Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فرص إعادة صياغة النفوذ في الإقليم

بعد عقد من القتال على كل الجبهات السياسية والعسكرية والتنموية هل تحقق الرياض جولة من المكاسب الاستراتيجية باستعادة سوريا ولبنان والعراق؟

شهدت الدبلوماسية السعودية زخماً نادراً على وقع الأزمات المتلاحقة في المنطقة (اكس)

ملخص

لئن كانت السعودية على رأس تلك القوى وهي الأكثر تفاعلاً مع الأزمة الأولى (7 أكتوبر)، باعتبارها معنية بصون الأمن القومي العربي سواء في فلسطين أم سوريا ولبنان والعراق، فإنها اليوم أمام تحد كبير لتثبت قواعد جديدة بالتنسيق مع حلفائها الإقليميين والدوليين الكبار مثل واشنطن وبكين وموسكو، لصالح استقرار المنطقة وأمنها، الضروري لخطتها التنموية ورؤيتها المستقبلية لشرق أوسط جديد، ليس بالضرورة أن يكون نفسه الذي تفضل طهران أو تل أبيب.

فجر "طوفان الأقصى" الذي أطلقته "حماس" ومحورها طوفاناً أوسع نطاقاً في المنطقة، سرى على خلاف ما تهوى قوى عدة، بما فيها تلك التي أطلقته، والإسرائيلية التي تعاملت مع الواقعة باعتبارها فرصة لا تعوض لسحق الوجود الفلسطيني، والإيراني الذي يحاصرها في كل من لبنان وسوريا.

ظنت إسرائيل أنها حققت ما أرادت، لكن لاعبين آخرين في الإقليم وجدوا الفرصة مواتية، فحرفوا الرياح إلى غير وجهة السفن الإسرائيلية، فكان تحرير دمشق من نظام الأسد نقطة تحول قد تعيد صياغة النفوذ في الإقليم إلى غير رجعة، في خطوة سمحت كذلك بانتخاب رئيس جديد في لبنان، تعهد وجيشه تنفيذ بنود اتفاق وقف الحرب، برسم الحدود ونزع سلاح "حزب الله" طبقاً لصيغ الواقع اللبناني المعقد.

قوى عدة رأت في التحولات الكبيرة تلك فرصة للتأثير في إعادة صياغة ملامح النفوذ الآخذة في التشكل طبقاً لمصالحها، ولذلك كان بروز تركيا ودول الخليج وحلفائها متوقعاً، بوصفها الطرف المتضرر من سياسات الصراع التي كان المحور المتراجع يدفع بها.

ولئن كانت السعودية على رأس تلك القوى وهي الأكثر تفاعلاً مع الأزمة الأولى (7 أكتوبر)، باعتبارها معنية بصون الأمن القومي العربي سواء في فلسطين أم سوريا ولبنان والعراق، فإنها اليوم أمام تحد كبير لتثبت قواعد جديدة بالتنسيق مع حلفائها الإقليميين والدوليين الكبار مثل واشنطن وبكين وموسكو، لصالح استقرار المنطقة وأمنها، الضروري لخطتها التنموية ورؤيتها المستقبلية لشرق أوسط جديد، ليس بالضرورة أن يكون نفسه الذي تفضل طهران أو تل أبيب.

فمع انطلاق رؤية السعودية 2030 والتحولات الاستراتيجية في سياساتها الخارجية، تمكنت الرياض من إعادة تشكيل موقعها كلاعب رئيس في الساحة الإقليمية والدولية. واستطاعت توسيع الشراكات الاقتصادية مع القوى العالمية، في سبيل دعم استقرار دول المنطقة، وأثبتت دبلوماسيتها قدرة على إدارة الملفات الشائكة والتأثير في صياغة مستقبل الإقليم.

ويشير مسؤول غربي في هذا الصدد إلى أن "السعودية أظهرت قدرة فريدة على تحقيق التوازن بين القوى الكبرى من دون المساس بمصالحها الأساسية"، ويضيف أن هذه الديناميكية تعكس فهماً متقدماً لدور المملكة كحلقة وصل بين الشرق والغرب.

فعلى رغم الخطوات التي قد يعود لها الزخم نحو التطبيع مع إسرائيل، لم تتخل السعودية عن دعم القضية الفلسطينية كأولوية مركزية في سياستها الخارجية، ففي تصريحات لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان خلال منتدى دافوس 2023 شدد على أن "السلام العادل والشامل لن يتحقق من دون حل القضية الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية".

زمام المبادرة في سوريا

أحد أبرز ملامح زخم الدبلوماسية السعودية هو التحرك تجاه سوريا، التي عانت لعقد من الزمن تداعيات الحرب. من خلال دعم جهود إعادة سوريا للجامعة العربية، ثم سعت إلى تقليص النفوذ الإيراني وإعادة بناء سوريا على أسس وطنية ومستدامة، عندما وضعت ثقلها خلف الإدارة الانتقالية الجديدة في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، وأخذت زمام المبادرة وحشدت لها الدعم الإنساني والتأييد الدولي، كما لو أنها عينت نفسها محامياً عنها في سبيل تحقيق طموحات الشعب السوري.

وأعرب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان عن عزم بلاده في دعم سوريا بشكل نادر، قائلا "لقد عانى إخواننا وأخواتنا في سوريا سنوات من الحروب والدمار والوضع المعيشي الصعب، وآن الأوان أن تستقر سوريا وتنهض وتستفيد مما لديها من مقدرات وأهمها الشعب السوري الشقيق"، وذلك على هامش استقباله وفداً من الإدارة الجديدة في دمشق بقيادة وزير الخارجية أسعد الشيباني، في أول زيارة خارجية للإدارة الانتقالية بعد السيطرة على دمشق 8 ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي.

في حديث للمحلل السياسي السوري يحيى العريضي خلال لقائه مع "اندبندنت عربية"، قال "السعودية اليوم تلعب دوراً محورياً في دفع الحل السياسي في سوريا، وإعادة تأسيس الدولة على أسس قانونية، بعيداً من الاستبداد والفساد". 

في لبنان، حيث تتشابك الأزمات السياسية والاقتصادية، لعبت السعودية دوراً رئيساً في دفع مسار انتخاب رئيس جديد، معتبرة أن هذه الخطوة تمثل مدخلاً أساساً لتحقيق الاستقرار. وقال المحلل السياسي وسام حداد في صحيفة "الشرق الأوسط" إن "المملكة لا تنظر إلى لبنان كدولة معزولة، بل كجزء من مشروع استقرار إقليمي، وهي تربط المساعدات الاقتصادية بإصلاحات جوهرية تعيد بناء الثقة بمؤسسات الدولة"، وهو ما بدأت أول شروط بانتخاب رئيس جديد، جعل الرياض وجهته الخارجية الأولى.

في العراق استثمرت السعودية في مشاريع طاقة وتنمية تسعى إلى تعزيز الترابط الاقتصادي بين بغداد والرياض، هذه الشراكات كانت جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى تقليص نفوذ إيران، وتمكين العراق من استعادة دوره كدولة عربية مستقلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفق تقرير لمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية (CSIS)، فإن السعودية اعتمدت سياسة "التنمية مقابل النفوذ" في العراق، إذ ركزت على دعم مشاريع اقتصادية تخدم الشعب العراقي مباشرة، بدلاً من الاقتصار على الدعم السياسي أو العسكري.

تجسد التحولات في السياسة الخارجية السعودية نقلة نوعية من سياسة رد الفعل إلى التأثير المباشر، فلم تعد مجرد مراقب للأحداث، بل أصبحت فاعلاً رئيساً يصوغ السياسات الإقليمية. ويجمع هذا النهج بين أدوات القوة الناعمة، مثل المساعدات الإنسانية والدبلوماسية الثقافية، وأدوات القوة الصلبة مثل بناء التحالفات الاستراتيجية وممارسة الضغط السياسي.

دور إيران في المعادلة

زخم الدبلوماسية السعودية يعكس رؤية شاملة لتعزيز دورها الإقليمي والدولي، من سوريا إلى لبنان والعراق، ومن القضية الفلسطينية إلى الشراكات الاستراتيجية مع الصين، استطاعت الرياض أن ترسم ملامح نفوذ جديد يعيد تشكيل معادلات القوة في الإقليم، بما يخدم استقراره ويعزز مكانتها كقوة رئيسة.

وضوح المقاربة السعودية في انتهاج التنمية والاستقرار عوضاً عن الصراع للإقليم كله جعلت حتى إيران مرشحة للعب دور إيجابي في المعادلة، إذ بعد صفقة بكين معها في مارس (آذار) 2023 كانت فرص دمجها في الإقليم أكبر، على رغم تشكيك كثير من المراقبين في جدية النظام في تغيير سياساته الثورية التوسعية، حتى بعد سقوط حليفه المركزي في دمشق.

أزمات تلد أخرى

على رغم الفرص المتوقعة في مرحلة تشكل مناطق النفوذ في المنطقة مجدداً، فإن التحديات هي الأخرى عصية، ولا سيما المتعلقة بقضية فلسطين، التي أثبتت تجارب السنين أنها لب الصراع في الإقليم، وكذلك انبعاث أجواء التنظيمات الراديكالية والإسلام السياسي.

ووفقاً لدراسة نشرها المعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية السعودية، فإن "تراكم التحولات والأزمات شكل عبئاً غير مسبوق على صانع القرار السعودي وعلى الإمكانات السعودية، وهذه التحولات يزداد مفعولها يوماً بعد يوم نظراً لتعقيداتها المحلية والإقليمية والدولية"، مما قالت إنه يعني أن "آلية صنع القرار الخارجي السعودي مقبلة أكثر من أي وقت مضى على تحديات كبيرة مصدرها التأزم الإقليم".

جاء ذلك بعد أن عددت الدراسة عدداً من الأزمات التي شهدها الإقليم منذ 1979 إثر قيام نظام إيران، وما أعقبها من حروب الخليج المدمرة، حتى أحداث ما سمى "الربيع العربي" وتدخل إيران في الشؤون الداخلية العربية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل