Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تصريحات ترمب في شأن أوكرانيا خطرة وتهدد وجودها

خطة "السلام" التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد تجعل من أوكرانيا مجرد منطقة عازلة بدلاً من أن تكون دولة حقيقية، وهو ما يثير مخاوف جدية تتعلق بالنهج الذي يتبعه سيد البيت الأبيض في الدبلوماسية

لوحة الفنان الروسي أليكسي سيرغيينكو "سلامٌ للسلام"، التي تُصوّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترمب، تُعرض في معرض بسانت بطرسبرغ في 12 مارس 2025. رُسمت اللوحة عام 2017 قبل اللقاء الأول للرئيسين في قمة مجموعة العشرين في هامبورغ. (أ ف ب)

ملخص

تصريحات ترمب حول أوكرانيا تعكس نهجه الاستعراضي في الدبلوماسية، إذ تثير خطته "للسلام" مخاوف من تحويل أوكرانيا إلى منطقة عازلة، فيما تشير المفاوضات الأميركية - الروسية إلى احتمال فرض اتفاق يهدد سيادة كييف ويعيد تشكيل النظام العالمي وفق مصالح القوى الكبرى.

يعد دونالد ترمب ظاهرة سياسية استثنائية، ولا شك في أن أحداً لا يتعامل مع مسألة إحلال السلام بالطريقة التي ينتهجها الرئيس الـ47 للولايات المتحدة. فقبل أن يدخل عالم السياسة، كان رجل استعراض بمقدار ما كان رجل أعمال، واليوم يتعامل مع الدبلوماسية كما لو كانت عملاً استعراضياً.

عندما دان سلفه في البيت الأبيض ودرو ويلسون - وهو الرئيس الـ28 للولايات المتحدة - "الدبلوماسية السرية" التي اعتبرها السبب الرئيس وراء للحرب العالمية الأولى، ودعا إلى "مواثيق سلام تبرم في العلن وبشفافية"، فمن المرجح أنه لم يكن يتخيل أبداً أن دونالد ترمب سيستغل التغطيات الإخبارية المتواصلة على مدار الساعة، ويحولها إلى منصة للترويج لـ"خطته" المتعلقة بوضع حد للحرب في أوكرانيا.

تظل قناة "فوكس نيوز" المصدر الذي يلجأ إليه الرئيس الأميركي لمعرفة آخر المستجدات المتعلقة بالمفاوضات، ففي إحدى المقابلات وجه ترمب تحذيراً مقلقاً عندما قال إن "أوكرانيا قد لا تنجو" من الحرب ما لم تتحقق شروطاً معينة، لكنه ما لبث أن خفف لهجته في تصريحات مرتجلة للقناة نفسها على متن الطائرة الرئاسية، عندما قال إن "أوكرانيا ستبلي بلاء حسناً وكذلك وروسيا، وقد تحدث تطورات كبيرة جداً هذا الأسبوع".

اقرأ المزيد

يشار إلى أن محادثات انطلقت في مدينة جدة السعودية بين مبعوثي الرئيس الأميركي وممثلين عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فيما سيكون هناك وفد أوكراني في مكان قريب من قاعة الاجتماعات. في الوقت نفسه، سيبقى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في العاصمة السعودية الرياض، من دون أن يشارك بصورة مباشرة في المفاوضات.

إن حقيقة أن أكبر ثلاث دول منتجة للنفط في العالم [السعودية والولايات المتحدة وروسيا] قد تجد قضايا مشتركة يمكن التباحث فيها وعقد صفقات في شأنها - بصرف النظر عما قد تتفق عليه واشنطن وموسكو في شأن أوكرانيا - تعد مسألة ذات تأثير كبير في مصير هذه الدولة.

فقد أوضح الرئيس ترمب أن أوكرانيا قد تضطر إلى مقايضة مواردها من المعادن الأرضية النادرة بالسلام، وأن هذه الإمكانات قد ترهن من كييف ثمناً لذلك، لكن الأسعار الفعلية للطاقة في العالم، قد يحددها قرار يتخذه المنتجون "الثلاثة الكبار" الآن.

وفي حين قد تعقد اتفاقات سرية في الرياض، يبدو أن أوكرانيا ستواجه قريباً إنذاراً روسياً أميركياً يقضي بأن تحتفظ بما تبقى من أراضيها في مقابل نزع سلاحها وتبني الحياد.

كثيراً ما كره الأوكرانيون التسمية الإنجليزية القديمة لبلادهم، "أوكرانيا" The Ukraine، التي تعني "الأراضي الحدودية" The Borderland. وربما قريباً قد تتقلص وتتحول إلى دولة عازلة.

لعل النتيجة الأقل سوءاً لأوكرانيا اليوم، تتمثل في التوصل إلى اتفاق سلام يشبه ذلك الذي أبرمه الزعيم السوفياتي الراحل جوزف ستالين مع فنلندا قبل نحو 85 عاماً.

والواقع أن الجميع يتذكرون "حرب الشتاء" بين فنلندا والاتحاد السوفياتي، أو يعتقدون أنهم يتذكرونها. إذ غزا ستالين فنلندا في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1939، بهدف استبدال حكومتها بنظام صوري مدعوم من السوفيات، بقيادة شيوعي سوفياتي من أصل فنلندي. ومع ذلك، تكبد "الجيش الأحمر" آنذاك خسائر فادحة، تشبه إلى حد كبير ما حدث لقوات بوتين في عام 2022.

لقد نسي كثيرون أن الأعداد الروسية الهائلة كانت هي التي طغت في نهاية المطاف على المقاومة الفنلندية، مما سمح لستالين بالاستيلاء على أجزاء من البلاد. إلا أنه بعد عام 1945، ترك الكرملين الحرية للفنلنديين بأن يحكموا بلادهم بأنفسهم، ما دام أنهم حافظوا على الحياد.

وكان مصطلح "الفنلدة" Finlandisation تعبيراً استخدم للازدراء على مدى عقود في "حلف شمال الأطلسي"، إلى حين دفع الغزو الروسي لأوكرانيا بهيلسنكي إلى التخلي عن موقفها غير المنحاز.

ومع ذلك، فإن نموذج فنلندا - الدولة المستقلة والديمقراطية والقادرة على الدفاع عن نفسها - يمكن أن يكون مثالاً يحتذى لأوكرانيا مستقرة وقابلة للحياة ما بعد الحرب.

قد لا يكون بوتين، الذي يجلس الآن في مكتب ستالين في الكرملين، متساهلاً كسلفه. وربما يرى أن فرض اتفاق سلام على زيلينسكي هو وسيلة لكسر التضامن الوطني الأوكراني.

فحتى لو قبل الرأي العام في أوكرانيا على مضض خسارة شبه جزيرة القرم ومناطق في الجنوب الشرقي للبلاد من أجل السلام، فإن الميليشيات القومية المتشددة المنخرطة في الجيش الأوكراني، قد تقاوم - وربما حتى تنظم انقلاباً لمنع هذا الاتفاق. وقد تلعب الاضطرابات الداخلية لمصلحة الزعيم الروسي، ومن المرجح أن تقوض فرص الدعم المستقبلي من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لأوكرانيا ما بعد الحرب.

ونظراً إلى الدور الكبير الذي اضطلعت به كييف في إجراءات عزل دونالد ترمب قبل أعوام، فإن الرئيس الأميركي العائد لديه دوافع شخصية لإنهاء الحرب، حتى لو جاء ذلك على حساب أوكرانيا، وبغض النظر عن الأخطار المستقبلية التي قد تواجهها، أو حتى عن تعريض موقف "حلف شمال الأطلسي" في أوروبا الشرقية للخطر، التي يشير إليها باسم "المنطقة الصعبة".

لكن يبدو أن فريق الرئيس الأميركي يسعى أيضاً إلى هدف أوسع نطاقاً لا يقتصر على إعادة رسم الحدود الروسية - الأوكرانية فحسب، بل إعادة تشكيل النظام العالمي، وكما قال ترمب: "قد تحدث بعض التطورات الكبيرة جداً هذا الأسبوع".

© The Independent

المزيد من تحلیل