ملخص
تاريخياً ظلت المنطقة جاذبة للقوى الاستعمارية السابقة كالبرتغال وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا والإمبراطورية العثمانية، لما تمثله من أهمية حيوية للقوى العظمى باعتبارها معبراً للمواد والسلع الأولية (خام النفط) واشتراكها مع الجزيرة العربية في رافد البحر الأحمر.
في ظل مسار التحولات التي شهدتها المنطقة على خلفية الحرب في غزة بين إسرائيل وحركة "حماس"، وما أفرزته من نجاحات وإخفاقات، برز شعار "الشرق الأوسط الجديد" في إشارة إلى كونه مساراً مستقبلياً لتغيير ملامح المنطقة وفق مستجدات وسياسات جديدة تأخذ في الحسبان حيثيات الظروف العربية في واقع القضية الفلسطينية، والتأثيرات المترتبة على مقتل قيادات "حماس" و"حزب الله"، وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وتضعضع النفوذ الإيراني في المنطقة.
يقول الباحث في مركز الدراسات العربية الأوراسية (CAES) ديميتري بريجع عن الشرق الأوسط الجديد "في عالم تتلاطم فيه أمواج التغيير والتحول، يبرز مصطلح (الشرق الأوسط الجديد) في وسائل الإعلام الغربية والمنابر الدولية، على نحو متزايد، بخاصة عقب الصراعات الدموية التي شهدتها غزة وغيرها من المناطق". ويضيف، "لا يقتصر هذا المصطلح على توصيف جغرافي أو سياسي فحسب، بل يعكس حقبة جديدة من العلاقات الدولية والنظام الإقليمي الذي يشهد إعادة تشكيل لموازين القوى، وتحالفات جديدة قد تعيد رسم خريطة النفوذ والسلطة في المنطقة". ويوضح، "ظهر هذا المصطلح في ظل توترات متصاعدة، سعياً إلى فهم التداعيات السياسية والاجتماعية للتغيرات التي تموج بها المنطقة، حيث يشمل الشرق الأوسط الجديد الدول التقليدية التي كثيراً ما كانت محور الصراعات، والفاعلين الجدد الذين برزوا كأصوات مؤثرة في الحوار الإقليمي والعالمي".
وفي ما يتعلق بالسياسة الأميركية يشير تقرير جديد صادر عن مؤسسة كارنيغي إلى أن "السياسة الأميركية التي حاولت إقامة شرق أوسط جديد على عهد الرئيس بوش الابن متجاهلة وقائع المنطقة أدت إلى مجموعة نتائج لم تكن في الحسبان".
يبحث التقرير تفاصيل هذه التحولات في مجالات عدة ويدفع بضرورة إعادة النظر في السياسة الأميركية على أسس أكثر وضوحاً وواقعية لتعزيز فرص التحولات الإيجابية والتخفيف من حدة المواجهات، والتخلي عن الوهم القائل بقدرة الولايات المتحدة على إعادة رسم خريطة المنطقة بصورة أحادية وبما يناسب مصالحها هي فقط.
في تقرير الشرق الأوسط الجديد يقول متخصصون مؤسسة كارنيغي، "لا بد للولايات المتحدة من الاعتراف بأن الوقت يكاد ينفد لتطبيق حل الدولتين في فلسطين. وأنه من المستحيل بمكان إحراز أي تقدم إلا بإعادة بناء البيت الفلسطيني، ورأب الصدع بين فتح وحماس، ورفع الحصار عن قطاع غزة، وإيقاف عمليات الاستيطان في الضفة الغربية".
تداخل القرن الأفريقي والشرق الأوسط
يقع القرن الأفريقي على طول الحدود الجنوبية للبحر الأحمر ويمتد مئات الكيلومترات داخل مضيق غواردافوي (مضيق محيطي يقع على طرف القرن الأفريقي) وخليج عدن والمحيط الهندي، ويشترك في حدود بحرية مع شبه الجزيرة العربية في غرب آسيا.
تلتقي آراء حول الوصف الجغرافي للقرن الأفريقي كونه الإقليم الذي يلتقي فيه البحر الأحمر والمحيط الهندي بالقارة الأفريقية، كما أنه المنطقة التي تعد مفترق طرق بين الشرق الأوسط وشرق أفريقيا. ويتمثل في الجزء الممتد على اليابسة الواقع غرب البحر الأحمر وخليج عدن على شكل قرن، ويشمل أربع دول هي الصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا، وتتسع المنطقة أكثر بالنظر إليها من زاوية سياسية واقتصادية لتشمل كينيا والسودان وجنوب السودان وأوغندا.
التعريف المتبع حديثاً لآراء بعض الباحثين يجمع بين الاعتبارات السياسية والاقتصادية، في "كونه يشمل المنطقة الشرقية من أفريقيا التي يتوغلها نهر النيل، ومدخل البحر الأحمر الجنوبي وخليج عدن وباب المندب، وتشمل حسب التعريف 10 دول هي: والسودان وجنوب السودان وبوروندي ورواندا وجيبوتي والصومال وإثيوبيا وتنزانيا وكينيا وإريتريا، وهناك آراء تتوسع بإضافة اليمن ومصر بحكم الإطلالة على البحر الأحمر.
تاريخياً ظلت المنطقة جاذبة للقوى الاستعمارية السابقة كالبرتغال، وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا والإمبراطورية العثمانية، لما تمثله من أهمية حيوية للقوى العظمى باعتبارها معبراً للمواد والسلع الأولية (خام النفط) واشتراكها مع الجزيرة العربية في رافد البحر الأحمر.
عن الموقع والتداخل الجغرافي للقرن الأفريقي بالشرق الأوسط والتأثير المتبادل يقول المتخصص في مجال العلوم السياسية في جامعة أم درمان الإسلامية صلاح الدين عبدالرحمن الدومة إن "موقع القرن الأفريقي يوصف كدوار يقود إلى اتجاهات عدة، من ضمنها إلى قناة السويس والبحر الأبيض المتوسط، وغرب أوروبا، وكذلك جزء من شرق أوروبا عبر ممر مرمرة، ومضيق البوسفور. ويضيف، "بالنسبة إلى مصر والسعودية وإسرائيل فلتلك الدول موانئ على البحر الأحمر، وعليه يمكن تخيل حجم التجارة التي تنشط في هذه الخطوط البحرية، لذا فأهمية القرن الأفريقي تكمن في ذلك، وله دور كبير في استقرار منطقة الشرق الأوسط، وربما من أبرز الأمثلة في الماضي ظهور القرصنة في الشواطئ الصومالية، وحديثاً مشاركة الحوثيين في حرب غزة وتعطيلهم الملاحة العالمية في البحر الأحمر".
تأثير وتأثر
الصحافي الصومالي فرحان حرسي يرى أن "منطقة القرن الأفريقي وإن انفصلت جغرافياً عن الشرق الأوسط، لكنها مرتبطة تأثراً وتأثيراً واتضح ذلك جلياً في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وإعلان الحوثيين منع السفن التي تملكها دول مؤيدة لإسرائيل، وكيف أثر ذلك في التجارة العالمية، وتضررت مصر، حيث انخفضت إيرادات قناة السويس لتحاشي السفن المرور في البحر الأحمر خشية الاستهداف من قبل الحوثيين". ويضيف، "كذلك فإن الخلاف الصومالي الإثيوبي في شأن المنفذ البحري الذي تريده إثيوبيا، فجر حراكاً سياسياً واصطفافاً بين الدول المطلة على البحر الأحمر، حيث نشأت تحالفات صومالية إريترية مصرية، مما أدخل المنطقة في حال اللااستقرار"، مستدركاً "لكن اتفاق أنقرة بين الصومال وإثيوبيا أنهى هذه المرحلة الصعبة من الصراع والتي قاربت العام. كما أن وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيأخذ دوره في وقف استهداف الحوثيين السفن العابرة في ممر باب المندب المهم للتجارة الدولية، فهناك ارتباط حيوي بين المنطقتين".
يقول رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية يس أحمد "يشهد القرن الأفريقي تحولات استراتيجية بسبب التنافس الإقليمي والدولي في ظل ظهور المهددات لأمن البحر الأحمر نتيجة تداعيات الحرب بين إسرائيل و(حماس)، فالمنطقة تتأثر بالمتغيرات التي تطرأ على منطقة الشرق الأوسط. والعكس كذلك في تأثر الشرق بالقرن". ويضيف، "بعد إعلان أنقرة الوساطة التركية التي نجحت في المصالحة بين إثيوبيا والصومال وعليه طبعت العلاقات بين البلدين فإن التحالف الثلاثي بين الصومال وإريتريا ومصر سقطت مبرراته، وانتفت دوافعه الأمنية لمحاصرة إثيوبيا بعدما قررت قيادة جمهورية الصومال الفيدرالية تقديم المصالح الاستراتيجية المشتركة مع إثيوبيا، وتفهم حاجات أديس أبابا لمنفذ بحري على البحر الأحمر، فالتفاهم بينهما يسهم في استقرار الشرق الأوسط، ولذلك وجد دعماً إقليمياً ودولياً لأنه يخدم المصالح المشتركة للقوى الدولية".
البحر الأحمر والمسار الأمني
التطورات الأخيرة على البحر الأحمر في ظل الوجود العسكري الغربي المتنامي، والذي اعترفت فيه الولايات المتحدة أخيراً بحشد 20 دولة لحماية الملاحة ضد صواريخ ومسيرات الحوثيين، تدل على كونه يشكل جزءاً غير منفصل ضمن المسار الأمني لمنطقة الشرق الأوسط الكبير.
تقول أستاذة العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهري أميرة علي أحمد إن "القرن الأفريقي من أكثر المناطق ارتباطاً بالشرق الأوسط لموقعه المميز المطل على البحر الأحمر والمسيطر على أهم المضايق، مثل قناة السويس وباب المندب ولموارده المتنوعة، ولطبيعة دوله، فضلاً عن أنه مدخل للقارة السمراء الغنية بالموارد البكر". وتضيف، "الخلافات بين دول القرن ليست بمعزل عن أهمية المنطقة نفسها، فغالب النزاعات تكون بتحريض خارجي طامع في المنطقة، والتي تمثل جزءاً لا ينفصل في الأهمية الاقتصادية والسياسية عن الشرق الأوسط". وتتابع، "على سبيل المثال فإن المياه العذبة التي تميز منطقه القرن من أبرز الموارد التي يطمع الغرب وإسرائيل في السيطرة عليها وتسعى إلى ذلك بالإيحاء لإثيوبيا بضرورة استخدام المياه كسلعة كغيرها من السلع، وقضية إنشاء وتمويل سد النهضة ليست ببعيدة من إثارة المشكلات والخلافات بين دول المنطقة المتسعة التي تضم القرن الأفريقي والشرق الأوسط".
أما في ما يتعلق بنصيب القرن الأفريقي ضمن الشرق الأوسط الجديد فيقول يس أحمد، "بحكم التنافس الجيوسياسي بين القوى الدولية في الشرق الأوسط فإن نصيب القرن الأفريقي سيكون له دور محوري في تشكيل الشرق الأوسط الجديد، والتأثر من خلال دخول بعض دوله المحورية ومنها إثيوبيا والصومال والسودان في تحالفات دولية وإقليمية لحفظ أمن البحر الأحمر، لتسهم في تأمين التجارة العالمية". ويضيف، "وعليه وضمن خريطة الشرق الأوسط الجديد والقرن الأفريقي المتأثر هناك تفاهمات إقليمية ودولية لحصول إثيوبيا على منفذ بحري على البحر الأحمر للأغراض التجارية والعسكرية لأنها بثقلها السياسي والاقتصادي والعسكري هي أكثر دولة مهمة في دول القرن الأفريقي التي لديها قدرات كبيرة في أن تسهم بحفظ أمن البحر الأحمر جنوباً ولعب دور مهم في تعزيز الأمن والسلم الدوليين".