ملخص
يتوقعون في أجهزة الأمن الإسرائيلية أن تركيا لا تعتزم السيطرة بصورة كاملة على سوريا، بل جعلها تابعة سياسية وعسكرية من خلال إقامة جيش سوريا الجديد وإقامة قواعد في أرجاء سوريا، بما في ذلك في جنوبها، على مسافة بضع عشرات الكيلومترات عن أراضي إسرائيل، وهو جانب استدعى إسرائيل إلى إجراء محادثات مع روسيا ومطالبة جهات دولية بالسعي لضمان نشر قوات من الجيش الروسي في الساحل السوري وإضعاف دور تركيا في سوريا.
تسعى إسرائيل لتنفيذ مخطط جديد في سوريا بعدما سيطرت على مناطق واسعة ونشرت قوات معززة من الجيش وأقامت مواقع عسكرية. يهدف المخطط إلى تشكيل واقع جديد في سوريا يمنحها إمكانية مراقبة والسيطرة على مناطق واسعة بذريعة ضمان أمن الحدود ومنع وصول مقاتلين وتنظيمات معادية لها إلى نقاط قريبة من حدودها ومن مرتفعات الجولان.
واتخذت إسرائيل من المذابح التي ارتكبت في حق العلويين حجة لتبعث برسائل إلى سوريا وجهات دولية تؤكد فيها أنها لن تقبل بسيطرة تنظيمات معادية على مناطق قريبة منها. وكشف تقرير إسرائيلي عن محادثات أجرتها تل أبيب مع روسيا أعربت خلالها عن قلقها من التمدد التركي في سوريا ودعت إلى تعزيز وجود الجيش الروسي في الساحل السوري.
جاءت هذه المحادثات في وقت ادعى مقربون من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أنه خلال مناقشته الملف السوري مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، دعم الأخير مطلب الأول بتنفيذ خطة لتشكيل واقع جديد يتضمن أيضاً نزع سلاح منطقة واسعة حتى جنوب دمشق.
وبحسب التقرير الإسرائيلي فإن تل أبيب طالبت واشنطن، منذ وقت قصير، بعدم سحب الجيش الأميركي من سوريا إلى حين ضمان المخطط الذي تضع إسرائيل في هذه الأيام اللمسات الأخيرة لتنفيذه.
وقال المتخصص العسكري الإسرائيلي رون بن يشاي، إن "المذبحة التي ارتكبت في حق العلويين تعزز في إسرائيل الفهم الذي يرى سوريا مصدر تهديدات متعددة تستدعي الاستعداد لها وبذل كل الجهود والإمكانات المتوافرة لمنع تطورها. ليس فقط من جانب المتشددين الذين استولوا على الحكم ويحاولون الآن تسويق صورة معتدلة ومستقرة بل أيضاً من المحاولة لجعل سوريا جزءاً لا يتجزأ، بما في ذلك القواعد العسكرية، من الإمبراطورية العثمانية التي يتطلع (الرئيس التركي) طيب رجب أردوغان لإقامتها".
وبحسب بن يشاي فإن "أحد التهديدات التي تتطور في هذه اللحظة بسرعة وتقلق جداً جهاز الأمن، يأتي من قبل (حركتي) حماس والجهاد الفلسطيني اللتين قد ترغبان بالعمل من سوريا ضد بلدات حدودية إسرائيلية في الجولان وفي إصبع الجليل، بعدما أفرج عن كبار الأسرى من التنظيمين".
تركيا كابوس إسرائيلي
"تركيا لا تخفي رغبتها في السيطرة على سوريا من خلال النظام المتشدد السني"، وفق التقرير الإسرائيلي مضيفاً أنه "صحيح أن هيئة تحرير الشام و(الرئيس السوري) أحمد الشرع لا يتبعان تركيا، لكن أنقرة هي القناة اللوجيستية الوحيدة المفتوحة أمامهم الآن، فهم ملزمون في الإصغاء لأردوغان وبالتأكيد عدم العمل ضد إرادته".
في أجهزة الأمن الإسرائيلية يتوقعون أن تركيا لا تعتزم السيطرة بصورة كاملة على سوريا، "بل جعلها تابعة سياسية وعسكرية من خلال إقامة جيش سوريا الجديد وإقامة قواعد في أرجاء سوريا، بما في ذلك بجنوبها، على مسافة بضع عشرات الكيلومترات عن أراضي إسرائيل"، وهو جانب استدعى إسرائيل إلى إجراء محادثات مع روسيا ومطالبة جهات دولية بالسعي لضمان نشر قوات من الجيش الروسي في الساحل السوري وإضعاف دور تركيا بسوريا.
هذه الخطوة التي تبذل إسرائيل جهوداً لضمانها تأتي بموازاة تنفيذ خطة إعادة تشكيل سوريا من خلال قوات هندسة إسرائيلية وقوات برية تعمل من أقصى الحدود في جبل الشيخ وحتى الحدود المشتركة بين الأردن وسوريا وإسرائيل لضمان تنفيذ الخطة.
#عاجل أجرى رئيس الأركان الجنرال إيال زامير اليوم جولة وتقييمًا للوضع داخل قطاع التأمين في سوريا برفقة قائد القيادة الشمالية العسكرية وقائد الفرقة 210 وقادة أخرين.
— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) March 9, 2025
في المقابل ومنذ ساعات الصباح يجري مراقب جيش الدفاع أعمال مراقبة لفحص حالات الجاهزية والانضباط والروتين العملياتية… pic.twitter.com/MBBDb9EhDU
3 مناطق دفاع- أمن- تأثير
وفق المخطط الإسرائيلي الذي يعده بن يشاي في غاية الأهمية، تعمل إسرائيل على السيطرة على أوسع منطقة ممكنة ومن ثم تقسيمها إلى ثلاث مناطق جغرافية تحولها إلى ما سمتها "منظومة دفاعية" الأولى منها هي المنطقة العازلة التي تمتد من قمة جبل الشيخ وصولاً إلى الحدود السورية- الأردنية- الإسرائيلية، وجنوب طبريا، وسيتم تعزيز القوات العسكرية فيها إلى أجل غير مسمى لأهميتها الاستراتيجية إذ يمكن للجيش، من خلالها، مراقبة ما يحدث في منطقة دمشق وفي البقاع اللبناني.
المنطقة الثانية الأقرب للحدود وتضم بلدات جنوب سوريا وأطلقت عليها تسمية "المنطقة الأمنية"، وفيها ينفذ الجيش الإسرائيلي عمليات يومياً ومنها يتوغل إلى العمق السوري بادعاء الحاجة العملياتية ومنع المسلحين من الاقتراب من الحدود.
أما المنطقة الثالثة وتطلق عليها إسرائيل اسم منطقة "التأثير" ويتجاوز عرضها 65 كيلومتراً ويحدها من الشرق شارع دمشق – السويداء، فهي منطقة تعمل إسرائيل لفرض حكم ذاتي فيها مستقبلاً.
الكشف عن هذا المخطط جاء في وقت كرر نتنياهو ووزير دفاعه، يسرائيل كاتس، تهديداتهما تجاه سوريا، وأكدا جاهزية إسرائيل في حال اقترب مسلحو النظام الجديد في دمشق جنوباً أو تجول المتشددون المسلحون السنة في الجولان، وفق هذه التهديدات.
وبحسب بن يشاي فإن "إسرائيل تراقب من كثب ما يحدث في سوريا وتفرض أساساً لضمان الأمن من خلال سلاح الجو ولا تخفي إرادتها في أن تصبح سوريا فيدرالية". وقال، "في الماضي نشر أن ترمب تحدث مع نتنياهو وطرح إمكانية أن تسيطر إسرائيل على سوريا. في تل أبيب لا توجد نية كهذه، لكن الإسناد من ترمب يسمح لوزير الدفاع ورئيس الحكومة أن يحاولا في الأقل، تصميم واقع جديد مجرد من السلاح جنوبي دمشق في المنطقة المجاورة للحدود مع إسرائيل".
من جهته قال عقيد احتياط موطي يوغاف، وهو قائد سابق في كتيبة غزة، إن "إقامة المناطق العازلة أمر في غاية الأهمية، وإسرائيل ستنفذ مخططاتها وفق التطورات والواقع على الأرض ووفق معلومات استخباراتية". وأضاف، "يجب أن يكون واضحاً أنه من الصعب أن نعلم حقيقة الجولاني (الرئيس السوري أحمد الشرع)، الآن وفي المستقبل، ولا يعقل الثقة برجل يرتدي اليوم بدلة بعدما كان مع داعش، فيما المجزرة التي نفذت في حق العلويين قد تنفذ أيضاً ضد الدروز، الذين نريد حمايتهم ولذلك المخطط الإسرائيلي والمناطق العازلة هي أوراق قوية للدفاع عن إسرائيل".
جدار متطور وعوائق
في هذه الأثناء باشر الجيش الإسرائيلي بإنشاء جدار متطور على طول الحدود، يقع في الأرض السورية، وهو جدار من شأنه أن يرسم حدوداً جديداً بذريعة ضمان أمن إسرائيل. وسيتم تزويده بمختلف التقنيات الحديثة التي تضمن المراقبة وعدم إمكانية التسلل وإلى جانبه ستزرع ألغام في مناطق عدة.
في الوقت نفسه تعمل قوات برية برفقة وحدات هندسية في الجيش على إقامة عوائق ترابية في العمق السوري، تضمن أيضاً أمن بلدات جنوب سوريا التي يسكن معظمها الدروز، بذريعة منع تسلل مقاتلين وتنظيمات معادية.
وتواصل إسرائيل جهودها لضمان بقاء الدروز ضمن سيطرتها فبعد الاتفاق مع المئات منهم أصدرت تصاريح رسمية لإدخالهم إلى المناطق الإسرائيلية للعمل في مجالي البناء والزراعة، وفي المرحلة الأولى سيعملون في مستوطنات الجولان، التي تعرضت بعضها لقصف الصواريخ خلال الحرب مع لبنان التي ألحقت أضراراً كبيرة في البيوت والأراضي الزراعية.
من جهته قال وزير الدفاع يسرائيل كاتس، إن تل أبيب مستمرة في تقديم كل دعم للدروز، قائلاً إن إسرائيل "لن تعتمد على النظام الجديد لضمان أمن الدروز بل سيضمن ذلك الجيش الإسرائيلي الذين سيبقى وقتاً غير محدد. لن نغادر ولن نترك الدروز لوحدهم. من يقترب منهم سنلحق الضرر به وقريباً سنراهم يحضرون إلى الجولان ويعملون فيه ويقضون وقتهم وهذا بدعم الرئيس الأميركي".
أما الباحث في شؤون الشرق الأوسط روني شالوم، فرأى أن "القيادة الإسرائيلية تتحدث كثيراً عن الدروز وحمايتهم من دون أن تركز على المواضيع المركزية والأكثر أهمية". وقال "علينا أن نسمع ما يقولون ونحترم موقفهم ونتصرف وفق ما يريدون هم، ولكن في الوقت نفسه علينا تكثيف جهودنا لإنجاز أوسع منطقة عازلة لضمان أمن الحدود وهذا ما يجب التركيز عليه والتوقف عن الحديث طوال الوقت عن شرق أوسط جديد وتقسيم سوريا وحماية الدروز، وعلينا أن نطرح بداية على المسؤولين إذا هم قادرون على حمايتنا أصلاً".
من جهته قال المستشرق الإسرائيلي إيال زيسر، إنه "من غير المؤكد لنا إذا يمكن تصديق حديث أحمد الشرع والثقة به ولكن على إسرائيل التعامل معه وفقاً لقاعدة أحترمه وأشكك به".
وقال إنه "ينبغي على إسرائيل وضع مهمة رئيسة بعدم السماح بتثبيت كيان إرهابي عند حدودها الشمالية وفي الوقت نفسه ليس لإسرائيل أي مصلحة لجعل نفسها عدواً لسوريا الجديدة طالما أنها لا تبث العداء والعدوان تجاهنا".
وعدد زيسر "أخطاء إسرائيل في سوريا"، محذراً من ورطة كبيرة هناك. وقال "في الأشهر الثلاثة الأخيرة ارتكبت إسرائيل كل خطأ ممكن في سوريا. أولاً، احتلال أراض في داخل سوريا من دون أي حاجة أمنية، بل بمجرد أنه ممكن، ولأن صورة الأمر تبدو جميلة. ثانياً، إعلان فارغ من المضمون عن إقامة منطقة مجردة من السلاح من جنوب دمشق، وهو أمر غير عملي. وأخيراً، الإعلان أننا سنأتي لنجدة الدروز الذين لا يريدون نجدتنا على الإطلاق".
ويشير زيسر إلى أن "الدروز في سوريا مثل إخوانهم في لبنان وفي إسرائيل، يرون أنفسهم جزءاً لا يتجزأ من الدولة التي يعيشون فيها. اليوم هم يكافحون في سبيل مكانتهم في سوريا حيال الشرع ورجاله الذين لاحقوهم بل وقتلوا منهم في الماضي. ولكن الدروز رأوا ولا يزالون يرون أنفسهم سوريين، وغني عن القول إنه لا يطرأ على بالهم أن يطلبوا مساعدة مباشرة من إسرائيل. فبعد كل شيء، هم يعرفون بصورة أفضل منا أن عندنا السياسة تتغير مثل مؤشر اتجاه الريح، لكن مستقبلهم هو أن يبقوا في المجال السوري، وهم لا يريدون أن يوصم هذا المستقبل بوصمة التعاون معنا".
وحذر من تداعيات المخططات الإسرائيلية التي من شأنها في نهاية الأمر أن تدفع سوريا إلى أذرع تركيا، وقال، "نحن ندفع سوريا بأيدينا إلى أذرع تركيا، ومن لا يريد الشرع سيتلقى أردوغان".