ملخص
عضو القيادة المركزية العليا للضباط وضباط الصف والجنود السودانيين المتقاعدين (تضامن) العميد وليد عز الدين عبدالمجيد يقول "لكن في ظل هذه التطورات هل ستتدخل روسيا وإيران وتركيا بصورة مباشرة في هذه الحرب إذا أخذنا في الاعتبار تقلبات الإدارة الأميركية الجديدة؟".
على رغم أن ميزان القوة في الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023 يتجه لصالح الجيش بالنظر إلى ما حققه من انتصارات متلاحقة على "الدعم السريع" خلال الفترة الأخيرة في ولايات الجزيرة وسنار وكردفان والخرطوم، لكن كثيرين يعتقدون أن مسارات الحرب واتجاهاتها قد تتغير من جديد في ضوء التصريحات التي أطلقها أعضاء في تحالف "الميثاق التأسيسي" الجديد الذي ينوي تشكيل حكومة موازية لحكومة بورتسودان والنية بشراء أسلحة متطورة وطائرات حربية للدفاع عن المدنيين من أي طرف يعتدي عليهم جواً وبراً، فكيف ينظر المراقبون لهذه المتغيرات ومدى تأثيراتها في مجريات ومسار الحرب؟
هزائم وخسائر
قال الباحث في "مركز الخرطوم للحوار" اللواء الرشيد معتصم مدني "في ما يتصل بالموقف الميداني العسكري، يبدو واضحاً أن الجيش نجح حتى الآن في تقطيع أوصال الدعم السريع وضرب خطوط إمدادها وحصارها في مواقع متعددة، كما نجح إلى حد كبير في خطته التي انتهجها وعمل عليها منذ الأيام الأولى للحرب، إذ ركز على تحييد الآليات الحربية المتحركة والسلاح الثقيل ومراكز التشويش والإمداد وغرف الاتصالات والسيطرة، ومن الملاحظات المهمة أن عملياته العسكرية لم تقتصر على الخرطوم فقط على رغم ما تمثله من أهمية استراتيجية ورمزية لسيادة الدولة، لكنه أدار معاركه في مساحات واسعة غطت مختلف المناطق التي نشطت فيها القوات المتمردة سواء في الوسط والجنوب والشرق وحتى حدود البلاد الغربية بصورة متزامنة، وهو ما لم تكن تتوقعه تلك الميليشيات".
وتابع مدني "كما نجد في الوقت نفسه أن الكليات الحربية للجيش كانت تمارس نشاطها في تدريب المقاتلين من الضباط والأفراد وأعداد كبيرة من المتطوعين للدفاع عن الوطن في المعسكرات المفتوحة، في حين لم تتمكن الدعم السريع من الحفاظ على الإمداد البشري الذي توفر لها في الأشهر الأولى للحرب نتيجة الهزائم المتكررة وخسائرها الكبيرة في الميدان، فضلاً عن غياب قادتها عن الميدان العسكري، وبالتالي فإن كل المؤشرات تقود إلى أن ولايات وسط السودان ودارفور وكردفان ستشهد انهياراً كاملاً لقوات الدعم السريع مع نهاية هذا الشهر، وقبل ذلك ستكون ولاية الخرطوم تحت سيطرة الجيش، والظاهر أن الجيش يتلقى دعماً شعبياً كبيراً".
وزاد اللواء الرشيد معتصم مدني "واضح أن قوات الدعم السريع تعمل على استخدام المسيرات بكثافة في الفترة الأخيرة لإطالة أمد الحرب وتعطيل الخدمات في مناطق سيطرة الجيش لتشكيل ضغط على الدولة، لكنني أتوقع أن تكون هناك مفاجآت في ولايات دارفور في ضوء الفوضى والمعاناة الكبيرة وانعدام الأمن الذي صاحب وجود القوات المتمردة في بعض تلك الولايات"، ومضى الباحث في "مركز الخرطوم للحوار" في القول "صحيح أن قوات الدعم السريع نشطت مع حلفائها خلال الفترة الماضية في إقامة مهرجانات سياسية في العاصمة الكينية نيروبي لإحداث تشويش سياسي بدعم من بعض دول الجوار وآخر خارجي، لكن يلحظ أن هذا البرنامج السياسي أدى إلى مزيد من التصدعات في التحالف، وفقد بعض فصائله مناصريه نتيجة شكوكهم في أهدافه، فضلاً عن المعلومات عن مال متدفق لدعم هذه الأنشطة من دول إقليمية".
مغامرات فاشلة
من جهته رأى الباحث في الشؤون العسكرية والاستراتيجية اللواء ركن عبدالغني عبدالفراج عبدالله أن "الحرب الجارية الآن في السودان في خواتيمها، فكل المؤشرات الميدانية تشير إلى اقتراب القوات المسلحة السودانية وحلفائها من القوة المشتركة المكونة من الحركات المسلحة، فضلاً عن المستنفرين، المقاومة الشعبية، من السيطرة على كل أراضي البلاد ابتداء بتحرير الخرطوم، ثم دارفور الكبرى، وبالتالي إنهاء تلك الاحلام والمغامرات الفاشلة، ومن المؤكد أن كل التحالفات السياسية والعسكرية المعادية ستتلاشى وسيتوقف الدعم ويتبدد الأمل ويعود جميع المواطنين النازحين لمدنهم وقراهم في القريب"، ولفت عبدالله إلى أن الحصول على صفقات طائرات "ليس أمراً سهلاً، فالطيران ليس مجرد طائرة تحلق وتطير في الفضاء إنما تتطلب توفير بنيات أساسية وفنيين، وحتى الطيار يحتاج إلى سنوات عديدة ليكتسب المهارة، أما المسيرات فظلت تستخدم، في معظمها، طوال فترة الحرب ضد المواطن، إذ استهدفت المناطق الحيوية الاستراتيجية، كما لم تنج المستشفيات والأسواق من نيرانها، وهو ضغط يمارس ضد المواطن ليضغط على الحكومة للقبول بالتفاوض".
وبين الباحث في الشؤون العسكرية والاستراتيجية أن "المجموعة التي تتجه لتشكيل حكومة موازية بكل مسمياتها وأطيافها ليس في يدها قرار المطابخ الغربية والمخابرات التابعة لها، فالذي حدث في نيروبي ما هو إلا مسرحية هزيلة نتجت بسبب الهزائم المتتالية وفقدان المواقع الاستراتيجية والمهمة والزحف الكبير لتحرير كل الأراضي من دنس التمرد".
سباق تسليح
من جانبه أوضح عضو القيادة المركزية العليا للضباط وضباط الصف والجنود السودانيين المتقاعدين (تضامن) العميد وليد عز الدين عبدالمجيد أن "هذه الحرب عند اشتعالها كانت محدودة المطالب، وصنفت في نطاق حرب المدن التي تعد ضمن الحروب الخاصة والمحدودة، التي يكون القتال فيها من مبنى لمبنى، ومن شارع لشارع، وتطورت لتأخذ شكل الحرب المتنقلة أو المتحركة، والقتال من ولاية إلى ولاية وارتفع سقف المطالب فيها"، وأضاف "في تقديري أن تطورات المشهد العسكري واستعادة القوات المسلحة السودانية زمام السيطرة والتقدم وتوجيه ضربات متتالية فككت تماسك قوات الدعم السريع، وأجبرتها على التراجع نحو إقليم دارفور، واعتقد أن خطة الجيش هي السيطرة على ولاية الخرطوم، وبعد تأمينها نقل القيادة ومؤسسات الدولة إليها كخطوة يمتزج فيها العامل العاطفي مع الإعلامي، ومن ثم حصر القتال في الجزء الغربي من البلاد (ولايات دارفور)".
وأشار عبدالمجيد إلى أن انقسام تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم)، وانضمام مجموعة منها إلى تحالف "الميثاق التأسيسي" (تأسيس) الذي يتجه لإعلان حكومة موازية للحكومة الحالية في بورتسودان أربكا الموقف في كل المستويات، "وأصبح الجميع يرون ملامح دولتين، كما أن ظهور الحركة الشعبية - شمال التي تسيطر على مناطق شاسعة في جبال النوبة، وامتداد سيطرتها إلى جنوب النيل الأزرق بخاصة منطقة يابوس التي يوجد فيها القائد جوزيف تكا أحد الموقعين على ميثاق (تأسيس)، مؤشران إلى تمظهر شكل الدولة الوليدة التي تمتد من دارفور غرباً مروراً بجبال النوبة إلى جنوب النيل الأزرق شرقاً، ولا يفوتنا أن نلحظ أن العمق الاستراتيجي لهذه الدولة يتمثل في دول تساند أو تتماهى مع الدعم السريع، وهي تشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا، فضلاً عن الحديقة الخلفية المتمثلة في كينيا وأوغندا، لكن على رغم أن المنظمات الأممية والدول التي لها تأثير في المجريات الدولية والإقليمية لم تتقبل أو تتفاعل مع هذه التطورات ورفضتها، إلا أننا نلحظ في خطاب مجموعة ’تأسيس‘ وعوداً بامتلاك طائرات، واعترافاً إقليمياً ودولياً بهذه الدولة الجديدة وهذا مؤشر خطر"، واستطرد "نجد على صعيد الجيش السوداني أنه اعتاد وتمرس على هذا النوع من الحروب، إلا أننا نرى أنه بات الآن في حاجة ماسة إلى إمداد تسليحي ثقيل بخاصة في جانب المدفعية الثقيلة والطيران، لأن الموقف الحالي اختلف تماماً عن الفترة السابقة، إذ سيكون التدمير أشمل وعدد الضحايا من المواطنين أكبر، كما ستكون هناك حاجة ماسة إلى قوى بشرية عالية التدريب، ويتوقع أن يستعين الجيش بالضباط والجنود المتقاعدين الذين خاضوا حرب الجنوب، فضلاً عن أهمية الدعم الإقليمي في هذا القتال".
وختم عضو القيادة المركزية العليا للضباط وضباط الصف والجنود السودانيين المتقاعدين "لكن في ظل هذه التطورات هل ستتدخل روسيا وإيران وتركيا بصورة مباشرة في هذه الحرب، إذا أخذنا في الاعتبار تقلبات الإدارة الأميركية الجديدة؟ في حين نجد القوات المسلحة السودانية والدعم السريع في سباق تسلح استعداداً لمعركة تدمير ما تبقى من البلاد".