ملخص
"هناك جوانب سلبية تتمثل في انتشار الجيش في الطرق وأصوات المدافع والأسلحة الخفيفة، فضلاً عن انتشار عصابات النهب، مما حد من حركة العودة إلى المنطقة التي كانت مستمرة بمعدلات عالية".
تأمين كل المناطق المحررة وتمشيطها وتنظيفها من مخلفات الحرب والمتفجرات والألغام وجمع السلاح من أيدي بعض المواطنين.
بعد نحو أسبوع من سيطرة الجيش السوداني على مناطق عدة بولاية الجزيرة جنوب الخرطوم، بدأ آلاف المواطنين بالعودة إلى المدن والقرى، بعدما تركوها خلال أيام المعارك الأولى، وآخرون قبل أشهر عدة نزحوا إلى الأقاليم ودول الجوار بحثاً عن أمان لا يجدونه في ظل دوي القذائف وطلقات الرصاص وتزايد الانتهاكات، فضلاً عن الظروف المعيشية والافتقار إلى الخدمات الأساسية.
وباتت مناطق ود الحداد والحاج عبدالله والشبارقة، وكذلك الحرقة وأم القرى وتمبول التابعة لولاية الجزيرة، مقصداً لمن أرهقهم النزوح في داخل البلاد وخارجها، حيث بدأت الحياة تنبض في بعض المحليات، لا سيما لناحية وفرة السلع وخدمات الصحة والكهرباء والمياه والاتصالات، في وقت يستعد سكان مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة للعودة إليها بعد تحريرها من قبضة قوات "الدعم السريع"، وشروع هيئة المياه وشركة توزيع الكهرباء في إعادة الخدمات، إلى جانب شبكات الاتصالات.
ويتجاوز عدد سكان ولاية الجزيرة 5 ملايين نسمة يمثلون 13 في المئة من سكان السودان وفق إحصاء عام 2018، وتحتل المرتبة الثانية بعد ولاية الخرطوم من حيث الكثافة السكانية.
عودة وأمل
يقول الريح السيد، أحد سكان قرية الحرقة، "بقيت وأسرتي المكونة من زوجتي وثلاثة أبناء نكابد المعاناة منذ أشهر عدة في مدينة عطبرة وسط ظروف قاسية خصوصاً بعد نفاد المدخرات المالية وتفاقم أزمة المساكن، وكذلك تزايد كلف إيجارات المنازل والشقق التي سجلت أرقاماً غير مسبوقة".
وأضاف، "بعد إعلان الجيش سيطرته على المنطقة والقرى المحيطة بها، وصلنا قرية الحرقة ووجدنا أعداداً كبيرة من الأسر جاءت من مناطق مختلفة من ولايات السودان، وبالفعل بدأت الحياة هادئة في الوقت الحالي، إضافة إلى توفر خدمات الكهرباء والمياه والسلع".
وأوضح السيد، "من الصعب التفكير في مغادرة المنطقة بعد العودة مهما بلغت الظروف لأن الأوضاع ازدادت تعقيداً في كل الاتجاهات، واكتظت الولايات الآمنة بالنازحين، وانتشرت الأمراض الفتاكة، ولم تعد لدينا المقدرة المالية للتنقل إلى أي وجهة أخرى، فكل آمالنا في أن تنعم ولاية الجزيرة بالأمن والاستقرار".
تعاف ومشكلات
في السياق عد ناجي بابكر، وهو مهندس عاد إلى منزله في منطقة ود الحداد بعد فترة نزوح بولاية القضارف قاربت ثمانية أشهر، أن "الوضع أفضل حالاً من مدن عدة في البلاد لناحية توافر المواد الاستهلاكية وانخفاض أسعارها، كما تتوافر الخدمات كافة من مستشفيات وصيدليات ومواصلات، فالحياة شبه عادية، ما عدا بعض المناطق والأحياء التي تتلمس طريقها إلى التعافي ببطء".
وأشار إلى أن "هناك جوانب سلبية تتمثل في انتشار الجيش في الطرق وأصوات المدافع والأسلحة الخفيفة، فضلاً عن انتشار عصابات النهب، مما حد من حركة العودة إلى المنطقة التي كانت مستمرة بمعدلات عالية".
وتابع بابكر، "من المشكلات التي تواجه سكان منطقة ود الحداد، تراكم النفايات في الشوارع وكثرة البعوض ونواقل الأمراض التي تسببت في تفشي الحميات، إلى جانب قيود الحركة التي لا تزال محدودة وتتوقف بعد مغيب الشمس بقليل".
أخطار وأزمات
على الصعيد نفسه، أوضح الناشط المجتمعي مصطفى بخيت الذي يقيم في منطقة الشبارقة أنه "منذ بسط الجيش السوداني سيطرته على أجزاء واسعة من مدن ولاية الجزيرة، بدأ المواطنون العودة إلى القرى واستقروا في منازلهم بعد أرهقهم النزوح، وبالفعل الحياة هادئة في المناطق".
وعد بخيت أن "العودة إلى مدينة ود مدني عاصمة الولاية وبقية مدن الجزيرة محفوفة بالخطر في الوقت الحالي، نظراً إلى وجود مخلفات المعارك والأجسام الغريبة والذخائر غير المنفجرة من مقذوفات المدفعية (الدانات) وبقايا شظايا الرصاص النحاسية وغيرها تشكل خطراً داهماً على حياة المواطنين خصوصاً الأطفال الذين تجذبهم هذه المخلفات إما بسبب حب الاستطلاع أو لحسبانها أغراضاً تصلح للعب، ولكن في الواقع لمسة واحدة قد تحدث انفجاراً هائلاً، وقد تسببت بالفعل في قتل عشرات الأشخاص".
وأضاف، "نعلم أن مواطنين كثراً يعيشون أوضاعاً إنسانية وصحية سيئة للغاية في مراكز إيواء النزوح من دون غذاء ودواء ووسائل تدفئة مع اشتداد البرد، لكن التريث مطلوب حتى تتم عمليات اكتمال تطهير المناطق من المخلفات الحربية وتحرير مدن ومناطق ولاية الجزيرة من عصابات النهب والسلب وتوافر خدمات الكهرباء والمياه والصحة".
تأمين العودة
إلى ذلك شرع عدد من المتطوعين والمغتربين السودانيين في إطلاق مبادرات لمساعدة النازحين في العودة إلى المدن والقرى بولاية الجزيرة من خلال توفير الباصات والسيارات الصغيرة لتأمين سفر المواطنين من الولايات الآمنة إلى إقليم الجزيرة مجاناً.
على صعيد متصل أعلن رئيس لجنة الإسناد والدعم والإعمار بولاية الجزيرة شيخ عبدالمنعم أبوضريرة، عن مبادرة لعودة النازحين من الولايات كافة إلى مدينة ود مدني، وتكفل بتوفير وسائل النقل والمواد الغذائية ومياه الشرب على نفقته الخاصة.
وأشار أبوضريرة إلى أن "هذه المبادرة تأكيد على قيم التضامن والتعاون لأن تحديات هذه المرحلة تحتاج إلى تضافر الجهود والإرادة الإنسانية لمساندة ودعم سكان ولاية الجزيرة خصوصاً في ظل ظروف النزوح والتشرد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
توفير الخدمات
من جانبه قال الأمين العام لمؤتمر الجزيرة المبر محمود، إن "التحدي الأول الآن هو تأمين كل المناطق المحررة وتمشيطها وتنظيفها من مخلفات الحرب والمتفجرات والألغام وجمع السلاح من أيدي بعض المواطنين، فضلاً عن استعادة خدمة الكهرباء والمياه النظيفة والاتصالات كمهمة شاقة تتطلب تضافر كل جهود أبناء الولاية كافة".
ولفت إلى "وجود لجان متخصصة تعنى بمرحلة إعادة الإعمار بعد التدمير الممنهج الذي تعرضت له البنية التحتية الخدماتية والإنتاجية بالولاية من أجل تأمين الخدمات للمواطنين".
وأشار المبر إلى التحدي الكبير المرتبط بإعادة الإعمار المتمثل في أولويات عودة الحياة من الخدمات الأساسية من جديد، بالنظر إلى التخريب والنهب الواسع الذي لحق بقطاع المياه، حيث دمرت الآبار وسرقت جميع ألواح الطاقة الشمسية والمضخات المشغلة لها.
بدورها، أعلنت وزارة الصحة السودانية الترتيب لإرسال فريق من الإدارة العامة للطوارئ ومكافحة الأوبئة إلى ولاية الجزيرة مع قوات الدفاع المدني، إلى جانب تدخلات عاجلة وأخرى طويلة المدى لتوفير كل المعينات للعودة الآمنة للمواطنين إلى الولاية.
وأكد المدير العام للصندوق القومي للتأمين الصحي فاروق نور الدائم، أن العمل مستمر لاستعادة الخدمات الصحية بالولاية وأن الصندوق يعتزم الدفع بإمدادات دوائية عاجلة وإقامة أيام علاجية لمجابهة الطوارئ، إلى جانب نقل مقر التأمين الصحي من مدينة المناقل العاصمة الموقتة إلى العاصمة الأصيلة ود مدني.