ملخص
صادقت كل من تونس وليبيا والجزائر على آلية مشتركة لإدارة المياه الجوفية الصحراوية بين الدول الثلاث من أجل التخفيف من وطأة الشح المائي في الدول المعنية.
دفعت أزمة الجفاف وشح المياه حكومات دول شمال أفريقيا، بخاصة تونس والجزائر وليبيا، إلى التفكير في استغلال خزان المياه الجوفية المشتركة بين الدول الثلاث، في ظل ضمور منسوب المصادر التقليدية لمياه الشرب والري في المنطقة.
وصادقت تونس رسمياً على اتفاق إنشاء آلية للتشاور حول المياه المشتركة الصحراوية بعدما أقرته كل من ليبيا والجزائر. وعلى رغم عدم الاتفاق بعد على اسم الآلية فإن مقرها سيكون في الجزائر، وستعمل على إدارة المياه الجوفية المشتركة بين الدول المعنية، تنفيذاً لمخرجات القمة التشاورية الأولى لقادة الدول الثلاث بتونس في الـ22 من أبريل (نيسان) 2024.
على رغم أهميته الإستراتيجية بالنسبة إلى الجزائر التي تستحوذ على 70 في المئة من الخزان الصحراوي للمياه الجوفية والمقدرة بـ60 ألف مليار متر مكعب، تعرض هذا الحوض للاستنزاف طوال العقود الأربعة الأخيرة، وسط مخاوف متزايدة من ارتفاع نسبة ملوحة مياهه.
موارد مائية موازية
واعتبر أستاذ التصرف في الموارد بـ "الجامعة التونسية"، حسين الرحيلي، أن "الاتفاق جاء متأخراً لأن هذا الحوض استُنزف على مدى الأعوام الأخيرة، إذ ضُخ النهر الصناعي في عهد الزعيم الليبي معمر القذافي من موارده، مما أدى إلى ضعف الدرجة الارتوازية في هذا الحوض المائي، كذلك نضبت العيون التي كانت تغذيه، علاوة على ارتفاع درجة ملوحة مياهه، إذ وصلت في بعض المناطق إلى 28 غراماً في الليتر الواحد، كمنطقة قبلي (جنوب تونس)".
ووصف الرحيلي هذا الخزان بكونه "مائدة أحفورية تسمى (القاري الوسيط) الموجودة بين ليبيا والجزائر وتونس على عمق يتجاوز 2000 متر ومساحتها الإجمال نحو مليون كيلومتر مربع، أي ما يعادل مساحة مصر تقريباً، وهي عبارة عن نهر في عمق الصحراء".
وأعرب المختص في الموارد عن اعتقاده بأن "تدهور هذا الخزان دفع الدول الثلاث إلى العمل على الاتفاق ضمن آلية لتبادل المعلومات حول هذا الحوض وتقنين استغلاله وتبادل المعطيات الخاصة بموارده لضمان استدامته خلال الـ30 أو الـ40 عاماً المقبلة، بخاصة في ظل وجود بنية فلاحية شاسعة تعتمد على هذا الحوض في الجزائر وليبيا، بينما ترتبط الواحات التونسية ارتباطاً عضوياً بهذه المائدة".
وقدر الرحيلي أن "تونس ستستفيد من هذا الاتفاق الثلاثي، الذي سيضمن الاستغلال العادل للحوض المائي بين الدول المعنية، لضمان استدامة هذه المائدة الأحفورية للأعوام المقبلة"، مستدركاً أن تونس قد تواجه صعوبة في استغلال نصيبها من مياه هذا الحوض، لأنها مائدة معقدة جداً على مستوى استخراج المياه القابعة تحت عمق 2000 متر، وتتطلب استثمارات كبيرة وطاقة، بينما لا يطرح هذا الإشكال بالنسبة إلى ليبيا والجزائر.
ودعا الدولة التونسية إلى استغلال نصيبها مع التعويل على موارد موازية لحل مشكلة الشح المائي الذي بات يتهدد الفلاحة والتونسيين عموماً، كمعالجة المياه المالحة واستخدامها في الفلاحة وتحلية مياه البحر لاستخدامها في الشرب.
خزان مائي لا يتجدد
في المقابل، أكد أستاذ الجغرافيا الباحث في الأخطار الطبيعية، عامر بحبة، أنه "لا توجد اتفاقات بين تونس والجزائر لضمان التصرف العادل في المياه المشتركة بين الدولتين على غرار الأودية (مجردة وملاق) التي تنبع من الجزائر وتصب في تونس"، معتبراً أن الآلية المشتركة للتصرف في الخزان الصحراوي يجب أن تنسحب على مياه الشمال والحدود الغربية التونسية - الجزائرية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورأى بحبة أن "مشكلة المائدة المائية المشتركة بين الدول الثلاث لا تتجدد وهو ما يعني إهداراً لموارد متوفرة وحرمان الأجيال القادمة منها"، لافتاً إلى أن الجزائر هي أكثر دولة تستغل هذه المائدة المائية بخاصة في الفلاحة التي ازدهرت خلال الأعوام الأخيرة.
وفي تحليله لكيفية تشكيل هذه المائدة، يقول المختص في الجغرافيا، إنها "تكونت منذ آلاف الأعوام، عندما كان المناخ في تلك المنطقة الصحراوية المشتركة بين تونس والجزائر وليبيا شبه مداري ممطر، لذلك تسمى موائد مائية أحفورية لا تتجدد، بسبب ندرة التساقطات المطرية اليوم في الجنوب التونسي، وفي المنطقة الصحراوية المشتركة، حيث بات المناخ صحراوياً جافاً".
تخفيف من وطأة الشح المائي
من جهته، قال أستاذ الجيولوجيا المختص في الموارد المائية والطبيعية في "الجامعة التونسية"، حكيم قبطني، إن "هذه المائدة تعد مورداً إستراتيجياً سيخفف من وطأة الشح المائي في تونس، بخاصة في مناطق الجنوب، في ظل نقص الموارد السطحية وزيادة الضغط على المياه، إلا أنها لن تكون حلاً بديلاً ودائماً، إذ إن الاعتماد المفرط على المياه الجوفية سيؤدي إلى انخفاض منسوبها، وتدهور نوعيتها بسبب الملوحة، كما أن استخراج المياه من طبقات عميقة يتطلب تقنيات مكلفة، وهو ما يشكل عائقاً للاستخدام المستدام".
وأوضح قبطني أن "مخزون هذه المائدة المائية يعتمد على تراكمات مائية قديمة منذ آلاف الأعوام، والاستغلال المفرط سيؤدي إلى نضوب العيون والمياه الجوفية، علاوة على تدهور نوعية المياه"، معتبراً أن "الآلية المشتركة ستكون تحت مظلة مرصد الصحراء والساحل، وستشكل إطاراً قانونياً لتبادل المعلومات بين الدول حول معدلات السحب والاستهلاك، والتزاماً من الدول الثلاثة بتقاسم عادل لهذه الموارد المائية، وتعزيز الشفافية، وتطبيق إستراتيجيات مستدامة للحفاظ عليها للأجيال القادمة".
ونبه إلى أن هذه المائدة باتت الملاذ الوحيد للدول الثلاث لمواجهة أزمة حادة في المياه مستقبلاً، بخاصة أن تقارير أممية أدرجت دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في خانة الدول المهددة بموجة جفاف وأزمات ماء وغذاء بسبب التغيرات المناخية التي يعرفها العالم في الأعوام الأخيرة.
وأدى تراجع هطول الأمطار إلى تراجع لافت في مستويات تخزين المياه على السدود، إذ لا يتجاوز مستوى تعبئة السدود في تونس اليوم الـ20 في المئة من طاقتها الإجمالية وهو ما أثر في الفلاحة، إذ سجلت المحاصيل المعتمدة على الري من الأودية والسدود تراجعاً لافتاً في الأعوام الأخيرة.