Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

فجوة الأجور... لبنانيات يسقطن في "حفرة التمييز"

يضطر الأجراء إلى القبول بأعمال دون مؤهلاتهن وتقاضي مقابل أقل تحت وطأة الحاجة

تقول الأمم المتحدة إنه في جميع مناطق العالم ومنها لبنان تتقاضى النساء أجوراً أقل من الرجال (أ ف ب)

ملخص

تنعكس "الفجوة في الأجور" بين الرجال والنساء سلباً على السياسات الدولية لتحقيق المساواة بين الجنسين، وتؤدي إلى الإضرار بخطط التنمية الاقتصادية والوصول إلى العمالة الكاملة.

تشكل "الفجوة في الأجور" تمييزاً اقتصادياً فادحاً ضد المرأة في لبنان، وتصل إلى 22 في المئة على المستوى المهني في القطاع الخاص. وتتردد الشكوى على ألسنة النساء من تقاضيهن أجوراً أقل من تلك التي يحظى بها أقرانهن في العمل من الذكور، وتوظيفهن في ظروف غير متكافئة مع مؤهلاتهن العلمية والمهنية بسبب جنسهن، أو تحت وطأة الحاجة.

ويأخذ التفاوت في الأجور بعداً كونياً وانعكاساً لموقع ودور النساء ضمن المجتمع. وحسب الأمم المتحدة، فإنه "في جميع المناطق، تتقاضى النساء أجوراً أقل من الرجال، وتقدر فجوة الأجور بين الجنسين بنسبة تقارب 20 في المئة على مستوى العالم".

ولاحظت المنظمة الأممية استمرار تراجع المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات بسبب "استمرار علاقات القوة التاريخية والهيكلية غير المتكافئة بين النساء والرجال، والفقر وعدم المساواة في الوصول إلى الموارد والفرص التي تحد من قدرات النساء والفتيات"، وهو ما يخالف أهداف التنمية المستدامة التي تهدف إلى تعزيز العمل اللائق لجميع الرجال والنساء، والنمو الاقتصادي من خلال البحث عن العمالة الكاملة والمنتجة من الجميع بمن فيهم الشباب والأشخاص ذوو الإعاقة، مع تأكيد "الأجر المتساوي لقاء العمل المتساوي القيمة".   

قوانين تقر التمييز

اعتبرت مديرة مركز باسل فليحان المالي لمياء المبيض أن "التفاوت في الأجور ليس ظاهرة محض اقتصادية، وإنما تقف وراءها جملة من العوامل والتراكمات الاجتماعية والثقافية والقانونية، وتحديداً في المجتمعات القائمة على التمييز القانوني والاقتصادي. ففي بعض الدول هناك قوانين تقر هذا التمييز، وأحياناً فإنها تقوم على الممارسات الفعلية داخل البلاد، وكذلك الأعراف المترسخة".

في المقابل تشير المبيض إلى "إقرار الدستور اللبناني لمبادئ المساواة، ولكن الممارسات والأعراف ما زالت راسخة في سلوك وممارسات الأفراد والجماعات".

 

 

وتتحدث إدارة الإحصاء المركزي في لبنان عن فجوة في الأجور تصل إلى 6,5 في المئة على مستوى الموظفين العاديين، إلا أنها تزداد على مستوى الإداريين (القيادات) لتصبح 22 في المئة. ويحصل المديرون من الرجال على أجور أعلى من تلك التي تتقاضاها المديرات النساء. كما تزداد وضعية اللامساواة وضوحاً في فئة "المهنيين" مثل العاملات في القطاع الصحي والتمريضي والمهندسات والطبيبات أصحاب الكفاءة العالية. 

فجوة القطاع الخاص

تظهر الفجوة على الأجور بوضوح في القطاع العام أكثر منه في الخاص. وهذا ما تشير إليه الدكتورة لمياء المبيض رئيسة معهد باسل فليحان المالي نائبة رئيس لجنة الأمم المتحدة للخدمة العامة لأن "القوانين تحدد التوصيف الوظيفي في القطاع العام، وتوزع على فئات ورتب، ولا يختلف الأجر الذي يتقاضاه الموظفين رجالاً كانوا أم نساءً ضمن الرتبة نفسها"، ولكن التفاوت يستمر بالاتساع في القطاع الخاص على المستوى المحلي والعالمي.

يبرر أصحاب العمل هذا التمييز على مستوى الأجور بالحرية التعاقدية والنظام الاقتصادي الحر. وهنا تعتبر المبيض وجوب أن تتوافق التشريعات الاجتماعية وقوانين العمل مع الاتفاقات الدولية، بالتالي لا بد للبنان أن يلتزم مضامينها، إلا أن بعض القوانين اللبنانية تخالف تلك الاتفاقات. وقالت، "على مستوى قانون الضمان الاجتماعي هناك تباينات على مستوى التعويضات والمنافع، وكذلك الحال على مستوى إجازة الأمومة التي حددت بـ70 يوماً، وهو يخالف توجه منظمة العمل الدولية التي تتحدث عن 14 أسبوعاً، كما أن إجازة الأبوة تقتصر على ثلاثة أيام بالتالي لا يمكنه مساعدتها في الأمومة والحضانة، وهو ما يشكل عقبة أمام الاستقرار الوظيفي والاقتصادي للمرأة، ويحول دون قدرتها العودة السريعة إلى سوق العمل والمشاركة بالحياة الاقتصادية".

الأجر والحاجات الأساسية

يتخذ أصحاب العمل من "الحد الأدنى للأجور" المساوي لـ18 مليون ليرة لبنانية أي قرابة 200 دولار أميركي حجة لتبرير الأجور المنخفضة، علماً أنه كان يساوي 675 ألف ليرة لبنانية، أي 450 دولاراً قبل الانهيار الاقتصادي والمالي الذي بدأ في 2019.

ولفتت لمياء المبيض الانتباه إلى "وجوب أن يؤمن الأجر الحد الأدنى من الحياة الكريمة للإنسان وأسرته والحاجات الأساسية". وفي هذا السياق يبدأ البحث عن ضمانات لدفع الأجور ووصوله إلى المستفيد منه بطريقة إلكترونية، إلا أن العمالة غير النظامية المتفشية في لبنان تشكل عائقاً أمام ذلك، وتحول دون وصول إلى معطيات نهائية وواضحة، حيث يعمل هؤلاء دون عقود عمل أو حماية اجتماعية وانعدام حقوق العمالية، في ظروف غير صحية". وعبرت عن اعتقادها بأن "مكافحة التمييز تسير بصورة مساوية على عدة مسارات. المسار القانوني الذي يقر المساواة، ويضع أطر رقابية، والمسار التربوي الثقافي، والمسار العملاني من خلال تشجيع المؤسسات لتكون صديقة للمرأة وأن تكون النساء في مواقع قيادية وداخل مجالس الإدارة لأن وجودهن يثبت قدرتهن على دعم أجندة المساواة وتضييف الفجوة في الأجور"، ناهيك بآليات لمكافحة التفاوت عندما تثبت النساء وجود تمييز على مستوى الأجور وظروف العمل، لناحية فرض عقوبات على المؤسسات التي لا تحترم المساواة في الأجر للوظيفة نفسها".

وأكدت أنه "يمكن إدخال تعديلاً قانونياً، يمنح المرأة الحق بالشكوى، وإلزام صاحب العمل بالمعايير المتساوية، إلا أن هذه البنود لا يمكن أن تسلك مسلك التطبيق دون وجود تغيير ثقافي، واقتناع الرجال مثل النساء أن "مساواة المرأة والرجل هو أمر مفيد". وشددت على عدم اقتصار التمييز على مستوى الأجر، وإنما تتجاوزها إلى مظاهر أخرى في القطاعات ذات المداخيل الدنيا كالتربية والصحة، إذ تستغل النساء، أو حتى فيما يتعلق بالاستقرار الوظيفي، وفيها تعاني النساء من انقطاع في المسيرة المهنية بسبب ممارسة أدوارها في التربية والأمومة والعناية بأبنائها، وعندما تعود إلى الوظيفة فإنها تحظى على منصب أقل مما كان يجب الحصول عليه"، علاوة على "محدودية فرص الترقي للنساء، ففرص التقدم في السلم القيادي أسرع للرجال، وهو ما يزيد من حدة الفروق المهنية مع مرور الزمن". وأوضحت أن دراسة إدارة الإحصاء المركزي في لبنان أظهرت أن واحداً من كل أربعة مناصب إدارية فقط هي للنساء على المستوى الوظيفي المتوسط والعالي، "أي إنه كلما ارتقينا في سلم المسؤوليات نجد تراجعاً في أعداد النساء وهذا يؤدي إلى اتساع فجوة الأجور في حق المرأة".

"الأجر مقابل العمل"

حسب محكمة التمييز المدنية في لبنان فإن "الأجر هو دخل الأجير الناتج من عمله"، وهو مبلغ يستحق لكل أجير امرأة كانت أم رجلاً. وسعى المشرع اللبناني إلى وضع قواعد لتحديد أطر الوفاء بالأجر، وزمانه ومكانه، وأن تكون عملة الإيفاء العملة الوطنية. ونصت المادة 47 من قانون العمل اللبناني وجوب دفع الأجر في أيام العمل وفي محل الشغل، حيث يبدو أن الهدف من ذلك تخفيف الأعباء على الأجراء.

وألزم القانون الفرنسي الصادر عام 1978 دفع الأجور مرة في الشهر في الأقل، إلا أن هذه الطريق في دفع الأجور لا يمكن أن تستثني سواها من طرق الإيفاء كاحتساب الأجر على القطعة، أو أن يتفق صاحب العمل والأجير على دفع الأجر بصورة نصف شهرية. وبغية ضمان حصول الأجير على الأجر في حينه، أنشأت بعض الدول منصات رقمية لـ "حماية الأجور"، إذ يلزم صاحب العمل تحويل الأجور.

ولكن "ماذا عن المساواة في الأجور بين المرأة والرجل؟". هنا يشير المحامي المتخصص كريم نمور إلى إقرار المشرع اللبناني لمبدأ المساواة في الأجور بين الجنسين عبر المادة 26 المعدلة بموجب القانون 207/2000، التي أكدت أنه "يحظر على صاحب العمل التفرقة بسبب الجنس بين العامل والعاملة في ما يخص نوع العمل ومقدار الأجر والتوظيف والترقية والترفيع والتأهيل المهني والملبس".

 

 

ولاحظ نمور أن "المشكلة تكمن في هذه المادة لأنها لا تقر المساواة المطلقة بين الجنسين، وكان الأفضل لو التزمت مع المعايير الدولية التي تقرها المعاهدات الدولية، ولم تأت على تعداد وجوه هذه المساواة". من هنا، كان حرياً بالمشرع اللبناني أن يحظر على صاحب العمل التمييز بأي صورة من الصور بين الأجيرة والأجير بصورة عامة، وألا يأتي على تعداد البنود الواجب إلزام صاحب العمل بها".

في المقابل لفت كريم نمور الانتباه إلى "عدم وجود طريقة أو آلية للتحقق من تطبيق المساواة، والالتزام بهذه المادة"، ملاحظاً "صعوبة تطبيق هذه المادة أقله لناحية الإثبات، وبرهنة التمييز بين أجراء لديهم الموقع نفسه وتقاضوا الأجر نفسه أو أجوراً مختلفة، ناهيك بعدم تطبيق مضامين المادة على نطاق واسع، أقله على مستوى الاجتهادات القضائية المنشورة.

وأخيراً يقتضي الإشارة إلى "تلاعب" بعض أصحاب العمل بقيمة الأجور، بين ما يدفعه حقيقة صاحب العمل للأجيرة أو الأجير، وما يجبرهم للتوقيع على تقاضيه بحكم وجودهم في موقع "الطرف الضعيف".    

المزيد من تقارير