Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"تحولات جذرية" في رمضان: السوشيال ميديا شريك مائدة الإفطار

تزدحم منصات التواصل الاجتماعي بصور الأطباق الشهية وهو ما ينتقده كبار السن

تحولات عميقة شهدتها السلوكيات الرمضانية في عصر الصورة (اندبندنت عربية)

ملخص

في شهر رمضان، يتنافس الصائمون في إعداد أفضل مائدة، ويتشارك هؤلاء صور الأطباق المنوعة على منصات التواصل الاجتماعي. وهذا ما يرفضه تيار كبير من الصائمين الذين يشددون على التمسك بروحانية الشهر الفضيل والإحساس بالفقراء.

ككل عام، يخطف شهر رمضان الأبصار بأضوائه وصوره المليئة بالبهجة وألوانه المتنوعة بما لذ وطاب، حيث ملأت الزينة الأرجاء، وضاقت السفر بالأطباق الفاخرة. أسبغ هذا الجو الرمضاني مسحة تفاؤلية على الشوارع التي "اعتادها اللبناني مظلمة" في أكثر أيام العام بسبب انقطاع الكهرباء العمومية في لبنان.

إلا أن الجديد، الذي بدأ منذ أعوام قليلة وكثر راهناً، هو الدخول القوي لأعراف مواقع التواصل الاجتماعي على دائرة الطقوس الرمضانية، حيث يتسابق الصائمون لتوثيق "اللحظات الإيمانية"، ومشاركة صور الموائد العامرة مع الأصدقاء والمتابعين، فيما يشكل هذا المستجد تحدياً للتقاليد الراسخة لدى كبار السن، الذين اعتادوا على مراعاة مشاعر الجيران والأبعدين والأقربين. 

رمضان زمان

"رمضان هو شهر رحمة وعبادة، ولكن الناس تغيروا، وتبدلت معهم العادات وطفى إلى السطح الكذب وحب الظهور على حساب العطاء"، هكذا يختصر الحاج محمود المصري الرجل الثمانيني التغييرات التي طرأت على التقاليد الرمضانية بين زمنين. ويؤكد "يثير الحديث عن رمضان الحنين في أنفس كبار السن، لأنهم عاشوا زمناً مختلفاً عما هي الحال اليوم، كانوا يستيقظون على صوت الوداع"، "عندما كانت العائلة الكبرى تعيش في دار واحدة، وتتوزع الأسر على أجنحة المنزل المختلفة"، مضيفاً "كانت العائلة تجتمع على طاولة واحدة، وكان رب الأسرة يترأس الطاولة ويتولى إمامة الصلاة".

يضيف الحاج محمود، "كان الحب والتكافل عنواناً عريضاً لشهر رمضان، ويهدي الجيران الأطباق في ما بينهم"، لكنه اليوم "بات يفضل الإفطار هو وزوجته لوحدهما، ويجتمعان على طاولة فيها طبق واحد يتقاسمانه، لأن الناس باتت تعطي الأولوية لتزيين الطاولة على العبادة". ويستذكر "اجتماع العائلة من أجل لعب البرجيس بعد الإفطار والتراويح، وكنت أرافق أمي لزيارة الأهل، وكانت السهرة تبقى إلى الفجر".

تتداخل تجربة الحاج محمود مع تجربة الحاج أبوالعبد صاحب بسطة لبيع القطنيات في سوق ساحة التل في مدينة طرابلس شمال لبنان، حيث يعد أن "جوهر الاختلاف بين الماضي وراهناً هو التغيير في نفوس الناس"، "في الماضي، كان أبناء الحي يتشاركون في ما بينهم لإسعاد قلوب الأطفال، وتقديم المساعدة للمرأة الأرملة أو الفقيرة، حيث يوجد على سفرتها عشرات الأنواع بسبب إرسال جيرانها الطعام لها، لكي لا تشعر العائلات بالفروق المالية والاجتماعية، وكان الرفاق يشترون المونة لرفيقهم الفقير الحال"، فيما نشهد تحولاً كبيراً في العصر الراهن، حيث "تحولت الموائد لمصدر للتفاخر"، و"لم يعد يلتفت الأخ لأخيه".  

لقطة الموسم

"لحظة لا تلمسوا الأطباق، أريد التقاط ستريك" مشهد بات يتكرر يومياً على كل سفرة رمضانية في لبنان. فما إن يقترب موعد الإفطار حتى تمتلئ منصات التواصل الاجتماعي بصور الأطباق الشعبية الشهية. كما تزدحم مجموعات المراسلات حتى يتبادل الرفاق قوائم الطعام اليومية. تشير سيرين سيدة أربعينية وأم لثلاثة أولاد، "أنا ألجأ لمشاركة أطباقي على الستوري، لأن رفاقي يحبون أطباقي. وأسعد كثيراً في رؤية ما حضروه، ولا أعارض فكرة النشر لأنها في الحقيقة تعطينا أفكاراً جديدة لأطباق تقليدية، أو إنها تذكرنا بأفكار لإعداد قائمة طعام اليوم التالي لأن شهر رمضان يحتاج إلى إعداد 30 طبقاً رئيساً مختلفاً". وتعترف بـدور السوشيال ميديا في التأثير في سلوكياتها الرمضانية، إن لناحية تغيير الأطباق وأطقم التقديم (السرفيس) الرمضانية بصورة متكررة، أو لناحية تزيين المنزل بالأكسسوارات والأنوار، وفرش الطاولات وغرفة الطعام. 

لكن هذا السلوك يواجه انتقادات واسعة لدى شريحة واسعة من الصائمين وكبار السن، تقول روى "لا أكف عن نصح رفاقي بعدم نشر صور الموائد لأننا في دولة ينتشر فيها الفقر"، و"الصيام هو مناسبة لانطلاقة جديدة، والبدء بنمط حياة صحية وسليمة". كما يرفض كبار السن هذه الممارسات لأنها "لا تشبه رمضان الماضي الذي كان يقوم على التقشف والاقتصاد" كما تشير السيدة جميلة. 

اقرأ المزيد

تحدٍ وتريند

خلال الأعوام الثلاث الماضية، شهدت مدينة طرابلس نقلة نوعية على مستوى الزينة. ويتنافس أبناء الأحياء في إنارة الشوارع والأحياء. يشير الشاب هاشم "مع اقتراب شهر رمضان، قمنا بالتواصل مع صاحب مولدات الكهرباء الخاصة في الحي، وأبلغناه بأننا نريد تركيب حبال زينة رمضانية، وكان رد فعله إيجابياً". بعد ذلك، تشاركنا في شراء حبال الأضواء. ويقر بأن "التحدي شكل عاملاً دافعاً لإنارة الحي، لأنه لا يجوز أن تكون الأحياء الأخرى مضاءة فيما الحي الذي نقطنه مظلماً".

جنباً إلى جنب، تسير تحديات رمضانية أخرى بنكهة "تريند التيك توك"، حيث يتنافس المراهقون والشباب في إشعال المفرقعات و"إعصار النار"، ناهيك بخاصية البث المباشر و"الريلز"، أي مقاطع الفيديو القصيرة.

 وانتشر أخيراً بين الباعة وأصحاب البسطات أسلوب "التسويق" المنتشر على التواصل الاجتماعي، وتحول أداة لترويج البضائع. يؤكد حمد صاحب فرن لبيع الكعكة الطرابلسية، أن تطبيق "تيك توك" "أسهم في إعادة الزخم للفرن الذي تمتلكه العائلة منذ عشرات الأعوام"، وبدأ بدعوة الفقراء للشراء من عنده، لأن "100 ليرة لا تزال قادرة على شراء كثير من عنده، بين كعك، وحلوى، ومعمول". وينسحب هذا الأمر على عمر أبو جود صاحب بسطة للكنافة النابلسية، الذي يعد أن "لرمضان نكهة مختلفة في طرابلس التي تمتاز بالحلويات العربية"، ويتفنن الشاب العشريني بإعداد أطباق الكنافة إن لناحية السرعة في الإعداد أو التزيين المبتكر وإضافة لمسة غربية إلى أطباق شعبية شرقية تشتهر بها طرابلس.

تغيير في العمق

تتقاطع التجارب والمشاعر لتؤكد وجود تغييرات أساسية في شهر رمضان، حيث ساد الشكل على حساب المضمون، والصورة على جوهر وصدق التجربة. وينسحب هذا التغيير السلوكي، في غياب بعض المهن الرمضانية، أو التحول في أدوارها، كما هي حال الدراويش أو المسحراتي والوداع، التي فقدت جزءاً من جوهرها الروحاني لمصلحة المظاهر والصور التي تستغل على مستوى التواصل الاجتماعي لتحقيق مزيد من الشهرة أو حصاد الإعجابات بسبب ندرتها وإثارة المشاعر والذكريات.  

يتطرق الباحث في الثقافة المشرقية عبدالحليم حمود إلى الأسباب التي أدت إلى اختلاف السلوكيات خلال هذا الشهر، معتبراً أنه "لا يمكن إعادتها إلى أسباب تربوية، لأنها ترتبط مباشرة بالتغييرات على مستوى البنى الاقتصادية التي شهدها العالم العربي بسبب الطفرات المتلاحقة، ودخول المجتمعات الحيز الاستهلاكي، وانتشار الرأسمالية بكامل تجلياتها. 

من هذا المنطلق، يعد حمود أن "العائلات انغمست في استنزاف الموارد من لباس ومأكل ومشرب، وكذلك الأماكن، والعلاقات الاجتماعية التي أصبحت سائلة بمعنى فقدان الروابط المتماسكة". ويعتقد أن "التبدلات التي شهدها شهر رمضان هي واحدة من تجليات الحياة الاستهلاكية المعاصرة"، حيث "يستغل التاجر كافة المناسبات لترويج بضائعه، وتحقيق أرباح مثله مثل كل الأعياد والمناسبات، ومنها أعياد رأس السنة والميلاد، وغيرها من المناسبات التي جرى تحديثها".

ينبه عبدالحليم محمود "كانت التحولات التي طرأت على رمضان أكثر بروزاً كونه قائماً على تربية النفس والمنع، على خلاف الشبق الاستهلاكي السائد، لأنه يقوم على قمع الشهوات الجسدية والنفسية طوال ساعات الصيام"، معتبراً أن هناك استغلالاً لمرحلة الإفطار الممتدة من الفطور إلى السحور، التي باتت مستهدفة من صنوف الطعام الكثيرة، وموسم المسلسلات الرمضانية، والمبالغة في زينة المنزل واللباس.

كما يسلط عبدالحليم حمود الضوء على انتشار الإفطارات الفارهة، والموائد الباذخة التي تشكل تحدياً لقيم الزهد والتقشف، وكذلك الولائم التكريمية التي تنظمها بعض الجمعيات والأفراد لتكريم سياسيين أو شخصيات اجتماعية بارزة، مؤكداً أن "الإفطارات الضخمة والفاخرة هي منتج، وليس عاملاً مؤسساً.

وتاريخياً، لجأ رجال السياسة والنفوذ والإقطاع إلى تنظيمها من أجل بناء علاقات، وللتواصل مع الجمهور، والاستقطاب السياسي، من دون أن ننسى التفاخر، باعتبار أنه "ينظر إلى تلك الدعوة بوصفها تكريماً للشخص المدعو، وهو ما يمكن تصريفه واستغلاله لاحقاً في السياسة والانتخابات التي تخضع لنمط الحياة الاستهلاكية وكثرة المال"، وفق تعبير حمود.

المزيد من منوعات