Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سياسات ترمب تهدد حلم الهيمنة على سوق الطاقة

كبرى شركات النفط والغاز الأميركية ستتوقف عن زيادة الإنتاج حال خفض الأسعار

تنتج أميركا حالياً أكثر من 13 مليون برميل يومياً لتصبح أكبر بلد منتج للنفط في العالم (اندبندنت عربية)

ملخص

خلال حملته الانتخابية كرر ترمب أنه يريد رؤية غالون البنزين عند 1.87 دولار مما يعني خفض برميل النفط إلى 20 دولاراً

الخلاصة التي خرج بها المحللون لأسواق الطاقة والمشاركون في "أسبوع سيرا" بمدينة هيوستن الأسبوع الماضي هي أن التناقض الشديد بين أهداف سياسات الطاقة لإدارة الرئيس دونالد ترمب قد ينهي حلم الهيمنة الأميركية على سوق الطاقة العالمية "بدموع أميركية"، بحسب وصف أحد المعلقين في مقال له بصحيفة "ديلي تلغراف". أما "فاينانشيال تايمز" فنشرت تحليلاً مفاده أن محاولات إدارة ترمب خفض أسعار النفط ستضر أكثر بالشركات الأميركية التي لن تتوقف عن زيادة الإنتاج فحسب، بل قد تخفض إنتاجها.

ومع أن كثيراً من سياسات الإدارة الأميركية قد تتناقض نتائجها الفعلية مع الأهداف المرجوة منها، إلا أن هذا التناقض في مجال الطاقة لا يقتصر فقط على الولايات المتحدة واقتصادها، إنما ينسحب على العالم كله في قطاع يعد الأكثر أهمية للنشاط الاقتصادي ومحرك النمو الأساس. صحيح أن غالب تلك السياسات، بخاصة المتعلقة بالحرب التجارية مع الشركاء، تؤثر في الاقتصاد العالمي ونظام التجارة الدولية، لكن ملف الطاقة يحمل حساسية أكبر لما له من دور في نشاط كل القطاعات الاقتصادية الأخرى.

ولا تخفي الإدارة الأميركية الحالية رغبتها في خفض أسعار النفط العالمية إلى ما دون 50 دولاراً للبرميل، وتسعى إلى زيادة الإنتاج الأميركي من النفط بمقدار 3 ملايين برميل يومياً في الأقل بحلول عام 2028.

وتنتج أميركا حالياً أكثر من 13 مليون برميل يومياً لتصبح أكبر بلد منتج للنفط في العالم، وبعدما كانت مستورد صافي للنفط أصبحت بلداً مصدر للنفط حالياً.

تناقض الأسعار والإنتاج

خلال حملته الانتخابية العام الماضي كرر ترمب أنه يريد رؤية أسعار البنزين في محطات الوقود للمستهلك الأميركي عند 1.87 دولار للغالون، ويعني ذلك خفض أسعار النفط الخام إلى نحو 20 دولاراً للبرميل.

وفي الأسبوع الماضي قال مستشار الرئيس للتجارة، بيتر نافارو إنه إذا خُفض سعر النفط إلى 50 دولاراً للبرميل فسيساعد ذلك على مواجهة ارتفاع معدلات التضخم.

ومع أن أسعار النفط خُفضت الأسبوع الماضي إلى ما دون حاجز 70 دولاراً للبرميل بعد قرار تحالف "أوبك+" التخلي التدريجي عن خفض الإنتاج، إلا أن ذلك يظل فوق ما تستهدفه التصريحات الأميركية. ويحذر المحللون من أن خفض الأسعار أكثر سيجعل من المستحيل تحقيق هدف إدارة ترمب بزيادة الإنتاج.

تنقل "فاينانشيال تايمز" عن كبير الاقتصاديين في شركة الأبحاث "رايستاد إنرجي" كلوديو غاليمبرتي قوله إن "سعر 50 دولاراً للبرميل سيضر بالولايات المتحدة أكثر ما ينفعها، وبالتأكيد لن يسمح لها بضخ مزيد من النفط كما يريد الرئيس ترمب. إن الهدفين متناقضين تماماً". وفي تصريحات للصحافيين الأسبوع الماضي قال وزير الطاقة الأميركي كريس رايت إن الإدارة الأميركية لم تحدد سعراً مستهدفاً للنفط، لكنه كرر ما قاله من قبل من أن سياسات الإدارة بتقليل المعوقات التنظيمية والقيود على الإنتاج ستجعل شركات النفط الأميركية تضخ مزيداً، حتى مع أسعار أقل من 50 دولاراً للبرميل.

وكانت آخر مرة وصل فيها سعر خام "برنت" إلى أقل من 50 دولاراً للبرميل في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 في ذروة أزمة وباء كورونا وتعطل النشاط الاقتصادي حول العالم، بالتالي انهيار الطلب على النفط، أما أسعار الوقود في محطات البنزين الأميركية فلم تُخفض إلى مستوى 1.87 دولار للغالون منذ مايو (أيار) 2020.

نهاية النفط الصخري

يرى غالب الاقتصاديين والمحللين في أسواق الطاقة أن تأثير خفض أسعار النفط على الاقتصاد الأميركي تغير تماماً في العقد الأخير، ويرجع ذلك إلى زيادة الإنتاج الأميركي بفضل الإنتاج الهائل للنفط الصخري، فيما يكاد يجمع المشاركون في "أسبوع سيرا" على أن فورة النفط الصخري انتهت.

وبحسب تقديرات "غلوبال كوموديتي إنسايتز" التابعة لمؤسسة "ستاندرد أند بورز" فإن سعر النفط المناسب لشركات النفط الصخري حالياً هو 45 دولاراً للبرميل، لكن الغالبية من مديري الشركات النفطية والمحللين يرون أنه عند سعر أقل من 50 دولاراً لن تحقق شركات النفط الصخري أية أرباح. ويقول رئيس أبحاث السلع في "ستاندرد تشارترد" بول هوسنيل إنه إذا خُفضت الأسعار فإن "بعض شركات النفط الصخري في مناطق محدودة من أحواض ديلاوير وميدلاند قد تواصل العمل، لكن البقية في أوكلاهوما وروكيز وباكن وجنوب تكساس فلن تستطيع الاستمرار".

اقرأ المزيد

يقول أحد رواد صناعة النفط الصخري سكوت شيفيلد إن سعر 50 دولاراً للبرميل سيضطر منتجي النفط الصخري لخفض الإنتاج، وهو ما يسمح للمنتجين من خارج أميركا بزيادة نصيبهم من السوق العالمية. ويضيف أن ذلك "سيجعل (أوبك) متحكمة في سوق النفط بحلول عام 2030. لا أعتقد أن أحداً فكر في أبعاد ذلك (خفض أسعار النفط). قد يكون ذلك جيداً للمستهلك، لكنه سيكون أمراً سيئاً للغاية لصناعة الطاقة الأميركية".

وفي كلمته أمام تجمع "أسبوع سيرا" قال كريس رايت "نريد المزيد من الطاقة. المزيد جداً من الطاقة"، لكن تقرير الصحيفة يرى أن مسؤولي الشركات الحاضرين والمستمعين له كانوا يتخوفون من التعبير عن رأيهم، إذ إن غالبهم في غاية القلق من سياسات الإدارة التي قد تهوي بأسعار منتجهم النفطي.

نهاية حلم الهيمنة

اختار ترمب كريس رايت وزيراً للطاقة لأنه قادم من صناعة النفط الصخري، ومن المتحمسين للنفط والغاز على حساب مصادر الطاقة المتجددة، فقبل مؤتمر هيوستن بأيام شن رايت في كلمة له في لندن هجوماً على توجه التحول في مجال الطاقة، وقال بوضوح عن مكافحة التغير المناخي إن "أهداف صفر انبعاثات بحلول عام 2050 شريرة جداً. إنه هدف بشع، ولا يمكن تحقيقه بأية وسيلة عملية"، لكن تقريراً من مجموعة "كارلايل" صدر الأسبوع الماضي خلص إلى أن مناطق كثيرة في العالم تتجه نحو تقليل الانبعاثات الكربونية بسرعة شديدة، ليس فقط بسبب جهود مكافحة التغيرات المناخية، إنما لرغبتها في تقليل الاعتماد على النفط والغاز بعدما أصبحت مصادر الطاقة تلك "خطراً استراتيجياً". في ظل الحرب التجارية التي تشنها إدارة ترمب تصبح تجارة النفط والغاز أيضاً عرضة للأخطار.

ويضيف التقرير "التحول في مجال الطاقة على وشك التسريع الشديد. والدافع هو تحقيق أمن الطاقة، إذ تسعى الدول إلى تنويع المصادر لحماية نفسها من الأخطار المالية والجيوسياسية". ويرى واضعو التقرير أن نظام الدولار الذي أقر في "بريتون وودز"، ويستند إلى "قوة الأسطول الأميركي" ظل الشريان الحيوي لاقتصادات النفط على مدى 80 عاماً، لكن الآن انتهى عصر الهيمنة الأميركية ولم يعد بإمكان العالم الاعتماد على ضمان أميركا الانسياب الحر للنفط والغاز، فإذا كانت التجارة العالمية في خطر فإن النفط والغاز في خطر أيضاً"، وذلك ما دفع المعلق الاقتصادي أمبروز ايفانز – بيتشارد إلى كتابة مقال في صحيفة "ديلي تلغراف" تحت عنوان "رؤية ترمب للهيمنة الأميركية على النفط ستنتهي بالدموع"، وخلاصة رأيه أن سعي الولايات المتحدة إلى السيطرة على الحصة الأكبر من سوق النفط العالمية بزيادة الإنتاج، فضلاً عن أنه هدف صعب التحقيق مع نهاية عصر النفط الصخري وإنتاجه الغزير، فإنه سيجعل أميركا في غضون سنوات متخلفة عن ركب عالمي من تنويع مصادر الطاقة.

المزيد من البترول والغاز