ملخص
بدا "حميدتي" محتفياً بالتحالفات السياسية والعسكرية الجديدة التي دخلت فيها قوات "الدعم السريع"، مشيراً إلى أن القتال في الفترة المقبلة "سيكون مختلفاً من كل الجبهات".
بعد فترة من التوقف عن الظهور العلني، هدد قائد قوات "الدعم السريع"، محمد حمدان دقلو، الشهير بـ"حميدتي"، في وقت تحقق فيه قوات الجيش تقدماً مطرداً في المعارك على مدار الأشهر الماضية، بتصعيد جديد في المعارك ضد الجيش، مشدداً على أن قواته لن تخرج من العاصمة الخرطوم، والقصر الجمهوري على وجه الخصوص.
زي الحرب
ظهر قائد "الدعم السريع"، على غير العادة في خطاباته المصورة، وهو يرتدي هذه المرة زي الميدان (الكدمول)، في إشارة إلى استعداده للمضي قدماً في التصعيد العسكري والمواجهات الحربية، مهدداً بأن "الوضع مختلف حالياً" بعد التحالفات التي دخل فيها "الدعم السريع"، والتي أحدثت تغييراً كبيراً في قواته.
هدد حميدتي بأن ذكرى تأسيس قوات "الدعم السريع"، التي توافق اليوم الإثنين 17 مارس (آذار)، وتتزامن كذلك "مع ذكرى معركة بدر الكبرى"، ستكون "يوم حسرة وندم" على الجيش وحلفائه، مؤكداً أن قواته عازمة على تحقيق "النصر" في النهاية، وفق تعبيره.
كما توعد قائد قوات "الدعم السريع" بتنفيذ عمليات عسكرية، مع إمكانية تقدم قواته نحو مدن بالولاية الشمالية وولاية نهر النيل، وصولاً إلى العاصمة الإدارية الموقتة بورتسودان على البحر الأحمر.
وشدد على أن قواته ستظل موجودة في العاصمة الخرطوم، وتحديداً في القصر الجمهوري، ومصممة على عدم التراجع في مواجهة الجيش السوداني.
تحالفات وتغييرات
بدا حميدتي محتفياً بالتحالفات السياسية والعسكرية الجديدة التي دخلت فيها قوات "الدعم السريع"، مشيراً إلى أن القتال في الفترة المقبلة "سيكون مختلفاً من كل الجبهات"، معرباً عن ترحيبه بـ"الدستور الجديد" الذي وقعت عليه قوات "الدعم السريع" وحلفاؤها في فبراير (شباط) الماضي بالعاصمة الكينية نيروبي، وداعياً التحالف الجديد إلى العمل على تحقيق مصالح السودان ومنع تقسيمه.
وهدد بأن القتال في الفترة المقبلة سيكون مختلفاً بعد أن تم تدمير 80 في المئة من قدرات سلاح الطيران التابع للجيش. وحذر "حميدتي" من وجود مساعٍ لتنفيذ مخطط لـ"فصل دارفور" في سيناريو مماثل لما حدث في فصل جنوب السودان، متهماً الجيش بأنه بات "مجرد واجهة تضم مجموعات من الكتائب".
وشكر كينيا على استضافتها "توقيع الميثاق"، مشيراً إلى أنها دولة ديمقراطية نموذجية تفتح أبوابها دائماً لـ"المهمشين". كما أضاف أن التاريخ سيشهد على مواقف نيروبي تجاه السودانيين.
"حصار القصر"
في الأثناء، أعلن الناطق الرسمي باسم الجيش، العميد ركن نبيل عبدالله، إحراز قوات الجيش السوداني تقدماً مهماً في وسط الخرطوم. وأضاف عبدالله أن هذا التقدم يأتي في إطار الجهود المستمرة لتحقيق الأمن والاستقرار في العاصمة، مؤكداً العزيمة القوية للقوات المسلحة في تنفيذ مهامها بنجاح.
وأوضحت مصادر ميدانية أن قوات الجيش "أكملت الحصار على قوات العدو داخل محيط القصر الجمهوري ومنطقة المقرن، وأغلقت كل المنافذ بعد وصولها إلى موقف (شروني) المطل مباشرة على شارع القصر، واستلام مجمع خدمات الجمهور التابع للشرطة بمنطقة السجانة، بجانب نادي الأسرة، وموقف شروني، وحديقة القرشي، والانتشار في شوارع أحياء الصحافة".
وأضافت المصادر أن قوات الجيش أحكمت قبضتها على وسط الخرطوم بعد التقاء قوات سلاح المدرعات مع قوات القيادة العامة وسط الخرطوم، وتحييد منصات مدفعية "الكورنيت" والقناصين الموجودين بأبراج النيلين التي كانت تشكل أكبر عائق للتقدم بسبب موقعها الاستراتيجي وبناياتها العالية، مشيرة إلى أن القوات الخاصة بدأت استخدام الدخان والغاز المسيل للدموع لدفع عناصر "الدعم السريع" للخروج من تحصيناتهم داخل المباني.
وكان قائد "الدعم السريع" قد حذر الدول التي ساعدت الجيش من تحمل عواقب مساعداتها مستقبلاً، مشدداً على عدم السماح بتحويل السودان إلى "مركز للإرهاب"، بحسب وصفه.
تكهنات وتساؤلات
في السياق، يرى الباحث الأمني والمراقب العسكري إسماعيل يوسف، أن خطاب قائد قوات "الدعم السريع" الأخير يفتح كثيراً من التكهنات والتساؤلات والقلق حول طبيعة ونوع التصعيد المحتمل، الذي توعد به في المرحلة المقبلة، والأخيرة من عمر الصراع في السودان.
وأشار يوسف إلى أن تهديد قائد "الدعم السريع" صراحة بمهاجمة مدن شمال السودان وحتى البحر الأحمر، يؤكد نيته الدخول في موجة جديدة من التصعيد الحربي، يمكن أن تزيد من تعقيد الوضع العسكري في السودان.
وتابع أن "تهديدات حميدتي تنطوي على غضب شديد من الخسائر الكبيرة التي بدأت تتكبدها قواته وتراجعها الميداني المستمر منذ خسارتها ولاية الجزيرة، كما تشير في الوقت نفسه إلى وجود خطة للتحرك العسكري من جانبه نحو مناطق الشمال وساحل البحر الأحمر، قد تدفع بالصراع إلى مرحلة أكثر خطورة، من خلال توسيع غير مسبوق لدائرة المواجهات".
ترسانة جديدة
كذلك، وفق يوسف، يشير توعد حميدتي الجيش إلى احتمال حصوله على ترسانة أسلحة جديدة ومتطورة، من شأنها أن تعزز قدرات قواته العسكرية، استعداداً لمرحلة جديدة من المواجهات يسعى فيها إلى بعض التعديل في ميزان القوى على الميدان، مما يثير القلق بشأن جديته في توسيع نطاق الحرب بشكل أكبر ومفاقمة تعقيدات الوضع في البلاد.
وأوضح المراقب العسكري أن "مضمون الخطاب جاء أكثر عدوانية هذه المرة، ومختلفاً من حيث الشكل والمضمون عن خطاباته السابقة، إذ ظهر وهو يتوشح الزي الميداني (الكدمول) ومن دون (الشارات العسكرية) لرتبة الجنرال على كتفيه، ليبدو بذلك خطاب حرب خالياً من اللمسات الدبلوماسية أو مغازلة المجتمع الدولي".
ووصف يوسف تأكيدات قائد "الدعم السريع" بعدم خروج قواته من قلب الخرطوم، والقصر الجمهوري على وجه التحديد، في وقت تتصاعد فيه وتيرة القتال، وتتعرض قواته لحصار يضيق عليها يوماً بعد يوم، بينما يوسع الجيش نطاق سيطرته على الخرطوم، بأنها تبدو وكأنها تغالط واقع العمليات الحربية وسط الخرطوم.
ميثاق "تأسيس"
وفي فبراير الماضي، وقعت قوات "الدعم السريع" مع مجموعة من القوى السياسية والأهلية، و"الحركة الشعبية/ شمال"، وتجمع "قوى تحرير السودان"، وحركة "تحرير السودان/ المجلس الانتقالي"، وقوى ما سمي تحالف السودان التأسيسي "تأسيس"، الذي أُعلن عنه في العاصمة الكينية نيروبي. واتفقت أطراف تحالف "تأسيس" على تشكيل حكومة موازية في المناطق الخاضعة لسيطرة "الدعم السريع"، ووقعت لأجل ذلك على "دستور انتقالي"، وسط توقعات بإعلان الحكومة خلال مارس الجاري.
منذ بداية النزاع في الخرطوم في منتصف أبريل (نيسان) 2023، تمكنت قوات "الدعم السريع" من السيطرة على القصر الرئاسي، بينما يعمل الجيش على تضييق حصاره على القصر والاقتراب من طرد قوات "الدعم السريع" من كامل العاصمة الخرطوم.
ومنذ عامين، يخوض الجيش السوداني حرباً ضد قوات "الدعم السريع"، وتحديداً منذ 15 أبريل 2023، وقد نجح في تضييق الخناق على عناصر "الدعم السريع" الموجودة في القصر الرئاسي، بعد استعادة معظم مناطق الخرطوم بحري، وأجزاء واسعة من جنوب الخرطوم وأم درمان.