Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تتراجع قراءة الأدب المسرحي العربي؟

حركة نشر المسرحيات تعاني ضآلة وركوداً رغم كثرة العروض الحية على الخشبة

النص المسرحي العربي يبحث عن القراء (موقع مسرح - فيسبوك)

ملخص

تتكاثر العروض المسرحية العربية الحية على الخشبة يوماً بعد يوم، بسبب تنامي المهرجانات والملتقيات المحلية والعربية والدولية المهتمة بعروض "أبو الفنون" في الدول العربية المختلفة. ورغم ذلك النشاط المسرحي المتصاعد الذي ترعاه مؤسسات متعددة، فإن "المسرحية العربية المقروءة" تتراجع، إبداعاً ونشراً ومتابعة من الجمهور المتخصص والعام، فأين تكمن أسباب هذا التدهور، وما سبل المعالجة؟

إلى أي مدى يقبل المتلقي العربي على قراءة المسرحيات قياساً بحرصه على مشاهدتها؟ يشير الواقع الراهن إلى اتساع الفجوة بين المسرحيات العربية المقروءة، والمسرحيات المعروضة على الخشبة. ففي حين تزداد باستمرار نسب مشاهدات العروض بفعل المهرجانات والملتقيات المسرحية المتزايدة، فإن المسرحيات المقروءة تتجه باستمرار أيضاً نحو الضآلة والركود.

هذه الفجوة تعكسها بوضوح المقاعد الكاملة العدد في كثير من العروض العربية، لا سيما في المناسبات والكرنفالات المسرحية الكبرى، والأرقام الهزيلة لعناوين الكتب وحصيلة التوزيع في مجال النشر المسرحي لدى دور النشر العربية، لا سيما الدور الخاصة. وتأتي هذه الفجوة لأسباب متنوعة، على رأسها تفاقم أزمة النشر وارتفاع كلفته وتدني مستويات القراءة عموماً، وسط محاولات وجهود لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في مجال النشر المسرحي من جانب بعض المؤسسات العربية الرسمية والحكومية، منها: الهيئة المصرية العامة للكتاب، والمجلس الوطني للثقافة والتراث والفنون في الكويت، والهيئة العربية للمسرح في الإمارات، وغيرها.

ما سبل تعزيز حركة النشر المسرحي العربي لتواكب ازدهار النشاط المسرحي الحي؟ سؤال تطرحه "اندبندنت عربية" في هذا التحقيق، مستطلعة آراء مجموعة من الناشرين والمتخصصين والمسرحيين العرب.

أساليب التسويق

يشير هيثم حافظ رئيس اتحاد الناشرين السوريين، عضو مجلس إدارة اتحاد الناشرين العرب، إلى أن النشر المسرحي هو عملية تسويق الأعمال المسرحية من خلال الطبع والتوزيع في شكل نصوص مكتوبة أو نسخ مسجلة على وسائط مختلفة، بهدف جعلها متاحة للجمهور الواسع، بغض النظر عن الزمان والمكان. ويوضح أن النصوص المسرحية المخطوطة تكشف عن أن لدينا ثروة على مستوى كتاب المسرح، كيفاً وكماً، ولكن "هناك أزمة كبيرة متعلقة بفكرة نشر المسرح، حيث يسود اعتقاد تم ترويجه بأن المسرح للعرض وليس للقراءة. وللأسف هذه الفكرة جعلت سوق المسرحية ضعيفة على مستوى التداول".

هل الجمهور لا يقرأ المسرح؟ يتساءل هيثم حافظ، ويقول مجيباً "الحقيقة، أنه مع مسرح توفيق الحكيم ويوسف إدريس وأمثالهما، كان هناك من يقرأون المسرح". ويرى أن النشر المسرحي يحتاج إلى ترويج أوسع ودعاية أكثر، ودور النشر لديها إشكالية في عدد النسخ المبيعة. كما أن إطلاق التعبير الخاص بزمن الرواية، جعل الصدارة للرواية، وأصبحت دور النشر أكثر اهخشبة تماماً بنشرها، وتأتي بعدها القصة القصيرة، ثم الشعر، وفي آخر القائمة يأتي المسرح. ويقول "قلة من الناشرين هم الذين يتشجعون وينشرون المسرح، ولكنهم يبحثون في المقام الأول عن الأسماء المشهورة جداً في هذا المجال، من أجل التسويق".

ويؤكد هيثم حافظ أن هناك احتياجاً شديداً جداً للمسرحية المقروءة، في المعاهد المتخصصة وأقسام المسرح ولدى الفرق المسرحية في الجامعات، لاختيار المسرحيات الجيدة، وتقديمها على خشبة المسرح. لذلك "نحتاج إلى طرق جديدة وأساليب مختلفة لتسويق المسرحيات المقروءة، لتصل إلى الفئات المستهدفة. فالمسرحيات المقروءة، ستجعل لدى المخرجين بدائل أكثر، ومن ثم يستطيعون أن يختاروا بين أكثر من نص مرتبط بواقعه المحلي والاجتماعي، وينتقوا ما يناسب رؤيتهم، وما يرغبون في طرحه من أفكار ورسائل وقيم تعبيرية وجمالية".

ويبقى نشر النصوص المسرحية "من أبرز أدوار الدولة لدعم الصناعات الثقافية الثقيلة"، وفق هيثم حافظ، فالمسرح أحد هذه الصناعات، التي ربما يكون محتواها غير جماهيري بالقدر المحقق للربح لأية دار نشر. وإن واجب دور النشر الحكومية، أن تمد السوق بما يبدعه كتاب المسرح، فأحياناً وجود المنتج هو الذي يجعل القارئ يذهب إليه. ومن ثم، فإن فكرة وجود المسرحيات المنشورة بقوة خطوة مهمة في هذا المجال، حتى لا يتراجع هذا اللون الإبداعي الرصين الثري، فالمسرح لا يزال "العمود الفقري للفنون والآداب في العموم".

أزمة القراءة

يلتقط خيط الحديث الكاتب والمخرج المسرحي السعودي البارز فهد ردة الحارثي، موضحاً أن من جوانب الأزمة في ما يخص النشر المسرحي العربي أن معدلات القراءة لا تزال منخفضة على المستوى العام، بحيث تبدو الإصدارات المسرحية وكأنها قاصرة على المناهج الخاصة بالمعاهد والأكاديميات الفنية وطلاب الدراسات العليا والمتخصصين فقط.

ورغم هذا الجانب السلبي، وفق المسرحي السعودي، فإن هناك محاولات وجهوداً إيجابية ملموسة لتعزيز النشاط المسرحي تأليفاً وترجمة ونشراً ورقياً وإلكترونياً. وتضطلع بهذا الدور مؤسسات وكيانات عربية متعددة، منها أكاديميات الفنون والجامعات والمعاهد التي ينتمي إليها آلاف المنسوبين، والهيئات العربية المعنية بالمسرح مثل المجلس الوطني للثقافة والتراث والفنون في الكويت، والهيئة العربية للمسرح في الإمارات، والهيئة العامة للكتاب وهيئة قصور الثقافة والمجلس الأعلى للثقافة في مصر، وغيرها.

وتقدم هذه المؤسسات إصدارات مسرحية كثيرة تفي بالغرض، ولكن الإشكالية وفق فهد الحارثي تتجسد في عدم وصول هذه المؤلفات في غالب الأحوال إلى المتلقي العام أو القارئ العادي، إذ تكاد تبدو حكراً على الأكاديميين والدارسين والمسرحيين المتخصصين.

الاشتباك مع الواقع

ومن جهته، يرى الكاتب المسرحي المصري وليد علاء الدين أنه من الضروري إعادة القيمة إلى التأليف المسرحي بوصفه إبداعاً مستقلاً، وليس مجرد نص مكتوب من أجل خشبة عرض. بمعنى أن يكون "نصاً إنسانياً إبداعياً قائماً بذاته، يزداد ألقه على المسرح بلمسات مبدعين آخرين في مجالات عدة".

ويوضح وليد علاء الدين بقوله، "هذا ما نحتاج إليه وإلا فقدنا المسرح، الذي رغم كثرة عروضه يراوح في معظمه في دائرة التكرار باجترار القديم العربي أو المعرب الذي يسمونه عالمياً، وإعادة تقديم التجارب المحفوظة".

وبرأي المسرحي المصري، فإن هناك "حالاً من تثبيت الكادر على لقطة تنتمي إلى تاريخ مختلف وبشر مختلفين، لم يعد أحد يكتب مثلهم، لأنهم ببساطة كانوا يكتبون لبشر آخرين. والنتيجة: غياب النصوص المسرحية المشتبكة مع الواقع، وزحام عروض مسرحية بقوة دفع المهرجانات والجوائز".

السلاسل المتخصصة

ويعول الكاتب والمخرج المسرحي العراقي فاروق صبري على المؤسسات الحكومية العربية في تنشيط النشر المسرحي أكثر من خلال توفير مزيد من الدعم للسلاسل والمجلات والمواقع الإلكترونية المهتمة بالمسرح، لمواجهة تراجع النصوص المسرحية المقروءة، خصوصاً بعد توقف بعض السلاسل والمجلات أو عدم انتظامها في الصدور، إلى جانب تنحي كثير من دور النشر الخاصة عن هذا المجال غير المربح بالنسبة إليها.

ويوضح المسرحي العراقي أن هذه الإصدارات المسرحية التي تنشرها المؤسسات الرسمية العربية المهتمة بالمسرح، بصورة دورية، خصوصاً في الكويت ومصر والإمارات، قد لعبت عبر تاريخها دوراً كبيراً في إمداد المشهد المسرحي العربي بالأعمال الرصينة المتميزة، الباقية إلى يومنا هذا، وتعزيز التفاعل بين المسرحيين العرب في سائر الأقطار، إضافة إلى دورها القيم في نقل الكلاسيكيات والأعمال المسرحية العالمية إلى الثقافة العربية، وجذب المتلقي إلى قراءة النصوص المسرحية في الكتب والمجلات، وعدم الاكتفاء بمشاهدتها على الخشبة. ولا بد من استعادة تلك السلاسل والمجلات المتوقفة والغائبة، ودعم السلاسل والمجلات الموجودة، لإنعاش حركة النشر، ومضاعفة إنتاجها، وتوسعة رقعة انتشارها.

المهرجانات لا تكفي

ويرى الكاتب الأردني الفلسطيني صبحي فحماوي، الحاصل على جائزة الطيب صالح العالمية في المسرح، أنه رغم دعم وزارة الثقافة المصرية نشر سلسلة روائع المسرح منذ عام 1959، ودعم الكويت إصدار سلسلة من المسرحيات منذ عام 1969، وجهود دولة الإمارات في رعاية المسرح، فإن حركة النشر المسرحي الراهنة تزداد ضآلة وركوداً في يومنا الحالي رغم كثرة العروض الحية على الخشبة.

وبحسب المسرحي الأردني، فنظراً إلى أنه لا توجد إغراءات كافية ومكافآت مناسبة لتعزيز حركة التأليف والنشر المسرحي العربي، فهذا يضعف نشاط التأليف المسرحي، أو يقتله. كما أن "الرأسمالية المتوحشة تريد تحويل الناس ليكونوا مستهلكين لمنتجاتهم، لا منتجين لحركة فنية فكرية ممتعة".

ويرى فحماوي أن الدول العربية لم تعد تدعم هذا النشاط بتمويل مسارح الدولة وتشغيلها مثل المسرح القومي المصري، ومسرح البالون، ومسرح الجيب، الذي كان يترأسه محمود أمين العالم، وغيرها. وفي الأردن أيضاً، توجد أرقى قاعات المسارح، ولكنها محصورة في أسابيع المهرجانات العربية والدولية، ثم تغلق إلى إشعار آخر، إضافة إلى أن أجهزة التلفزيون والتليفون المحمول وغيرها قد شغلت الناس وأطفأت المسرح.

ونظراً إلى ضعف الإيرادات، يقول فحماوي "نجد أن كثيراً من المسرحيات التي تعرض في المهرجانات تعتمد على شخص واحد في التأليف والموسيقى والإضاءة والملابس والإخراج والتمثيل، فلا يجد المؤلفون فرصة لترويج مسرحياتهم، وهذا يفقدهم شغف الكتابة للمسرح".

 

اقرأ المزيد

ج المسرحي الجزائري محمد شرشال إلى أن حركة النشر المسرحي في العالم العربي لا تزال في حاجة إلى جهود أكبر، لتتناسب مع حركة العروض الحية النشطة بفعل المهرجانات والملتقيات المسرحية المتعددة. ويوضح أن المسرحيين في بعض الدول العربية، لا سيما في المغرب العربي، يعتمدون في قراءاتهم المسرحية في الأساس على المؤلفات المنشورة بلغاتها الأجنبية أكثر من اعتمادهم على الإصدارات العربية في ميدان المسرح، مما يدل على قلة المنشور العربي وضعفه قياساً بالوافد الغربي في الإبداع المسرحي والنظرية المسرحية والنقد على السواء.

ويلفت محمد شربال إلى "كنوز مهملة" يمكن استغلالها لتمثل دفقاً قوياً في النشر المسرحي العربي، في حقل النقد، وهي تلك الأعداد الكبيرة من رسائل الدكتوراه والماجستير في الشأن المسرحي المسجلة في الأكاديميات والجامعات والمعاهد العربية، التي تتناول أعمالاً للمبدعين والمسرحيين العرب من أجيال مختلفة. وهنا تقع على عاتق المؤسسات العربية المهتمة بالمسرح مسؤولية نشر هذه المؤلفات على نطاق واسع خارج الحيز الجامعي والأكاديمي الضيق، إضافة إلى ضرورة اضطلاع هذه المؤسسات بجهد أكبر لنشر مزيد من الأعمال المسرحية العربية والمترجمة، ومضاعفة السلاسل والمجلات والمواقع المعنية بالنشر المسرحي، وتقديم حوافز ومغريات قيمة للمبدعين المسرحيين العرب.

المزيد من ثقافة