ملخص
تجاوزت أسعار الذهب حاجز الـ3 آلاف دولار للمرة الأولى، مع تصاعد تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض تعريفات جمركية، مما دفع المستثمرين إلى اللجوء إلى الملاذات الآمنة.
لا تزال حال عدم اليقين في الأسواق العالمية تخيم على أسعار الذهب، إذ أكد محللون أن تلك الحال ستظل تدعم قيمة المعدن النفيس، فيما توقع أحدهم أن يصل الذهب إلى 3500 دولار بحلول الصيف، وإلى 4500 دولار خلال العام المقبل.
وتجاوزت أسعار الذهب حاجز الـ3 آلاف دولار للمرة الأولى، مع تصاعد تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض تعريفات جمركية، مما دفع المستثمرين إلى اللجوء إلى الملاذات الآمنة.
ويبدو أن تصريحات ترمب الأخيرة في شأن فرض تعريفات انتقامية على الكحول مع الاتحاد الأوروبي، إلى جانب حال الغموض الكبيرة التي أثارتها حربه التجارية مع الحلفاء والأعداء على حد سواء، تدفع الاتجاهات الحالية إلى شراء الذهب.
وبدأت أسعار الذهب هذا العام عند نحو 2600 دولار، وسجلت سلسلة من الارتفاعات القياسية في الأشهر القليلة الماضية.
ويعتبر الذهب مخزناً للثروة ووسيلة للحماية ضد التضخم، إضافة إلى كونه طريقة مفيدة لتنويع الاستثمارات وأصلاً آمناً في فترات الاضطرابات المالية والسياسية.
لكن الذهب لا يولد دخلاً، ويمكن أن تكون أسعاره متقلبة، مع كثير من العوامل التي قد تتداخل أو تتناقض، وتؤثر بصورة متفاوتة في أي وقت.
ويقول المدير التنفيذي لشركة "سولومون جلوبال" بول ويليامز لـ"الديلي ميل"، إن "تجاوز الذهب للمستوى النفسي المهم 3 آلاف دولار هو رد مباشر على تصاعد التوترات التجارية والشكوك الاقتصادية المتزايدة التي ترافقها".
وأضاف "تهديد ترمب الأخير بفرض رسوم تصل إلى 200 في المئة على واردات الكحول من الاتحاد الأوروبي أحدث صدمات إضافية في الأسواق العالمية، مما أدى إلى زيادة الطلب على الأصول الآمنة".
وأكد ويليامز "هذه ليست مجرد رد فعل سريع على سياسات فردية، إنها استجابة من المستثمرين للبحث عن الحماية ضد الأخطار النظامية، ومع الزخم الحالي فإن الوصول إلى 3500 دولار للذهب بحلول الصيف و4500 دولار خلال العام المقبل يعد أمراً ممكناً، إذ أنه مع استمرار اضطرابات الرسوم الجمركية التي أثارتها سياسات ترمب، يختار الذهب ليكون الدرع الأمثل ضد عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي".
الثبات فوق مستوى 3 آلاف دولار
لكن كبير الاستراتيجيين في مجلس الذهب العالمي جون ريد، يقول "السؤال الكبير الآن هو ما إذا كان الذهب قادراً على الثبات فوق مستوى 3 آلاف دولار"، وأضاف "لتحقيق ذلك نحتاج إلى رؤية استمرار الطلب من البنوك المركزية أو زيادة تدفقات الاستثمارات الغربية"، مشيراً إلى أن سعر 3 آلاف دولار يمثل نقطة تحول مهمة ويعزز دور الذهب كملاذ آمن في أوقات الشكوك، ملاحظاً أنه وصل إلى 1000 دولار خلال الأزمة المالية، وإلى 2000 دولار خلال جائحة "كوفيد-19".
ولفت إلى أن الطلب القوي من البنوك المركزية واهتمام المستثمرين من الأسواق الناشئة كانا العاملين الرئيسين في دفع السعر خلال الأعوام الخمسة الماضية، قائلاً "إضافة إلى هذا الاتجاه الطويل المدى، فإن الارتفاع الأخير جاء نتيجة لعدم اليقين في شأن الرسوم الجمركية الأميركية، مما يزيد من الأخطار الاقتصادية وتقلبات الأسواق، ومن ثم يعزز اهتمام المستثمرين بالذهب كأداة تنويع أساس".
ويقول رئيس قسم البحث في شركة "هان إيفت" توم بيلي "لقد وصل الذهب مرة أخرى إلى أعلى مستوى تاريخي جديد، إذ يتجه المستثمرون نحو المعدن الثمين كوسيلة للتحوط ضد الأخطار"، وتابع "بعد أداء رائع في 2024 يظهر الذهب إمكانات للحفاظ على هذا الزخم في 2025، ونتوقع مزيداً من الارتفاعات من هنا".
لكن بيلي يشير إلى "اختلاف رئيس بين الارتفاع هذا العام والارتفاع الذي حدث في العام الماضي"، موضحاً "سحب المستثمرون الأوروبيون 5.8 مليار دولار من السلع المتداولة المدعومة بالذهب في 2024، لكن هذا العام شهد تحولاً دراماتيكياً في الاتجاه"، قائلاً "بينما تأخر منتجو الذهب في اللحاق بسعر الذهب أخيراً، إلا أنهم قد يمثلون فرصة لأداء أقوى مع تعافيهم من ارتفاع المعدن الأساس".
عوامل تدفع سعر الذهب
ويتفق المحللون في الاستثمار حالياً على أن حال عدم اليقين التي يسببها ترمب هي العامل الرئيس وراء زيادة شراء الذهب كأصل آمن في الوقت الراهن.
لكن سعر الذهب قد يجد نفسه في صراع بين قوى متعارضة، وهو ما يجب أن يكون المستثمرون على دراية به ومتابعته، وهناك عوامل عدة يمكن أن تؤثر في السعر، أبرزها الشراء الفعلي للذهب، إذ يشهد الطلب على العملات المعدنية والسبائك والمجوهرات تقلبات موسمية، فعلى سبيل المثال يعد مهرجان (ديوالي) وقتاً شائعاً لشراء مجوهرات الذهب في الهند، وكذلك رأس السنة القمرية في الصين لجميع أنواع الذهب المادي".
أما العامل الثاني فهو التوقعات في شأن التضخم وقرارات أسعار الفائدة المستقبلية، إذ تعتبر تحركات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي الأميركي)، أقوى بنك مركزي في العالم، العامل الأكثر تأثيراً في هذا السياق، وأن خفض أسعار الفائدة، أو حتى مجرد التوقعات بذلك، يجعل الذهب أكثر جاذبية للمستثمرين، إذ يضعف الدولار وقد يسهم في زيادة التضخم.
أما العامل الثالث فهو التوافق القوي في السوق في شأن سياسات "الفيدرالي" فقد يتفوق هذا التوافق على كثير من العوامل المتعارضة التي تؤثر في سعر الذهب في آن واحد.
ويأتي العامل الرابع وهو شراء الذهب من قبل البنوك المركزية، فكثير من البنوك المركزية تفضل الاحتفاظ بالذهب ولديها موارد مالية ضخمة، على رغم أنه يعتقد أن بعضها ينجز عملياتها تحت الرادار.
المشترون الغامضون
وفي الأعوام الأخيرة كان هناك كثير من التكهنات حول أن الأنشطة التجارية السرية قد تؤثر في سعر الذهب، وتتوجه الشبهات بصورة رئيسة إلى البنك المركزي الصيني أو نظيره الروسي، أو كليهما.
وأسفر هجوم روسيا على أوكرانيا عن فرض عقوبات على روسيا، التي تمتلك ثاني أكبر صناعة لتعدين الذهب في العالم.
وفي الوقت نفسه هناك تكهنات بأن الصين قد تكون تقوم بتقليل تقاريرها في شأن احتياطات الذهب في البنك المركزي، ربما لأنها تبني خزانة حرب ضد العقوبات الغربية في حال قررت غزو تايوان.
ويمكن للولايات المتحدة أن تمنع البلدان الخاضعة للعقوبات من تصفية الدولارات عبر نظامها المالي.
وقد تكون البلدان الأقل قوة من الصين أو روسيا أيضاً ميالة لبناء احتياطات من الذهب بهدوء لتعزيز وضعها المالي في حال دخلت في مواجهة مع واشنطن والغرب.
ويجعل الدولار الأميركي القوي الذهب أكثر كلفة، مما يمكن أن يردع جميع أنواع المشترين ويؤثر سلباً في السعر، ذلك لأن الذهب يسعر بالدولار الأميركي، وعندما يكون الدولار قوياً، قد يمنع المشترين الأجانب من شراء الذهب، في المقابل قد يساعد الدولار الضعيف في تعزيز سعر الذهب.
هناك أيضاً الأحداث الجيوسياسية والأزمات، إذ يعتبر الذهب ملاذاً آمناً في أوقات الاضطراب، ومع ذلك فإن الدولار أيضاً يعتبر ملاذاً آمناً، ويمكن أن يقوى خلال فترات الاضطراب، لذا فإن هذه الاتجاهات التجارية أحياناً تتعارض مع بعضها بعضاً.
هناك أيضاً استثمارات المؤسسات وصناديق التحوط، فحتى، عندما يكون الطلب على الذهب الفعلي قوياً يمكن أن يتأثر بسبب التقلبات في "الذهب الورقي"، الذي يتمثل في صناديق المؤشرات المتداولة التي تحتفظ بها المؤسسات مثل البنوك وصناديق التحوط.