ملخص
دخلت إسرائيل دوامة خلافات داخلية عميقة جديدة إثر قرار بنيامين نتنياهو إقالة رئيس جهاز الـ "شاباك" رونين بار.
تشهد إسرائيل أخطر مرحلة انقسام وخلافات داخلية منذ اندلاع حرب "طوفان الأقصى"، بعدما قرر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إقالة "رئيس جهاز الأمن العام" (شاباك) رونين بار من منصبه، وهو قرار استثنائي ويشكل سابقة في تاريخ الدولة العبرية بتدخل رئيس حكومة في مثل هذا القرار غير القانوني، إذ لا يحق لرئيس الوزراء عادة إقالة رئيس الـ "شاباك" قبل نهاية ولايته.
لكن نتنياهو الذي اتخذ من تصفية معارضيه في مختلف المؤسسات السياسية والأمنية والعسكرية نهجاً لتحقيق أهدافه التي تصب في نهاية المطاف عند أمرين، الأول أن تبقى حكومته متماسكة بإبقاء كل أحزاب الائتلاف، والثاني تصفية القيادات في الأجهزة الأمنية والعسكرية التي تخوض نقاشات وخلافات معه منذ اندلاع الحرب، وتختلف معه في اتخاذ قرارات متعلقة بالحرب وصفقة الأسرى.
تظاهرات ضخمة ورفض للانصياع
وشهدت إسرائيل الإثنين تحركات واحتجاجات متصاعدة قلما شهدتها منذ تظاهرات الاحتجاج على الانقلاب القانوني الذي سبقت اندلاع حرب "طوفان الأقصى" بأشهر، وفور إعلان نتنياهو قراره أكد رونين بار رفضه التنفيذ، مشيراً الى إمكان وقوع صدام مع رئيس الحكومة.
وقال بار إنه "من الواضح أن إقالتي ليست بسبب الإخفاقات في أحداث السابع من أكتوبر 2023 بل لأن رئيس الحكومة يدعي انعدام الثقة بيننا، وجهاز الـ 'شاباك' تحت قيادتي أجرى تحقيقاً شاملاً كشف عن ثغرات استخباراتية وعملياتية داخلية، وقد أثبت التحقيق أيضاً أن القيادة السياسية تجاهلت تحذيرات الـ 'شاباك' لفترة طويلة".
ووصف بار توقع نتنياهو بضرورة الولاء الشخصي له بأنه "خاطئ ويتعارض مع المصلحة العامة"، في إشارة إلى أنه يرى الإقالة مدفوعة بأسباب سياسية لا أمنية.
عصيان مدني
وعُقدت أمس اجتماعات بمشاركة رؤساء أحزاب المعارضة وأخرى شارك فيها رؤساء سابقون لجهاز الأمن الذين دعوا في مؤتمر صحافي إلى الانضمام لمعركتهم الشعبية ضد قرار نتنياهو، بينما قال رئيس الـ "شاباك" السابق عامي أيالون إن "الوضع في إسرائيل في أعلى درجات خطورته"، داعياً الجمهور إلى عصيان مدني والنزول إلى الشارع، قائلاً إن "إسرائيل تعيش أزمة دستورية هي الأكثر شدة التي مرت عليها منذ قيامها".
واتهم أيالون نتنياهو بخرق القانون قائلاً إنه "عندما تخرق الحكومة القانون فإن مصطلح عصيان مدني يعني أن القانون هو خطنا الأحمر، وخطنا الأحمر هو العنف، وعدا ذلك فلدينا دور، والديمقراطية هي لنا نحن اليوم، والعصيان المدني خطوة ضرورية ومصطلح مدني يرافق جميع الديمقراطيات وبشكل بارز منذ فترة العبودية في الولايات المتحدة وحتى اليوم، وعندما نرى أن الحكومة تعمل خلافاً للشعب فإن هذه حكومة متمردة".
وعقد رؤساء أحزاب المعارضة سلسلة اجتماعات لكتلهم البرلمانية، واعتبر زعيم المعارضة يائير لابيد أن إقالة رونين بار اتخذت لمجرد أن جهاز الـ "شاباك" بدأ التحقيق في ملف جنائي في مكتب نتنياهو، واتهام رئيس الوزراء ومسؤولين آخرين في مكتبه.
والملف الجنائي الذي يتحدث عنه لابيد بات معروفاً باسم "فضيحة أموال قطر" وهناك من أطلق عليه اسم "قطر غيت"، فبموجب التحقيقات كان نتنياهو يسمح بدخول أموال طائلة إلى غزة أسهمت، بحسب تقارير إسرائيلية، بتعزيز قدرات "حماس" العسكرية وأوصلتها إلى تنفيذ أحداث السابع من أكتوبر 2023.
واعتبر لابيد أن هذه التهم تعرض الأمن القومي الإسرائيلي للخطر، ولضمان استمرار التحقيقات بوجود رونين بار تقدمت أحزاب المعارضة بالتماس إلى المحكمة الإسرائيلية العليا ضد قرار نتنياهو، كما قدمت التماساً المستشارة القضائية للحكومة غالي يهراف ميارا التي اعتبرت القرار مخالفة جنائية، وبعثت برسالة إلى نتنياهو قالت له فيها "أنت لا تملك صلاحية إقالة رونين بار بطريقة تعسفية وقبل استكمال مراجعة الأسس القانونية والوقائع التي تستند إليها قراراتك، وكذلك مدى صلاحيتك للتعامل مع هذا الموضوع في الوقت الحالي"، واعتبرت المستشارة القضائية إقالة رئيس الـ "شاباك" سابقة خطرة "تنطوي على أخطار قانونية، وقد تكون غير قانونية وتنطوي على تضارب المصالح".
إلى ذلك دعا "منتدى الأعمال الإسرائيلي"، والذي يضم 200 من رؤساء أكبر الشركات في البلاد، نتنياهو إلى التراجع عن قراره في شأن إقالة بار، محذراً من التداعيات الخطرة لهذه الخطوة في ظل الأوضاع الحالية، وجاء في بيان قادة المنتدى أن "إسرائيل تمر بإحدى أصعب الفترات في تاريخها أمنياً واقتصادياً واجتماعياً، وفي ظل هذا الواقع الحرج فإن الدخول في صراع داخلي يمس حراس الأمن ويخالف القانون ويمثل خطراً جسيماً على الدولة"، مضيفاً أن "أعداء إسرائيل يراقبون بفرح عودتها لنفس المسار الذي قادها إلى كارثة السابع من أكتوبر 2023"، مؤكداً دعم قطاع الأعمال لسيادة القانون واستقلالية المؤسسات الأمنية، ومطالباً نتنياهو "بوقف هذه التحركات الهدامة والتركيز على الأولويات الحقيقية مثل إعادة الأسرى الـ 59 المحتجزين منذ أكثر من عام ونصف العام وتشكيل لجنة تحقيق رسمية وفقاً لتسوية الرئيس إسحاق هرتسوغ".
الدكتاتور والحرب الأهلية
وادعى نتنياهو ووزراء حكومته الذين عقدوا أيضاً اجتماعات عدة اليوم أن الإقالة جاءت بسبب فقدان الثقة برئيس الـ "شاباك" من قبل نتنياهو، وهو تبرير رفضه الجميع بما في ذلك المستشارة القضائية للحكومة، وردت جهات سياسية وأمنية على تبرير الإقالة تحت عنوان "الطاغية والدكتاتور نتنياهو"، فنتنياهو هو القيادي الوحيد الذي بقي على رأس هرم المنظومة الإسرائيلية التي كانت تقود إسرائيل عند تنفيذ هجوم السابع من أكتوبر 2023، إذ إن تسعة قادة أمنيين وعسكريين استقالوا أو أُقيلوا مثل وزير الدفاع السابق يوآف غلانت، ورئيس الـ "شاباك" رونين بار، والسبعة الآخرين جاءت استقالتهم بعد ضغوط عليهم من قبل نتنياهو ووزير دفاعه الجديد يسرائيل كاتس، وإعلان تحملهم المسؤولية كما حصل مع رئيس أركان الجيش هرتسي هليفي الذي قدم استقالته الشهر الماضي بعد خلافات عميقة وضغوط مكثفة من قبل نتنياهو وكاتس.
من ناحيته رأى الخبير في الشؤون السياسية ناحوم برنياع أن "المواجهة بين نتنياهو وبار خطرة وتقربنا من نوع من الحرب الأهلية تخاض حالياً من دون سلاح، لكن بتنا منذ الآن في مرحلة فقدان الثقة وعدم الطاعة في أجهزة الأمن، وهذا سينتهي بـ 'شاباك' آخر نيابة عامة أخرى، ولاحقاً محكمة عدل أخرى وقوانين أساسية أخرى، فنتنياهو فقد الكوابح".
وحذر برنياع من تداعيات توقيت القرار في ظل الأوضاع الأمنية التي تشهدها إسرائيل قائلاً "نحن ندخل على ما يبدو إلى أيام قتال معززة في غزة من دون صفقة ومن دون مخطوفين، من دون أن يتلقى الجمهور تفسيراً لماذا نحن نسير عسكرياً، والتمييز الذي يجريه بار بين المملكة والملك يجتذب القلب، لكن في حال الـ "شاباك" فهو إشكال، فوظيفة الجهاز هي أيضاً حماية المملكة والملك والملكة والأمير أيضاً" على حد تعبيره.
وإلى حين صدور قرار المحكمة العليا بالالتماسات ضد القرار يبقى السؤال ماذا يتعين على رئيس الـ "شاباك" أن يفعل؟ فمن جهة فهو يخضع لرئيس الحكومة، ومن جهة ثانية فولاؤه للنظام الديمقراطي، وهذا يؤدي إلى توتر بنيوي يواجهه اليوم بار الذي يخوض معركة تمرد على قرار نتنياهو ويرفض مغادرة منصبه.