ملخص
إعادة ترسيم الدوائر الانتخابية في الهند عام 2026 ستمنح الولايات الشمالية ذات النمو السكاني المرتفع تمثيلاً أكبر، مما يعزز نفوذ حزب بهاراتيا جاناتا ويضعف تأثير الولايات الجنوبية التي التزمت بضبط النمو السكاني، وسط جدل سياسي حول عدالة التوزيع وتأثيره في مستقبل الديمقراطية الهندية.
ستشهد الهند تحولاً سياسياً هائلاً عام 2026، من خلال إعادة رسم الدوائر البرلمانية بما يعكس التغيرات السكانية.
ويزعم مؤيدو الخطة أنها ستضمن تمثيلاً عادلاً يستند إلى الواقع الديموغرافي، بينما يرى المعارضون أنها عقاب للولايات الجنوبية التي التزمت بالإرشادات الوطنية لضبط النمو السكاني، مقابل مكافأة المقاطعات الشمالية التي تجاهلت هذه الإرشادات.
ويلفت المحللون السياسيون إلى أن هذه الخطوة ستكون مربحة انتخابياً لحزب بهاراتيا جاناتا بقيادة ناريندرا مودي، الذي يستمد دعمه الأساسي من المناطق الناطقة بالهندية في شمال البلاد.
ويرى المعارضون أن زيادة عدد المقاعد في مناطق الشمال هي محاولة واضحة من رئيس الوزراء الهندي لتعزيز قبضة حزبه على السلطة في المستقبل المنظور.
ما المقصود بإعادة التقسيم الانتخابي؟
إعادة التقسيم الانتخابي هي عملية إعادة رسم الدوائر البرلمانية والتشريعية المحلية بما يتناسب مع التغيرات الديموغرافية.
تُجرى عملية إعادة التقسيم الانتخابي بشكل دوري من قبل لجنة مستقلة أنشأها البرلمان، وتهدف إلى ضمان تمثيل أكثر عدالة للولايات الأكثر اكتظاظاً بالسكان في المجلس التشريعي.
سبق للهند أن أجرت هذه العملية في الأعوام 1951 و1961 و1971.
وفي عام 1976، عندما كان عدد السكان نحو 550 مليون نسمة، تم تحديد عدد مقاعد مجلس النواب (لوك سابها) بـ 543 مقعداً، وذلك لعدم معاقبة الولايات التي خفضت معدلات نموها السكاني، كما جاء في تقرير نشرته صحيفة "هندو" The Hindu.
وكان الهدف من هذا التجميد تشجيع تبني سياسات تنظيم النسل من دون الخوف من فقدان التمثيل البرلماني.
وفي عام 2002، مددت حكومة أتال بيهاري فاجبايي التابعة لحزب بهاراتيا جاناتا هذا التجميد حتى عام 2026 على الأقل.
ويبدو رئيس الوزراء ناريندرا مودي عازماً على كسر حالة الجمود السياسي.
وقد تزايدت المخاوف من أن حكومته ستعتمد أحدث أرقام التعداد السكاني في عملية إعادة التقسيم الانتخابي. ومن المتوقع أن تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة عدد المقاعد للولايات الشمالية ذات النمو السكاني المرتفع مثل أوتار براديش وبيهار، مقابل تقليص التمثيل البرلماني للولايات الجنوبية كتاميل نادو وكيرالا.
معارضة إعادة التقسيم
تتصدر ولاية تاميل نادو المعارضة السياسية لهذه العملية، متخوفة من تراجع نفوذها السياسي بشكل غير عادل.
وعقد رئيس وزراء ولاية تاميل نادو أم. كيه. ستالين اجتماعاً لجميع الأحزاب الأسبوع الماضي لمناقشة استراتيجيات مواجهة التداعيات المحتملة لإعادة التقسيم الانتخابي.
وخلال الاجتماع، الذي تغيب عنه ممثلو حزب بهاراتيا جاناتا في الولاية، توصلت الأحزاب المشاركة إلى توافق واضح وهو يجب ألا تعاقَب الولايات التي نجحت في السيطرة على نموها السكاني بتخفيض تمثيلها السياسي.
وصرح وزير المالية في الولاية ثانغام ثناراسو عقب الاجتماع: "أشكر جميع الأحزاب التي حضرت وأيدت بالإجماع المقترح الذي قدمه رئيس الوزراء [الولاية] بشأن عملية إعادة التقسيم. باستثناء البعض وهم قلة، انحازت معظم الأحزاب السياسية إلى جانب الحكومة المحلية للدفاع عن حقوقها".
كيف يستفيد مودي وحزبه من التغيير؟
السبب الرئيس لكون عملية إعادة التقسيم الانتخابي تثير جدلاً يعود لتأثيراتها السياسية المحتملة. ويواجه حزب بهاراتيا جاناتا صعوبة في كسب نفوذ في الولايات الجنوبية، وبخاصة تاميل نادو وكيرالا وتيلانغانا، حيث تسيطر الأحزاب الإقليمية والمؤتمر الوطني.
وفي المقابل، يحظى الحزب بدعم واسع في الشمال، وتحديداً في الولايات الناطقة بالهندية مثل أوتار براديش وبيهار ومادهيا براديش.
وإذا تم توزيع المقاعد البرلمانية بناءً على أحدث أرقام التعداد السكاني، سيستفيد الحزب بشكل كبير من التمثيل الإضافي المتوقع في المناطق الناطقة بالهندية.
وتشكل الولايات المستفيدة الرئيسة من إعادة التقسيم وهي أوتار براديش وبيهار وراجستان، بالفعل معاقل قوة لحزب بهاراتيا جاناتا. وستؤدي زيادة التمثيل البرلماني لهذه الولايات على الأرجح إلى منح الحزب حصة أكبر من مقاعد مجلس النواب، مما يجعل من الصعب على تحالفات المعارضة تحدي هيمنة مودي في الانتخابات المستقبلية.
فعلى سبيل المثال، قد ترتفع حصة ولاية أوتار براديش من 80 إلى 128 مقعداً، وولاية بيهار من 40 إلى 70 مقعداً.
وفي المقابل، قد لا تشهد ولايات مثل تاميل نادو (39 مقعداً)، وكارناتاكا (28 مقعداً)، وأندرا براديش (25 مقعداً) تغييرات كبيرة، مما يحد من قدرة الأحزاب المعارضة على موازنة الميزة العددية المتزايدة للحزب في الشمال.
تأثير ذلك في الولايات الجنوبية
يحذر المحللون السياسيون من أن إعادة التقسيم الانتخابي قد تكرس الهيمنة الانتخابية لحزب بهاراتيا جاناتا لعقود مقبلة. إذا ارتفع عدد المقاعد بشكل كبير في الولايات الشمالية، قد يتمكن الحزب من الفوز بالانتخابات حتى مع نسبة أصوات أقل.
وقد يصبح من شبه المستحيل على المعارضة الإطاحة بحكومة مودي، حتى لو حققت نجاحات كبيرة في الولايات الجنوبية والمناطق التي لا يسيطر عليها حزب بهاراتيا جاناتا.
وحول ذلك، قال أ. سارافانان، المتحدث باسم حزب "درافيدا مونيترا كازاغام" (دي أم كيه) الحاكم في ولاية تاميل نادو: "الولايات التي اتبعت بدقة إجراءات التحكم في النمو السكاني أصبحت الآن في وضع غير مواتٍ مقابل الولايات التي لم تفعل ذلك. لقد أسهمنا في اقتصاد هذا البلد ونموه، وأطعنا التوجيهات، والآن تريدون معاقبتنا".
وبدوره، حاول وزير الداخلية الاتحادي أميت شاه، الذراع الأيمن لمودي، طمأنة المنتقدين، مؤكداً أنه "لن يخسر أحد ولو مقعداً واحداً" بسبب إعادة التقسيم.
لكن المنتقدين يشيرون إلى أنه وإن لم تفقد الولايات الجنوبية مقاعدها، فإن الزيادة الكبيرة للولايات الشمالية ستضعف نفوذها السياسي بشكل فعلي.
وصرح أنبوماني راماداس، زعيم حزب باتالي مكال كاتشي الإقليمي في تاميل نادو: "لم يذكر أميت شاه كم سيزيد من المقاعد في الولايات الشمالية. وسؤالنا هو: لماذا تعاقبوننا عندما نجحنا في برامج الحكومة الهندية لتثبيت النمو السكاني؟".