Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أسرى الحرب: العراق يصف حكام إيران بـ"ثعابين الشرق" (2ـ2)

وثائق تتناول جهود الأمم المتحدة للتقريب بين بغداد وطهران والإفراج عن الجنود

التوترات بين نظامي صدام حسين والخميني ألقت بظلالها على قضية الأسرى (اندنبدنت عربية)

ملخص

تكشف "اندبندنت عربية" عن جهود الأمم المتحدة لدعم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في معالجة قضية الأسرى، ومبادرة رئيس مجلس الأمن بدعوة السفيرين العراقي والإيراني كل على حدة وسط قلق إزاء الجمود في ملف الأسرى.

في الجزء الأول استعرضنا مراسلات بريطانية سرية تتعلق بأسرى حرب الخليج الأولى (1980 - 1988)، وفي هذا الجزء الثاني والأخير نتناول تدهور العلاقات بين طهران وبغداد وتداعيات قرارات مجلس الأمن بعد غزو العراق للكويت عام 1990، وتأثيرها المباشر في قدرات العراق وتآكل نظامه السياسي.

 شجّع الضعف العراقي إيران على الزج بجيش من الأسرى العراقيين الذين أطلقت عليهم اسم "التائبين" بعدما أخرجتهم من معسكرات الأسر، وأخضعتهم لبرامج فكرية طائفية متطرفة قبل إلحاقهم بما يسمى "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق" وجناحه العسكري "فيلق بدر" الذي دخل العراق عام 2003.

جهود مجلس الأمن في ملف الأسرى

تناولت برقية صادرة عن البعثة الدبلوماسية البريطانية في نيويورك بتاريخ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1994 جهود مجلس الأمن لدعم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في معالجة قضية الأسرى، وقد أُرسلت البرقية إلى وزارة الخارجية البريطانية متضمنة ملخصاً للاجتماعات والمشاورات التي أجراها رئيس المجلس مع ممثلي البلدين في محاولة لحثهما على التعاون في هذا الملف الإنساني.

وأفادت البرقية بأن رئيس مجلس الأمن قرر استدعاء الممثلين الدائمين لكل من إيران والعراق لتأكيد أهمية تعاون حكومتيهما مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، كما أشارت إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة ناقش هذه القضية سابقاً مع وزير الخارجية الإيراني علي أكبر ولايتي ونائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز.

وفي الـ 10 من أكتوبر عام 1994 بادر رئيس مجلس الأمن بدعوة السفيرين العراقي والإيراني كل على حدة، وخلال الاجتماعين أعرب أعضاء المجلس عن قلقهم إزاء الجمود في ملف الأسرى، مشدداً على ضرورة الامتثال لـ "اتفاقات جنيف" وقرار مجلس الأمن رقم (598)، وأوضح أن موقف المجلس محايد لكنه يحث الطرفين على اتخاذ خطوات عملية لإنهاء الأزمة الإنسانية.

 

وخلال الاجتماع أوضح السفير العراقي نزار حمدون أن حكومة بلاده تبدي قلقاً بالغاً إزاء استمرار احتجاز آلاف الأسرى العراقيين في إيران، وأكد أن العراق حاول مراراً دفع طهران للتعاون إلا أن جهوده لم تحقق تقدماً ملموساً، كما أشار إلى أن عدد الأسرى العراقيين المحتجزين في إيران يتجاوز 20 ألف أسير.

وعلى الجانب الآخر أكد السفير الإيراني كمال خرازي أن ملف الأسرى يمثل أولوية قصوى لإيران، ليس فقط كمسألة إنسانية، بل أيضاً كعقبة أمام تحسين العلاقات الثنائية مع العراق، وأعرب عن استعداد طهران للتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر شرط وضع خطة عادلة.

كما أشار خرازي إلى أن إيران لم تتلق أية معلومات دقيقة عن مفقوديها في العراق على رغم أن بغداد أعلنت سابقاً احتجاز 19 ألف أسير إيراني، لكنها أطلقت أكثر من 39 ألفاً في نهاية الحرب، وبحسب الإحصاءات الإيرانية فإن نحو 34 ألف إيراني لا يزالون في عداد المفقودين، وقد أُرسلت أسماؤهم إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر في محاولة لدفع العراق إلى تقديم توضيحات في شأن مصيرهم، وأوضح أن طهران تعترف بأن بعض هؤلاء المفقودين قد يكونون لقوا حتفهم لكنها تطالب بأدلة رسمية لتقديمها إلى عائلاتهم.

وفي ختام المناقشات أشار رئيس المجلس إلى أن "اتفاقيات جنيف" وعلى رغم أنها قد تبدو غير منصفة في بعض الحالات، لا تجيز ربط إطلاق أسرى الحرب من طرف بالإفراج المتبادل من الطرف الآخر، واتفق السفيران حمدون وخرازي على نقل وجهة نظر المجلس إلى حكومتيهما.

إيران تشن هجوماً صاروخياً على العراق

تكشف برقية سرية من السفارة البريطانية في طهران إلى وزارة الخارجية في السابع من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1994 عن اشتباك عسكري وقع بين حرس الحدود الإيراني وأربعة عناصر من "مجاهدي خلق" المعارضة، وتزعم إيران أن المجموعة كانت تخطط لتخريب منشآت نفطية في منطقة موسيان الواقعة شمال غربي الأحواز، مما أسفر عن مقتل اثنين من عناصر المنظمة وإصابة اثنين آخرين.

ورداً على ذلك شنت طهران هجوماً صاروخياً على معسكر لـ "مجاهدي خلق" في منطقة أبو غريب داخل الأراضي العراقية، ومع أن إيران بررت الهجوم بأنه عقاب للمنظمة فإن الوثائق البريطانية تشير إلى أن ملاحقة "مجاهدي خلق" تعد مسألة منفصلة، فيما يبقى السبب الحقيقي وراء الهجوم على الأراضي العراقية غير واضح.

وبحسب الرواية الإيرانية فقد وقع الاشتباك في السادس من نوفمبر عندما حاول عناصر من "مجاهدي خلق" التسلل إلى إيران لاستهداف منشآت نفطية، وفي أعقاب ذلك أفادت تقارير إيرانية بأن قواتها هاجمت مركزاً عملياتياً للمنظمة قرب أبو غريب على بعد 30 كيلومتراً من بغداد، كما سُمعت أربعة انفجارات في الأقل داخل "معسكر أشرف" الذي يُعد مقراً رئيساً لـ "مجاهدي خلق" في وقت باكر من يوم السادس من نوفمبر، وعلى رغم أن هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أكدت وقوع هجوم صاروخي على أشرف، فإن إيران لم تصدر أي تصريح رسمي حول طبيعة الهجوم حتى ذلك الوقت.

إيران تستغل الضعف العراقي

في وقت كانت الطائرات الحربية الغربية تحلق داخل الأجواء العراقية، شنت القوات الجوية الإيرانية هجوماً على قواعد عراقية مما أدى إلى تصعيد التوتر بين البلدين، وتوعد العراق بالرد على هذا الهجوم الصاروخي، وسط حملة إعلامية شرسة من الصحافة الرسمية في بغداد.

وفي الثامن من نوفمبر عام 1994، صعّدت صحيفة الجمهورية الحكومية هجومها على إيران ووصفت حكامها بـ "ثعابين الشرق"، متهمة واشنطن بالتواطؤ مع طهران لزعزعة استقرار المنطقة، معتبرة أن الولايات المتحدة بينما توجه تركيزها إلى قوة العراق العسكرية تحرم بغداد من وسائل الدفاع عن نفسها، كما انتقدت الصحيفة قرار مفتشي الأمم المتحدة بإلغاء الصواريخ العراقية بعيدة المدى مما جعل العراق عاجزاً عن توجيه ضربات عميقة داخل إيران.

ويعود التوتر بين البلدين إلى أغسطس (آب) عام 1990 حينما أعلنت بغداد استعدادها لإطلاق جميع أسرى الحرب الإيرانيين كبادرة حسن نية بعد أسبوعين فقط من غزو العراق للكويت، غير أن طهران التي رأت في الغزو العراقي للكويت سقوطاً وشيكاً لنظام بغداد رحبت بالمبادرة ظاهرياً لكنها لم تلتزم بالمثل.

واستغلت طهران انهيار العراق العسكري وتراجع نفوذه الإقليمي والدولي فصعدت هجماتها الصاروخية والجوية على أراضيه، وبالتوازي مع ذلك بدأت في تشكيل جيش من الأسرى العراقيين ليكون أداة رئيسة في مخططها المستقبلي للسيطرة على الدولة العراقية في حال سقوط النظام في بغداد، وتحقق حلمها عام 2003 بعد الغزو الأميركي للعراق.

المزيد من وثائق