Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

كيف فشلت القناصة في حماية "الدعم السريع" بالخرطوم؟

حافظت هذه الاستراتيجية على حرمان الجيش السوداني من دخول العاصمة عامين

جنود سودانيون في شوارع الخرطوم بعد سيطرة الجيش عليها (أ ف ب)

ملخص

يمتلك الجيش السوداني وحدة قناصة تنضوي تحت لواء العمليات الخاصة وتضم مئات الضباط وضباط الصف والجنود، لكن واقع العمليات الميدانية كشف عن أن قوات "الدعم السريع" تمتلك أيضاً عدداً كبيراً جداً من القناصة وربما استعانت بعدد من الأجانب في هذا التخصص.

شكلت شبكة قناصة "الدعم السريع" التي كانت متمركزة منذ نحو عامين في وسط الخرطوم المحاطة بالبنايات والأبراج الشاهقة عائقاً أساساً أبطأ تقدم حركة القوات الجيش نحو وسط الخرطوم أشهراً عدة، لكن قبل أيام وعلى رغم الانتشار الكبير والمبكر لشبكة قناصة "الدعم السريع" فقد فشلت في الحفاظ على مواقعها.

هذا الفشل دفع مراقبين إلى التساؤل عن الكيفية التي مكنت الجيش السوداني من تحييد شبكة قناصة "الدعم السريع" وتفكيك منظومتها، مما كان من أهم المفاتيح التي مكنت قواته من متابعة توغله إلى داخل قلب الخرطوم والزحف نحو تحرير القصر الجمهوري.

أهمية خاصة

المراقب العسكري إسماعيل يوسف رأى أن من الميزات التي تمنح سلاح القنص أهمية خاصة هي أنه يسمح لمجموعة منتقاة محدودة العدد من المسلحين غير مقيدة بمعدات ثقيلة لمواجهة العدو، مضيفاً "قناص واحد متخفٍّ يستطيع أن يسبب خسائر فادحة في صفوف العدو تعطل عمل فرقة كاملة".

وأوضح يوسف أن نقاط القناصة المختبئة داخل العمارات والمباني العالية تمثل خطراً داهماً على تقدم القوات والآليات على الأرض، ويصبح خيار التعامل معها داخل المدن بالقصف المدفعي الثقيل أو الجوي أو حتى بالطيران المسير دائرة التدمير والخسائر في البنية التحتية المعماري، وقال "على رغم ذلك لا يستطيع القناص وحده الانتظار ساعات وربما أياماً من الترقب والترصد لقتل العدو، لأنه جسمانياً وطبيعياً يستحيل في الغالب على القناص أن يصوب وينظر كثيراً نحو الهدف، إذاً هو يعمل في إطار تعاون ودي أو أخوي مع مجموعة الاستطلاع التي تعلمه أو تخبره حالما يتحرك العدو أو الهدف من مكانه".

وأشار المراقب العسكري السوداني إلى أنه وعلى رغم صعوبة تحديد مكان وجود القناص الذي قد يكون متخفياً على بعد عشرات وأحياناً مئات الأمتار، فإنه مع هذا البعد قد لا يصوب نحو عين الهدف إلا لوهلة قصيرة، إذ غالباً ما لا يمتلك الوقت الكافي لإصابة الهدف بدقة ما لم يكن يقظاً ومحترفاً.

انقطاع الإمداد

تحتاج مجموعات القناصة - وفق يوسف - إلى دعم لوجيستي مستمر من الذخيرة والإمدادات والصيانة وحتى العناية الصحية، وفي حال انقطاع هذه الإمدادات أو تأثرها بالضغط العسكري والحصار، فإن ذلك قد يؤدي إلى شلل فاعلية تلك المجموعات.

ونبه إلى أن قلب الخرطوم ظل طوال فترة الحرب يعاني غياب الخدمات وانقطاع المياه والكهرباء، مما يجعل بقاء القناصة طويلاً في ظل ظروف الطقس الحار يحد من قدرتهم على الصمود ويدفعهم إلى الفرار ومغادرة مواقعهم.

 

 

يمضي المراقب العسكري في تحليله فيقول إن عناصر القنص غالباً ما تكون مدربة جيداً وتعرف كيف تدبر حالها في مخابئها ومواقعها المختارة، ومع ذلك فإنها تبقى معرضة للخطر بالكشف والترصد مما يجعلها عرضة للاستهداف والإصابات بشكل دائم، وقد يؤدي الضغط المستمر عليهم إلى إصابات متكررة في صفوفهم، ويصبح من الصعب البقاء في مواقعهم فترة أطول، فضلاً عن أن غياب التنسيق وانقطاع الإمداد والمعلومات والدعم تمثل أبرز أسباب تفكك شبكات القنص.

تكتيكات دقيقة

وفق وحدة التحليل العسكري التابعة لمنصات القدرات العسكرية السودانية، وزعت قوات "الدعم السريع" أفرادها من القناصة بناءً على أهداف عسكرية دقيقة ومهمة أهمها تغطية الممرات والشوارع الرئيسة والسيطرة على النقاط الحيوية وتأمين خطوط الإمداد ولإعاقة تقدم قوات الجيش من الحركة داخل المدن بفاعلية.

وقالت الوحدة "سرعان ما تحول التمركز الاستراتيجي داخل المباني إلى أوهام قضى عليها الجيش السوداني بشكل غير مسبوق ونجح في قتال المدن وتحييد القناصة بصورة متعاظمة عبر ما يعرف باستراتيجية (الهجوم الجراحي) المبنية على الهجوم بأقل ضرر جانبي باستهداف القناصة الذين وزعتهم "الدعم السريع" منذ لحظات الاندلاع الأولى، ظناً منها أنها بذلك قد تحكم سيطرتها بشكل فعال على النقاط التي توزعت بها".

اقرأ المزيد

وأكدت أن قوات الجيش نجحت بتلك الاستراتيجية في تقليل الضرر على المباني والبنية التحتية الحضرية واستخدام التكنولوجيا المتقدمة مع اعتماد تكتيكات دقيقة لضرب مواقع القناصة الحصينة داخل أعشاش القنص عبر "التمييز الدقيق للهدف" والتعامل الدقيق مع الهدف وزمن الاشتباك، وذلك بتوجيه القاذفات بضربة حاسمة مع تجنب إطلاق النار بشكل عشوائي وهو ما يعرف بـ"عمليات الهجوم الدقيقة والجراحية"، وهي نتاج حقيقي لعملية تنسيق وتخطيط مسبق على مسرح العملية العسكرية.

ونبهت إلى أنه "على رغم الصعوبات البالغة في إزاحة أعشاش القنص المحصنة فإن احترافية الجنود ونجاعة خطط التسلل تحول تلك التحصينات إلى أوهام في ساحة المعركة، وهو بالضبط ما حدث مع ’الدعم السريع‘ في مدينة الخرطوم وغيرها من مناطق القتال ذات البنية التحتية الحضرية، بحيث ظنت أن توزيعها للقناصة منذ الساعات الأولى للحرب يعد تمركزاً استراتيجياً للسيطرة على المواقع المهمة ولتعزيز تفوقها الميداني ولحماية أفرادها".

إظهار السيطرة

أما المحلل العسكري الرائد محمد مقلد فأكد أن تموضع وانتشار ارتكازات وقناصة "الدعم السريع" داخل مواقع منتخبة بمدينتي الخرطوم والخرطوم بحري طوال الفترة السابقة يعود لإظهار إحكام سيطرة هذه القوات على العاصمة بخاصة بحري، بسبب تمركز قوات الجيش والكتائب الداعمة لها باتجاه الشمال الجغرافي للعاصمة.

مقلد يعتقد أن قوات "الدعم السريع" نجحت بأسلوب القناصة في الحد من تقدم وانفتاح قوات الجيش طوال الأشهر الماضية، غير أن مجرى العمليات العسكرية الآن يؤكد أن تلك القوات أخلت مواقعها في العاصمة عبر انسحاب تكتيكي منظم حافظت من خلاله على قوتها البشرية وأسلحتها وآلياتها العسكرية من دون أي خسائر تذكر.

ورأى أن "كل المؤشرات تؤكد أن عملية الانسحاب كانت منظمة وأُخلي كل الأسرى الذين يقدر عددهم بـ10 آلاف أسير مع القوات المنسحبة إلى مواقع تموضع اختيرت بعناية بغرب أم درمان، مما يوحي بأن هذه الانسحابات تمت بموافقة وضمانات دولية لإنهاء الحرب في السودان، خصوصاً أنها تزامنت مع حراك دولي وإقليمي خلال الأيام الماضية".

كبرى العقبات

أقر مصدر عسكري أن قناصي "الدعم السريع" شكلوا كبرى المعضلات التي عطلت تقدم الجيش نحو وسط الخرطوم، حيث كانوا يتمركزون داخل وعلى أسطح العمارات والأبراج الشاهقة في قلب المدينة وحولها، مما منحهم تفوقاً استراتيجياً من جهة اتساع مدى التغطية ورصد الأهداف في محيط جميع الطرق المؤدية من منطقة المقرن إلى وسط الخرطوم ومحيط القصر الرئاسي.

وكشف المصدر عن القبض على كثير من القناصة الأجانب من جنسيات مختلفة في محيط عمارات السوق العربية في الخرطوم بعضهم من دولة مجاورة.

 

 

وعن مشاركة عدد من القناصة الأجانب يعملون لمصلحة قوات "الدعم السريع" ودعم هجماتها على عدد من المواقع بالخرطوم إلى جانب تورطهم في عمليات سلب ونهب، أوضح المصدر نفسه أن "الدعم السريع" لم يقصر استخدامها سلاح القنص على معارك وسط الخرطوم، بل اعتمدت عليها في محاولتها إطالة أمد حصار سلاح المدرعات جنوب الخرطوم، وسلاح المهندسين في أم درمان، لكن قوات الجيش تمكنت من تحييد معظم نقاط القنص التي كانت تنتشر في جميع البنايات العالية حول مقار سلاح المهندسين والمدرعات.

قناصو الجيش

يمتلك الجيش السوداني وحدة قناصة تنضوي تحت لواء العمليات الخاصة وتضم مئات الضباط وضباط الصف والجنود، لكن واقع العمليات الميدانية كشف عن أن قوات "الدعم السريع" تمتلك أيضاً عدداً كبيراً جداً من القناصة وربما استعان بعدد من الأجانب في هذا التخصص.

وتعتبر فرقة القوات الخاصة (العمل الخاص) من الفرق المؤهلة بتدريب قتالي متقدم ويتمتع أفرادها ببنية جسمانية وذهنية قوية ولياقة بدنية عالية، وهي كتيبة متقدمة غالباً ما تُكلف بمهام حربية دقيقة وخاصة شديدة الخطورة وصعبة تتطلب كفاءة قتالية عالية، كالتسلل خلف خطوط العدو لتدمير أهداف مهمة وحيوية محددة أو استهداف قيادات العدو.

وتستخدم قوات العمل الخاص التابعة للجيش أنواعاً عدة من بنادق القنص، وهي الأسلحة نفسها التي تستعملها قوات "الدعم السريع" وعلى رأسها بندقية (أم 16) الأميركية الصنع، المزودة بمنظار دقيق لرصد الهدف، كما تستخدم أيضاً بندقية (جي 3) الألمانية الصنع، إلى جانب أنواع أخرى من بنادق القنص الروسية الصنع التي ظهرت في أحدث تدريبات قامت بها قوات العمل الخاص.

الانفتاح والانسحاب

منذ إعلان الجيش هجومه الشامل المتعدد المحاور وعبور أهم ثلاثة جسور بولاية الخرطوم من مدينة أم درمان نحو الخرطوم بحري والخرطوم، فجر الـ25 من سبتمبر (أيلول) الماضي، انتقل للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب قبل 18 شهراً من حال الدفاع إلى الهجوم.

وتابع الجيش تقدمه على جميع محاور القتال تمكن خلالها من تحرير ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة التي شكلت منعطفاً مهماً بدأ بعده الزحف نحو تطويق الخرطوم ومهاجمة قوات "الدعم السريع" من محاور عدة في الشمال والجنوب والغرب.

وبعد أسبوع واحد من تحرير الجيش القصر الجمهوري، انسحبت الأربعاء الماضي تلك القوات خلال فترة قصيرة لم تتجاوز 48 ساعة من كل أنحاء العاصمة السودانية وتفريغها تماماً من كل عناصرها وإعلان الجيش الخرطوم خالية من "الدعم السريع".

المزيد من تقارير