ملخص
حين سئل ترمب في المؤتمر الصحافي عن إمكانية استثناء بريطانيا من فرض التعريفة الجمركية المتوقعة رد بقوله "أعتقد أن هناك فرصة جيدة في حالة هذين البلدين العظيمين، وأظن أنه يمكننا أن ننتهي إلى صفقة تجارية حقيقية، إذ لن يكون فرض التعريفة الجمركية ضرورياً وسنرى".
يتوجه وفد من وزارة التجارة والأعمال البريطانية إلى واشنطن الأسبوع المقبل لبدء المفاوضات مع نظرائهم الأميركيين حول اتفاقات تجارية بين البلدين.
يأتي ذلك في أعقاب زيارة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى الولايات المتحدة وإشارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعد لقائه به إلى إمكان التوصل إلى اتفاقات تجارية بين البلدين.
واعتبر الاتفاق على بدء محادثات تجارة دفعة إيجابية لحكومة ستارمر التي تواجه منذ توليها السلطة في يوليو (تموز) 2024 مشكلات اقتصادية جمة، في وقت كان شعار حزب "العمال" في الانتخابات هو تحقيق النمو الاقتصادي الذي لم يحدث حتى الآن.
وبدا من تصريحات الرئيس الأميركي في المؤتمر الصحافي مع ستارمر في البيت الأبيض أن هناك إمكانية لأن تتفادى بريطانيا الوقوع تحت طائلة فرض تعريفة جمركية 25 في المئة على صادراتها لأميركا.
وكان ترمب أعلن أنه ينوي فرض تلك التعريفة على صادرات أوروبا قريباً، بعدما فرض نسبة مماثلة على صادرات كندا والمكسيك و10 في المئة على الصادرات الصينية.
وحين سئل ترمب في المؤتمر الصحافي عن إمكانية استثناء بريطانيا من فرض التعريفة الجمركية المتوقعة رد بقوله "أعتقد أن هناك فرصة جيدة في حالة هذين البلدين العظيمين، وأظن أنه يمكننا أن ننتهي إلى صفقة تجارية حقيقية، إذ لن يكون فرض التعريفة الجمركية ضرورياً وسنرى".
التجارة بين بريطانيا وأميركا
طبقاً للأرقام الأميركية، وهي تتعلق بالتجارة في السلع فحسب، بلغت قيمة الصادرات الأميركية لبريطانيا 79.9 مليار دولار خلال عام 2024، واستوردت الولايات المتحدة من بريطانيا ما قيمته 68 مليار دولار في ذلك العام، أي بعجز ميزان تجاري يميل لمصلحة أميركا بنحو 11.1 مليار دولار، لكن في حال إضافة الخدمات إلى السلع في حجم التجارة بين البلدين ينقلب الميزان التجاري ليميل نحو بريطانيا.
حسب أحدث الأرقام الرسمية المتوافرة من الحكومة البريطانية، بلغ حجم التجارة في السلع والخدمات بين الولايات المتحدة وبريطانيا بنهاية الربع الثالث من عام 2024 (294.1) مليار جنيه استرليني (370 مليار دولار)، بانخفاض 2.3 في المئة عن حجم التجارة بين البلدين بالربع الثالث من عام 2023، أي أقل بنحو 6.8 مليار جنيه استرليني (8.5 مليار دولار).
من بين ذلك المبلغ الإجمال للتجارة في السلع والخدمات بين البلدين كان حجم الصادرات البريطانية للولايات المتحدة في ذلك العام الأخير عند 182.6 مليار جنيه استرليني (229.5 مليار دولار)، أما واردات بريطانيا من أميركا فكانت عند 111.5 مليار جنيه استرليني (140 مليار دولار)، ويعني ذلك عجزاً تجارياً لمصلحة بريطانيا بنحو 71 مليار جنيه استرليني (89 مليار دولار).
وفي تلك الفترة كانت الولايات المتحدة الشريك التجاري الأكبر لبريطانيا (كدولة واحدة، باستثناء الاتحاد الأوروبي الذي يشكل أكبر سوق لبريطانيا لكن كمجموعة دول) بنسبة 17.2 في المئة من إجمال التجارة البريطانية مع الخارج.
وتشير الأرقام الرسمية للحكومة البريطانية أيضاً إلى التباين في الاستثمار الأجنبي المباشر من كل دولة إلى الأخرى، أيضاً لمصلحة بريطانيا بفارق واضح.
ففي أحدث الأرقام المتوافرة عن الاستثمار الأجنبي المباشر وهي لعام 2023، بلغ حجم الاستثمارات من بريطانيا إلى الولايات المتحدة 494.1 مليار جنيه استرليني (621 مليار دولار) مثلت 26.7 في المئة من الاستثمار الأجنبي الخارج من بريطانيا، بينما كانت الاستثمارات الأميركية المباشرة الواردة إلى بريطانيا عند 708.1 مليار جنيه استرليني (890 مليار دولار) بـ34.1 في المئة من الاستثمار الأجنبي الداخل في الاقتصاد البريطاني.
ما الاتفاقات المتوقعة؟
على رغم ما بدا من إيجابية شديدة في أن ترمب منح ستارمر دعماً في موضوع اتفاقات التجارة، فإن كثيراً من المحللين والمعلقين يشككون في إمكانية أن تكون النتيجة إنجازاً كبيراً يسهم في إنعاش الاقتصاد البريطاني وتحقيق النمو الموعود.
وبالفعل تحدث ستارمر عن اتفاقات تتعلق بالذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا وليس اتفاقاً تجارياً شاملاً كالذي فشل البلدان في التوصل إليه على مدى نحو خمسة أعوام.
مع أن ترمب امتدح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست" باعتباره خطوة تجعلها ليست مثل أوروبا في تعامل إدارته معها تجارياً، إلا أن "بريكست" لم يحقق لحكومة المحافظين السابقة التي تولاها أنصار "بريكست" ما كانوا يعدون البريطانيين به من اتفاق تجارة حر مع أميركا يعوض أي خسائر من تراجع التجارة مع الاتحاد الأوروبي.
ومنذ عام 2020 يُتفاوض من دون نتيجة حول اتفاق التجارة الشاملة، لذا تسعى حكومة العمال إلى اتفاقات "تجارة رقمية" كالتي وقعها ترمب مع اليابان في فترة رئاسته الأولى.
وتطمح بريطانيا إلى اتفاقات على غرار ما توصلت إليه مع الهند في يوليو 2024 لزيادة التعاون في مجالات المعادن الحساسة وأشباه الموصلات والتكنولوجيا المتطورة.
ليس التفاوض إذاً على اتفاق تجارة حر شامل بين بريطانيا وأميركا، وحتى احتمال استثناء ترمب بريطانيا من فرض التعريفة الجمركية مرهون بنتائج المحادثات وإمكان إلغاء رسوم بريطانية على صادرات أميركية مطبقة حالياً بالفعل.
ونقلت صحيفة "فايننشيال تايمز" عن المسؤولة السابقة في وزارة التجارة البريطانية إلي رينيسون قولها إن "الاتفاقات قد تتضمن تعهدات بالتعاون في مجال التشريعات والقواعد المنظمة للذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتطورة الأخرى، إضافة إلى تفادي، أو حتى خفض، التعريفة الجمركية على المكونات الصناعية لتلك المجالات".
وأضافت أن "هناك احتمالاً أيضاً ان تتضمن المفاوضات الاتفاق على تطابق القيود على الصادرات تجاه دول مثل الصين".
مفاوضات صعبة
في غضون ذلك، يرى معظم المحللين والمعلقين أنه على رغم الإشارات الإيجابية من قمة ترمب – ستارمر، فإن المفاوضات بين الجانبين في شأن حتى اتفاقات تجارة منفصلة وليس اتفاق تجارة حراً شاملاً لن تكون سهلة، إذ تمثل الطاقة من نفط وغاز وبعض مكونات الصناعات الدفاعية كالطيران وغيره القدر الأكبر من صادرات أميركا إلى بريطانيا، بينما يشمل القدر الأكبر من صادرات بريطانيا إلى أميركا الأدوية والمستحضرات الطبية والسيارات والمولدات الكهربائية.
وتظل المنتجات الزراعية والغذائية وفتح خدمة الصحة الوطنية البريطانية (أن أتش أس) أمام الشركات الأميركية من القضايا البالغة الحساسية، التي أفشلت حتى الآن كل مفاوضات التوصل إلى اتفاق تجارة حر بين بريطانيا والولايات المتحدة، لذا فالتركيز سيكون على اتفاقات في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتطورة إلى جانب الخدمات المالية.
وهكذا، تتفادى بريطانيا القضايا الشائكة كاستيراد المنتجات الزراعية والأغذية طبقاً للقواعد والشروط الأميركية، مثل الدجاج المغسول بالكلورين الذي لن يكون مقبولاً في بريطانيا لأخطاره الصحية.
وفي مقابلة مع شبكة "سكاي نيوز" قال الأمين العام لغرفة التجارة الدولية كريس ساوثوورث إن "على بريطانيا تفادي الدخول في ذلك المسار، إذ إن هناك نقاطاً خلافية عدة".
في مقابلة أخرى، مع الشبكة الإخبارية البريطانية، أكد وزير الصحة البريطاني ويس ستريتنغ أن نظام الصحة الوطنية "ليس معروضاً للبيع، وليس مطروحاً على طاولة المفاوضات التجارية"، مستبعداً أن تشمل أي اتفاقات تجارة مع أميركا فتح الخدمة أمام القطاع الخاص الأميركي، لكن لا يمكن للبريطانيين طبعاً الحسم ما إذا كان المفاوضون الأميركيون سيطرحون ذلك أم لا.
مشكلة مع الأوروبيين
كانت وكالة "بلومبيرغ" بثت تقريراً قبل زيارة ستارمر إلى واشنطن بيوم واحد ذكرت فيه أن مجموعة من المشرعين الأميركيين، من الحزبين الجمهوري الحاكم والديمقراطي المعارض، أعادت طرح قانون في الكونغرس في شأن اتفاقات تجارية مع بريطانيا يمهد لبدء المفاوضات التجارية، ويتضمن المشروع "التفاوض في شأن التعريفة الجمركية والرسوم الأخرى وغيرها والقيود التجارية التي تمس أي صناعة أو منتج أو قطاع الخدمات".
ويعني ذلك أن الأميركيين يمكن أن يطرحوا في المفاوضات ليس فحسب، مسألة إلغاء التعريفات الجمركية ولكن أيضاً إلغاء ما تسمى الضريبة الرقمية وأيضاً ضريبة القيمة المضافة ورسوم انبعاثات الكربون التي تفرضها بريطانيا على كل وارداتها، إضافة إلى القواعد المنظمة للإنترنت وغير ذلك.
ويقول مسؤول السياسات التجارية في شركة الاستشارات "فلينت غلوبال" سام لاوي إنه "إذا طلب ترمب الاستثناء من فرض ضريبة القيمة المضافة (على الصادرات الأميركية لبريطانيا) فستكون تلك مشكلة ضخمة جداً".
لكن المشكلة الكبرى للحكومة البريطانية لن تكون ما يطالب به الأميركيون على طاولة المفاوضات بعد أيام، وإنما التوصل إلى اتفاقات مع واشنطن يمكن أن تهدد محادثات إعادة النظر في اتفاق "بريكست" الذي تسعى إليه حكومة ستارمر، بحسب ما ذكر تحليل لصحيفة الـ"ديلي تليغراف".
وفي حال اتفاق بريطانيا مع أميركا على قواعد جديدة ضمن اتفاقات التجارة المتوقعة سيعرقل ذلك تعديل اتفاق "بريكست"، إذ إن التشريعات والقواعد الأوروبية صارمة في ما يتعلق بكثير من الجوانب التي يمكن أن تقبل بريطانيا بإلغائها في الاتفاقات مع الأميركيين.