ملخص
تتمتع باكستان بعلاقات جيدة مع كل من أنقرة والرياض وطهران مما يسمح بلعب دور وسيط في بعض القضايا العالقة بالشرق الأوسط
بينما يترقب العالم القمة العربية في القاهرة لمناقشة التطورات في غزة ويسارع القادة العرب إلى ترتيب أوراقهم لإيجاد خطة بديلة لمشروع التهجير ووسط تطورات جوهرية في الشرق الأوسط بين صعود النفوذ التركي وانحسار التمدد الإيراني، تجد إسلام آباد نفسها وسط صياغة جديدة لمعادلة توازن القوى في منطقة تتخبط بصراعات ليس لها صلة مباشرة فيها.
واستضافت العاصمة الباكستانية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال جولته لمختلف العواصم الآسيوية، وشهدت توقيع اتفاقات دفاعية مع أنقرة، كما حل كل من وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ورئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري ضيفين على إسلام آباد خلال الأشهر الـ10 الماضية.
ورغم أن باكستان لا تتمتع بنفوذ قوي في منطقة الشرق الأوسط وتمر بأزمات سياسية واقتصادية وأمنية حدت من أهميتها الإقليمية، فإنها الوحيدة في العالم الإسلامي التي تمتلك السلاح النووي وتعد إحدى أكبر القوات العسكرية عالمياً، كما أن قربها الجغرافي من إيران وارتباط الصراعات الطائفية في مناطقها الحدودية بمجريات الشرق الأوسط، يزيدان من أهميتها الرمزية.
موقف ثابت حول غزة
تعتمد باكستان بصورة كبيرة على الولايات المتحدة في الحصول على القروض من المؤسسات العالمية، وتنعكس هذه الحقيقة في سياستها الخارجية التي تتسم بأخذ المواقف الحيادية وتجنب التصريحات المستفزة التي قد تضر بمصالحها الاقتصادية. لكن إسلام آباد لم تتوار خلف العبارات اللطيفة في رفضها لخطة التهجير التي تبناها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وشاركت الموقف العربي الصريح في تأكيد حق الفلسطينيين البقاء بأرضهم.
وركزت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة لباكستان على اتخاذ موقف مشترك حول غزة، وهاجم أردوغان خلال تصريحاته في إسلام آباد إسرائيل ومشاريع التهجير بأشد العبارات، وشدد على أن تركيا وباكستان ستتخذان موقفاً مشتركاً وصارماً في منظمة التعاون الإسلامي حيال هذه القضية. "لا يمكن للعالم الإسلامي القبول بهذه الأطروحات، وسنتخذ رد فعل تجاهها في منظمة التعاون الإسلامي، نحن كتركيا وباكستان وإندونيسيا لن نبقى صامتين، وسنتصرف معاً بكل وضوح مع كل الدول في منظمة التعاون الإسلامي".
ويرى الصحافي ضرار كهورو أن زيارة أردوغان أتت في سياق جهوده بعد النجاحات التي حققها في سوريا، مضيفاً أن اتفاقات الدفاع أصبحت في الفترة الأخيرة حجر أساس في سياسة أنقرة الخارجية، وهو الملف الذي أخذ الحيز الأكبر خلال زيارة أردوغان لباكستان. وأشار كهورو إلى أن التصريحات التركية الشديدة في شأن غزة واتخاذ موقف صارم مع الدول الإسلامية الأخرى، ما هي إلا "تصريحات خطابية" ويجب أن تعامل كذلك.
من جانب آخر يقول الباحث والخبير في شؤون الشرق الأوسط طلحة أحمد، إن المنطقة تمر بتغييرات جوهرية على خلفية أحداث السابع من أكتوبر والصراعات التي تلتها، وإن الصراع الإقليمي الذي يتمحور حول توازن القوى في المنطقة دخل مرحلة جديدة بسبب التحول في ميزان القوى.
وأضاف، أن الموقع الجغرافي لباكستان عند مفترق طرق بين غرب آسيا وجنوب آسيا، يجعلها في وضع يتطلب منها إعادة النظر في خياراتها الاستراتيجية بسرعة تتلاءم مع الديناميكيات الإقليمية المتغيرة.
حلقة وصل بين الرياض وأنقرة؟
تقف باكستان تاريخياً خلف السعودية في القضايا الإقليمية وتوافق على غالب مواقفها وسياساتها الخارجية. وتنتهج السعودية سياسة متوازنة تحافظ فيها على مصالحها القومية بما يتناسب ومكانتها القيادية في العالم الإسلامي، آخذة في الاعتبار التغييرات الطارئة في المنطقة، بينما تحتفظ تركيا من جانب آخر كدولة ذات نفوذ متصاعد في الشرق الأوسط، بمواقفها الخاصة حيال القضايا المتعلقة بالمنطقة.
وتميل باكستان إلى جانب الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع كل من أنقرة والرياض، إلى عدم التدخل في شؤون الشرق الأوسط والوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، مما يجعلها في موقع مثالي للعب دور الوسيط بين الدول ذات الآراء المختلفة في المنطقة.
ويرى المتخصص في مناطق الصراع افتخار فردوس أن إسلام آباد تمثل حلقة الوصل بين أنقرة والرياض اللتين تعملان معاً على مختلف القضايا الراهنة. ويضيف فردوس في حديث خاص، أن الديناميكيات المتغيرة للصراع في الشرق الأوسط لها عواقب بعيدة المدى على كيفية تشكيل رقعة الشطرنج ومن يقوم بالخطوة التالية. وقد برزت تركيا بعدما استولت هيئة تحرير الشام على سوريا كقوة رئيسة في المنطقة، بينما انحسر نفوذ إيران، وتعمل السعودية مع تركيا في سوريا.
ويشير فردوس إلى أن التحالف السعودي - التركي له أهداف أبعد من إعادة بناء سوريا، إذ تتطلع القوتان الإقليميتان في رأيه إلى بناء شراكة استراتيجية أمام التحديات الجديدة.
بلوشستان تتأثر بالشرق الأوسط
يعد إقليم بلوشستان إحدى أكثر المناطق توتراً في باكستان ويشهد أعمال عنف مسلحة من قبل الجماعات الانفصالية التي تستهدف قوات الأمن بين الفينة والأخرى، كما أن توسع التمرد البلوشي على جانبي الحدود في باكستان وإيران يجعلها أزمة ذات أبعاد إقليمية.
ومن المثير للاهتمام أن الانفصاليين البلوش في باكستان وإيران تربطهم علاقات جيدة بالأكراد في تركيا، إذ تمتد المجموعتان العرقية عبر الحدود الدولية حيث تشكل كل منهما أقليات تشتكي من الحرمان والتجاهل السياسي، كما أن التمرد، أو النضال الانفصالي، يعد سمة مشتركة للمجموعتين.
ويضيف أن هذا الارتباط إلى جانب تبادل الاتهامات بين إيران وباكستان في شأن إيواء المسلحين، يزيدان من تعقيد الأزمة البلوشية على الصعيد الإقليمي، ويتضح جلياً أن القوى الإقليمية المتصارعة تستغل نفوذها على الجماعات الانفصالية المسلحة لتصفية حسابات الملفات الأخرى.
يذكر أن بلوشستان شهدت زيادة في أعمال العنف بعد ترحيب باكستان بالإدارة السورية الجديدة وإعلان زيارة الرئيس التركي لإسلام آباد، وقد سقط أكثر من 15 قتيلاً من عناصر قوات الأمن الباكستانية في حادثة واحدة في منطقة قالات البلوشية.
ويشرح أفتخار فردوس علاقة المتمردين بالقوى الإقليمية قائلاً إن "أول علاقة بين ’حزب العمال الكردستاني’ المعادي لتركيا والانفصاليين البلوش نشأت قبل ما يقارب عامين، البعض من هؤلاء البلوش لديهم علاقات عميقة وواضحة مع إيران إلا أن إسلام آباد وأنقرة تتجنبان توجيه الاتهامات العلنية لإيران".
أخيراً، الأوضاع الاقتصادية المتدهورة لباكستان لا تسمح لها بلعب دور فعال على الساحة الإقليمية، لكن رياح التغيير في المنطقة تؤثر في أجواء إسلام آباد التي تحاول التوازن بين استغلال علاقاتها الجيدة مع الدول الإسلامية وعدم الانتظام المفرط في الصراعات الأجنبية بما يضر بمصالحها القومية.