ملخص
فقد شهر رمضان أجواءه في غزة وباتت الموائد فقيرة من الوجبات الساخنة واللحوم.
"اندبندنت عربية" رصدت تأثير منع إسرائيل تزويد غزة بالغذاء.
تحني شيماء ظهرها ترتب مائدة الإفطار الرمضانية وتوزع أطباق الطعام على المائدة الأرضية وتضع صحن الحمص والقليل من الفلافل وإلى جانبها طبق البازلاء وأرغفة يابسة، هذه فقط أصناف إفطار عائلتها اليوم.
من بعيد يسأل ابنها جبر "هل هناك طبق من شوربة الخضراوات؟"، تجيب الأم "لا، أسعار الخضراوات اليوم أغلى من سعر غرام الذهب"، لا يبالي الشاب برد أمه، ويسأل أكثر "هل أعددت السمبوسك والخروب والكركديه وماذا لو أكلنا شطائر اللحم اليوم؟".
انتبه... لا سحور
تتجاهل الأم شيماء حديث ابنها، لكنها تتمتم بعبارة "كأنك تعيش في واشنطن، هل نسيت يا حبيبي أنك في غزة؟". تلف ظهرها وتغادر إلى المطبخ تضرب كفاً بكف، ثم تقول "هذا العام السفرة الرمضانية تعرضت لتغييرات كبيرة وغير مسبوقة".
عند أذان المغرب ارتشف الابن جبر قليلاً من الماء وأكل من الخبز اليابس وطبق البازلاء، وهمَّ سريعاً لمغادرة سفرة الإفطار، قاطعته أمه شيماء "انتبه، لا سحور الليلة، هذا كل الطعام الذي نملكه، ويبدو أننا سنلتهمه على الإفطار، لذا أكمل أكلك الآن". وأضافت "أوقفت إسرائيل دخول الأغذية والوقود، وسريعاً نفد عديد من السلع التموينية والغذائية الموجودة في القطاع، انعكس ذلك بصورة واضحة على أكلنا، سفرة رمضان تغيرت كثيراً، اليوم نفطر على أكل نباتي ولا نتسحر".
17 يوماً من دون ماء
في الأول من مارس (آذار) الجاري أغلقت إسرائيل معابر غزة ومنعت إدخال المواد التموينية والغذائية، وشمل هذا المنع المساعدات الإنسانية والوقود، وقررت الحكومة الإسرائيلية فرض حصار كامل على القطاع في محاولة للضغط على حركة "حماس" للموافقة على تمديد المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار أو الذهاب إلى "صفقة الجسر" التي اقترحها مبعوث الرئيس الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف.
ومنذ 17 يوماً لم يدخل غزة شربة ماء واحدة ولا وجبة طعام، وانعكس ذلك على شهر رمضان الذي يتزايد فيه الطلب على الطعام، ونتيجة لحرمان غزة من الغذاء تغيرت السفرة الرمضانية كثيراً، بخاصة مع ارتفاع أسعار ما تبقى من غذاء في القطاع.
الحصول على اللحوم أمر مستحيل
على سفرتها الرمضانية وضعت سونيا فانوساً صغيراً إلى جانبه علبة تونة تسلمتها من المساعدات الإنسانية، وأيضاً علبة حمص، وحمرت قليلاً من البطاطا، وكانت محظوظة لأنها أعدَّت زجاجة من مشروب الخروب.
قالت سونيا "أصبح الحصول على بعض الأطعمة الأساسية في غزة أمراً مستحيلاً، مثل اللحوم الحمراء والبيضاء والبيض، وهناك مواد غذائية الحصول عليها أمر بعيد المنال بعدما تضاعفت أسعار الكميات الشحيحة منها أكثر من 10 مرات". وأضافت "قلة الطعام في غزة ومحدودية الأصناف المعروضة في الأسواق تسببت في تغيير صورة السفرة الرمضانية، في الحقيقة الموضوع أكبر من شهر رمضان، الموضوع له علاقة بالجوع وحرمان سكان غزة القيم الغذائية التي يحتاج إليها الجسم".
تأكل سونيا وجبة الإفطار في شهر رمضان فحسب، أما السحور فهو ملغى تماماً، وتؤكد أنها إذا فكرت في تجهيز طعام للسحور بصورة يومية فإنها تحتاج نحو 300 دولار كل أسبوع لشراء أصناف محدودة وقليلة من الطعام والخبز.
تضخم أسعار لا مثيل له
شهدت أسواق غزة غياباً تاماً للحوم الحمراء والبيضاء، وهي التي يستخدمها الناس في سفرة رمضان بكثرة، أما أسعار الخضراوات والفاكهة فقد قفزت نحو 250 ضعف سعرها الطبيعي.
أثناء فترة الهدنة كان سعر كيلوغرام الخيار دولارين، لكنه اليوم يزيد على 10 دولارات، وكان سعر كيلوغرام البطاطا دولارين، لكنه ارتفع إلى 16 دولاراً، وسعر كيلوغرام الليمون كان دولاراً واحداً، وارتفع إلى 20 دولاراً في حال توفره.
ووفقاً لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (مؤسسة حكومية)، فإن مؤشر غلاء المعيشة في قطاع غزة بلغت نسبته 750 في المئة بعد 17 شهراً من الحرب الإسرائيلية.
أكلات بسيطة
قالت سناء "في سفرة رمضان هذا العام غابت الوجبات الرمضانية المعتادة على مائدتي الإفطار والسحور، ولا سيما تلك التي تعتمد بصورة أساسية على اللحوم والخضراوات، وكل ذلك بسبب إغلاق المعابر واختفاء مختلف السلع، أما السحور فنادر جداً ما نأكل وقته خبزاً وحده".
تعتمد سناء على أكلات بسيطة مثل الرز وطبخ بقوليات المعلبات "هذا الوضع حرم العائلات من الاجتماع حول المائدة الرمضانية، نحاول الحفاظ على روح رمضان، لكن الأمر صعب جداً، ونحاول الاقتصاد والتوفير قدر المستطاع".
ارتفاع الأسعار على كل ما هو معروض في أسواق غزة دفع سعاد إلى تقليص وجبات الطعام "لم يعد في مقدوري طهي مختلف الأصناف التي اعتدت عليها خلال الأعوام السابقة، بسبب محدودية الأصناف الموجودة وانعدام الخيارات التي من شأنها تقديم مائدة مناسبة". وأوضحت سناء أنها تذهب إلى السوق باكراً كل يوم لشراء وجبة إفطارها قبل أن تنفد بعدما كانت في السنوات الماضية تزور السوق بعد العصر، لكن اليوم تتسابق مع باقي سكان غزة لشراء طعام للإفطار، مشيرة إلى أن استمرار إغلاق المعابر يؤشر لإمكان عودة المجاعة تدريجاً إلى القطاع.
كانت سناء تأمل في أن يستمر فتح المعابر لتحتفل في شهر رمضان وتعد له سُفرة إفطار مميزة، لكن يبدو أن كل شيء في قطاع غزة صعب حتى الحصول على وجبة طعام واحدة أو ربطة خبز واحدة، وهذا يفقد الحياة بهجتها ويمنع العيش بكرامة.
مجاعة وفرص تدفق الغذاء مرتبطة بالهدنة
في تعليقه على منع الغذاء عن غزة يقول المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" فيليب لازاريني "قرار إسرائيل حظر دخول المساعدات الإنسانية والإمدادات التجارية إلى قطاع غزة يهدد حياة المدنيين الذين لم يرتاحوا إلا لفترة قصيرة من الحرب الوحشية".
وتبرر إسرائيل منع الغذاء لأنها تريد الضغط على "حماس" للموافقة على الإفراج عن الرهائن المحتجزين في غزة، ويقول منسق أنشطة الحكومة غسان عليان "لدى غزة ما يكفي من الغذاء، إذا أرادت (حماس) إعادة فتح المعابر فعليها الموافقة على المقترح الذي قدمه المبعوث الأميركي ستيفن ويتكوف".
اقتراح ويتكوف على "حماس" يقضي بالإفراج عن 11 رهينة من الأحياء ونصف عدد الرهائن الموتى مقابل إفراج إسرائيل عن 1200 أسير فلسطيني وإعادة فتح معبر كرم أبو سالم والالتزام في تنفيذ البروتوكول الإنساني الذي يساعد على التخفيف من مجاعة غزة.
ويجري الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني محادثات غير مباشرة في العاصمة المصرية القاهرة، لكن حتى اللحظة لم يتم التوصل إلى اتفاق في شأن الصفقة أو ترتيبات إعادة فتح المنافذ البرية وتدفق الغذاء إلى غزة.