Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

سلاح لغوي إسرائيلي بالذكاء الاصطناعي لمراقبة الفلسطينيين

يحلل اللهجة العامية ويشمل النموذج 100 مليار كلمة ويفهم المصطلحات العسكرية للجماعات المسلحة

جنود الوحدة 8200 الخاصة بالتجسس خلال خدمتهم (الجيش الإسرائيلي)

ملخص

كشف تحقيق عن أن الوحدة 8200 الإسرائيلية بدأت بتدريب نموذج ذكاء اصطناعي جديد عالي القوة يشبه برنامج "شات جي بي تي"، وذلك بناءً على كميات كبيرة من المحادثات بالعربية المحكية (العامية) بين سكان الأراضي الفلسطينية.

أثناء اللهو فوق ركام بعض أنقاض المنازل المدمرة في مخيم جنين شمال الضفة الغربية لاحظ ياسر زريق (12 سنة) حجراً غريب الصورة ذا ثقوب، لتكشف عائلته فيما بعد أنه جهاز تجسس تركته قوة من الجيش أثناء دهم المنزل. ومع كل اقتحام وعملية عسكرية ينفذها الجيش الإسرائيلي داخل مدن ومخيمات الضفة تحلق مسيرات "كواد كابتر" بصورة روتينية أثناء ذلك للتصوير ومحاولة جمع معلومات استخباراتية عامة، إلا أن دورها خلال الآونة الأخيرة بات أكثر خطورة عما مضى، بعدما لاحظ فلسطينيون إلقاءها أجهزة تجسس جديدة بعضها يحمل كاميرات وأخرى للتنصت، وبعضها يكون بحجم صغير جداً.

الجيش الإسرائيلي ووفقاً لتأكيد متحدثه الرسمي يعمل من خلال مجموعة متنوعة من الأساليب والأدوات الاستخباراتية لكشف "النشاط الإرهابي" الذي تقوم به المنظمات المعادية في الشرق الأوسط والحد منه. وبسبب حساسية المعلومات لم يتمكن المتحدث من تقديم تفاصيل حول نوعية الوسائل والأساليب، بما في ذلك عمليات معالجة المعلومات، إلا أنه أكد أن استخدام الجيش للأدوات التكنولوجية يتم من خلال عملية صارمة يقودها متخصصون بهدف ضمان أقصى قدر من الدقة للمعلومات الاستخباراتية.

وكشف تحقيق أجراه موقع "سيحا ميكوميت" وصحيفة "الغارديان" البريطانية عن أن الوحدة 8200 الإسرائيلية بدأت بتدريب نموذج ذكاء اصطناعي جديد عالي القوة، يشبه برنامج "شات جي بي تي"، وذلك بناءً على كميات كبيرة من المحادثات بالعربية المحكية (العامية) بين سكان الأراضي الفلسطينية جمعت من المحادثات الهاتفية والرسائل النصية التي تم الحصول عليها من خلال مراقبتها وطرق أخرى.

عمل مكثف

بعد بدء الحرب على قطاع غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 تنبه الجيش الإسرائيلي إلى ضرورة المسارعة لتطوير نظام التجسس الذي دخل مرحلة التدريب بحلول النصف الثاني من عام 2024. وعلى رغم أن وحدة 8200 تستخدم منذ عقود نماذج لغوية أصغر تسمح بتصنيف معلومات وتسجيل محادثات والبحث عن كلمات رئيسة، مكن رفع التغطية وتوسيع البيانات وفق مطوري النظام الجديد من زيادة جدية في عدد الاعتقالات في صفوف الفلسطينيين المشتبه فيهم، وعمق السيطرة على السكان.

وقال جنود إسرائيليون خدموا في الوحدة 8200 إنهم كانوا يتتبعون أشخاصاً غير ضالعين بنشاط عسكري، إلا أنهم وفي إطار المراقبة، جمعوا معلومات يمكن استخدامها لإخضاع بعضهم للعمل كعملاء لمصلحة إسرائيل. وعلى عكس "شات جي بي تي" القائم على أساس مليارات النصوص العلنية المأخوذة من الإنترنت، باللغة الإنجليزية ولغات أخرى، فإن الأداة الجديدة التي تعرف كـ"نموذج لغة كبير" تشبه روبوت الدردشة وقادرة على الإجابة عن أسئلة حول الأشخاص الذين تراقبهم، وتوفير بيانات انطلاقاً من الكميات الهائلة من بيانات المراقبة التي تجمعها وحدة 8200.

 

 

وبحسب تصريحات قادة في الوحدة فقد تم تدريب النموذج الجديد "أل أل أم" على 100 مليار كلمة باللغة العربية المحكية، فيما أكد الباحث الكبير في مجال التكنولوجيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش" زاك كامبل أن "معلومات شخصية جداً، تم أخذها من أشخاص غير مشتبه فيهم في جرائم، لغرض تدريب أداة يمكنها بعد ذلك المساعدة في إثبات اشتباه".

وخلال مؤتمر للذكاء الاصطناعي العسكري في تل أبيب عام 2024 قال المسؤول السابق تشاكيد سيدوف أمام الجهور "لقد حاولنا على الإطلاق جمع كل البيانات الممكنة التي كانت لدى دولة إسرائيل باللغة العربية، إلا أن النموذج يتطلب كميات هائلة من البيانات".

ذكاء اصطناعي

لأن اللغة العربية المحكية (العامية) هي بيانات لا توجد على الإنترنت تقريباً، ولا توجد نصوص محادثات أو محادثات "واتساب" على الإنترنت، فقد عملت الوحدة 8200 على تسخير التقدم في الذكاء الاصطناعي لأداء مهام تحليلية معقدة وفهم الكميات الهائلة من الكلمات والجمل التي تم جمعها، حتى وإن كانت لمحادثات يومية لا قيمة استخباراتية لها.

ووفقاً لموقع "سيحا ميكوميت" الإسرائيلي فإن المعلومات عن حجم النموذج الجديد تُظهر حجم الاتصالات التي تم اعتراضها وتسجيلها لفلسطينيين، والتي جُمعت من خلال ما وصفه مسؤولون استخباراتيون إسرائيليون وغربيون حاليون وسابقون بمراقبتها الشاملة للاتصالات الفلسطينية.

اقرأ المزيد

ويرى محللون أن الذكاء الاصطناعي المستخدم في نموذج "أل أل أم" الجديد والمتطور لا يعزز القوة بمنع الهجمات بإطلاق النار وحسب، بل يمكنه تتبع نشطاء حقوق الإنسان ومراقبة البناء الفلسطيني في المنطقة ج من الضفة الغربية. وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية في وقت سابق إن تقنيات المراقبة المستخدمة في الفضاء العام الإسرائيلي تشير إلى كون أن "إسرائيل قد تحولت إلى دولة رقابة شاملة"، تسجل جميع الحركات على الإنترنت وكل التعاملات المالية، إضافة إلى عدد كبير من الكاميرات ومستشعرات الرقابة المنتشرة التي تسجل البيانات وتحفظها في قاعدة بيانات كبيرة.

وأكدت الصحيفة أن قاعدة البيانات البيومترية التي تحتفظ بها المنظومة الأمنية في إسرائيل تحوي 5.5 مليون صورة وجه و3.8 مليون بصمة إصبع. كما طورت الوحدة 8200 خلال الأعوام الأخيرة مجموعة من الأدوات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي كأنظمة "لفندر" و"جوزبل" التي تم دُمجت بسرعة بعد السابع من أكتوبر 2023 في العمليات القتالية في حرب غزة، والتي لعبت دوراً مهماً في قصف الجيش مناطق فيها أهداف محتملة وعرضتها لضربات قاتلة.

وأوضحت مجلة "972+" الإسرائيلية أن تحقيقات أجريت خلال الحرب الأخيرة في غزة أزاحت الستار عن أن الجيش الذي استخدم برنامج "لفندر" لكي ينشئ قائمة بأسماء عشرات الآلاف من الفلسطينيين المشتبه في انتمائهم إلى منظمات مثل "حماس" أو "الجهاد الإسلامي" تناسى أن البرنامج يخطئ في 10 في المئة من الحالات، إذ أكدت التحقيقات أن ضباط الاستخبارات صادقوا فعلاً على الهجمات على الأسماء التي ظهرت في القائمة.

خبراء احتياط

بعد أن أصدرت شركة "أوبن أي أي" برنامج "شات جي بي تي" في أواخر عام 2022 قدم متخصصون في الذكاء الاصطناعي في الوحدة "8200" طلباً إلى الشركة لتشغيل البرنامج على أنظمة الجيش والحصول على إمكان وصول مباشر إلى محرك اللغة واستيراده إلى المنظومة الداخلية والمنفصلة عن الإنترنت لدى الوحدة، وهو ما رفضته الشركة، بينما النماذج المتوافرة من شركات أخرى كانت قادرة فقط على معالجة معلومات باللغة العربية الفصحى، وليست المحكية، مما دفع ضباطاً إسرائيليين من ذوي الخبرة في مجال تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي جاء بعضهم من شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى، مثل "غوغل" و"ميتا" و"مايكروسوفت" للانضمام إلى الوحدة لتطوير النموذج الجديد.

في المقابل أكدت شركة "غوغل" أن العمل الذي يقوم به موظفوها كجنود احتياط في الجيش الإسرائيلي "غير مرتبط" بالشركة. ووفقاً لما جاء في التحقيقات فإن المتخصصين ممن يتمتعون بمعرفة لم تكن متاحة من قبل، طوروا من إمكانات الوحدة 8200 لشراء مزارع خوادم متقدمة بعشرات ملايين الدولارات لتدريب نموذج اللغة ليتكون في النهاية من نحو 100 مليار كلمة. وسعت الوحدة إلى تدريب النموذج لفهم المصطلحات العسكرية المحددة للجماعات المسلحة، وذلك أثناء تحليل المحادثات الهاتفية التي اعتُرضت تلقائياً.

 

 

ولا تمتلك السلطة الفلسطينية أو الشركات المخصصة بتزويد الفلسطينيين بالاتصالات والإنترنت أية نقاط تزويد من الكابلات البحرية لتزويد الإنترنت الممتدة حول العالم، إذ لا سلطة لها على الساحل البحري الفلسطيني، وبذلك يقتصر وجود نقاط التزويد فقط في كل من تل أبيب وحيفا، حيث توجد نقاط مزودة بكابلات إنترنت بحرية. وعلى رغم أن شركة الاتصالات الفلسطينية حصلت على امتياز تزويد الفلسطينيين خدمة الإنترنت المستقل، فإن خدماتها للجمهور وما تؤسسه من بنية تحتية للاتصالات يتم فقط من خلال التعامل مع مزود الاتصالات الحكومية في إسرائيل "بيزك".

نماذج لغوية

في الضفة الغربية بدأ الجيش في استخدام نماذج لغوية قادرة على مسح نطاق واسع جداً من المعلومات وتحديد الفلسطينيين الذين يستخدمون كلمات تدل وتندرج تحت مفهوم "الشغب"، إذ تسمح بترتيبها باللغة العربية وترجمتها إلى العبرية وتصفيتها بنجاعة، بحيث تصبح متاحة يومياً بصورة سريعة ومباشرة ومن دون المرور بمراكز الوحدة 8200، مما أعطى الألوية لفرق الجيش الإسرائيلي في الضفة لتنفذ اعتقالات واسعة.

ولا يقتصر جمع المعلومات فقط من خلال الأدوات التقنية والذكاء الصناعي، فهناك مهام يدوية يقوم بها الجنود في الضفة الغربية بصورة روتينية يومياً أثناء نصب عديد من الحواجز تقوم على تمرير استمارات من أجل تعبئتها وتقديم معلومات مع القيام بتصوير المركبات الفلسطينية العابرة على الطرق والهويات وتسجيل لوحاتها، وأحياناً تصوير أصحابها بهواتف الجنود.

ووفقاً لما ذكره مدير المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي الذي يُعنى بالحقوق الرقمية "حملة" نديم ناشف فإن تسلح إسرائيل بعمق في تقنيات الذكاء الاصطناعي بطرق احترافية "هدفه الحفاظ على نظام الفصل العنصري للسيطرة أكثر فأكثر على حياة الفلسطينيين".

المزيد من تقارير