Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف سينعكس التوافق الأميركي - الروسي أفريقياً؟

محللون: ثمة تفاؤل بانفتاح روسي أكبر على القارة لكن الولايات المتحدة لن تتراجع عن نفوذها الجيوسياسي بخاصة في البحر الأحمر

تنتظر قضايا القارة الملتهبة مستقبلاً مجهولاً في ظل التقارب بين القطبين الكبيرين (أ ف ب)

ملخص

بينما خلقت قضية الحرب الأوكرانية خلافاً أوروبياً - أميركياً، وجد التقارب بين القطبين الأميركي والروسي ميولاً في سياسات كلا البلدين، لتترتب على ذلك مستجدات حقيقية في الواقع الدولي، فما أبعاد هذا التقارب؟ وما انعكاساته المحتملة على ظروف القارة الأفريقية ومدى تأثر دولها به سلباً أو إيجاباً؟

تضج الساحة الدولية بمتغيرات شتى بعد مجيء الرئيس الأميركي دونالد ترمب وتنصيبه للمرة الثانية رئيساً للولايات المتحدة، وما تبناه فور توليه من قرارات وتوجهات جديدة في السياسة الأميركية، أبرزها التقارب مع روسيا الذي يتصدره مشروع إيقاف الحرب في أوكرانيا، فبينما خلقت قضية الحرب خلافاً أوروبياً - أميركياً وجد التقارب بين القطبين الأميركي والروسي ميولاً في سياسات كلا البلدين، لتترتب على ذلك مستجدات حقيقية في الواقع الدولي، فما أبعاد هذا التقارب؟ وما انعكاساته المحتملة على ظروف القارة الأفريقية ومدى تأثر دولها به سلباً أو إيجاباً؟

تفاهمات الرياض

اجتماع الوفدين الأميركي والروسي الذي شهدته مدينة الرياض، الثلاثاء 18 فبراير (شباط) 2025، هدف إلى تبني تفاهمات في علاقة الدولتين العظميين والدفع بها للأمام وتلمس طريق لإيقاف الحرب في أوكرانيا، فما شهدته المرحلة السابقة خلال الاعوام الثلاثة الماضية جراء الحرب المتسعة أعطى مؤشراً على احتمال انفلات أمني قد يؤثر في السلام العالمي، وكانت القيادة الروسية هددت أكثر من مرة باستخدام السلاح النووي كرد فعل تجاه الدعم الأوروبي والأميركي غير المحدود لأوكرانيا، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي نقل موقع "سبوتنيك" الإخباري الروسي موافقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على استخدام النووي على أسس محدثة، بحسب وثيقة نشرها الموقع الحكومي الروسي على الإنترنت.

وجاء التهديد الروسي عقب قرار الرئيس الأميركي السابق جو بايدن السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ أميركية لاستهداف مواقع داخل روسيا، وجاء في نص الوثيقة الروسية وفق مصادر عالمية أنه "من أجل تحسين سياسة الدولة الروسية في مجال الردع النووي، أصدر مرسوماً للموافقة على الأسس المرفقة لسياسة الدولة الروسية في مجال الردع النووي".

وما أجمعت عليه كل من أميركا وروسيا هو الشعور بالرضى تجاه "قمة الرياض" وما حققته من نجاح وتقارب، فضلاً عن إكبارهما للسعودية نتيجة دورها السياسي نحو إنهاء الصراع، وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال خلال اجتماع مع مجلس الأمن الروسي في الـ 20 من فبراير الحالي، "لم نرفض يوماً الحوار ودعم علاقات التعاون مع أية إدارة أميركية، وننطلق من أن الحوار يجب أن يبنى على أساس المساواة والاحترام المتبادل".

اللقاء الودي المرتقب بين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين الذي مهد له اجتماع الرياض والمستجدات المتوقعة في علاقات الطرفين ما فتأت تعتمل، بخاصة على المستوى الأوروبي الذي لا تزال مخاوفه من الدب الروسي تراوح مكانها، وقد أضاف إليها الموقف الروسي المتوافق مع أميركا باتجاه إنهاء الحرب وتوقف الدعم العسكري الأميركي لأوكرانيا ضمن توجهات السياسة الأميركية الجديدة مخاوف أخرى، وكان ترمب قال في تدوينة عبر موقعه للتواصل الاجتماعي "تروث سوشيال"، إن "زيلينسكي أقنع واشنطن بإنفاق 350 مليار دولار للدخول في حرب لا يمكن كسبها".

مخاوف وتوقعات

سمات الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى إسرائيل إلى تشكيله بدعم من إدارة ترمب، والمستوى الأفريقي المتأثر قطعاً ضمن سياق الأطماع والتنافس الغربي، وظروف الحروب التي تشهدها القارة الأفريقية في الكونغو والسودان وليبيا، والتحولات في منطقة الساحل الأفريقي، كلها قضايا تنتظر مستقبلاً مجهولاً في ظل تقارب القطبين، فضلاً عن قضايا القرن الأفريقي ممثلة في أزمة "سد النهضة" وتحديات البحر الأحمر.

 وفي حيثيات التنافس الذي ظل قائماً بين الولايات المتحدة وروسيا خلال أعوام مضت، يقول الكاتب الصحافي المتخصص في الشؤون الدولية باسل الحاج جاسم إن "تتنوع أدوات التنافس على أفريقيا بين موسكو وواشنطن من الدعم العسكري إلى المساعدات المالية إلى الدبلوماسية والقوة الناعمة، وتخشى بعض الدول الأفريقية أن تُهمش، كما تخشى دول أخرى من أن يؤدي هذا التنافس إلى حرب باردة جديدة ساحتها القارة السمراء".

أما في ما يتعلق باحتمالات التقارب بين أميركا وروسيا، فيقول محمد الباحث المهتم بالقضايا الدولية منصور راشد، "في اعتقادي أن التوافق الروسي الأميركي سيكون ذا تأثير على أفريقيا ضمن إطار ضعف الاهتمام الأميركي بالقارة، أما الأثر الأساس لهذا التقارب فسينعكس أكثر على أوروبا، كما يؤدي هذا التوافق إلى خلق دور مركزي لدولة جنوب أفريقيا في إخراج القارة من التأثير الغربي والفرنسي، وتقنين مكانتها كلاعب مؤثر في قضايا القارة ومشكلات دولها، كما سيسهم ذلك التوافق في الوجود الروسي بمنطقة الصحراء الكبرى والسودان بخاصة، كما يقود التوافق ربما لخلق ضغوط على الأطراف الليبية للقبول بالحلول السلمية، مما سيؤثر بالتالي في النفود التركي والجهات الغربية المستفيدة من الفوضى الليبية".

وفي ما يتعلق بتموضع نفوذ كل من أميركا وروسيا في أفريقيا خلال الفترة الأخيرة، يشار إلى تراجع النفوذ الأميركي في القارة الأفريقية مقارنة بتمدد قوى دولية أخرى مثل الصين وروسيا وتركيا، وكان أبرز تراجع للنفوذ الأميركي والغربي في القارة الانسحاب الأميركي من بعض دول الساحل والصحراء، فبعد الانقلاب العسكري في النيجر في مايو (أيار) 2024، كان اتفاق النيجر مع الولايات المتحدة على الانسحاب الكامل من قاعدتها العسكرية في أغادير على بعد 920 كيلومتراً من العاصمة نيامي بحلول الـ 15 من سبتمبر (أيلول) 2024، وهو ما جرى فعلياً.

يشار إلى أن قاعدة أغادير في النيجر كانت بمثابة مركز مراقبة لكل منطقة الساحل الأفريقي، وفق المجلة البحثية الأميركية(Responsible Statecraft) ليشكل ذلك الانسحاب مؤشراً مهماً على التغير النوعي في طبيعة العلاقات الأميركية - الأفريقية، بعد أن أصبح الوجود الأميركي في تلك الدول مرفوضاً على المستويين الرسمي والشعبي، مما يعني تقهقر نفوذ واشنطن في منطقة الساحل والصحراء.

وبالنسبة إلى أوروبا فقد كان طلب كل من تشاد وساحل العاج والسنغال إلغاء اتفاقاتها الأمنية طويلة الأمد مع باريس إنهاء للوجود الفرنسي في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، وفي حيثيات تصاعد المشاعر القومية الأفريقية المعادية لها اتجهت فرنسا، وفق مراقبين، إلى إستراتيجية العلاقات الاقتصادية والثقافية، كاستبدال للنهج التقليدي القائم على الوجود العسكري في قواعد دائمة والتركيز على جانب التعاون، كما تسعى باريس إلى إعادة بناء شراكات على أسس جديدة مع أفريقيا خلال المرحلة المقبلة بدلاً من الاستسلام للوضع، بينما تسعى واشنطن هي الأخرى إلى إنشاء نقاط وجود عسكرية بديلة لها في غرب أفريقيا، ربما تكون في ساحل العاج وغانا، وفق معهد دراسات الحرب الأميركي.

وفي السياق قاومت روسيا ظروف عزلتها الدولية والعقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة عليها بسبب الحرب الأوكرانية، عبر إنشاء تحالفات جديدة مع أكبر عدد من الدول الأفريقية، وكانت زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في يونيو (حزيران) 2024 والتي شملت الكونغو برازفيل وبوركينا فاسو وتشاد وغينيا، للتخفيف من العزلة والتوجه نحو أفريقيا ضمن آفاق أوسع من التعاون.

انفتاح روسي مرتقب

ويقول الكاتب الصومالي فرحان حرسي إن "التقارب الروسي - الأميركي وتخفّف موسكو من عبء الحرب الأوكرانية وانكفاء الولايات المتحدة على شؤونها الداخلية في ظل إدارة ترمب ووقف المساعدات الأميركية، كلها عوامل تجعل روسيا أكثر تحفزاً لأن تحتل مكانة مرموقة في القارة الأفريقية إذا صدقت النيات تجاه تحقيق قسمة مصالح مشتركة مع العالم الأفريقي"، مضيفاً أن "التقارب سيلقي بظلاله على القارة الأفريقية إيجاباً، وهناك تفاؤل بانفتاح روسي أكبر بهذا الصدد في ظل اهتمام تشير إليه بعض الدلائل، فقد دشنت روسيا مركزاً رئيساً لوكالة الأنباء الروسية في أديس أبابا، مقر الاتحاد الأفريقي وعدد من المنظمات الإقليمية، مما يشير إلى زيادة اهتمام الحكومة الروسية بشؤون القارة الأفريقية، كما وقفت مع السودان في مجلس الأمن الدولي، واستخدمت حق الـ 'فيتو' مسبقاً ضد المقترح البريطاني الذي تعارضه الحكومة السودانية، فضلاً عن أخبار متداولة حول عن بيعها السودان أسلحة روسية حديثة بينها طائرات مقاتلة ودبابات، وفي المقابل يحظى الروس بإقامة قاعدة عسكرية على الشواطئ السودانية الطويلة في البحر الأحمر".

ويتابع حرسي أنه "على رغم أن الحضور الروسي في القارة الأفريقية ليس بجديد، لكن بإمكان الروس في ظل التوائم الدولي مساعدة الدول الأفريقية في المحافل الدولية، ولا سيما في مجلس الأمن الدولي، وكذلك تقوية الدول التي تشهد عدم استقرار أمني بسبب الجبهات المسلحة المتمردة، فهناك دول أفريقية في طريقها إلى التحرر من الهيمنة الغربية مثل دول الساحل الأفريقي التي نفضت يدها من الاتفاقات مع فرنسا، وهي تخلي قواعدها في هذه البلدان، ولا شك في أن بعض هذه الدول استضافت قوات وشركات روسية وتوافد رؤساؤها على موسكو".

ويسترسل حرسي أنه "إضافة إلى السلاح الروسي فهناك مجالات أخرى يستطيع الروس أن يفيدوا فيها الدول الأفريقية، مثل الاستثمار في الموارد الطبيعية، واستقدام التكنولوجيا والخبرات الروسية ومشاركتها، إضافة إلى الصين والهند وتركيا، وكل ذلك يمكن أن يحدث في ظل رفض العالم الثالث، وخصوصاً أفريقيا، هيمنة الغرب بعد تجارب مريرة عاشها"، موضحاً أن "روسيا قدمت مساعدات لبعض البلدان الأفريقية إبان أزمة القمح بعد اشتعال الحرب الروسية - الأوكرانية كخطوة محسوبة لها لدى الوسط الأفريقي، لكن ما لحق بسجلها بسبب مجموعة 'فاغنر' الروسية يمثل تخوفاً لا تزال تبعاته عالقة بعد الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها هذه المجموعة في سجل حقوق الإنسان بالقارة".

انتفاع متبادل

من جهتها تشير الباحثة المصرية وأستاذة العلوم السياسية نجلاء مرعي إلى أن "من الصعب الحديث حالياً عن التكالب الاستعماري الجديد، أو علاقات التبعية كما طرحها الزعيم الغاني الراحل كوامي نكروما، بل يمكن التأكيد أن ما يجمع القارة الأفريقية بالقوى التقليدية والصاعدة هي علاقات انتفاع متبادلة، إذ استطاعت نخب محددة في دول القارة أن تتعاون مع هذه القوى لتحقيق مصالحها"، مضيفاً أنه "على رغم الأزمات التي يعانيها عدد من هذه الدول وحاجتها الماسة إلى الدعم الخارجي، سواء في ما يتعلق بالجوانب الأمنية أو الاقتصادية أو الإنسانية، فإن المواقف الأفريقية بدت حتى اليوم متوازنة ومؤكدة الرفض الأفريقي الجماعي للزج بدول القارة ضمن الصراع الدولي، وبخاصة في ظل تفضيل كثير من دولها للتعددية القطبية المنضبطة، وهو ما اتضح من تباين المواقف الأفريقية تجاه الأزمة الروسية - الأوكرانية في الأمم المتحدة بين الإدانة والصمت الحذر، فضلاً عما يُكشف حول مدى تشابك المصالح الاقتصادية والأمنية بين موسكو وبعض الدول الأفريقية نتيجة التحركات الروسية خلال الأعوام الأخيرة، مما يثير مزيداً من القلق بالنسبة إلى القوى الدولية الفاعلة في القارة مثل الولايات المتحدة وفرنسا في ضوء الصعود الروسي المتنامي على الساحة الأفريقية".

وتوضح نجلاء أنه "من جانب آخر فالقوى الخارجية، وبخاصة الولايات المتحدة وروسيا، لن تتراجع عن سياستها تجاه دول القارة في ظل الحديث عن التقارب الأميركي - الروسي، ويذكر أن الولايات المتحدة لم تنجح في عزل روسيا عن التقارب مع دول القارة، إذ نشطت المؤسسة العسكرية الروسية في توطيد علاقاتها مع نظيراتها الأفريقيات، وتشمل هذه الاتفاقات مجالات عدة، ومنها التدريب الأمني والعسكري وتبادل المعلومات والتعاون في مكافحة الإرهاب، والتخطيط لبناء قاعدة بحرية في السودان كنقطة لوجستية في البحر الأحمر، وفقاً لتنفيذ الاتفاق المصدق عليه من بوتين في الـ 16 من فبراير 2020".

وتتابع مرعي أن الحضور المتنامي لمجموعة "فاغنر"، وبخاصة مع اندلاع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في الـ 24 من فبراير 2022، حينما نشرت نحو 2000 من قواتها في دول غرب أفريقيا، ومن بينها مالي وبوركينا فاسو والنيجر، أثار المخاوف الأميركية من تنام ملحوظ للدور الروسي على حساب المصالح الغربية في أفريقيا، وتمثل التحركات الروسية في المنطقة تحدياً بالنسبة إلى إعادة صياغة نفوذها الجيوسياسي في منطقة البحر الأحمر، حيث ترتبط تحركاتها في المنطقة بسعيها الحثيث إلى خلق نظام دولي متعدد القطبية يهدف إلى مواجهة تأثير القوى الدولية في مناطق الصراع على النفوذ، ومنها أفريقيا، وهو ما يدفع بالروس إلى محاولة احتضان عدد من دول المنطقة مثل السودان وإريتريا، باعتبارهما مدخلاً مهماً إلى أفريقيا وللحضور بصورة مكثفة في القرن الأفريقي.

المزيد من تقارير