ظاهرة الغياب الجماعي للطلاب في شهر رمضان في السعودية، شهدت تطوراً لافتاً هذا العام، والمتهم الأول فيها "غروبات الأمهات" على الواتساب، فهي الظاهرة التي تداعى الحديث حولها من برلمانيين وتربويين حتى أن هيئة حقوق الإنسان دخلت معترك النقاش ودعت "لمواجهتها بحزم".
ولم تكن الظاهرة المتجددة مع الشهر الذي يمسك فيه المسلمون عن الطعام طوال ساعات النهار حديثة عهد في البلاد لكنها وفق البرلمانية السابقة لطيفة الشعلان -عضو الشورى السابقة- هي "أضخم ظاهرة غياب جماعي عرفها تاريخ التعليم في المملكة". وتؤكد الشورية السابقة أن ثمة ظاهرة أخرى وهي "غياب المعلمين أنفسهم بسبب السفر في الإجازات المطولة، حيث يأخذ أحدهم يومين إضافيين مع أيام الاجازة الأصلية".
ووفق الشعلان فإن "من بين أهم مسبباتها نظام الفصول الثلاثة والإجازات المطولة، فقد بلغ للأسف الغياب الجماعي من الاتساع والتنظيم درجة كبيرة ملفتة، عبر استخدم مجموعات "الواتساب" و"التليجرام" في التنظيم والحث على الغياب ليومين أو ثلاثة قبل الإجازات المطولة أو بعدها".
ويبلغ وفق آخر الإحصائيات الرسمية عدد الطلاب والطالبات السعوديون 6.72 مليون طالب وطالبة في مراحل التعليم المختلفة على مستوى المدارس.
ولم تعلن نسبة محددة للغياب الذي بلغ الحديث عنه منصات التواصل الاجتماعي وبخاصة مقاطع "الميمز" الكوميدية على "التيك توك"، لكن قناة الإخبارية الحكومية أفردت له ساعة نقاش واصفة الغياب بالظاهرة التي جاءت بتنظيم من "قروب الأمهات" بواسطة الواتساب.
وتؤكد أيضاً الشورية السابقة الشعلان هذا الرأي بقولها، "يشارك في هذا التنظيم العديد من أولياء الأمور إن كان التلاميذ صغاراً، أو الطلبة أنفسهم في المراحل العليا، وسط إشارات ضمنية تصل للطلبة وأولياء الأمور في بعض المدارس ومن بعض المعلمين بالتساهل في احتساب الغياب، ومن يتحدى إحدى دعوات الغياب الجماعي ويرسل ابنه للمدرسة فسيعلم لاحقاً -كما علمت شخصياً في بضع مرات- أن ابنه قضى اليوم كاملاً وحيداً أو مع واحد أو اثنين من زملائه وسط غياب كثيف وتعطل للحصص الدراسية".
وتشير إلى خبر نشر مؤخراً مفاده أن "الوزارة بدأت في تقييم نظام الفصول الثلاثة من خلال جمع البيانات من مديري إدارات التعليم ومديري مكاتب التعليم. وفي تعليق لها نشرته عبر حسابها الرسمي على منصة إكس، تقول "ليت الوزارة التي فرضت نظام الفصول الثلاثة بدون استطلاع آراء الطلاب وأولياء الأمور والمعلمين، تشركهم الآن في هذا التقييم حتى تعرف الصورة الكاملة من كافة جوانبها، وأن تشرك كذلك رؤى المحايدين أو المستقلين عن أعمال الوزارة من المختصين في المناهج واقتصاديات التعليم".
سياسة 5 عقود يجب أن تتغير
ودعت الشعلان لضرورة "تغيير وثيقة سياسة التعليم التي دشنت منذ أكثر من خمسة عقود ولم تعد مواكبة لمتطلبات العصر المعرفية، ولا تلبي المعايير التعليمية الدولية ولا أهداف رؤية المملكة، وربما كان استمرار هذه الوثيقة من بين الأسباب التي أدت إلى أن تطوير المناهج مازال يلامس الشكل أكثر بكثير من الجوهر".
تغير نمط الحياة في رمضان
وتشير بعض الآراء إلى أن تغيير نمط الحياة خلال الشهر الفضيل، لا سيما السهر لوقت متأخر والميل إلى تأخير الاستيقاظ، يؤدي إلى صعوبة التزام الطلاب بالدوام المدرسي.
ومع ذلك، يرى آخرون أن الغياب لم يكن ليصل إلى هذا الحد لولا التنسيق المسبق بين بعض أولياء الأمور، وتحديدًا عبر "قروبات الأمهات" في تطبيقات التواصل الاجتماعي، التي يُقال إنها تلعب دورًا كبيرًا في تشجيع الغياب الجماعي، عبر رسائل تطمئن الأمهات بأن معظم الطلاب لن يحضروا، مما يدفع المزيد من الأسر إلى اتخاذ القرار ذاته.
وأثار هذا السلوك ردود فعل متباينة بين الأهالي والمجتمع التربوي، حيث اعتبر بعض أولياء الأمور أن الدوام خلال رمضان يجب أن يكون أكثر مرونة، مقترحين تقليص أيام الحضور أو جعل التعليم عن بُعد خيارًا متاحًا، خاصة في ظل الإرهاق الذي قد يعاني منه الطلاب بسبب الصيام. في المقابل، يرى معلمون وخبراء تربويون أن الغياب الجماعي يمثل تحديًا خطيرًا للعملية التعليمية، إذ يؤثر على التحصيل الدراسي، ويضعف ثقافة الانضباط والالتزام لدى الطلاب، خاصة في المراحل الدراسية المتقدمة.
ويرى محمد الدوسري، وهو ولي أمر لطالب في المرحلة الثانوية، أن "توقيت الدراسة الصباحي في رمضان لا يتناسب مع طاقة الطلاب خلال الصيام، وكان من الأفضل تقليص أيام الدوام أو تفعيل التعليم عن بُعد جزئيًا".
فيما يرى المختصون في الشأن التربوي أن مشكلة الغياب لا تقتصر على رمضان فقط، بل تمتد إلى الأيام التي تسبق الإجازات أو الاختبارات، ما يشير إلى تحدٍ أوسع في ثقافة الالتزام الدراسي.
حقوق الإنسان تحذر
ووفقاً لما نقلته قناة الإخبارية السعودية فإن هيئة حقوق الإنسان حذرت من هذه الظاهرة بقولها "لا يجوز التسبب في انقطاع الطفل عن التعليم وتعمل إدارة المدرسة بالاستفسار عن أسباب انقطاعه وترفع عن ذلك إن لزم الأمر للجهات المختصة".
عادة رمضانية
من جانبهم، عبّر بعض أولياء الأمور عن استيائهم من الظاهرة، مشيرين إلى أن الغياب الجماعي ليس مجرد "عادة رمضانية"، بل يعكس مشكلة أعمق تتعلق بثقافة الالتزام بالأنظمة، ودور الأسرة في تعزيز أهمية التعليم. كما لفت البعض إلى أن انتشار هذه الظاهرة قد يشجع مستقبلاً على استسهال الغياب في مناسبات أخرى، مما ينعكس سلبًا على جودة التعليم في المملكة.
ورغم التشديدات التي أصدرتها وزارة التعليم بشأن متابعة الحضور واتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المتغيبين، إلا أن تكرار الظاهرة سنويًا يطرح تساؤلات حول فعالية هذه الإجراءات، بخاصة وأن تربويين دعوا إلى ضرورة البحث عن حلول بديلة تعزز الحضور المدرسي، دون إغفال خصوصية شهر الصيام. وفق قولهم.