Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا ساعدت روسيا الأسد على اللجوء ولم تساعده على الصمود؟

بوتين اتخذ ثلاثة قرارات عاجلة وسريعة أهمها عدم المساهمة في خوض حرب أصبحت نتائجها معروفة سلفاً

صور وأغراض لبشار الأسد مبعثرة في القصر الرئاسي بدمشق بعد سقوط النظام (رويترز)

ملخص

بعد إطلاق فصائل المعارضة من إدلب هجوم "ردع العدوان" الذي توفرت لموسكو معلومات دقيقة حول توقيته وحجمه وأهدافه كان الوقت قد تأخر على الأسد لاتخاذ قرار سريع بإطلاق مبادرة سياسية تفتح باب الحوار مع المعارضة وتستبق انهيار نظام حكمه. وسرعان ما اتُّخذ القرار في موسكو بترتيب خروج آمن له يضمن عدم انجرار البلاد نحو حرب طائفية كانت عواقبها ستكون دموية ومدمرة على الشعب السوري وعلى إيران وروسيا معاً.

في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) 2024 اكتملت صورة المأساة السورية أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فاجتمع مع مستشاريه وقادة استخباراته، وخلصوا إلى ضرورة إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان، لا سيما بعدما أبلغه جميع قادة أجهزة الاستخبارات بأن جيش النظام السوري يُسَلِّم مواقعه لفصائل المعارضة طواعيةً من دون أي قتال أو مواجهة. وأفادوا بأن قادة هذا الجيش، وبخاصة قادة الألوية وفرق المشاة، اتفقوا مع تركيا ومع فصائل المعارضة على تركهم يستولون على مدن البلاد واحدة تلو الأخرى، بدءاً من حلب، مروراً بحماة وحمص، وصولاً إلى العاصمة دمشق.

قرارات بوتين الطارئة

سارع بوتين إلى اتخاذ ثلاثة قرارات عاجلة وسريعة، أولها عدم المساهمة في خوض حرب أصبحت نتائجها معروفة سلفاً بعد دخول مسلحي المعارضة إلى حماة، حيث اعتبر أنه لا يمكن لروسيا أن تدافع عن نظام يرفض جنوده وشعبه القتال دفاعاً عنه، بخاصة أن قواتها مشغولة في معارك أوكرانيا، ولا تقبل الانجرار لحرب استنزاف في سوريا، بالتالي أعلنت موسكو أنها لن تكون "بعثية" أكثر من حزب البعث، مثل ما ردد مساعد الرئيس الروسي للشؤون الخارجية يوري أوشاكوف.

ثاني القرارات كان حصر مهمة القوات الروسية المنتشرة في سوريا بالدفاع عن مواقعها والقواعد التي تنتشر فيها، بخاصة قاعدة "حميميم" الجوية وقاعدة "طرطوس" البحرية. وأعلنت موسكو حالة التأهب القصوى في صفوف القوات والممثليات الروسية العاملة في سوريا. وبالتوازي مع ذلك فتحت موسكو خطوط اتصال طارئة بمساعدة تركيا مع قادة المعارضة، وعلى رأسهم قائد "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع.

أما ثالث القرارات فكان تجنب حدوث حمام دم في سوريا مهما كان الثمن وتجنيب رئيس النظام السابق بشار الأسد مصير معمر القذافي في ليبيا وصدام حسين في العراق ومحمد نجيب الله في أفغانستان بعد الانسحاب السوفياتي. وكان بوتين يرى أن ذلك سيكون وصمة على جبين روسيا وصفعة على وجهه شخصياً. فقرر الرئيس الروسي إرسال اثنين من كبار ضباط استخباراته لتبليغ الأسد بعرض حاسم مفاده أن موسكو مستعدة لنقله بأمان من دمشق ومنحه حق اللجوء على أراضيها مقابل تخليه عن "المقاومة" وخوض حرب خاسرة. وأكد العرض أن الجيش الروسي غير مستعد لخوض حرب واسعة النطاق في سوريا يمكن أن تستمر لفترة طويلة وتدمر البلاد أكثر مما هي مدمرة، وتشغل موسكو عن حربها الأساس في أوكرانيا.

فسارعت موسكو لتقديم عرض حاسم ووحيد للأسد: تأمين طريقة آمنة لمغادرته البلاد واللجوء إلى موسكو بشرط موافقته على التخلي عن مقاومة فصائل المعارضة المتقدمة التي كان جيشه يسلمها مواقعه من دون أي مواجهات تذكر.

عندها تيقن الأسد أنه لم تعد أمامه أي خيارات أخرى وأن الأوان قد فات لإطلاق مبادرة سياسية من شأنها فتح الطريق للحوار مع المعارضة ومنع تقدمها نحو قصره الرئاسي في دمشق. وتذكر حينها السبب الجوهري للنصيحة العاجلة التي قدمتها له روسيا قبل أيام قليلة، حين سقطت مدينة حلب بيد المعارضة.

تحول الموقف الروسي

كان لدى موسكو معلومات استخباراتية دقيقة حول توقيت وحجم وأهداف هجوم المعارضة على المدن السورية واحدة تلو الأخرى، بما في ذلك معلومات من وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الذي قاد استخبارات بلاده طوال فترة الحرب السورية قبل أن يكافئه الرئيس رجب طيب أردوغان ويرتقي به إلى منصب وزير خارجيته، لذلك كان على موسكو أن تنظم على عجل هرب الأسد من أجل منع انجرار سوريا إلى صراع مدمر، ستكون عواقبه كارثية.

المعلومات التي حصلت عليها موسكو في شأن الاستعدادات لهجوم واسع النطاق دفعتها إلى اتخاذ إجراءات عسكرية عاجلة، إذ قضت في الأسبوع الأول من هجومها بقصف أرتال القوات المتقدمة. وأبلغت السلطات السورية عبر قنوات سرية بأن المجموعات المسلحة ستتقدم نحو حلب، ومنها إلى مدن سورية أخرى، لكن موسكو سرعان ما اقتنعت بأن زمن الحلول العسكرية للأزمة السورية قد انتهى إلى غير رجعة، حين تيقنت بأم عينها أن قوات النظام السوري تسلم مواقعها لهم من دون أي قتال.

فتحت روسيا بصورة عاجلة قناة اتصال مع تركيا وإيران لمحاولة وقف التصعيد والعودة إلى الحوار السياسي، لكن سرعان ما اتضح لموسكو أن القرار النهائي قد اتخذ بالفعل وأن الفصائل لن تتخلى عن خططها الهجومية التي نسق القسم الأكبر منها مع قادة وضباط كبار في صفوف جيش النظام، وكانت مهمتهم الدفاع عن حلب، وبعدها حماة وحمص والعاصمة دمشق.

 

في الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 بعد إطلاق فصائل المعارضة من إدلب هجوم "ردع العدوان" الذي توفرت لموسكو معلومات دقيقة حول توقيته وحجمه وأهدافه كان الوقت قد تأخر على الأسد لاتخاذ قرار سريع بإطلاق مبادرة سياسية تفتح باب الحوار مع المعارضة وتستبق انهيار نظام حكمه. وسرعان ما اتُّخذ القرار في موسكو بترتيب خروج آمن له يضمن عدم انجرار البلاد نحو حرب طائفية كانت عواقبها ستكون دموية ومدمرة على الشعب السوري وعلى إيران وروسيا معاً.

فالمعطيات التي توافرت لدى موسكو حول إعداد المعارضة هجوماً واسع النطاق، دفعتها إلى التحرك العاجل على أكثر من محور. وتم من خلال قنوات استخباراتية متخصصة إبلاغ السلطات السورية بأن قوات تابعة للفصائل المسلحة ستشن هجوماً كبيراً انطلاقاً من حلب، ومنها نحو مدن سورية أخرى.

أجرت موسكو اتصالات عاجلة عبر قنوات ساخنة مع الطرفين التركي والإيراني، وكان الهدف منها محاولة وقف العملية والاتجاه نحو تحريك حوار سياسي، لكن سرعان ما أبلغت تركيا موسكو أن القرار النهائي قد اتخذ، وأن الفصائل المسلحة المدعومة من قبلها لن تتراجع عن شن الهجوم، الذي تم تنسيقه مع قادة كبار ومؤثرين في الجيش التابع لنظام الأسد.

القرار الصعب

اضطرت موسكو إلى التحرك بسرعة فائقة تتوافق مع تسارع الأحداث، فاتخذت قرارات وصفها مصدر استخباراتي روسي رفيع بأنها كانت صعبة ومُرَّة بالنسبة إلى موسكو. وأكدت الاستخبارات أن الأمر لا يتعلق فقط بمستوى استعداد الجماعات المسلحة للهجوم على مدن سوريا ومواقع جيش النظام، بل أيضاً تمتع الفصائل بدعم شعبي واسع، يصل إلى أكثر من ثلثي الشعب السوري، الذي أصبح مُستاءً من تفاقم الأوضاع المعيشية وانتشار الفقر والفساد على نطاق واسع، وفقاً لبيانات استخباراتية روسية.

عندها، انحصرت مفاوضات روسيا مع تركيا وإيران في آليات منع العنف المسلح ومنع وقوع حمامات دم في البلاد، وليس في تقديم دعم عسكري ولوجيستي للأسد، خصوصاً بعدما أفادت أجهزة الاستخبارات الروسية بتزايد السخط داخل صفوف جيش النظام.

قرر الكرملين منع انزلاق الوضع في سوريا إلى حرب أهلية جديدة مدمرة، وبدأ الاتصال المباشر مع الأسد، وأُبلغ صراحةً بالأرقام والوقائع أن البلاد على حافة كارثة حقيقية، وأن الوقت قد فات على إطلاق مبادرة سياسية مبنية على الحوار السوري الداخلي. وأُبلغ بضرورة قبول مصيره المحتوم وترك البلاد على وجه السرعة، وذكَّره ضابط الاستخبارات الروسية الذي أرسله بوتين، مع رفيقه، بالمصير الذي لاقاه القذافي بسبب عناده وعدم انصياعه للنصائح الروسية.

بحلول هذا الوقت كانت قوات المعارضة اقتربت بالفعل من حماة، ومن بعدها حمص، وراقب الضباط الروس رد فعل السكان والانسحاب التدريجي الطوعي للقوات الحكومية، مما سمح للمعارضة بتعزيز سيطرتها على أكبر مدن البلاد، والبدء بالتوجه نحو العاصمة دمشق.

بوتين يغيب عن السمع

اقتنع الكرملين قبل فرار الأسد إلى موسكو أن رئيس النظام السوري السابق كان يحاول توريطها مجدداً في الحرب الأهلية الدائرة في البلاد، وجذبها للدفاع عنه وعن نظامه، على رغم تجاهله نصائح روسيا السياسية بفتح حوار جاد مع المعارضة والتوصل إلى حلول وسط. وقد أصمَّ الأسد أذنه عن دعوات موسكو إلى فتح باب الحوار مع الرئيس التركي.

بعد أيام معدودة من بدء هجوم فصائل المعارضة تحت اسم "ردع العدوان" واستنكاف الجيش عن الدفاع عن الأسد ونظامه ترسخت قناعة الكرملين بأن الأسد قد تحول إلى "جثة سياسية"، وأن إنقاذ نظامه أصبح غير ذي جدوى. فقررت موسكو التصرف على هذا الأساس، مع التصميم على بذل كل الجهود لحقن دم الأسد شخصياً ودم عائلته.

وكشف المسؤول الإعلامي السابق لمكتب الأسد كامل صقر عن أن الأسد حاول الاتصال بالرئيس الروسي مرات عدة يومي الرابع والخامس من ديسمبر، لكن دون جدوى. وفي الثامن من ديسمبر استولى المسلحون على دمشق وسقط نظام الأسد وهرب إلى روسيا، حيث حصل على حق اللجوء.

 

لم تستجب روسيا لطلبات الأسد باستخدام قاعدة حميميم لتوصيل مساعدات عسكرية إيرانية لقواته بعد سقوط حلب.

وبحسب صقر فإن الرئيس السوري السابق شعر بـ"العزلة والوحدة" عندما حاول مرات عدة الاتصال بالرئيس الروسي دون أن يتلقى رداً. استمرت محاولاته من الأربعاء الرابع من ديسمبر حتى الخميس الخامس من ديسمبر، وحتى مساء يوم السابع من ديسمبر، أي ليلة فراره وسقوط نظامه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

محاولات أخيرة وقرار الفرار

بعد فشل محاولاته المتكررة للاتصال ببوتين اتصل الأسد يوم السادس من ديسمبر بالممثل الخاص للرئيس الروسي في سوريا ألكسندر لافرينتييف وطلب منه التواصل مع رئيس الدولة، إلا أن لافرينتييف أخبره أن الرئيس الروسي في زيارة عمل إلى بيلاروس، ولا يمكنه التواصل معه في تلك اللحظة.

وفي منتصف ليل الثامن من ديسمبر استقبل الأسد الملحق العسكري الروسي في القصر الرئاسي، الذي ساعده على مغادرة البلاد. ونقله أولاً إلى مطار دمشق، ثم إلى قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية، ومن هناك إلى روسيا.

أمضى الأسد ساعات عدة في مطار حميميم حتى وضعت الطائرة التي كانت تقله تحت حراسة مشددة.

وبحسب صقر كان الأسد يعتزم في البداية توجيه كلمة للشعب عبر التلفزيون يوم الخميس الخامس من ديسمبر. وكان أعد خطاباً من نحو 400 كلمة، وكان "متوتراً للغاية"، لكن بعد تأجيله الخطاب إلى الجمعة، ثم إلى السبت، قرر في الساعات الأخيرة قبل مغادرة سوريا التخلي عنه تماماً.

وزعم الأسد نفسه أنه بقي في دمشق "حتى الصباح الباكر من يوم الأحد الثامن من ديسمبر"، مضيفاً أنه توجه إلى اللاذقية بعد دخول فصائل المعارضة إلى العاصمة "للتنسيق مع حلفائنا الروس للإشراف على العمليات القتالية". وأضاف أنه عندما وصل إلى القاعدة في اللاذقية "بات واضحاً أن قواتنا انسحبت بالكامل من جميع المواقع القتالية، وأن آخر مواقع الجيش سقطت، واستمر الوضع في التدهور".

واعترف الأسد بأن روسيا عرضت عليه بعد ذلك تنظيم عملية إجلاء فورية له. وبحسب زعمه، فإنه "لم يفكر يوماً في الاستقالة أو طلب اللجوء".

 

كفى الله السوريين شر القتال!

نظراً إلى التطورات المتسارعة والانهيار السريع للدفاعات السورية كان من المثير للقلق بصورة خاصة لموسكو أن مسلحي المعارضة لن يتوقفوا عند السيطرة على حلب وحماة. إن السيطرة على حمص ومن بعدها العاصمة دمشق كانت الهدف الرئيس لقوى المعارضة.

وطلبت موسكو من الأسد أن يأمر ما تبقى من قوات موالية له ولأخيه ماهر الأسد، الذي كان قائداً للفرقة الرابعة، بعدم الدخول في مواجهة عسكرية، وهو ما كان اتُّفِقَ عليه مع الجانبين التركي والإيراني.

ووافقت طهران مجبرة، وليس طواعيةً، على هذا الخيار المُر، إذ رأت القيادة الإيرانية أن الدفاعات السورية كانت ضعيفة للغاية، ولا داعي لتجنب إثارة مواجهة من شأنها أن تؤدي إلى مواجهة واسعة النطاق لن تسمح للنظام بالبقاء. ومقابل ذلك طلبت من الكرملين مساعدتها على إجلاء قواتها الموجودة في سوريا عبر قاعدة حميميم الروسية، بعدما كانت موسكو رفضت استخدام هذه القاعدة لوصول تعزيزات إيرانية كبيرة كانت طهران تعتزم إرسالها لدعم الأسد عند انطلاق الهجوم وسقوط حلب.

في هذه المرحلة أصبح من الواضح أن الوضع بدأ يخرج عن سيطرة نظام الأسد، بخاصة مع اقتراب المعارضة من حمص. وفي الوقت نفسه جرى تسريع الاستعدادات للمحادثات الوزارية بصيغة أستانا في الدوحة. وفي هذه المرحلة بالذات كان أول اتصال روسي بالأسد لتقديم ضمانات أمنية له ولأفراد عائلته، وعرض عليه طريقة آمنة للمغادرة إذا وافق على عدم جرِّ البلاد إلى حمامات دم ومعارك خاسرة سلفاً.

ووافق الأسد على هذا الاقتراح بعد ساعات قليلة. وأمر وزير الدفاع الجيش وأجهزة الاستخبارات بعدم "المقاومة". وأمر الضباط والجنود بالبقاء في منازلهم وخلع زيهم العسكري وارتداء ملابس مدنية.

وخلال اللقاء الوزاري في الدوحة عشية سقوط النظام كان التركيز على الدور الذي يمكن أن تلعبه مجموعة أستانا لمساعدة سوريا في الظروف الحالية. وبفضل هذه الإجراءات جُنِّبت سوريا مواجهة عنيفة والانزلاق إلى حرب أهلية واسعة النطاق.

اللجوء لا يعني احتضان الأسد

منحت موسكو حق اللجوء الإنساني للأسد وعائلته مقابل تجنيب سوريا حمامات دم جديدة. فالمهم بالنسبة إلى روسيا هو تجنب اندلاع حرب واسعة النطاق كان من الممكن أن تستمر لفترة طويلة وتدمر ما تبقى من سوريا. وتدرك موسكو جيداً أن معظم السوريين قد يكونون غير راضين عن منح اللجوء للأسد وأفراد عائلته. ومع ذلك يعتقد الكرملين أنهم بمرور الوقت سيفهمون دوافع هذا القرار. علاوة على ذلك فإن منح الأسد حق اللجوء في روسيا لا يعني أن موسكو تحتضنه أو أنه سيبقى في موسكو إلى الأبد.

قرار منح اللجوء للأسد اتخذه بوتين شخصياً، وهو لا يهدف إلى حماية الأسد وتحضيره لدور سياسي مستقبلي، بل هو خطوة نحو هدنة توقف إراقة الدماء في سوريا، وتضع حداً للحرب الأهلية التي اندلعت منذ عام 2011.

وخلال المؤتمر الصحافي المباشر في ديسمبر الماضي قال بوتين إنه لم يلتقِ بعد الأسد منذ وصوله إلى موسكو، لكنه يعتزم القيام بذلك. وذكر بوتين خلال حديثه أنه ينوي لقاء الأسد، لكنه لم يحدد موعداً صريحاً لذلك، لكن مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف قال في وقت لاحق، "بما أنه قال ذلك، فمن المحتمل أن يكون هناك مثل هذا الاجتماع".

جنرالات الأسد تخلوا عنه وليس بوتين

دعمت روسيا رئيس النظام السابق وحاشيته لأكثر من عقد من الزمن، لكن بعد سقوط النظام وفرار الأسد إلى روسيا أصبحت الرواية الرئيسة السائدة في روسيا تتمثل في الفرضية القائلة بأن مسؤولية ما حدث تقع على عاتق جيش النظام وجنرالاته، الذين تخلوا عن الدفاع عن الأسد ونظامه. ومن الطبيعي أن الجيش الروسي لن يقاتل بدلاً عنه، لا سيما أن خسائر القوات الروسية في سوريا بلغت أكثر من 500 جندي. كما أن مسؤولية ذلك تقع على عاتق الأسد شخصياً، إذ تؤكد موسكو أنها دعته مراراً وتكراراً إلى بدء إصلاحات ديمقراطية، لكنه كان متردداً للغاية في تقديم أي تنازلات للمعارضة.

بعد سكون المدافع عام 2020 والتوصل إلى ما يشبه هدنة دائمة، تم بموجبها إجلاء المسلحين إلى منطقة إدلب، استقر الأسد على أمجاده. وكان يعتقد أنه أمسك بزمام الأمور إلى الأبد. لم تكن هناك إصلاحات سياسية ولا تحسن اقتصادي في البلاد. الجيش لم يتعزز ولم يستعد. كان يعتقد بما أن روسيا وإيران أنقذته، فإن كل شيء سيكون على ما يرام، وستستمر عملية إنقاذه ما دام ذلك ضرورياً، لذلك لم تكن هناك حاجة إلى بذل جهد كبير في تعزيز الجيش وقدراته وتسليحه وتحسين أحوال جنوده المعيشية.

لذلك فإن الأسد مسؤول شخصياً عن انهيار جيشه. ومن بين أسباب الهزيمة الساحقة يذكر الهجرة الجماعية والتدهور العام في مستويات المعيشة والفساد الواسع النطاق وانقطاع إمدادات الغذاء للأفراد العسكريين. كل هذا قوض ولاء الجيش للأسد حتى بين العلويين الذين كقاعدة عامة عُيِّنوا في مناصب قيادية.

ونتيجة لذلك تراجع الجنود والضباط فجأة خلال معارك حلب وحماة وحمص تاركين المعدات العسكرية والأسلحة على الطرق. كما أن الجنود في العاصمة السورية كانوا يتخلصون من أسلحتهم ويغيرون ملابسهم.

تدهور الجيش والموقف الروسي

يرى المتخصص في الشأن العسكري البريطاني مايكل كلارك أن الكميات الهائلة من المساعدات العسكرية التي تلقتها السلطات السورية من حلفائها الأجانب وضعت الأسد في موقف التبعية. فقد أهمل أهمية جيشه، مما أدى إلى تدهور مستوى التدريب العسكري بصورة كبيرة، إضافة إلى تراجع الصفات القيادية للضباط. وعندما واجهت وحدات الجيش السوري "هيئة تحرير الشام"، يبدو أن عديداً من الضباط تراجعوا، بل فرَّ بعضهم. وإذا كان الضباط يفرون فليس من المستغرب أن يفعل الجنود الشيء نفسه.

وفقاً للقناة الروسية الأولى فقد كان "التغيير السريع في السلطة مفاجئاً حقاً، لكن من الضروري هنا أن نفهم: ما كان مفاجئاً هو الشلل الكامل لإرادة القيادة والجيش السوري، وليس حقيقة زحف المعارضة المسلحة إلى دمشق نفسها. وبالمناسبة فقد تم تحذير القيادة السورية مسبقاً من أمر مماثل".

المستشرق الموالي للحكومة أندريه أونتيكوف وصف تصرفات الجيش السوري بأنها "في الأساس رحلة سيئة التنظيم"، مشيراً إلى أن "قوات الأسد سلمت النظام لأعدائه، وجنرالات الأسد سلموا البلاد لهم".

أما بالنسبة إلى مشاركة العسكريين الروس في المواجهة الأخيرة في سوريا فقد دعموا دمشق في جهودها، لكنهم لم يكونوا مستعدين للحلول محل الجيش الحكومي. وقال مقدم نشرة إخبارية على قناة "أن تي في"، "روسيا لم تكن تنوي أبداً شن عمليات عسكرية واسعة النطاق لصالح نظام الأسد".

وأشار مراسل قناة "أن تي في" إلى أن "أياً كان اسم الرئيس السوري السابق فمن الجدير بالذكر أنه فعل كل شيء لتجنب إراقة الدماء على نطاق واسع وأعطى تعليمات بنقل السلطة بالطرق السلمية".

وأشار النائب كونستانتين زاتولين في حديثه عبر قناة "روسيا 1" إلى أن بوتين منح اللجوء السياسي للأسد "لأسباب إنسانية"، تماماً كما حدث مع الرئيس الأوكراني الفار فيكتور يانوكوفيتش الذي مُنح اللجوء بسبب "خطر معين" على حياته. 

من جهة أخرى بعدما بدأت المعارضة المسلحة تكثيف هجماتها على النظام السوري، أطلقت القنوات الروسية على فصائل المعارضة صفة "الإرهابيين" أو "مسلحي الجماعة المتطرفة المحظورة"، لكن مع تطور الأحداث وسيطرة المعارضة على مزيد من الأراضي، بدأت وسائل الإعلام الروسية تدريجاً في تغيير تسمياتها، وبدأت تطلق عليهم صفة "المعارضة المسلحة"، وبعد ذلك بدأت بوصف الشرع بأنه "معتدل وبراغماتي".

تحذيرات سابقة

في أغسطس (آب) 2011 أجرى الرئيس الروسي آنذاك ديمتري ميدفيديف مقابلة مع قناة "آر تي" التلفزيونية الروسية، بدا فيها أنه يحذر الأسد من مغبة استخدام القوة ضد شعبه. وقال، "لسوء الحظ، الناس يموتون هناك. وهذا مصدر قلق كبير لنا. لذلك، سواء في التواصل الشخصي معه أو في الرسائل التي أرسلتها إليه، أتَّبع فكرة واحدة: نحن في حاجة ماسة إلى إجراء الإصلاحات وتحمل المعارضة واستعادة السلام المدني وإنشاء دولة حديثة". ونقلت قناة "أن تي في" عن ميدفيديف حينها تأكيده أنه قال للأسد مراراً وتكراراً إن إراقة الدماء غير مقبولة، "إذا لم يتمكن من القيام بذلك، فإن مصيراً حزيناً ينتظره". كما كثر الحديث عن الجهود الدبلوماسية التي تبذلها روسيا على الساحة الدولية، وتحديداً في مجلس الأمن الدولي، تفادياً لـ"السيناريو الليبي"، لكن لم يكن هناك دعم واضح للأسد، إنما دعم واضح ودائم للدولة السورية ووحدة أراضيها واستقلالها وسيادتها.

تدعيم صورة روسيا 

ويعتقد المحللون الروس أن مساعدة رئيس النظام السابق وعائلته كانت خطوة مهمة لتدعيم صورة روسيا التي لا تتخلى عن حلفائها، لذلك سيحظى الأسد بشيخوخة كريمة في روسيا.

وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف لشبكة "أن بي سي نيوز" إن رئيس النظام السوري السابق بخير. وأشار إلى أن موسكو ستواصل دعم الأسد، لافتاً إلى عدم اعتراف بلاده باختصاص المحكمة الجنائية الدولية، لكن يبقى السؤال: لماذا منحت روسيا اللجوء للأسد؟

وقال السيناتور أندريه كليموف في مقابلة مع صحيفة برلمانية إن إجراءات لجوء الأسد تمليها الاعتبارات الإنسانية. وأشار السياسي إلى أنه لو رفضت روسيا تقديم اللجوء فإن الأسد وأفراد عائلته كانوا سيواجهون "أعمالاً انتقامية همجية".

لجأ مضطراً وليس بطلاً

ويعتقد المتخصص في الشأن السياسي يوري ليامين أن الأسد سيحظى بـ"شيخوخة مشرفة" في روسيا. وبحسب معظم المحللين فإن رئيس النظام السابق الذي لجأ إلى روسيا مضطراً وليس بطلاً، لن يشارك بعد الآن في الأنشطة السياسية العامة. وكمثال مشابه استشهد ليامين بمصير الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش الذي يعيش في روسيا منذ عام 2014 من دون أن يكون له أي دور سياسي يذكر.

ووصف البروفيسور المشارك في جامعة موسكو الحكومية أرتيم كوسوروكوف منح الجانب الروسي حق اللجوء للأسد بأنه "خطوة إنسانية وصورية مهمة". ومن خلال الترحيب بالأسد على أراضيها أظهرت موسكو للعالم أنها تحترم الرؤساء الشرعيين، وأنها قادرة على حماية أولئك الذين يحتاجون إلى الدعم والمعرضين للخطر. كما يمكن اعتبار منح اللجوء للأسد دليلاً على امتثال روسيا لالتزاماتها.

لكن الترحيب بالأسد وشروط بقائه لاجئاً في روسيا والدور الذي يمكن أن يلعبه لاحقاً مرتبط بصورة طردية بالمستوى الذي يمكن أن يبلغه الحوار المفتوح على قدم وساق مع حكام دمشق الجدد، بما في ذلك عبر القنوات التركية، وكذلك بمستقبل القوات الروسية التي لا يزال مستقبلها في سوريا معلقاً وغير واضح، مع أن هناك تلميحات في الإعلام وداخل أروقة الكرملين بأن روسيا ترغب في البقاء هناك.

وقال القائد السابق لمجموعة القوات الروسية في سوريا العقيد جنرال أندريه كارتابولوف إن "الحكومة الانتقالية لسوريا الجديدة" ليس لديها أسطول ولا طيران ولا دفاع جوي الآن. لذا فإن قواعدنا، في الأقل خلال المرحلة الأولى، يمكن أن تؤدي هذا الدور. ويجب على هؤلاء الرجال أن يفهموا هذا بوضوح. إذا لم يكن لديكم معدات عسكرية خاصة بكم، تعالوا، وسنساعدكم كما ساعدنا أسلافكم!".

المزيد من تقارير