ملخص
يتطلع كثر من الأميركيين للهرب من الأجواء المتوترة والسامة في بلادهم، فلماذا يرغب أي شخص في زيارة الولايات المتحدة في هذا الوقت، خصوصاً مع الاعتقالات العشوائية عند الهجرة؟
تسهم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ومواقفها المثيرة للجدل في إحجام السياح الدوليين عن زيارة الولايات المتحدة، فوفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز" ألغى عدد متزايد من الزوار خططهم للسفر أو أعادوا التفكير في الأمر بسبب السياسات الأخيرة والتصريحات القاسية التي تجعلهم يشعرون بعدم الترحيب أو الأمان.
ويقول البعض إنهم يترددون في دعم اقتصاد بلد يشن حروباً تجارية ويزعزع استقرار حلفائه كما أن مسودة جديدة لحظر السفر التي يتم تداولها داخل الإدارة قد تقيد دخول مواطني 43 دولة، بما في ذلك بيلاروس وكمبوديا وسانت لوسيا.
ويتطلع كثر من الأميركيين للهرب من الأجواء المتوترة والسامة في بلادهم، فلماذا يرغب أي شخص في زيارة الولايات المتحدة في هذا الوقت، خصوصاً مع الاعتقالات العشوائية عند الهجرة؟
وقالت استشارية تسويق من لندن مالوري هندرسون التي كانت تزور الولايات المتحدة مرتين سنوياً أنها ألغت رحلتها هذا العيد لزيارة شقيقها وابنة أخيها في بوسطن. وأضافت أنها "فترة معادية ومرعبة، وبصراحة هناك أماكن أخرى مرحبة وجميلة يمكنني الذهاب إليها للقاء عائلتي".
وحتى قبل تغيير الإدارة الأميركية في يناير (كانون الثاني) الماضي، كانت صناعة السفر في الولايات المتحدة تكافح للتعافي من تداعيات جائحة "كورونا"، وذلك بسبب قوة الدولار التي جعلت الزيارة أكثر كلفة للمسافرين الأجانب، فضلاً عن فترات الانتظار الطويلة للحصول على تأشيرات.
ولم تكن أعداد الزوار الدوليين القادمين إلى الولايات المتحدة متوقعة أن تصل إلى مستويات عام 2019 إلا في وقت لاحق من هذا العام، وأن الإنفاق من قبل الزوار الأجانب لا يتوقع أن يتعافى بصورة كاملة حتى عام 2026، وفقاً لجمعية السفر الأميركية، لكن متخصصين في مجال السفر يقولون الآن إن هذه التوقعات قد تصبح أكثر صعوبة في التحقيق.
تراجع سفر الكنديين 24 في المئة
كانت شركة الأبحاث "توريسم إيكونوميكس" قد توقعت في البداية نمو السفر إلى الولايات المتحدة 9 في المئة هذا العام، ولكن في فبراير (شباط) الماضي، حدثت توقعاتها، إذ توقعت انخفاض السفر الدولي 5.1 في المئة وانخفاض طلب الفنادق بنسبة 0.8 في المئة عام 2025 (يعادل انخفاضاً في الإنفاق قدره 18 مليار دولار).
يرجع جزء كبير من هذا التراجع إلى مقاطعة من قبل المسافرين الكنديين، ففي فبراير الماضي، بعد إعلان ترمب فرض رسوم جمركية على كندا، انخفض عدد الكنديين الذين يعبرون الحدود بنسبة 24 في المئة مقارنة بالفترة نفسها عام 2024.
تضرر شركات الطيران
وتستجيب شركات الطيران لهذه الحالة من عدم اليقين، إذ قامت بعض الشركات، بما في ذلك "دلتا إيرلاينز" و"أميركان إيرلاينز"، بخفض توقعاتها المالية للأشهر الأولى من العام، مشيرة إلى تراجع الإنفاق على السفر.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة "يونايتد إيرلاينز" سكوت كيربي إن "الشركة قلصت تكرار عديد من الرحلات إلى كندا بسبب الانخفاض الكبير في حركة المرور الكندية إلى الولايات المتحدة"، بينما قال رئيس شركة "توريسم إيكونوميكس" آدم ساكس "من المتوقع أن يستمر التحول في المشاعر السلبية بفعل مزيج متطور من العوامل المتعلقة بإدارة ترمب، بما في ذلك التوترات الجيوسياسية في شأن التجارة والسياسات الأمنية الوطنية، واللغة المتوترة، والمواقف العدائية". وأضاف "من المتوقع أيضاً أن تؤدي سياسات وأعمال فرض الأمن على الحدود والهجرة ذات الرؤية العالية إلى تثبيط الزيارات".
وقد أدت حال عدم اليقين على الحدود الأميركية إلى قيام دول عدة، بما في ذلك بريطانيا وألمانيا وكندا، بتحديث نصائح السفر الخاصة بها إلى الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن الإعفاء من تأشيرة الدخول لا يضمن الدخول إلى البلاد، وأن الزوار الأجانب الذين يشتبه في انتهاكهم لقواعد الدخول قد يتم احتجازهم أو اعتقالهم عند الحدود، وجاءت هذه التحذيرات بعد سلسلة من حالات الاحتجاز في نقاط دخول الولايات المتحدة التي شملت سياحاً أجانب وحاملي البطاقة الخضراء.
في هذا الشهر، قال مسؤولون فرنسيون إن عالماً فرنسياً منع من دخول البلاد لأن هاتفه، الذي تم تفتيشه عند الوصول، كان يحوي آراءً شخصية حول سياسات إدارة ترمب، ورفضت السلطات الأميركية هذا الادعاء، قائلة إن "الرفض لم يكن مرتبطاً بـمعتقداته السياسية".
تراجع السياح من أوروبا الغربية لأميركا
لم يسجل مشغلو السفر في أوروبا حتى الآن موجات كبيرة من الإلغاءات على غرار كندا، إذ يقاطع عديد من السكان السفر إلى الولايات المتحدة، ولكن هناك عدداً متزايداً من المسافرين الذين يعيدون النظر في خططهم لفصلي الربيع والصيف.
وقال الأمين العام لجمعيات وكلاء السفر ومنظمي الرحلات الأوروبية إريك دريسن إن "الأوقات العصيبة متوقعة، خصوصاً إذا تأثرت المزيد من البلدان بتغيرات السياسات الأميركية".
وأظهرت البيانات الأولية من المكتب الوطني للسياحة والسفر في الولايات المتحدة أن الوافدين إلى الولايات المتحدة من أوروبا الغربية انخفضوا بنسبة واحد في المئة في فبراير الماضي، بعد زيادة بنسبة 14 في المئة في الفترة نفسها من العام الماضي.
كريستوف بارتيل (28 سنة) مواطن ألماني يعيش في النرويج، كان خطط لرحلة إلى أريزونا هذا الصيف لزيارة المتنزهات الوطنية، لكنه ألغى خططه الأسبوع الماضي، رداً على إقالة إدارة ترمب لموظفي المتنزهات الوطنية وتراجعها عن اللوائح البيئية.
وقال بارتيل، "لا يبدو من الصواب دعم الاقتصاد الأميركي في وقت يتسبب فيه الرئيس في كثير من التخريب"، مضيفاً "من المحبط التخلي عن رحلة خاصة كنا قد خططنا لها لشهور، لكننا سنذهب إلى كندا أو المكسيك بدلاً من ذلك".
وبعد كندا والمكسيك، توفر بريطانيا أكبر عدد من الزوار إلى الولايات المتحدة، إذ بلغ عددهم نحو 4 ملايين العام الماضي، وتلاحظ وكالات السفر وجود انقسام بين العملاء الذين يزورون الولايات المتحدة بانتظام ولا تردعهم الأجواء السياسية، والذين يبحثون عن وجهات بديلة، رداً على التغيرات في السياسات.
قوة الدولار رفعت أسعار الفنادق
تبدو كلفة زيارة الولايات المتحدة بعد جائحة كورونا أيضاً تؤثر في هذا الوضع، إذ قال المدير التنفيذي لشركة "بون فوييتر" آلان ويلسون، وهي شركة بريطانية متخصصة في الرحلات إلى الولايات المتحدة وكندا "كانت أميركا دائماً تعد مكاناً جيداً من حيث القيمة"، موضحاً "مع قوة الدولار، ارتفعت أيضاً أسعار الفنادق، وتعد الإكراميات المرتفعة مشكلة لعديد من الزوار".
وأشار ويلسون إلى أن "شركته شهدت انخفاضاً بنسبة 5 في المئة في حجوزات الولايات المتحدة هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي"، لكنه لم يتوقع أن يتغير هذا الرقم كثيراً بحلول الصيف، إذ إن معظم العملاء قد حجزوا بالفعل رحلات إلى وجهات متعددة في الولايات المتحدة تم تأكيدها قبل عام.
الأزمة مؤلمة
في أماكن مثل نيويورك وفلوريدا وكاليفورنيا يشعر عديد من الشركات السياحية الصغيرة بالضغط، والتي كانت متفائلة بأن عام 2025 سيجلب النمو، وقال مالك شركة "ريل نيويورك تورز" العائلية لوك ميلر إن عمله يتعرض للدمار بعد إلغاء عديد من الزوار، ومعظمهم من كندا، لرحلاتهم عقب إعلان ترمب عن فرض الرسوم الجمركية.
وأضاف ميلر "لقد ألغى 20 حافلة من كبار السن رحلاتهم القادمة، هذه خسائر تصل إلى آلاف الدولارات بالنسبة إلى شركتي الصغيرة". وأشار إلى أنه يتلقى إلغاءات لرحلات تمتد حتى موسم العطلات الشتوية ولا توجد حجوزات من الأوروبيين لهذا الصيف، وهو السوق الثانية الأكبر بعد كندا، ووصف الوضع بـ"المؤلم".
وتسعى الوجهات الرئيسة مثل نيويورك وكاليفورنيا إلى تعزيز جهودها التسويقية لطمأنة السياح الدوليين بأنهم مرحب بهم، وراجعت "زيارة كاليفورنيا"، وكالة السياحة الخاصة بالولاية، توقعاتها في شأن إنفاق الزوار في 2025، إذ خفضت تقديراتها من 166 مليار دولار إلى 160 مليار دولار، بعد تباطؤ نمو عدد الزوار الدوليين وحرائق الغابات المدمرة في لوس أنجليس في يناير الماضي.
وقالت رئيسة وكالة ولاية كاليفورنيا كارولين بيتا، في بيان "الخبر الجيد هو أن الزوار الدوليين لا يزالون يظهرون ارتباطاً قوياً بولاية كاليفورنيا بفضل علامتها التجارية القوية على الساحة العالمية".
وحول كلفة زيارة المدينة قالت رئيسة "سياحة نيويورك والمؤتمرات" جولي كوكر "من الممكن زيارة المدينة بموازنة محدودة، وستركز الحملة التسويقية على هذه الفرص". وأضافت، "هذه فرصة ممتازة لتسليط الضوء على الأحياء الأخرى وأجزاء من نيويورك خارج مانهاتن التي تتمتع بحيوية مذهلة وتقدم تجارب طعام وفن وثقافة متميزة"، مشيرة إلى أن نيويورك واجهت صعوبات من قبل وأنها واثقة من أنها ستتمكن من استعادة إنفاق السياح الدوليين بحلول عام 2026 على رغم التحديات الحالية، لكن ميلر من "ريل نيويورك تورز" ليس مقتنعاً، قائلاً إن الشركة إذا لم تستعد حجوزاتها هذا الصيف، فسيتعين عليه التفكير في تسريح بعض الموظفين. وأضاف "الواقع هو أننا نتعرض لأكبر الضغوط، وقد لا ننجو".