Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

التهيئة لولاية ترمب الثالثة جارية بغض النظر عن قيود الدستور

"الديمقراطيون" غائبون تماماً عن مواجهة محاولات فريق الرئيس ترويج فكرة ترشحه للرئاسة مجدداً

ترمب يطل من المقصورة الرئاسية داخل "دار الأوبرا" في "مركز جون أف كينيدي" خلال وقت سابق من الشهر الجاري (غيتي)

ملخص

يحاول فريق ترمب التمهيد لولايته الثالثة على رغم القيود الدستورية وسط غياب واضح لمعارضة "الديمقراطيين"، بينما تواجه الجامعات ووسائل الإعلام ضغوطاً سياسية، مما يثير تساؤلات حول قدرة المؤسسات القضائية والدستورية على الصمود أمام هذا التحدي غير المسبوق.

كان من المفترض أن يصدم الرأي العام الأميركي بموقف ستيف بانون كبير الاستراتيجيين السابقين للرئيس دونالد ترمب، الذي قال بثقة الأسبوع الماضي "أنا على يقين تام من أن الرئيس ترمب سيترشح مجدداً خلال عام 2028، ويفوز بالرئاسة"، لكن الأمر لم يكن كذلك. وأضاف بانون ذو المظهر الفوضوي لشبكة "نيوز نيشن" NewsNation الأميركية "نعمل على الموضوع... وسنرى ما هو تعريف الحد الأقصى لفترات الرئاسة".

لم تكن هذه المرة الأولى التي يطرح فيها بانون الفكرة. فخلال ديسمبر (كانون الأول) 2024، جادل المستشار الرئاسي السابق - الذي أمضى عقوبة في السجن لتحديه استدعاء من الكونغرس للإدلاء بشهادته في شأن هجوم السادس من يناير (كانون الثاني) على مبنى الكابيتول - بأن ترمب يمكنه الالتفاف على التعديل الـ22 في الدستور الأميركي، الذي يضع حداً أقصى لفترتين رئاسيتين، مشيراً إلى أن كلمة "متتاليتين" لم تدرج في نص الوثيقة.

ترمب من جانبه لم يبد هو الآخر تحفظاً في التعبير عن مشاعره في هذا الشأن. فبعد فترة وجيزة من فوزه خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، قال للأعضاء "الجمهوريين" في الكونغرس "أعتقد أنني لن أترشح مرة أخرى ما لم تقولوا، ’إنه جيد جداً إلى درجة أننا يجب أن نجد طريقة لتحقيق ذلك‘".

ثم في الخلوة السنوية للأعضاء "الجمهوريين" في "مجلس النواب"، التي عقدت في ولاية فلوريدا خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، سأل ترمب مازحاً رئيس المجلس مايك جونسون "هل يسمح لي بالترشح مجدداً يا مايك؟". وبعد شهر، توجه إلى أنصاره الذين تجمعوا داخل البيت الأبيض قائلاً "هل يجب أن أترشح مرة أخرى؟ أنتم من يقرر". وما بدا على أنه تصريحات عابرة حول ولاية رئاسية ثالثة، أصبح أشبه بمخطط مدروس منه بمجرد استعراض كلامي.

تجدر الإشارة إلى أن وضع قيد على الرؤساء الأميركيين بحيث لا يمكنهم الترشح لأكثر من فترتين رئاسيتين، جاء كرد فعل مباشر على مرحلة حكم الرئيس الراحل فرانكلين د. روزفلت غير المسبوقة، التي استمرت أربع فترات خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.

وقبل روزفلت، كان كل رئيس يتبع العرف الدارج الذي درجه الرئيس جورج واشنطن وهو التنحي طواعية بعد فترتين رئاسيتين. أما اليوم، فلا يترك التعديل الـ22 مجالاً كبيراً للغموض أو التأويل بحيث ينص على الآتي "لا يجوز انتخاب أي شخص لمنصب الرئيس أكثر من مرتين، ولا يجوز لأي شخص شغل منصب الرئيس، أو تولي مهامه لأكثر من عامين من ولاية انتُخب فيها شخص آخر رئيساً، أن ينتخب لمنصب الرئيس أكثر من مرة".

وكان النائب "الجمهوري" آندي أوغلز قدم خلال وقت سابق من هذا العام، اقتراح قرار في مجلس النواب لتعديله [التعديل الدستوري الـ22]، بما يسمح للرئيس بالترشح للبقاء في منصبه ثلاث فترات كحد أقصى. وكتب أوغلز "قيادة ترمب الحاسمة تتناقض تناقضاً صارخاً مع حال الفوضى والمصاعب والتحديات الاقتصادية التي واجهها الأميركيون خلال الأعوام الأربعة الأخيرة".

وأضاف أوغلز "لقد أثبت أنه الشخصية الوحيدة في التاريخ الحديث القادرة على وقف تراجع بلادنا وإعادة الولايات المتحدة إلى عظمتها السابقة. من هنا يجب إعطاؤه الوقت الكافي لتحقيق هذا الهدف. لذا، أقترح إجراء تعديل دستوري لمراجعة حدود فترات الرئاسة المنصوص عليها في التعديل الـ22. فالتعديل الجديد سيسمح لدونالد ترمب بالبقاء في منصبه ثلاث فترات رئاسية، مما يضمن القدرة على مواصلة القيادة الجريئة التي تحتاج إليها أمتنا بشدة".

أستاذة القانون الدستوري البروفيسورة ميشال غودوين لم تستبعد أن يحاول ترمب بذل جهود حثيثة للفوز بولاية ثالثة بأية وسيلة ممكنة، موضحة "لقد سبق أن شهدنا بالفعل تجاهلاً من جانبه للقانون من خلال الأوامر التنفيذية وغيرها من الإجراءات التي اتخذتها إدارته".

في الواقع، تقول غودوين الأستاذة داخل كلية القانون في "جامعة جورج تاون"، إن ترمب يصنع التاريخ بأمور مناهضة للديمقراطية والدستور، وتضيف "على سبيل المثال، عندما قال الرئيس إنه يريد إلغاء الحق في المواطنة بالولادة، لم يكن بإمكانه فعل ذلك بجرة قلم - لأن هذا الحق مكرس في دستور الولايات المتحدة. وفي ما يتعلق بالترحيل القسري لأفراد يحملون الإقامة الدائمة (غرين غارد)، فقد وصفت عمليات الترحيل الجماعي هذه زوراً بأنها تستهدف "غير الشرعيين" منهم فحسب، بينما في الواقع، كان عدد من المستهدفين أشخاصاً يتقدمون بطلبات قانونية للحصول على وضع لاجئ أو الإقامة. وحقيقة عدم امتلاكهم الإقامات الدائمة بعد لا تعني أنهم كانوا في البلاد بصورة غير قانونية أو خارج نطاق إجراءات الهجرة القانونية.

معلوم أن التعديل الـ14 لدستور الولايات المتحدة يضمن الحق في المواطنة لأي شخص يولد على الأراضي الأميركية، وقد تدخلت المحاكم في الوقت الراهن لمنع إجراء أي تغييرات فيه. وأصدر قاض كان قد عينه الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان، أمراً طارئاً يقضي بوقف الأمر التنفيذي الذي أصدره ترمب، وقال "لقد أمضيت أكثر من أربعة عقود في منصبي القضائي، ولم أتعامل مع قضية كانت المسألة المطروحة فيها بهذا الوضوح".

وفيما رفض فقهاء قانونيون آخرون فكرة الترشح لولاية ثالثة باعتبارها غير قابلة للتنفيذ، فإن أشد مؤيدي ترمب ولاءً لا يعيرون اهتماماً يذكر لهذه العوائق الدستورية. لا بل على العكس، فإن مجرد تلميحه إلى أنه قد يسعى إلى تمديد قبضته على السلطة، أثار حماسة قاعدته الشعبية.

أما في ما يتعلق بالمعارضة السياسية، فلا يبدو أن هناك في الأفق ما يهدد ترمب. فقد كتب أخيراً روبرت رايش وزير العمل السابق في إدارة بيل كلينتون والمخضرم في إدارتي الرئيسين الراحلين جيرالد فورد وجيمي كارتر، منشوراً على موقع "سابستاك" Substack بعنوان "أين اختفى ’الديمقراطيون‘؟" قال فيه "ينبغي أن تكون هذه هي اللحظة المناسبة لـ’الديمقراطيين‘"، لكنه أعرب عن الأسف لكونهم "في عداد المفقودين..." على حد تعبيره، و"قد اختفوا تماماً وأضاعوا الفرصة".

وانتقد رايش بعض القيادات "الديمقراطية" التي نصحت بـ"التظاهر بالصمت"، وإعطاء ترمب وحلفائه "الجمهوريين" في الكونغرس "ما يكفي من الحبل لشنق أنفسهم مجازاً" من خلال أخطائهم. وبما أن الانتخابات النصفية المقبلة لن تجرى قبل شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2026، فإن بعضهم يرى أن الانتظار هو الخيار الأفضل. إلا أن رايش وصف هذا النهج بأنه "هراء"، قائلاً إن "عشرات الملايين من الأميركيين يشعرون بأن هناك غياباً تاماً للمعارضة ’الديمقراطية‘ الحقيقية ضد ترمب، وهم يشعرون بالإحباط والخذلان".

وترى ميشال غودوين أن إدارة دونالد ترمب تتعدى بصورة متزايدة على المجالات القانونية باستخدام أساليب قسرية. على سبيل المثال، واجهت جامعات ضغوطاً لتغيير مناهجها (بحيث وضعت "جامعة كولومبيا" أقسام دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا تحت "الوصاية الأكاديمية" [عملية يتم فيها وضع قسم أو برنامج أكاديمي تحت إشراف إدارة الجامعة أو جهة خارجية] بناءً على إصرار الإدارة الأميركية). كذلك كلف نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس هذا الأسبوع الإشراف على إزالة "الأيديولوجيات غير المناسبة" من "المتحف الوطني للتاريخ والثقافة الأميركية الأفريقية" National Museum of African American History and Culture، وهو تابع لـ"معهد سميثسونيان" Smithsonian Institute.

سواء كان الأمر يتعلق باستهداف كليات الحقوق أو منع شركات المحاماة البارزة التي مثلت "أعداءه" من الحصول على عقود حكومية، فقد وضعت وزارة التعليم التابعة لترمب اعتباراً من هذا الشهر، 60 جامعة "قيد التحقيق" بتهمة "التمييز والمضايقات المعادية للسامية".

وتشير غودوين إلى أنه "عندما يشعر الناس بالتهديد، كما بعض، فإنهم يبدأون بتقديم تنازلات غير ضرورية"، مضيفة "في الماضي كان بإمكاننا الاعتماد على قضاء نزيه وغير منحاز لمعالجة مثل هذه القضايا، لكن حتى الدعاوى القضائية الناجحة يبدو الآن أنها لا تحدث تأثيراً يذكر على الإدارة الراهنة. الفارق الرئيس خلال الوقت الراهن هو مستوى التحدي الذي تبديه إدارة ترمب، وهذا يمثل مشكلة حقيقية".

يمكن تدمير منزل مشتعل في وقت قصير... هذا التفكيك وطرد الموظفين، وإزالة مؤسسات مختلفة، قد يستغرق عقوداً من الزمن في بعض الحالات لإعادة بنائه وترميمه            ميشال غودوين

وتؤكد أن أساتذة القانون يشعرون بقلق متزايد. وتضيف "هناك عاملين في القانون شهدوا من الأوامر التنفيذية غير الدستورية خلال الأسبوع الأول من رئاسة دونالد ترمب، ما يكفي لإثارة مخاوف من وجود أزمة ديمقراطية".

وقالت إن ترمب "يسعى بمساعدة حليفه إيلون ماسك و’وزارة الكفاءة الحكومية‘ التابعة له، إلى تفكيك الوكالات التي أنشأها الكونغرس، بما في ذلك منح 4200 موظف في ’الوكالة الأميركية للتنمية الدولية‘ إجازات خلال فبراير (شباط) الماضي، وفصل 1600 منهم عن العمل. وكان المحامون يعتقدون أن الكونغرس قادر على التدخل لوقف إجراءات الوزارة، إلا أنه كان واضحاً أن ذلك لم يحدث. وهناك فعلاً أناس يشعرون بالخوف الآن".

ووفقاً لغودوين، تكمن المشكلة في أن "هدم شيء ما هو أسهل بكثير من إعادة بنائه". وتوضح قائلة "يمكن تدمير منزل مشتعل خلال وقت قصير. لكن الأمر لا يقتصر على إعادة بناء الهيكل المادي فحسب، بل يشمل أيضاً استعادة طابعه. إنها مسألة تذكر كيف عمل معاً الأشخاص الذين كانوا يحترمون بعضهم بعضاً. قد يستغرق هذا التفكيك - بما في ذلك عمليات الفصل من العمل وإزالة المؤسسات - عقوداً من الزمن في بعض الحالات لإعادة بنائه وترميمه، وسيتطلب التزاماً من الحكومة للقيام بذلك خلال وقت تواجه فيه تحديات اقتصادية جسيمة".

وتعد الأستاذة في القانون أن الولايات المتحدة تمر خلال الوقت الراهن بـ"تجربة فكرية". وتستذكر تصريحات سابقة لستيف بانون عن "إغراق الخطاب العام" بما يشتت الانتباه. ففي محادثة أجريت بينه والكاتب مايكل لويس عام 2018، قال بانون إن "’الديمقراطيين‘ ليسوا مصدر القلق الحقيقي. المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام. وطريقة التعامل معها تكون بإغراق الفضاء الإعلامي بالهراء والمعلومات المضللة".

وتعتقد البروفيسورة غودوين بأن للمسألة جانباً نفسياً، مشيرة إلى أن أحد الأمثلة التي تخطر ببالها هو العنف الأسري، بحيث يؤدي غياب القدرة على التوقع - سواء من خلال الإكراه الجسدي أو العاطفي - إلى نشوء بيئة يسودها الخوف وعدم الاستقرار. فحال الاضطراب المستمرة تجعل الأفراد غير واثقين مما قد يحدث، مما يولد لديهم إحساساً بالعجز. وترى أن الأمر ذاته ينطبق هنا، إذ إن نهج دونالد ترمب يهدف إلى التشتيت وإرهاق الناس، ما يوجد حالاً من الشلل تجعلهم غارقين في الفوضى إلى درجة تمنعهم من التركيز أو اتخاذ أية خطوات فعلية.

وتصف الوضع الراهن بأنه "مخيب للآمال"، لكنها ترى أن هناك إمكانية لتدخل غير متوقع من "المحكمة العليا". فخلال وقت سابق من هذا الشهر، انحاز رئيس القضاة جون روبرتس والقاضية إيمي كوني باريت، اللذان عُين كلاهما خلال الولاية الأولى لترمب، إلى جانب القضاة الليبراليين في المحكمة، لمنع محاولة الإدارة الأميركية حجب ملياري دولار مستحقة لمنظمات المساعدات الخارجية مقابل أعمال سبق أن أنجزتها. وأثار القرار ردود فعل عنيفة من جانب اليمين المتطرف، بحيث وصف جاك بوسوبيك الناشط اليميني المتطرف في حركة "ماغا" القاضية باريت بأنها "قد وظفت وفق إطار ’التنوع والمساواة والشمول‘ DEI التنظيمي"، وليس لكفاءتها.

أما الذين كانت لديهم مخاوف من أن انحياز "المحكمة العليا" نحو اليمين - وحكمها المثير للجدل بمنح الرؤساء حصانة من المسؤولية الجنائية عن أفعالهم أثناء فترة حكمهم - قد يعني أن ترمب سيمنح صلاحيات مطلقة لتجاوز الدستور، فقد يكونون مخطئين. ففي منتصف مارس (آذار)، عارض رئيس القضاة جون روبرتس مجدداً طلب ترمب عزل أحد القضاة. ووصفت وكالة "أسوشيتد برس" تلك الخطوة بأنها "صدام غير عادي بين السلطتين التنفيذية والقضائية".

يبقى القول إنه في ظل ديمقراطية تواجه ضغوطاً وحصاراً، تظل "المحكمة العليا" هي الضمانة الأخيرة. والسؤال الحقيقي، بالنظر إلى تركيبتها الراهنة، هو هل تصمد أمام الهجمات المستمرة والضربات المتتالية التي تتلقاها؟ وإذا حانت اللحظة التي يطرح فيها الترشح لولاية ثالثة، فهل سيكون الوضع قد بلغ من التدهور حداً يجعل الناس ينسون كيف يردون، أو حتى من أين يبدأون؟

© The Independent

المزيد من تحلیل