ملخص
تؤكد السلطات أن مشروع القانون "يهدف إلى تحقيق قدر أكبر من الشفافية في العمل السياسي، وتعزيز الممارسات الديمقراطية داخل الأحزاب، وضمان إشراك مختلف فئات المجتمع في الحياة السياسية، مع تنظيم أكثر فاعلية للأحزاب بما يضمن استقرار النظام السياسي".
تترقب الساحة السياسية في الجزائر صدور قانون الأحزاب الذي تحمل نسخته الأولية المطروحة للنقاش على مختلف التشكيلات السياسية، كثيراً من النقاط المثيرة للجدل بخاصة التعديلات المتعلقة بحظر التجوال السياسي وتحديد عهدات عضوية الهيئات القيادية، مع حل الحزب في حال عدم تقديمه مرشحين لموعدين انتخابيين متتاليين في الأقل.
مشاورات عميقة
وبدأت الأحزاب السياسية في الجزائر بعقد اجتماعاتها بهدف دراسة وتقييم مشروع قانون الأحزاب وتقديم المقترحات الخاصة به خلال مهلة شهر، نظراً إلى ما يمثله هذا المشروع من أهمية كبيرة، فهو يحدد الإطار العام لنشاط الأحزاب، إذ أُودع مشروع القانون على مستوى المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الثانية للبرلمان) الذي سارع إلى تشكيل لجنة لدراسته.
ودائماً ما يسبق المناقشة في البرلمان إعداد تقرير تمهيدي تشرف عليه لجنة برلمانية متخصصة، يتضمن تعديلاتها على النص قبل عرضه للمناقشة العامة.
وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قد أعلن في أغسطس (آب) 2023، أن قانون الأحزاب السياسية سيُراجع، مشيراً إلى أن الأحزاب "حرة في تسطير برنامجها السياسي الخاص بها، غير أن القاسم المشترك الذي يجب أن يكون حاضراً هو الوحدة الوطنية وبيان أول نوفمبر (تشرين الثاني) الذي يدعو إلى بناء دولة ديمقراطية اجتماعية".
ودعا الرئيس تبون الذي كان يتحدث إلى وسائل إعلام محلية إلى "تجاوز الأساليب البالية" في النشاط الحزبي والتركيز على "العمل الفعال".
وينشط في الجزائر 63 حزباً سياسياً تختلف أيديولوجياتها بين الوطنيين والديمقراطيين والإسلاميين وغيرها من التوجهات، غير أن 14 حزباً فقط تحظى بتمثيل نيابي في المجلس الشعبي الوطني إضافة إلى النواب المستقلين، وفقاً لنتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2021.
وتؤكد السلطات أن مشروع القانون "يهدف إلى تحقيق قدر أكبر من الشفافية في العمل السياسي، وتعزيز الممارسات الديمقراطية داخل الأحزاب، وضمان إشراك مختلف فئات المجتمع في الحياة السياسية، مع تنظيم أكثر فاعلية للأحزاب بما يضمن استقرار النظام السياسي".
إجراءات صادمة
ويتركز النقاش الأكبر حول مشروع قانون الأحزاب، بالنظر إلى تصادمه في كثير من المواد مع ممارسات جزائرية في الحياة السياسية، بخاصة ما يتعلق منها باستمرار القيادات لفترات طويلة. وبات القانون في حال اعتماده يمنع المنتخبين من تغيير انتمائهم الحزبي خلال فترة عهدتهم الانتخابية، وفي حال مخالفة هذا النص، تُشطب العضوية كعقوبة مباشرة.
ويشدد القانون على التداول الديمقراطي داخل الأحزاب، إذ حُددت فترة انتخاب الأجهزة القيادية بخمسة أعوام قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، مع إلزام الأحزاب اعتماد مبدأ الديمقراطية في تسيير هياكلها. كما تُلزم الأحزاب خصخصة نسب محددة لهم في مواقع القيادة داخل هياكل الحزب.
وتضمن المشروع التمهيدي الذي وزعته رئاسة الجمهورية على التشكيلات السياسية وفق نص المادة 21، شطب العضو نهائياً من قوائم الحزب السياسي في حال تغيير انتمائه السياسي، وذلك استلهاماً من الأحكام الدستورية التي تنص على أن كل منتخب يمارس عهدته على مستوى إحدى غرفتي البرلمان، وغير انتماءه السياسي خلال عهدته الانتخابية، يوضع تحت طائلة شطبه من عضوية البرلمان.
ويلزم المشروع التمهيدي اعتماد المبادئ الديمقراطية كأساس لعملية الانتخاب وتداول المسؤوليات داخل الأحزاب السياسية.
ووفق المادة 36، يجب أن تتألف الأحزاب من هياكل وطنية ومحلية تُنتخب وتُجدد ديمقراطياً، بما يضمن حرية الاختيار للأعضاء. وتنص المادة 37 على أن الحزب السياسي يُدار عبر جهازين، تنفيذي ومداولاتي، يُنتخبان لمدة أقصاها خمسة أعوام قابلة للتجديد مرة واحدة فقط.
في ما يتعلق بتأسيس الأحزاب، يقترح المشروع التمهيدي إجراءات جديدة لدراسة طلبات التأسيس والاعتماد، منها إمكان طلب الإدارة وثائق إضافية لاستكمال الملف، أو استبدال أي عضو لا يستوفي الشروط المطلوبة، كما عُدلت نسبة تمثيل الولايات في المؤتمرات التأسيسية، إذ يتطلب القانون أن يكون المؤتمر ممثلاً بنسبة 50 في المئة من عدد الولايات كحد أدنى.
ويدعم المشروع حرية تشكيل التحالفات السياسية بين الأحزاب المعتمدة واندماج حزب سياسي في آخر، بشرط الإبلاغ السابق لوزير الداخلية. وتنص المادة 53 على منع أي ارتباط للحزب مع نقابات أو جمعيات أو تنظيمات غير سياسية. كما تُجيز المادة 54 التعاون مع أحزاب أجنبية شرط عدم تعارضها مع الدستور والقوانين المحلية، على أن يتم ذلك بموافقة سابقة من الوزير المكلف الداخلية وبالتشاور مع وزير الشؤون الخارجية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويسمح المشروع للوزير المكلف الداخلية بتعليق نشاط الحزب وإصدار إنذار لتسوية وضعه خلال 30 يوماً في حال مخالفته قانونه الأساس، وانتهاء ولاية أجهزته، أو وجود نزاعات تعطل نشاطه. يمكن كذلك حل الحزب عبر القضاء إذا خالف أحكام الدستور أو القانون، أو لم يشارك في انتخابات متتالية.
والمادة 88 تتيح اتخاذ تدابير تحفظية عاجلة ضد الحزب عند الضرورة، مع حق الحزب في الطعن أمام القضاء. وتلزم المادة 95 الأحزاب القائمة تكييف أنظمتها الأساس مع القانون الجديد خلال المؤتمر التالي لدخوله حيز التنفيذ، مع مهلة ستة أشهر لتسوية الوضع بالنسبة إلى الأحزاب غير المطابقة، وإلا تعرضت للحل عبر القضاء.
وتجد كثير من الأحزاب نفسها بعد إقرار القانون مجبرة على التكيف مع الضوابط الجديدة وإلا سيكون مصيرها الحل، بعدما دأبت على النأي بنفسها عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية منذ أعوام عدة، ناهيك بأحزاب أخرى لا تملك حتى مقرات لممارسة النشاط.
دعم وترحيب
وبين مرحب ومتحفظ، تباينت مواقف الأحزاب من مسودة مشروع القانون الجديد، فهناك من يراه خطوة لتنظيم وضبط الممارسة السياسية والحزبية، بينما ينتقد آخرون بعض بنوده.
ويقول الأمين العام لـ"حركة النهضة"، محمد ذويبي، إن القانون يأتي ضمن طاقم من القوانين الناظمة للحياة السياسية في الجزائر على غرار قانون البلديات وقانون الإعلام وغيرهما.
وأوضح ذويبي في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن مشروع القانون يتضمن إجراءات جديدة لتأسيس الأحزاب يجب على هذه الأخيرة إدراجها في مؤتمراتها المقبلة والتقيد بها، مشيراً إلى أن إشراك الأحزاب في مناقشة القانون خطوة إيجابية وتعتبر تكريساً للديمقراطية.
وأشار المتحدث إلى أن الممارسة السياسية حق يكفله الدستور، إلا أن الإجراءات القانونية إذا زادت على الحد المعقول قد تعوق ممارسة هذا الحق، مضيفاً أن الغرض من هذه الإجراءات إماطة العقبات الإدارية من طريق تأسيس الأحزاب وممارسة السياسة.
وذكر محمد ذويبي أن الأحزاب حالياً تملك رصيداً من التجارب والممارسة السياسية تجاوز 34 عاماً منذ إقرار التعددية السياسية والحزبية في دستور 1989، وهي تعي جيداً واجباتها وحدود وهوامش تحركاتها.
من جهته، يرى الحاج بلغوثي، القيادي في حزب جبهة المستقبل، أن طرح قانون الأحزاب الجديد للنقاش يندرج ضمن أخلقة الحياة السياسية في البلاد.
ويقول بلغوثي لـ"اندبندنت عربية" إن "أخلقة نشاط الأحزاب والعمل السياسي تقتضي إصلاح آليات إنشاء وتنظيم نشاط الأحزاب السياسية ضمن ضوابط وقوانين شفافة وواضحة".
وأوضح المتحدث أن "جبهة المستقبل" تلقت كبقية التشكيلات السياسية مسودة مشروع القانون، ويعمل الحزب على إثراء المسودة بمقترحات بعد إجراء قراءة متأنية لكل بنودها.
وبخصوص مسألة تحديد العهدات لرئاسة الأحزاب بعهدتين اثنتين فقط، أشار بلغوثي إلى أنها خطوة إيجابية تهدف إلى وضع حد لظاهرة شغل منصب رئاسة الحزب فترة طويلة، مبدياً استغرابه من بقاء بعض رؤساء الأحزاب في مناصبهم طوال 30 عاماً.
تحفظ وتخوف
في المقابل، أبدى رئيس حزب جيل جديد، جيلالي سفيان، تخوفه من أن يؤدي إصلاح قانون الأحزاب إلى تقييد وتقليص هامش الممارسة السياسية في البلاد.
وقال سفيان في تصريح مقتضب خاص إن الإجراءات الجديدة في حال إقرارها، قد تؤدي إلى تحييد عدد كبير من الأحزاب مع بقاء عدد قليل منها في الساحة السياسية ممن تملك الدعم والموارد الكافية للاستمرار.
وأوضح المتحدث أن تحديد العهدات في رئاسة الأحزاب بعهدتين لمدة خمسة أعوام في كل واحدة متصلتين أو منفصلتين من شأنه القضاء على رصيد تجارب وأداء لمناضلي الأحزاب، وحرمان هذه التشكيلات من تراكم الخبرات التي تكتسبها إطارات الحزب.
وكتب سفيان جيلالي على منصة "إكس" أنه "بينما يتجند الجزائريون للدفاع عن وطنهم ضد الهجمات الخارجية، تكشف السلطة عن مسودة قانون تمهيدية تلغي التعددية الحزبية بصورة غير مباشرة. إذا تم اعتمادها ستغلق قوس الديمقراطية".
وتحفظ رئيس "حركة البناء"، عبدالقادر بن قرينة، على الصيغة التي جاء بها مشروع قانون الأحزاب، وقال في تصريحات صحافية إن هذه "الصيغة تتعامل مع الحزب كأنه جهاز إداري تابع لوزارة الداخلية، عوض وسيط اجتماعي بين السلطة وشرائح المجتمع ينقل الحقيقة كما هي".
ولا تستثني الإجراءات الجديدة المطروحة للنقاش الأحزاب الموالية للسلطة على غرار "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي" و"جبهة المستقبل" وأقدم حزب معارض في البلاد "جبهة القوى الاشتراكية"، وهي تشكيلات سياسية لا تحدد قوانينها فترة معينة لاستمرار "الزعيم" في قيادة الحزب.
وخلال الأعوام الأخيرة شهدت الساحة السياسية تعليق نشاط حزبين يُصنفان ضمن أقصى اليسار، وهما حزبا العمال الاشتراكي والحركة الديمقراطية الاجتماعية، وذلك بناءً على اتهامات من وزارة الداخلية بممارسة أنشطة تتعارض مع قانون الأحزاب.