات الشائكة يجب أن تُعالج بحذر، ومن أبرزها ترسيم الحدود بين البلدين وقضية اللاجئين.

وأشار إلى أن الأوضاع السياسية في لبنان بعد انتخاب الرئيس جوزاف عون تشكل فرصة جديدة لتفعيل العلاقات مع سوريا بصورة سليمة وندية، مضيفاً أن "لبنان بحاجة اليوم إلى العودة للحاضنة العربية بعد أعوام من الانعزال بسبب سيطرة ’حزب الله‘ على القرار السياسي في لبنان، وأن السعودية ودول الخليج كانوا دائماً الشركاء الأساسيين للبنان، وهذه الخطوة تمثل بداية جديدة لتصحيح العلاقات مع العرب".

المزيد من تقارير