ملخص
يروي سكان جزيرة توتي الواقعة بين العاصمة الخرطوم وأم درمان، كيف كان مسلحو "الدعم السريع" يضيقون الخناق عليهم، فيمنعونهم حيناً من التوجه لتلقي الطبابة أو يسجنونهم ولا يخرجونهم سوى مقابل المال.
تنفس سكان جزيرة توتي السودانية، الواقعة عند ملتقى النيلين الأزرق والأبيض، الصعداء بعدما تخلصوا من سيطرة ميليشيات قوات "الدعم السريع" وبدأوا يتحدثون عما عاشوه من معاناة.
يحكي سكان الجزيرة الواقعة بين العاصمة الخرطوم وأم درمان أن قوات "الدعم السريع" التي أجبرها الجيش على المغادرة كانت تمنع الناس من تلقي العلاج الطبي وتسجن وتبتز آخرين.
ويتذكر عمر الحسن، وهو مسن من سكان الجزيرة، قائلاً إن أحد أفراد الميليشيات منعه من عبور جسر لمقابلة الأطباء. وتابع، "عانيت حصر بول شديداً وطلبت الخروج (من الجزيرة)، مشينا حتى الكوبري، لكن الرجل الذي كان معهم (الميليشيات) أعادنا وقال لي أوراقكم ناقصة"، موضحاً أن جميع الوثائق اللازمة كانت معهم وأن كل ما أراده المسلح هو الحصول على المال منهم.
لم ترد قوات "الدعم السريع"، التي دخلت في حرب مع الجيش في أبريل (نيسان) 2023، والتي لا تزال تسيطر على مناطق في غرب السودان، على طلب وكالة "رويترز" للتعليق.
وتنفي هذه الميليشيات انتهاك حقوق الإنسان أو تقول إنها ستحاسب الجناة، متهمة الجيش بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق.
وتتهم الأمم المتحدة طرفي الحرب الأهلية بارتكاب انتهاكات قد تصل إلى جرائم حرب.
"توتي حرة"
كانت جزيرة توتي بمساحاتها الخضراء المطلة على النيل، واحدة من أكثر بقاع السودان هدوءاً في بلد عانى الحروب منذ زمن طويل.
واعتاد سكانها، البالغ عددهم نحو 10 آلاف نسمة، الاسترخاء على شواطئ الجزيرة قرب أشجار الليمون التي تتمايل مع نسيم الهواء. وكان الناس يقضون أوقاتهم في المقاهي يدخنون النرجيلة وربما يناقشون المشهد السياسي المعقد المرشح للاشتعال في السودان.
لكن كان ذلك كله قبل اندلاع الصراع الذي عصف بالبلاد بين الجيش و"الدعم السريع".
في صورة مصغرة للدمار الذي خلفته الحرب، أصبح مجتمع توتي الزراعي المترابط معرضاً الآن لخطر المجاعة، كما تفشت فيه حمى الضنك.
وهذا الأسبوع أعلن الجيش السوداني بقيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان سيطرته على العاصمة الخرطوم، بما يشمل جزيرة توتي.
وقال الجندي الطاهر الطيب، "نظفنا جميع المناطق نظافة كاملة وشاملة. يعني لا يوجد شيء. نحن نقول للناس أن يعودوا والنصر للقوات المسلحة. أنا أقول لهم توتي حرة. الخرطوم كلها حرة".
وفي مكان قريب، كانت امرأة تسير بجوار متجر وهي تتفقد الدمار الذي حدث، بينما كان الناس يتوافدون إلى أحد المساجد.
المال للخروج من السجن
شق زعيم قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، الذي جاء من خلفية متواضعة، طريقه ليصبح قائد ميليشيات الجنجويد مرهوبة الجانب التي سحقت تمرداً في دارفور، مما أكسبه نفوذاً ليصبح في نهاية المطاف ثاني أقوى رجل في البلاد وأحد أغنى أغنيائها.
وأتقنت قوات "الدعم السريع" التي تتألف من شبان أشداء مسلحين بقذائف صاروخية ورشاشات محمولة على شاحنات، فنون الحرب في الصحراء في منطقة دارفور، لكن هذه القوات تفتقر إلى انضباط الجيش النظامي.
وقال عبدالفتاح عبدالله، أحد سكان جزيرة توتي، إن ذلك كان واضحاً، ووصف كيف طارده رجال "الدعم السريع" على أربع دراجات نارية وأمسكوا به بينما كان يحمل خضراوات اشتراها من السوق.
وذكر أن الأيام الـ20 التالية، التي كان محبوساً فيها داخل غرفة صغيرة مع 32 من رجال الجيش، كانت الأصعب في حياته. وأضاف أن الأمر لم ينتهِ عند هذا الحد، بل طالبه مسلحو "الدعم السريع" بما يعادل 400 دولار.
وتابع يقول، "ضايقوا الناس. إما تأتي بذهبك أو بأموالك أو لا تخرج. لا يخرجونك حتى يتدخل المغتربون والناس الذين في الخارج ويدفعون المال لهم".