Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تطوير "وسط القاهرة" يعيد سجال الاستثمار والتراث

تضم نحو 500 مبنى تراثي والحكومة كلفت مكتباً استشارياً لوضع رؤية التحديث وهذه هي تخوفات المتخصصين

يجمع المتخصصون على أهمية تطوير منطقة وسط القاهرة التاريخية ولكن (أ ف ب)

ملخص

بينما يرى بعض المتخصصين في الشأن الأثري والمعماري أن تطوير منطقة "القاهرة الخديوية" يتطلب رؤية شاملة لا أطروحات جزئية، مع تخوفات من إعادة تكرار سيناريو هدم الجبانات التراثية والقضاء على القيمة التراثية والتاريخية لتلك المباني، يؤكد آخرون أن الاستثمار والتطوير حالياً "ضرورة حتمية" ولا غنى عنه من أجل جذب مزيد من العوائد السياحية وحسن استغلالها، والاستفادة من إقامة منشآت فندقية بها.

أحدثت تصريحات رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار في شأن تطوير منطقة وسط القاهرة، المعروفة شعبياً بـ"وسط البلد" وتحويلها إلى ما يشبه "داون تاون دبي"، ضجة واسعة في الرأي العام المصري وجدلاً بين المتخصصين، وفتحت الباب أمام عدد من التساؤلات حول مصير مخططات التطوير التي أعلنتها الحكومة المصرية من قبل في شأن تطوير منطقة "القاهرة الخديوية"؟ وكيف ستفض الاشتباك الدائر بين حتمية الاستثمار والحفاظ على قيمة التراث والتاريخ؟ وهل ستتجنب تكرار واستنساخ سيناريو هدم منطقة الجبانات التراثية مثلما حدث من قبل؟

وقبل أيام، أعلن العبار مؤسس إحدى الشركات العقارية الكبرى في تصريحات صحافية أن "الحديث مستمر مع الحكومة للمساهمة في تطوير مباني وسط القاهرة، لكنها لم تتسلم بعد المباني من الوزارات، وأتوقع طرح الحكومة عطاءات على الشركات العقارية المحلية والعالمية، وستكون ’إعمار‘ أول المتقدمين، لأنني مؤمن بقوة المدن وقوة القاهرة".، مردفاً "إذا كان مشروع ’داون تاون دبي‘ يستقطب 120 مليون زائر سنوياً، فإن هذا المشروع في القاهرة قد يستقطب نصف سكان الكرة الأرضية".

وعقب رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي على تصريحات المستثمر الإماراتي خلال انعقاد مؤتمر صحافي قبل أيام، قائلاً "إن هذا كان جزءاً من الموضوعات التي جرت مناقشتها مع اللجنة الخاصة بتصدير العقار، ولدينا اهتمام شديد جداً بمناطق الساحل الشمالي ومناطق ساحل البحر الأحمر ومنطقة وسط البلد".

وأشار مدبولي إلى أن هناك بالفعل "تكليفاً" لمكتب استشاري لوضع الرؤية الكاملة لتطوير منطقة وسط البلد، مشدداً على أن الصندوق السيادي لمصر هو الذي أصبح مالكاً لهذه العقارات والأصول اليوم، وهناك عدد من الكيانات الاستثمارية سواء المحلية أو الدولية أبدت اهتماماً شديداً لمشاركة الدولة في تنمية هذه المنطقة.

وبينما يرى بعض المتخصصين في الشأن الأثري والمعماري أن تطوير منطقة "القاهرة الخديوية" يتطلب رؤية شاملة لا أطروحات جزئية، مع تخوفات من إعادة تكرار سيناريو هدم الجبانات التراثية والقضاء على القيمة التراثية والتاريخية لتلك المباني، يؤكد آخرون أن الاستثمار والتطوير حالياً "ضرورة حتمية" ولا غنى عنه من أجل جذب مزيد من العوائد السياحية وحسن استغلالها، والاستفادة من إقامة منشآت فندقية بها.

لا تصلح للاستثمار التجاري

"منطقة وسط البلد في حاجة إلى رؤية شاملة للتطوير، لا مجرد رؤى وأطروحات جزئية"، هكذا يعقب المتخصص التراثي الدكتور خالد عزب على الجدل المثار في شأن تطوير منطقة "القاهرة الخديوية". موضحاً "من حق رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار أن يطرح رؤيته وتصوره كونه يمتلك خبرات واسعة في مجال التطوير العقاري، لكن ينبغي على الحكومة المصرية التنبه إلى عدم تكرار نفس الأخطاء السابقة والتعلم من دروس الماضي"، مشيراً إلى أن التصور المقترح "يمكن اعتباره إيجابياً وليس سلبياً، كونه أتاح الفرصة لحدوث حوار مجتمعي موسع حول مستقبل ’وسط البلد‘، لذلك لا ينبغي أن ننساق وراء الهجوم على شخص لمجرد طرح رؤيته وأفكاره".

وفي تقدير عزب، مؤلف كتاب "القاهرة الذاكرة الفوتوغرافية" الذي يؤرخ لمكانة تلك المنطقة بمجموعة من الصور، فإن هناك بعض النقاط التي يجب وضعها في الاعتبار أثناء الحديث عن تطوير تلك المنطقة التاريخية، أبرزها "بعض المناطق بوسط البلد لا تصلح للاستثمار التجاري، لكن تصلح أن تكون أماكن للأنشطة الثقافية والتراثية ومتاحف، مثل قصر الأمير سعيد حليم في شارع شامبليون، ومبنى المواصلات في شارع رمسيس وأيضاً وزارة الإنتاج الحربي، فضلاً عن أن هناك بعض الأماكن تصلح أن تقام بجوارها فنادق وأخرى لا".

 

ويضيف المتخصص التراثي لـ"اندبندنت عربية"، "النسق المعماري لتلك المنطقة يعتمد على بناء فنادق الـ3 نجوم ولا يصلح معها إقامة فنادق الـ5 نجوم، كون هناك مطاعم وكافيهات ومقاهٍ تقدم الطابع المصري الشعبي ويجب الترويج لها بنفس تلك الهيئة"، مردفاً "السائح الأجنبي حينما يأتي لمنطقة وسط البلد فهو يرغب في تجربة عيش الحياة بطبيعتها، كما يعيشها المواطن المصري نفسه".

ووفق عزب، فإن مخطط التطوير يجب أن يشمل إقامة مركز تاريخي وتوثيقي لتلك المنطقة للتعريف بأهميتها وقيمتها وتحفيز الحوار الدائر حالياً بين العمارة الإسلامية والأوروبية، مشيراً إلى أن بناء أي منشأ حديث لا بد أن يرتبط بالسياق المعماري لتلك المنطقة، ولا يخرج عنه".

وبحسب عزب، فإن منطقة وسط البلد عرفت قديماً بـ"مدينة الإسماعيلية" نسبة إلى الخديوي إسماعيل، إذ تبدأ من ميدان العتبة إلى بولاق أبو العلا، ومن القصر العيني الفرنساوي إلى روض الفرج، ومن ساحل النيل إلى منطقة السكاكيني.

مخاوف من سيناريو الجبانات

في السياق ذاته، يبدي ‏أستاذ كرسي تخطيط المدن وتاريخ العمران بجامعة كاليفورنيا بركلي الدكتور نزار الصياد تحفظاته وتخوفاته من التصور المقترح، قائلاً "الخطورة تكمن في الغموض المحيط بما تنوي الحكومة المصرية أن تفعله بهذه المنطقة المهمة، قد نجد أنفسنا أمام وضع يشبه ما حدث في منطقة الجبانات التراثية، وما ألم بها من تدمير تحت شعار التطوير، لذلك يجب التروي في الرد وإن كان الرد يلزم أن يكون حاسماً".

وشهدت مصر خلال الآونة الماضية موجة غضب واسعة إثر تحركات الحكومة المصرية لهدم بعض المقابر التراثية والتاريخية عبر عنها أصحاب تلك المقابر، ودعمتها بعض الأقلام والكتابات الصحافية معربة عن رفض هدم المقابر التاريخية ونقل رفات الموتى والبحث عن بدائل أخرى يمكن من خلالها الاستفادة بتلك المنطقة كمزار سياحي.

ويتعجب الصياد خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية" من تصريح رئيس الوزراء حول إسناد دراسة "تطوير" منطقة وسط البلد إلى "مكتب استشاري غير مسمى"، متسائلاً "لماذا لم تلجأ الحكومة المصرية إلى المراكز البحثية، مثل المعهد العربي لإنماء المدن الذي درس كثيراً من هذه المشاريع الأوروبية، قبل إصدار توجيه بتكليف مباشر لمكتب استشاري "غير معروف الهوية"، أو أن تطرح الحكومة مسابقة عالمية لإعطاء فرصة للمصريين المتخصصين إلى جانب مكاتب استشارية أخرى، لطرح حلول تعطى الحكومة فرصة الاختيار بدلاً من الموافقة على مشروع واحد؟".

 

وأعلن رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي في تصريحات صحافية منذ أيام، عن تكليف مكتب استشاري لكي يضع الرؤية الكاملة لتطوير منطقة وسط البلد وطرح المنشآت الموجودة في المنطقة التابعة للدولة داخل وسط البلد بعد نقل منشآتها إلى العاصمة الإدارية، مشيراً إلى وجود عدد من الكيانات الاستثمارية سواء الدولية أو المحلية أبدت اهتماماً شديداً لتشارك الدولة في تنمية منطقة وسط البلد.

ويدلل الصياد على رؤيته بأن وضع القاهرة يختلف تماماً عن مدن أخرى، إذ لم تدمر في حربليأتي مطور عقاري يعيد بناءها بطريقة حداثية"، بحسب تعبيره. ونوه بأن هناك أمثلة أكثر مناسبة لهذا النوع من التنمية الحضرية "مثلما حدث في لندن وباريس خلال خمسينيات القرن الماضي، التي يمكن أن يحتذى بها لتنمية منطقة وسط البلد".

وأرجع المتخصص العمراني التدني الحقيقي الذي حدث لقاهرة وسط البلد إلى مجموعة عوامل تاريخية من بينها التأميم في خمسينيات القرن الماضي، الذي أعطى معظم عمارات هذه المنطقة لشركات التأمين التي جرى تأجيرها حسب قانون الإيجار القديم وأدى لتدهور كثير منها، علاوة على استيلاء الصندوق السيادي على عمارات شركات التأمين وطرحها للاستثمار وتفريغ العمارات الخديوية من سكانها وشاغليها، لكن استطاعت شركة الإسماعيلية التي تتعاون مع الحكومة أن تنجز بعض المشاريع باستخدام هذا النمط، وهو نمط في الأقل سيحافظ على تراث هذه المنطقة المهمة، منوهاً بأن تلك المنطقة محصورة في نوعية الاستعمالات التي نشأت خلال الـ50 عاماً السابقة التي أدت إلى خلل في عدم توافقها مع مكانها، مطالباً بضرورة التركيز على إعادة صيانة هذه المباني التي طالها الإهمال عدة عقود مع خلق فرص ‏واستعمالات جديدة تتماشى مع خطة تنمية اقتصادية لهذه المنطقة، بما يتناسب مع موقعها.

لجان للتقييم

يتوافق عميد كلية التخطيط العمراني السابق بجامعة القاهرة الدكتور عباس الزعفراني مع الطرح السابق، واصفاً العرض المقترح بـ"المخيف والمرعب"، معرباً عن خشيته من تكرار سيناريو هدم الجبانات التراثية وتغيير النسيج العمراني لإقامة كبار ومشروعات وعدم الالتزام بالاشتراطات البنائية التي أقرها جهاز التنسيق الحضاري، والمعتمدة من المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية التابع لمجلس الوزراء. وشدد على ضرورة أن تدرك الحكومة "قيمة وأهمية تلك المنطقة والمباني التراثية التي تحويها، كونها تجمع عدداً من الطبقات التراثية وجرى بناؤها قديماً على النسق الأوروبي بطلب من الخديوي إسماعيل آنذاك"، مردفاً "ليس مقبولاً إزالة مبان تراثية لبناء أبراج سكنية".

ويرى الزعفراني أن الحل الأمثل لإنهاء الجدل الراهن يكمن في "إنشاء لجان لتقييم هذا الأمر وعرض التصور على الخبراء والمتخصصين في هذا الشأن، أو عمل طرح دولي ويجري فرز العروض المقدمة لاختيار الأنسب من بينها، مع ضرورة الالتزام بالاشتراطات المحددة في البناء والشكل والارتفاعات وعدم المساس بالمباني الأثرية المسجلة أثناء أي تطوير في المستقبل، مثلما حدث في مشروع ’سوليدير‘ بلبنان في عهد رفيق الحريري الذي حافظ على قيمة المنطقة التاريخية، وأيضاً ما حدث في برشلونة أثناء الدورة الأوليمبية عام 1990 واستطاعت من خلال السياحة تعويض ما جرى إنفاقه عليها".

وعلى رغم قلق الزعفراني من التوغل الاستثماري في منطقة وسط البلد، فإنه أبدى تأييده لما قامت به الحكومة من خطة نقل الوزارات داخل تلك المنطقة إلى العاصمة الإدارية الجديدة، كونها ستحافظ على مكانتها التاريخية وترفع عبء الوظيفة الإدارية عنها وتستعيد مكانتها التراثية من جديد.

 

المخاوف ذاتها عبر عنها المؤرخ وعميد كلية الآثار السابق بجامعة القاهرة الدكتور محمد حمزة، إذ يقول "منطقة وسط البلد لها قيمتها التراثية فعمرها يزيد على 150 عاماً، وبها مجموعة من الطرز المعمارية لا تجتمع في مكان واحد إلا في القاهرة، وبها 476 مبنى أثرياً مسجلاً طبقاً للقانون 144 لعام 2006 كطراز معماري متميز، ولا يجوز على الإطلاق مقارنتها بمدن حديثة الإنشاء".

ويطالب المؤرخ والخبير الأثري خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية" بضرورة تسجيل مباني الوزارات التي جرى نقلها أخيراً ضمن الآثار، لاستعادة سياحة القصور الملكية مثلما كانت موجودة قديماً، مردفاً "نحن نتعامل مع تراث دولة وليس تراث حكومة، وعندما يتعارض الاستثمار مع القيمة التراثية فلا بد أن ننحاز إلى التاريخ، لأنه لا ينبغي المساس بأي مبنى تراثي".

ووجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال يناير (كانون الثاني) 2024 بمواصلة الدراسة العلمية للرؤى والخطط المطروحة لتطوير القاهرة التاريخية، مشدداً على أن الهدف الأول هو الحفاظ على القيمة التراثية الأصيلة للمدينة التاريخية، مع تيسير حياة المواطنين ونفاذهم إلى المرافق والخدمات وزيادة المساحات الخضراء، فضلاً عن ربط المزارات الأثرية والسياحية في إطار خطط تعزيز السياحة المحلية والأجنبية.

ويشدد عميد كلية الآثار السابق على ضرورة أن يكون هناك رؤية علمية ودراسة مستفيضة وإعداد مخطط تسويق سياحي، والاستعانة بالخبراء والمتخصصين في هذا المجال قبل اتخاذ قرار نهائي في تلك القضية التي تهم الرأي العام برمته.

وكلف رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي خلال يناير الماضي بدراسة المقترحات والأطروحات الخاصة بإعداد رؤية متكاملة تتضمن تكليف "كيان" متخصص لإدارة وتشغيل القاهرة الخديوية، والاستغلال الأمثل لها بعد إعادة إحيائها استناداً إلى تجارب الدول التي قامت بإحياء المناطق التاريخية.

مقارنة ليست عادلة

وتطرح نائب رئيس جهاز التنسيق الحضاري السابق ومؤلفة موسوعة "القاهرة الخديوية" الدكتورة سهير زكى حواس تساؤلات عن المشروع، "ما المكتب الاستشاري الذي سيسند إليه تطوير تلك المنطقة؟ وما سابقة أعماله؟ وما الدراسات العلمية التي سيجري الاستناد إليها؟ وهل سيتم الالتزام بالاشتراطات الحمائية الموضوعة لتطوير منطقة القاهرة الخديوية؟".

وتوضح سهير خلال حديثها إلى "اندبندنت عربية" أن مصر تضم ما يراوح بين 3000 إلى 4000 مبنى تراثي تستحوذ منطقة "وسط البلد" منها على 500 مبنى،. مشيرة إلى أنها سبق وقامت بتسجيل مباني تلك المنطقة كتراث ضمن القانون 144 لعام 2006 حينما كانت ترأس لجنة حصر المباني، لافتة إلى أن مخطط تطوير منطقة القاهرة الخديوية بدأ التفكير فيه خلال عهد رئيس الوزراء السابق المهندس إبراهيم محلب عام 2013 وبدأ التنفيذ فعلياً عام 2014 تحت مسمى "إعادة الوجه الحضاري للقاهرة الخديوية".

وفي شأن تصور تحويل "وسط البلد" على غرار "داون تاون دبى"، تقول سهير إن "المقارنة بين المدينتين ليست عادلة"، موضحة "دبي من المدن الجميلة وحديثة الإنشاء التي تتمتع بمقومات وإمكانات كبيرة ومقصد للسياح من مختلف بلدان العالم وتتمتع بمواصفات جمالية رائعة، بينما القاهرة الخديوية لها تاريخ منذ أكثر من 150 عاماً وظروف نشأتها التاريخية مختلفة تماماً، إذ شارك في إنشائها معماريون من مختلف أنحاء العالم وجرى وضع مواصفات أوروبية لها، وكان الخديوي إسماعيل يرغب أن تكون القاهرة ’باريس الشرق‘".

 

في السياق ذاته، يعترض عضو اللجنة العليا للتخطيط التابعة لمجلس الوزراء المصري ورئيس المجلس العربي للاتحاد العام للآثاريين العرب الدكتور محمد الكحلاوي على عدم الاعتماد على جهاز التنسيق الحضاري في ذلك التصور المطروح. واصفاً تلك الخطوة بـ"غير الموفقة" ولن تزيد المشهد إلا تعقيداً، نظراً إلى أن القاهرة الخديوية لها أسس ومعايير خاصة في التعامل معها، مشيراً إلى أن هذا الجهاز كان الأجدر بأعمال التطوير لأنه على دراية بجميع التفاصيل، وهو الذي قام بوضع الخطة القومية للتعامل معها، متسائلاً "لماذا لا نمنح الشيء لأهله وأصحابه وننتظر أفكار ورؤى الآخرين؟".

وقبل أيام، أعلن محافظ القاهرة الدكتور إبراهيم صابر أنه يجري العمل حالياً في المرحلة الثالثة من تطوير منطقة القاهرة الخديوية، مضيفاً أن المشروع يهدف إلى إحداث نقلة نوعية بمنطقة وسط القاهرة عبر تحسين صورتها البصرية وتعظيم شخصيتها المعمارية من طريق الحفاظ على واجهات مبانيها المميزة، وإزالة كل التشوهات التي لحقت بها وتنظيم لافتات المحال التجارية بأسلوب يتناسب مع الطابع العام للمنطقة.

ويضيف الكحلاوي "القاهرة كانت النموذج الذي يؤثر في العالم كله، فكيف أصبحنا نستورد أفكاراً من الخارج؟ قيمة القاهرة التراثية تجعلها لا تقارن بأية مدينة أخرى في العالم، وإقامة أبراج سكنية في منطقة تراثية أمر كارثي"، مشيراً إلى أن لفظ "التطوير" أصبح يخيف كثيراً من المصريين نتيجة ارتكاب كثير من الأفعال السلبية خلال الآونة الماضية في حق التراث والتاريخ.

اقرأ المزيد

التطوير أمر حتمي

في الجانب المقابل، يرى خبير التطوير الحضاري واستشاري المناطق غير المخططة الدكتور الحسين حسان أن تطوير منطقة وسط البلد والاستثمار فيها أصبح "أمراً حتمياً" لا غنى عنه، مرجعاً ذلك إلى أسباب عدة أبرزها الاستفادة من عوائد دخل السياحة الأجنبية التي ستتوافد إليها في المستقبل، وكذلك إصلاح البنية التحتية وشبكات الصرف الصحي التي تجاوز عمرها ما يقارب الـ102 عام، فضلاً عن حل معضلة العقارات التي تخضع لنظام الإيجار القديم، التي امتنع كثير من ملاكها عن تجديدها بسبب رخص كلفة القيمة الإيجارية، فأصبح يجري تأجيرها من الباطن لمصلحة محال تجارية كبرى.

ويرى حسان خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن مصر لديها موارد وإمكانات سياحية هائلة، لكنها تفتقر إلى الغرف الفندقية.، مشيراً إلى أن منطقة القاهرة الخديوية تصلح أن يكون معظمها "فنادق"، شريطة الحفاظ على المباني التراثية والتاريخية دون هدمها.

وأعلن وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي خلال يناير الماضي أن "هناك مطالبات بأن المباني الحكومية بوسط البلد من المفترض أن تتحول إلى غرف فندقية، وهذا صحيح، وتمت دراسة الأمر مع رئيس الوزراء وعدد من المستثمرين، وهناك جزء من هذه المباني تراثي وجزء حضاري، والسؤال الذي يتم طرحه حاليا: هل تطرح للمستثمرين أم كيف نديرها؟".

وفي رأي خبير التطوير الحضاري فإن تفريغ الدولة المصرية تلك المنطقة التاريخية من مباني الوزارات ونقلها إلى مكان آخر كان بمثابة خطوة إيجابية، لأنه أسهم في توفير عدد من النفقات على كلفة الصيانات والتجديدات التي كانت تتكبدها الدولة سنوياً لتجديدها وتخفيف الضغط والزحام الكثيف على ضواحي تلك المنطقة، موضحاً أن القاهرة مكتظة بالسكان لذلك لا بد أن يكون هناك تشجيع لحركة التطوير والاستثمار للاستفادة من الأماكن المميزة بها وحسن استغلالها.

المزيد من تحقيقات ومطولات