Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا نعرف عن الغرف المظلمة في "وول ستريت"؟

مراكز تداول سرية لتداول الأسهم المغلقة وسط تحول تاريخي نحو التداول بعيداً من البورصات الأميركية

هذه "الغرف الخاصة" تشهد انتشاراً سريعاً بين مختلف اللاعبين في السوق (أ ف ب)

ملخص

تجاوز حجم التداول خارج البورصات العامة حاجز النصف من إجمال تعاملات الأسهم في الولايات المتحدة

بعد عقد من الزمان على الفضيحة التي أدت إلى فرض إجراءات تنظيمية مشددة وعقوبات متعددة، تعاود منصات التداول خارج البورصة تقديم طريقة أكثر غموضاً لشراء وبيع الأسهم، إذ بدأت هذه المنصات في طرح ما يسمى "الغرف الخاصة"، وهي قاعات تداول مغلقة ترفع من مستوى السرية الذي توفره "الصناديق المظلمة" التقليدية - تتيح إخفاء الصفقات الكبيرة لمنع تأثيرها في الأسعار - لكن مع إضافة بعد جديد من الحصرية، إذ يتحدد المشاركون في كل صفقة بصورة دقيقة. وتثير هذه الخطوة تساؤلات حول مدى تقبل الجهات التنظيمية لهذا التطور، ومدى تأثيره في شفافية الأسواق، وما إذا كان سيؤدي إلى تفاقم تجزئة السيولة وإتاحة فرص غير متكافئة بين المستثمرين.

أنشئت هذه الغرف داخل "الصناديق المظلمة" نفسها، إذ تعمل بصورة مستقل عن بعضها بعضاً وتظل غير مرئية لأي جهة لم تجر دعوتها، مما يثير تساؤلات حول شفافية السوق وتزايد تجزئة السيولة، ومع ذلك فإنها تحظى بإقبال واسع، بخاصة مع تجاوز حجم التداول خارج البورصات العامة حاجز النصف من إجمال تعاملات الأسهم في الولايات المتحدة، إذ تسعى الشركات للاستفادة من ميزة اختيار الأطراف التي تتعامل معها، مما يسهل تنفيذ الطلبات الفردية بكفاءة أكبر.

ويصف رئيس التداول الإلكتروني في "ريموند جيمس أند أسوشيتس" ديفيد كانيزو في حديثه إلى "بلومبيرغ" هذه الآلية قائلاً "الأمر أشبه بالتسوق عندما تعرف تماماً ما الذي تبحث عنه، ومن أين ستشتريه أو تبيعه، بدلاً من الذهاب إلى وول مارت في يوم الجمعة السوداء"، مضيفاً أن هذا النموذج يمنح المستثمرين قدرة أكبر على التحكم في شروط تنفيذ الصفقات.

وفي الوقت الحالي، من المستحيل تحديد عدد "الغرف الخاصة" الموجودة أو حجم التداولات التي تمر عبرها. وتؤكد الشركات التي تدير أنظمة التداول البديلة (ATS)، وهو المصطلح الرسمي لما يعرف بـ"الصناديق المظلمة"، أن هذه الغرف لا تزال تمثل جزءاً صغيراً من إجمال تعاملاتها، إذ إن الطلب المتزايد عليها لا يزال ظاهرة حديثة نسبياً.

لكن هذه "الغرف الخاصة" تشهد انتشاراً سريعاً بين مختلف اللاعبين في السوق، من وسطاء التجزئة وصانعي السوق إلى صناديق التحوط ومديري الأصول، لدرجة أن حجم التداول داخل إحدى كبرى منصات التداول البديلة تجاوز إجمال الأنشطة لدى تسعة من منافسيها في قطاع "الصناديق المظلمة".

وتحمل "الصناديق المظلمة" هذا الاسم لأنها تجري الصفقات بعيداً من البورصات العامة "المضيئة"، مما يساعد في منع تسرب تفاصيل الأوامر إلى السوق الأوسع، وتجنب تحركات الأسعار غير المواتية قبل تنفيذ العمليات، لكن لهذه الآلية جانباً سلبياً أيضاً، إذ إنها تظل مفتوحة للجميع، ولا يعرف المتداولون داخلها هوية الطرف المقابل لأي صفقة. أما "الغرف الخاصة" فتذهب إلى مستوى أبعد من السرية، مما يعزز خصوصية التعاملات بصورة أكبر.

ويقول الرئيس التنفيذي لشركة" إكسكيوشين" رومان جينيس المالكة لمنصة "إنتيليجينت كروس"، "الأمر يتعلق بممارسة السيطرة على السيولة التي يريد الوسيط التعامل معها لتحقيق جودة تنفيذ أفضل".

اقرأ المزيد

وهناك عديد من الأسباب التي تدفع الشركات لاختيار "الغرف الخاصة" مثل شركة "كاسيل أوك سيكيوريتيز"، وهي شركة وساطة في نيويورك يديرها مستثمرون من الأقليات، وتسعى إلى التعامل مع شركات ذات توجهات مشابهة، لذا تستخدم "غرفة خاصة" توفرها منصة "ون كرونوس" للتداول البديل. وأضاف جينيس "الأمر يتعلق بممارسة السيطرة على السيولة التي يرغب الوسيط في التعامل معها".

رئيس مبيعات وتداول الأسهم في "كاسيل أوك" كارلوس كابانا وصف هذه الغرفة بـ"منصة التنوع"، نظراً إلى أن جميع المشاركين فيها هم شركات وساطة تديرها أقليات. وعلى رغم أن "كاسيل أوك" لا تعرف بالضبط هوية الطرف المقابل في كل صفقة، فإنها تعلم أنه سيكون واحداً من نحو 10 أطراف مؤهلة تستوفي معايير محددة تتعلق بالملكية والأهداف الاستثمارية.

ويقول كابانا، "تخيلها كشقة تستضيف حفلة، لكن هذه الحفلة لها غرض محدد ولا يحضرها إلا الضيوف المدعوون فقط".

وبفضل تزايد استخدام "كاسيل أوك" لمنصة التنوع، أصبحت "ون كرونوس" ثالث أكثر منصات التداول استخداماً لديها، بعد بورصتي "نيويورك" و"ناسداك"، وفقاً لكابانا.

التميز في التنفيذ

وتعرف الغرف الخاصة بعدة تسميات أخرى، مثل "الأحواض المستضافة" و"الغرف ذات الوصول المقيد" و"أحواض التداول البديلة" و"مجموعات الأطراف المقابلة المخصصة". وتزداد شعبيتها في السوق الحديثة فائقة السرعة، إذ توفر للشركات وسيلة لتجنب الخسارة أمام أطراف قد تمتلك القدرة على التحرك بسرعة أكبر أو الوصول إلى معلومات متفوقة.

ويسعى عديد من الوسطاء وصانعي السوق إلى أن يكونوا الطرف المقابل لأوامر المستثمرين الأفراد، فهذه التداولات الصغيرة والأقل تقلباً نادراً ما تؤثر في الأسعار، مما يعني أن صانع السوق لن يواجه تحركاً سلبياً مفاجئاً في اللحظة التي يوافق فيها على تنفيذ الطلب، مثلما قد يحدث مع أنواع أخرى من الأطراف المقابلة.

وعادة ما يتوقع الوسطاء الذين يتعاملون مع الأوامر في الغرف الخاصة تنفيذ الأمر عند منتصف عرض الأسعار الوطني الأفضل (NBBO)، بشرط أن تكون قواعد الغرفة أعدت بهذه الطريقة، وهو أمر شائع، وإذا لم يجرِ تنفيذ الأمر في الغرفة عند هذا المستوى، يمكن أن ينتقل إلى أنظمة التداول البديلة (ATS) الأوسع، إذ يمكن لعديد من الأطراف الأخرى التنافس على تنفيذه. وإذا كانت لدى الوسيط تجارب سيئة مع غرفة خاصة، يمكنه الانتقال إلى غرفة أخرى في المستقبل، متجنباً التعامل مع تلك الأطراف المقابلة.

ويقول رئيس الاستراتيجية العالمية في "جيفريز" جاتين سوريانشي "المشكلة التي نواجهها هي كيفية تحديد السيولة الجيدة مقابل السيولة السيئة؟" ويقدر أن 15 من كل 100 سهم يجرى تنفيذها عبر خوارزميات الشركة حالياً تمر عبر غرفة خاصة، مضيفاً "عند استخدام الغرف الخاصة، يمكنك تحديد أولويات من ترغب في التفاعل معهم".

وتسارع نمو الغرف الخاصة وسط انتقال تداول الأسهم بعيداً من البورصات العامة وأصبح استخدامها أكثر شيوعاً. ظهرت هذه الغرف في شركة "ليفيل" منذ نحو 18 عاماً. وبدأت "ليفيل" بالسماح للشركات بمطابقة أوامرها الخاصة، وهو ما يعرف بـ"التخصيص الداخلي"، ثم توسعت لتشمل صوراً أخرى من التقسيم، بما في ذلك الاتفاقات الثنائية والمتعددة الأطراف، إذ يوافق طرف على التداول مع طرف آخر، أو يوافق أطراف عدة على التفاعل فقط مع بعضهم بعضاً داخل نفس النظام.

واستجابة لطلبات عملائها بدأت شركة "إنتيليجينت كروس "في تقديم نسختها من الغرف الخاصة منذ نحو عام ونصف، وانضمت "ون كرونوس" إلى هذا المجال العام الماضي.

ولا تحتاج البنوك الكبرى أو السماسرة عادة إلى الغرف الخاصة لأن لديهم الموارد اللازمة لإنشاء منصات تداول بديلة خاصة بهم أو ما يسمى منصات التداول الفردية، وهذه فئة أخرى من منصات التداول خارج البورصة، إذ يكون المشغل دائماً هو الطرف المقابل في أي صفقة.

لكن بالنسبة إلى اللاعبين الأصغر حجماً، فإن بناء وإدارة منصة تداول بديلة أو منصة تداول فردية تكون باهظة الكلفة ومعقدة، إضافة إلى ضرورة الامتثال لمتطلبات التقارير التنظيمية وإعداد الروابط اللازمة، وهنا تأتي أهمية ترتيب غرفة خاصة في منصات تداول بديلة قائمة بالفعل كحل.

ويقول الرئيس التنفيذي لـ"كيزار ماركيتس" المالكة لشركة "ليفيل" ستيف ميلي "هناك عوامل عدة تدفع الشركات إلى التعاقد مع أطراف خارجية لأداء هذه الأنشطة بدلاً من إبقائها داخل الشركة". ويوضح "قد تكون الكلفة أو النفقات العامة التي لا يتعين على الشركات تحملها إذا تمكنا من بناءها ثم توسيعها باستخدام الشبكة الحالية. نحن نخفض حاجز الدخول".

وفي" إنتيليجينت كروس" تخدم غالبية الغرف المقدمة حالياً السماسرة المؤسساتيين الذين لا يمتلكون القدرة على إجراء أنشطة مماثلة داخلياً.

ويقول جينيس من "إمباريتيف إكسكيوشين"، "هذه الغرف تنشأ دائماً بناءً على طلب مشترك، الذي يكون هو المستضيف الذي يدعو الآخرين ليكونوا ضيوفاً في سجل أعماله".

الكشف المظلم

في حين ليس كل مشغل لمنصات التداول البديلة (ATS) يسرع في تبني الغرف الخاصة. وتقدم شركة "بيور ستري" التي تتخذ من نيويورك مقراً لها، ما يسمى "المسابح" التي تعمل مثل الغرف الخاصة، لكنها تكون مكشوفة لجميع المشتركين إذا جرى إنشاؤها، ويمكن لأي شخص الانضمام إليها، بمعنى آخر، الغرفة مفتوحة للجميع.

وحتى الآن، لم يطلب أي شخص إنشاء مسبح في "بيور ستريم"، لذلك لا يوجد أي حجم تداول في ما يسمى "المسابح الفرعية"، وفقاً لما ذكره الرئيس التنفيذي أرمندو دياز. وأضاف أن تقديم غرفة خاصة لا تكون مفتوحة لجميع المشتركين يثير تساؤلات حول التنظيم. وقال "كلما زاد تحكم المستضيف في الغرفة، زادت احتمالية كونه يدير منصة تداول بديلة، مما يفتح باب الأخطار التنظيمية".

وربما تكون أكبر انتقادات الغرف الخاصة هي أنها تخلق سيولة وهمية، لأن التعاملات التي تجرى داخل الغرفة تضاف ببساطة إلى إجمال النشاط الذي يبلغ عنه من قبل مشغل البورصة المظلمة الأم. وهذا يخلق صورة مضللة لأي شخص يحاول قياس عمق السوق، إذ تشمل الأحجام المبلغة نشاطاً غير متاح لأولئك الموجودين خارج الغرفة.

وتعد منصات التداول البديلة منصات خاضعة للتنظيم، إذ يجرى الإشراف عليها من قبل هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية (SEC)، والتي عززت إشرافها على هذه المنصات عام 2018 من خلال فرض متطلبات إفصاح جديدة. أيضاً يجب على كل بورصة مظلمة الآن تقديم استمارة، تسمى ATS-N التي تقدم نظرة عامة عن آليات التداول الخاصة على منصتها.

وتتضمن هذه الاستمارات المتاحة للجمهور تفاصيل متنوعة، بما في ذلك ما إذا كانت الغرف الخاصة متاحة، لكنها لا تحدد عدد الغرف الموجودة أو من هو داخلها، مما يعني أنه في بعض الأحيان يمكن أن يكون من الصعب تحديد ما إذا كانت منصة تداول بديلة تستضيف أي غرف خاصة.

وكتب رئيس هيكل السوق في "بلومبيرغ إنتيليجينس"، لاري تاب، في ملاحظة في مايو (أيار) 2024، "لا توجد قواعد تلزم منصات التداول البديلة بتحديد هوية الغرف الفردية أو حجمها. تقوم هيئة التنظيم المالي (FINRA) بعمل جيد في تقرير حجم التداول على أساس ما بعد التنفيذ. ومع ذلك لا توجد قواعد تساعد المحللين أو المستخدمين الذين يسعون إلى تحديد النسبة المئوية لحجم التداول المنفذ في المسبح العام مقابل الغرف الخاصة، أو الحجم الذي يتم تنفيذه باستخدام استراتيجيات تقسيم". وأضاف "إنها تتعلق بممارسة السيطرة، وما السيولة التي يرغب الوسيط في التفاعل معها".

ولم تكن منصات التداول المظلمة غريبة عن مخاوف الشفافية، فقد أثار غموضها تغطية إعلامية مكثفة واهتماماً تنظيمياً قبل عقد من الزمن في ظل التكهنات بأنها قد تعطي الشركات عالية التردد مزايا ضد المستثمرين الآخرين، وهو الاهتمام الذي بدأ جزئياً بسبب الكتاب الأكثر مبيعاً "فلاش بويز".

رفض ممثلو كل من هيئة التنظيم المالي (FINRA) وهيئة الأوراق المالية والبورصات (SEC) التعليق لـ"بلومبيرغ".

"وضع النمو"

بالنسبة إلى مستخدميها تعد الغرف الخاصة أداة سهلة الاستخدام، لكنها لا تزال جزءاً من مجموعة أوسع، وتمثل المجمعات المستضافة نسبة ضئيلة من إجمال حجم تداولات شركة "إنتيليجينت كروس" حالياً، إذ بلغت نحو 5.4 في المئة في العام الماضي، وذلك بسبب حداثة عهدها، وفقاً لجينيس. ويضيف "سيستغرق الأمر من الوسطاء بعض الوقت لتحسين أدائهم".

ويقول الرئيس التنفيذي لشركة "ون كرونوس كابيتال" فلاد خاندروس إن غرف الشركة تمثل أقل من 5 في المئة من حجم التداول حالياً، لأنها "جديدة بالنسبة إلينا، لذا فهي لا تزال في طور النمو"، لكن الطلب عليها قوي، إذ شهدت الشركة اهتماماً متزايداً من وسطاء التجزئة والمؤسسات على حد سواء، مما يعني أن التركيز على جودة التنفيذ سيستمر في النمو.

من جانبها، رفضت شركة "ليفيل" الكشف عن عدد الغرف التي تشغلها أو حجم النشاط فيها.

ويرى نائب الرئيس الأول وكبير المتداولين الكميين في "ألاينس بيرنستين" مارك غورلياتشي أن ما يصل إلى 75 في المئة من نشاط الشركة يجرى حالياً خارج البورصات، بما في ذلك عبر الغرف الخاصة. وعلى رغم أن هذه الغرف لا تزال تشكل جزءاً صغيراً من عمليات التداول في الوقت الراهن، فإنه يعتقد أنها مرشحة للنمو مع تزايد إقبال الشركات على حلول تداول أكثر تحكماً وسرية.

ويؤكد غورلياتشي الذي عمل سابقاً في بورصة نيويورك أن "عديداً من الشركات تنشئ غرفاً خاصة هذه الأيام. إنها ابتكار سيبقى، وهناك كثير مما يجري داخلها أكثر مما يدركه معظم الناس".

المزيد من أسهم وبورصة