ملخص
يسعى ترمب إلى إعادة الولايات المتحدة كقوة إمبريالية، مهدداً بضم أراضٍ في ثلاث قارات، من كندا إلى غزة، بينما تقابل تهديداته باللامبالاة، يصعب تحديد جديته أو دوافعه، بين تكتيك تفاوضي أو رغبة جامحة في السلطة والاهتمام. يبقى السؤال: إلى أين سيتجه بعد ذلك؟
أعلن قائد أعتى قوة عسكرية عرفها العالم على الإطلاق عن أنه يعتزم ضم أراضي دول أخرى في ثلاث قارات مختلفة، وليس هناك من يعرف ما إذا كان عليه أن يصدقه أم لا.
بعد مجرد أسابيع من بدء ولايته الثانية قال دونالد ترمب إنه يرغب في جعل كندا الولاية رقم 51، كما هدد بالاستيلاء على غرينلاند، واستعادة ملكية قناة بنما، والسيطرة على غزة.
إن أحد هذه الاقتراحات في الأقل يتطلب تنفيذ تطهير عرقي لما يقارب مليوني نسمة. ومن المرجح أن تنطوي الاقتراحات الأخرى على استخدام للقوة العسكرية بصورة من الصور.
لو أن فلاديمير بوتين قد قال ذلك لكان مجلس الأمن قد اجتمع سلفاً من أجل إدانة الزعيم الروسي والدفع باتجاه قرارات ملزمة، ولكانت طائرات حلف شمال الأطلسي (ناتو) قد انطلقت. والواقع أن موازنة البنتاغون ستتضاعف بين عشية وضحاها إلى جانب سعر سهم شركة "رايثيون" [الأميركية الدفاعية].
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بدلاً من ذلك فقد قوبلت طموحات ترمب الإمبراطورية باللامبالاة، سواء في داخل البلاد أو خارجها.
هناك شيء من أجواء مسلسل "توايلايت زون" (المنطقة الغامضة) Twilight Zone [تميز المسلسل بتقديمه قصصاً سوريالية غريبة، وغالباً مزعجة تتداخل فيها الحدود بين الواقع والخيال] في المأزق الذي يجد العالم نفسه فيه الآن. فثمة ملك مجنون يهدد بالحرب كل يومين ولا يستطيع زعماء العالم إلا أن يضحكوا في سرهم أو يتجاهلونه تماماً.
وللإنصاف من الصعب أن نعرف جدية تهديدات ترمب. فقد بات واضحاً أن المبالغة هي جزء أساس من أسلوب تفاوضه.
إن كتاب "فن الصفقة" The Art of the Deal يغص بنماذج من هذه الحكمة، مثل "إن المفتاح الأخير للطريقة التي أروج بها هو التفاخر. أنا ألعب على خيالات الناس. قد لا يفكر الناس أنفسهم دائماً في أشياء كبيرة، إلا أنهم لا يزالون قادرين على أن يتحمسوا جداً لأولئك الذين يفعلون ذلك. ولهذا السبب فإن قليلاً من المبالغة لا يضر أبداً".
وبدا هذا بالتأكيد ماثلاً من خلال الخطوات الأولى من حربه الاقتصادية التي شنها ضد أقرب جيران أميركا. لقد تراجع بسرعة عن تهديده بفرض رسوم جمركية على كندا والمكسيك بمجرد أن شعر أنه انتزع تنازلات.
وفي اليوم التالي لإعلان ترمب عن إرسال آلاف الجنود الأميركيين بهدف فرض السيطرة على غزة، بدا أن السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض كارولين ليفيت تشير إلى أن الأمر لم يكن أكثر من مجرد حال أخرى من التفكير الابتكاري، ووصفت الاقتراح بأنه "فكرة غير تقليدية"، ولكن لا شك أن ترمب جاد في إعادة تدشين الولايات المتحدة كقوة إمبريالية.
وقال الرئيس الذي كان يتحدث في حفل تنصيبه، إن "الولايات المتحدة ستعتبر نفسها مرة أخرى دولة متنامية، دولة تزيد من ثروتنا، وتوسع من أراضينا".
ومن المؤكد أن لدى الولايات المتحدة تاريخ طويل من المغامرات الإمبريالية في أميركا الجنوبية والشرق الأوسط وآسيا. وقد فعل جورج دبليو بوش أكثر من مجرد الحديث عن الاستيلاء على البلدان.
إن ما يجعل معالم خطة ترمب عصية على التحديد هو أنه لا يبدو أن هناك استراتيجية موحدة وراء رغبته بالاستيلاء على الأراضي باستثناء الاهتمام الذي يبديه مطور عقاري حيال العقارات الباهظة.
قال ترمب إن السيطرة الأميركية على غزة من شأنها أن تساعدها في أن تصبح "ريفييرا الشرق الأوسط"، ووصفها بأنها فرصة عمل مثيرة وليست جريمة حرب.
ولقد كانت جهوده للاستيلاء على غرينلاند خرقاء بالقدر نفسه، ويبدو أنها تعتمد على رضوخ أوروبا لإرادته كما يقوم بذلك عضو جمهوري في الكونغرس في ولاية جمهورية الهوى.
كانت النتيجة الوحيدة لضغوطه على كندا إثارة غضب الدولة الأكثر تهذيباً على هذا الكوكب إلى درجة أن مواطنيها باتوا يطلقون حالياً صيحات الاستهجان عند عزف النشيد الوطني الأميركي.
إن إحدى السمات المشتركة بين جميع المناطق التي يستهدفها هي أنها تنتمي إلى دول أصغر حجماً وأضعف عسكرياً. وعلى عادته فقد امتنع ترمب عن مهاجمة أي طرف قادر على قتاله. كما أنه من غير الواضح من أين اكتسب ترمب تعطشه المفاجئ لمزيد من الأراضي. لقد وصف نفسه لسنوات عدة، بأنه انعزالي مؤمن بشعار "أميركا أولاً"، ووعد في عديد من الحملات "بإنهاء الحروب التي لا نهاية لها"، إلا أنه تخلى عن الحذر ولم يعد يبالي بالنتائج في ولايته الثانية، والتي من المفترض أن تكون الأخيرة، ولكن من يدري.
قيل إن رغبة بوتين المفاجئة في توسيع حدود روسيا من خلال الاستيلاء على أجزاء من أوكرانيا كانت نتيجة العزل أثناء الإغلاق المرتبط بجائحة كورونا والتهامه العشرات من كتب التاريخ. لقد خرج من مخبئه ذاك ليستحضر القيصر الروسي بطرس الأكبر في القرن الـ18، وهو يشعر برغبة ملحة في استعادة الأمجاد السابقة.
لا يعرف عن ترمب أنه قارئ نهم، أو حتى أنه قارئ أصلاً، فمن أين استمد إلهامه أثناء سنوات إبعاده من واشنطن؟
لقد كان معجباً دوماً بالرجال الأقوياء والطغاة، وكثيراً ما تساءل بصوتٍ عالٍ لماذا لا يستطيع أن يقوم بالألعاب الإمبريالية نفسها التي يلعبها بوتين وأمثاله. هل يمكن أن يكون ذلك لأنه شعر بالحسد من الزعيم الروسي عندما استولى على أراضٍ أوكرانية؟
هناك تفسير آخر أبسط.
كثيراً ما حقق الرئيس نجاحات عندما كان في دائرة الاهتمام، وهو يعلم أنه يحتاج إلى رفع سقف التوقعات باستمرار للحفاظ على هذا الاهتمام. ومن المؤكد أن ثمة احتمال بأن يكون المدمن على إثارة الجدل قد طور مناعة بعد كل هذه السنوات، وهو يجهد للوصول إلى قمة مستويات ولايته الأولى بجرعات متزايدة من السم. وهذا يبقي احتمالاً مرعباً وهو أنه إذا كان قد هدد بالفعل بحروب عدة في أول أسبوعين له في منصبه، فإلى أين يتجه دونالد ترمب من هنا للحصول على جرعته التالية؟
© The Independent