Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لمن الفضل في التوصل لاتفاق غزة ترمب أم بايدن؟

تهديدات الرئيس المنتخب أثمرت لكن جهود الإدارة المنتهية ولايتها لعبت دوراً فاعلاً

إسرائيليون يتظاهرون ضد اتفاق وقف النار في غزة أمام مبنى المحكمة العليا في القدس، الخميس 18 يناير الحالي (أ ف ب)

ملخص

يمكن أن يكون الثناء والفضل مشتركاً بين بايدن وترمب بحسب مدير مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي جوناثان بانيكوف، والذي يرى أن بايدن يستحق الثناء لمواصلة دفعه المحادثات على رغم الإخفاقات المتكررة، لكن تهديدات ترمب لـ"حماس" وجهوده من خلال ويتكوف لإقناع نتنياهو تستحق الثناء أيضاً.

مع مسارعة كل من الرئيس المنتخب دونالد ترمب من جهة، والرئيس الذي أوشكت ولايته الوحيدة على الانتهاء جو بايدن من جهة أخرى، إلى الإعلان عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة ومبادلة الرهائن الإسرائيليين بالمعتقلين الفلسطينيين، وادعاء كل منهما أن الفضل عائد لجهوده في حسم الاتفاق، تتباين الرؤى حول حقيقة من يستحق هذا الفضل، فالرئيس الحالي تبنى الخطة الإسرائيلية في مايو (أيار) الماضي، وعمل فريقه عليها على مدى سبعة أشهر مع زيارات مكوكية مستمرة، بينما يرى الرئيس ترمب وفريقه أنه لولا تهديداته مع اقتراب وصوله إلى البيت الأبيض لم يكن للطرفين أن يرضخا بالموافقة وتقديم تنازلات، فما مبررات كل طرف؟ وهل كانت هناك عوامل أخرى ساعدت في إبرام الاتفاق الذي طال انتظاره؟

هل كانت مزحة؟

كان بايدن سريعاً في رفض أي فكرة تشير إلى أن ترمب يستحق أي إشادة في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل المحتجزين بين إسرائيل و"حماس"، فعندما سأله أحد المراسلين عما إذا كان هو أو ترمب يستحقان الفضل في الاتفاق، قال مستنكراً: "هل هذه مزحة؟".
لكن بايدن الذي كان طوال رئاسته مطارداً من شبح عودة ترمب، بدا حانقاً على ما يبدو من سلفه لأنه سبقه بساعتين في الإعلان عن التوصل إلى الاتفاق عبر منشور بثه عبر منصته "تروث سوشيال"، ذلك أن بايدن كان يسابق الزمن خلال الأسابيع الأخيرة لإتمام الاتفاق قبل أن يؤدي ترمب اليمين القانونية ويتولى السلطة في البيت الأبيض في 20 يناير (كانون الثاني) الجاري، وعندما تم التوصل أخيراً إلى الاتفاق، أنعش ذاكرة الصحافيين بأن هذا الاتفاق هو ما قدمه في مايو (أيار) الماضي، واليوم فقط وافقت "حماس" وإسرائيل عليه لإنهاء الحرب.
ولم يكن مستغرباً أن يقلل مسؤولو إدارة بايدن من أهمية مشاركة مستشار ترمب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف في محادثات اللحظة الأخيرة في الدوحة إلى جانب مستشار بايدن، بريت ماكغورك بصرف النظر عن أهمية ضمان دعمه للصفقة على اعتبار أن إدارة بايدن وليس ترمب فاوضت عليها بشق الأنفس على مدار العام الماضي، وأن وجود ويتكوف هو فقط لدعم الخطة التي دفعت بها منذ البداية، إدارة بايدن من أجل حكم وإعادة إعمار وأمن غزة والتي ستستغرق أشهراً عدة وتحتاج دعماً أميركياً كبيراً للنجاح.


أهمية منطقية

ويفسر المفاوضون في إدارة بايدن ذلك بأنه من المهم لجميع أطراف الصفقة أن تعرف أن الاتفاق حصل على موافقة الرئيس الجديد ترمب، ليس فقط لأن بايدن سيغادر منصبه في غضون أيام قليلة فقط، ولكن أيضاً لأن الولايات المتحدة هي الضامن للاتفاق الذي سيُنفذ على عدة مراحل.
وكان أحد المخاوف بشأن عدم إشراك مسؤولي ترمب في المفاوضات هو أن خطة ما بعد انتهاء الصراع في غزة ربما تتخلى عنها الإدارة الجديدة بعدما أمضى دبلوماسيو بايدن أكثر من عام، وتحملوا رحلات لا حصر لها ذهاباً وإياباً من واشنطن إلى العواصم المختلفة في الشرق الأوسط، لصياغة شروط هذه الصفقة.
وإضافة إلى ذلك، لا يريد بايدن أن ينسى الأميركيون والإسرائيليون الأحداث التي شهدها الشرق الأوسط في الأشهر القليلة الماضية، والتي لعب فيها دوراً مباشراً أو غير مباشر لتغيير الخريطة الجيوسياسية والتحالفات القائمة في الشرق الأوسط مما ساعد في قبول "حماس" ما لم تكن تقبله في الماضي، بينما لم يلعب ترمب أي دور على الإطلاق في هذه العملية.
وتشمل هذه الأحداث استمرار إسرائيل في قصف "حماس" وقتل زعيمها يحيى السنوار، وتدمير "حزب الله" في لبنان وقتل أمينه العام، حسن نصرالله، وقصف أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، مما جعل البنية التحتية الحيوية لإيران عُرضة للتدمير إذا شنت طهران مزيداً من الهجمات على إسرائيل، كما انهار نظام بشار الأسد في سوريا، مما أدى إلى تدمير التحالف الذي أسمته إيران "محور المقاومة" لتنسيق الهجمات على إسرائيل في الشرق الأوسط.

ليست مصادفة

ومع ذلك، قد لا يكون من قبيل المصادفة أن الصفقة التي لا تختلف كثيراً عن الخطة التي طُرحت على الطاولة في مايو الماضي، لم يتم إبرامها إلا قبل تولي ترمب منصبه مباشرة، بخاصة مع تأكيد مسؤولين شاركوا في المفاوضات الأخيرة أن مبعوث ترمب، فعل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في جلسة واحدة أكثر مما فعله الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن طوال عام لإقناعه بالصفقة، الأمر الذي ساعد ماكغورك في سياق تعاوني كامل لدفع المفاوضات إلى نهايتها.
وبينما لم يُعرف بعد ما قاله ويتكوف في الاجتماعات، إلا أن نتنياهو كان أقرب كثيراً إلى ترمب من بايدن أو أي رئيس ديمقراطي آخر، وربما كانت هذه الصفقة بمثابة هدية أو إظهار علامة على ولائه للرئيس القادم بهدف عكس الصورة التي ترسخت في ذهن ترمب، حين قال قبل عدة أشهر إن نتنياهو خذله بالانسحاب من الخطة الأميركية التي نُفذت خلال فترة ولايته الأولى في البيت الأبيض لاغتيال زعيم "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" الإيراني، قاسم سليماني، كما أن ترمب ظل حانقاً لفترة طويلة حين سارع نتنياهو إلى تهنئة بايدن بفوزه بالانتخابات في وقت كان ترمب يقول إنه فاز بها، ولهذا ربما قيل لرئيس الوزراء الإسرائيلي إنه مدين لترمب بمعروف.
ومن المحتمل بدرجة كبيرة أن يكون لدى نتنياهو سبب للاعتقاد بأن ترمب سيسمح له بحرية عمل أكبر في المنطقة مما سمح به بايدن أو كامالا هاريس إذا فازت في الانتخابات، وبالتالي، يمكنه تحمل التنازل قليلاً للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، على أمل أن يرد ترمب الهدية بمكاسب أخرى مستقبلاً، بخاصة وأن اليمين الأميركي متعاضد تماماً مع اليمين الإسرائيلي الذي يقوده نتنياهو منذ سنوات طويلة، وهو ما تعكسه اختيارات ترمب لوزرائه وكبار المسؤولين في إدارته وجميعهم من المؤيدين المعروفين لإسرائيل بمن فيهم المرشح لمنصب السفير الأميركي في إسرائيل مايك هاكابي الذي نفى وجود شعب فلسطيني أو أراض محتلة، قائلاً إنها كلها تنتمي إلى إسرائيل الكبرى.
ولعل نتنياهو لم ينس بعد أن بايدن أجبره على فتح ممرات إنسانية للمدنيين الفلسطينيين في غزة، وحاولت إدارة بايدن على الأقل إقناعه بتقليص الخسائر بين المدنيين. وفرضت عقوبات على أكثر المستوطنين الإسرائيليين وحشية في الضفة الغربية، وأيدت الهدف النهائي المتمثل في إقامة دولة فلسطينية، بينما كان ترمب، حتى قبل أشهر، يحض نتنياهو على إنهاء المهمة بسرعة في غزة، مهما كلف الأمر. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هل أثمرت تهديدات ترمب؟

ربما استنتج قادة "حماس" أيضاً أن إبرام صفقة قبل تولي ترمب منصبه قد يجنبهم المزيد من الدمار بعدما قال إن الجحيم سيحدث في الشرق الأوسط إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، أو توقعوا بدء إدارة ترمب معاقبة كبار مسؤولي الحركة في الخارج أو تقليص حجم المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى القطاع.
ولهذا لم يهدر ترمب أي وقت في التأكيد على أنه كان القوة المحركة وراء الاتفاق، وكتب على وسائل التواصل الاجتماعي أنه أصبح فقط من الممكن أن يحدث اتفاق نتيجة لانتصاره التاريخي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مشيراً إلى أن العالم أجمع أن إدارته ستسعى إلى السلام والتفاوض على الصفقات لضمان سلامة جميع الأميركيين وحلفائهم، وهو ما يؤكد رغبته القديمة المتجددة في السعي من أجل الفوز بجائزة نوبل للسلام من خلال وقف الحروب في الشرق الأوسط وبين روسيا وأوكرانيا مما يجعله مؤهلاً لها خلال دورته الرئاسية الثانية.

إشادة من الخصوم

وفي حين كان من الطبيعي أن يحصد ترمب الكثير من الثناء من الجمهوريين والمحافظين للتوصل لهذا الاتفاق، إلا أن المفاجأة تمثلت في توجيه الثناء من ألد خصومه عداءً له وهم التقدميون المؤيدون للفلسطينيين الذين سارعوا لمنحه الفضل، وقال بعضهم إن ترمب كان قادراً على فعل ما لم يفعله الرئيس جو بايدن في أكثر من عام من المحادثات، وضغط على نتنياهو لسحب القوات العسكرية من قطاع غزة.
وكما قال نائب الرئيس التنفيذي لمركز السياسة الدولية مات دوس، فقد أوضح ترمب أنه يريد إنهاء هذه الحرب وضغط على نتنياهو بطريقة لم يكن بايدن على استعداد للقيام بها بوضوح، معتبراً أن الدعم غير المشروط الذي قدمه بايدن لإسرائيل هو الذي وفر الغطاء لنتنياهو لمواصلة هذه الحرب، ومع ذلك، يتشكك البعض في أن الاتفاق سيؤدي إلى نهاية دائمة للحرب أو أن إسرائيل ستلتزم بشروطه.


انتقاد بايدن

وعلى رغم أن علاقة بايدن مع نتنياهو توترت خلال مسار الحرب بسبب العدد الهائل من القتلى الفلسطينيين والذي بلغ الآن أكثر من 46000 قتيل، وحصار إسرائيل للمنطقة مما أدى إلى كارثة إنسانية في غزة، فإن بايدن الذي احتضن نتنياهو منذ الأسبوع التالي للسابع من أكتوبر 2023، لم يغير السياسة الأميركية، ولم يستجب لدعوة الناشطين المؤيدين للفلسطينيين بفرض حظر على الأسلحة ضد إسرائيل، وأبلغت وزارة الخارجية الكونغرس في الأيام الأخيرة عن خطة لبيع أسلحة بقيمة 8 مليارات دولار لإسرائيل.
كما رفض بايدن فرض قيود ذات مغزى على الكيفية التي ساعدت إسرائيل على تدهور حماس و"حزب الله" بشكل خطير، في وقت ارتفعت معاناة الفلسطينيين واللبنانيين الأبرياء الذين وقعوا في مرمى نيران الحرب الطاحنة التي استمرت 15 شهراً مما قد يأتي بعواقب طويلة الأمد على مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وربما يثبت أنه وصمة عار على إرث بايدن.

الحقيقة الساخرة

ومع ذلك، يمكن أن يكون الثناء والفضل مشتركاً بين بايدن وترمب بحسب مدير مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي جوناثان بانيكوف، الذي يرى أن بايدن يستحق الثناء لمواصلة دفعه المحادثات على رغم الإخفاقات المتكررة، لكن تهديدات ترمب لـ"حماس" وجهوده من خلال ويتكوف لإقناع نتنياهو تستحق الثناء أيضاً.
ويبدو أن الحقيقة الساخرة كما يراها بانيكوف هي أنه في وقت من التعصب الحزبي المتزايد في الولايات المتحدة حتى بشأن السياسة الخارجية، فإن الصفقة تمثل مدى قوة وتأثير السياسة الخارجية الأميركية عندما تكون ثنائية الحزبية لأنه لم يكن من المرجح أن تحدث من دون دفع كل منهما من أجلها.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير