Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

مجتمعات المقاتلين الأجانب في سوريا ما بين الاندماج والانعزال

شكلت المضافات المقر الأساس لاستقبالهم وبعدها كانوا يوزعون في أماكن خاصة بهم للسكن والعيش قبل الانخراط في القتال

شكل المقاتلون الشيشان مع عائلاتهم جسماً اجتماعياً وقتالياً في سوريا (أ ف ب)

ملخص

لم يقتصر توافد المقاتلين الأجانب على المجيء للأفراد بل اصطحب عديد منهم عائلاتهم وشكلوا مجتمعات خاصة بهم، لكن الحياة الجديدة لهذه العائلات شكلت تحدياً لهم وللمجتمع السوري المستضيف.

شكل عام 2013 ذروة توافد المقاتلين المتطرفين إلى سوريا وتأسيس كتائب وفصائل عسكرية خاصة بهم والانضمام للقتال إلى جانب جبهة النصرة (تنظيم القاعدة) وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" ضد القوات الحكومية وحلفائها.

وتجاوز عددهم 300 ألف شخص مع عائلاتهم وفق دراسات حاولت حصرهم خلال أعوام توافدهم إلى داخل الأراضي السورية، وتنوعت أسباب قدومهم ودوافعهم للانضمام إلى القتال داخل سوريا لكنها كانت تتمحور حول العمل الجهادي والمشاركة في دولة الخلافة وفق الأدبيات الدارجة وقتها، وبخاصة بعد إعلانها من قبل تنظيم الدولة، كما أن كثيراً منهم دخل مع عائلاتهم بينما آخرون توافدوا فرادى سواء من الرجال والنساء.

شكل هؤلاء مجتمعات خاصة بهم داخل المدن والبلدات السورية كما في الرقة ومدن وبلدات محافظة دير الزور وإدلب وريف حلب وغيرها من المناطق السورية، التي سيطر عليها تنظيم "داعش" أو الفصائل السورية المسلحة التي جاءها هؤلاء المقاتلون.

وخلال حكم "داعش" كانت المضافات المقر الأساس للمقاتلين الأجانب خصوصاً في مرحلة الاستقبال، ولاحقاً كانوا يوزعون للسكن داخل ذات المدن التي أحكم التنظيم سيطرته عليها، وكانوا يمنحون شققاً سكنية استولى عليها التنظيم جراء عائديتها إما لأفراد سابقين في النظام أو جرى الاستيلاء عليها بالقوة من أشخاص معارضين للتنظيم، كما أن بعض هؤلاء العناصر استأجروا منازل خاصة بهم إما من حسابهم الخاص أو بدعم من التنظيم.

وانتشر المقاتلون الأجانب داخل مناطق وجود "جبهة النصرة" التي استضافتهم وعقدت معهم التواصل من أجل تأمين مشاركتهم في القتال، وعلى رغم ذلك فإن عدداً منهم شكل جماعات عسكرية خاصة به، ومجتمعات خاصة بعائلاتهم خصوصاً في إدلب وريفها، فمثلاً تمركز المقاتلون الإيغور داخل منطقة جسر الشغور وريفها وقرب بلدة حارم ودخل كثير منهم مع عائلاتهم، إذ انتقل بعضهم في بادئ الأمر من أفغانستان والذين كانوا يقاتلون إلى جانب تنظيم "القاعدة"، إضافة إلى توافد آخرين عبر دول مثل تايلاند وماليزيا وإندونيسيا وصولاً إلى تركيا التي تحضن مجتمعاً كبيراً منهم وترعاهم جمعيات خيرية، وهو أمر يثير حفيظة الصين.

وتشير بعض المصادر إلى أن عددهم كان نحو 20 ألف شخص عام 2017، ويتصدر المشهد الإيغوري عسكرياً في سوريا الحزب الإسلامي التركستاني الذي كسب سمعة قتالية كبيرة بين السوريين من خلال مشاركاته العسكرية في مناطق حلب وإدلب واللاذقية وحماة، وحتى في دير الزور والحسكة.

وعلى المنوال ذاته يوجد عدد من المقاتلين الأوزبك والطاجيك، وآخرون متحدرون من جمهوريات آسيا الوسطى والاتحاد السوفياتي السابق مع عائلاتهم داخل المنطقة وهم أيضاً مقاتلون شرسون مثل الإيغور ويحظون باهتمام المتطرفين في سوريا، كما أن كتيبة خاصة بهم كانت تنشط في مجال الدعاية لتجنيد الأطفال ومعروفة باسم "كتيبة الإمام البخاري" وصنفتها الولايات المتحدة على قائمة المنظمات الإرهابية.

الأطفال الأشبال

وفي هذا الجانب، فإن مشاركة الأطفال في أشرطة دعائية للتدريب على القتال وحتى المشاركة في إعدامات ميدانية خاصة، في ما عرف بـ"أشبال الخلافة" مع تنظيم "داعش" شكلت صدمة عالمية وقتها، إذ كانت تشير تلك الأشرطة إلى نمط حياة هؤلاء الأطفال الذين قدموا مع آبائهم أو الذين ولدوا لاحقاً داخل سوريا، وباتوا جزءاً من التفكير الجهادي والتربية القتالية على أساس أنهم مقاتلون مستقبليون في صفوف هذا التيار، الذي وجد بيئته الفكرية والعسكرية مع احتدام الصراع في سوريا.

كذلك شكل المقاتلون الشيشان مع عائلاتهم جسماً اجتماعياً وقتالياً في سوريا وكسب عدد منهم سمعة القوة القتالية، وبخاصة أن بعضهم يتحدر من خلفيات جهادية وشارك في حرب أفغانستان وضد القوات الروسية، كما أن معظم هؤلاء المقاتلين بقوا مع "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة) وتجنبوا القتال مع الفصائل، وقدر الرئيس الروسي عام 2017 عدد المقاتلين الروس بنحو 4 آلاف و5 آلاف مقاتل من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق.

الاختلاط في الحياة العامة

يشكل المقاتلون الأجانب مجتمعاتهم الخاصة التي تتميز بطابع علاقاتها ونمط الحياة الخاصة بها والمنغلقة إلى حد بعيد، بسبب عامل اللغة والثقافة المختلفة عن المجتمع السوري، ولو كانت المشتركات في العيش بمجتمع مسلم يجمع بينهم إلا أن ذلك يبدو ظاهراً في بيئة المقاتلين الأجانب أكثر من المقاتلين العرب الذي انضموا إلى القتال في سوريا، وبعضهم انخرط في المجتمع السوري وبخاصة داخل مناطق إدلب وريفها.

 

 

كما أن الحياة الاقتصادية لهذه المجتمعات غير نشطة أو واضحة مع المحيط السوري إذ لم يخرجوا من إطار المجتمع المتطرف، أي القتال فحسب، والعيش على المعونات والمساعدات والرواتب والمنح التي غالباً ما تصل إليهم من الخارج، في حين لا يظهر أي نشاط اقتصادي في العمل التجاري أو الصناعي والحرف أو التحصيل العلمي وغيرها من الأنشطة الحياتية اليومية، فيما يعتمد بعض آخر منهم على الدواجن والمحاصيل التي يعتاشون منها داخل منازلهم الريفية.

وشكل سقوط نظام بشار الأسد فرصة لبعض منهم للانتقال جغرافياً من إدلب إلى الداخل السوري، وأصبح هؤلاء المقاتلون الأجانب سكان العاصمة وغيرها من المدن، وباتوا يقيمون في منازل كانت تابعة لعناصر النظام السابق أو الميليشيات التي كانت تدعم النظام وموالية لإيران.

الزواج

من كلا الجنسين وبخاصة الرجال، عقدوا علاقات زوجية مع سوريات خلال الأعوام الماضية ونتج منها أعداد كبيرة من الأطفال، وعلى رغم عدم معرفة العدد الحقيقي لهذه الحالات فإنها لم توثق في السجل المدني الرسمي، سواء في فترة حكم الأسد أو بعد سقوطه، الذي لم يشهد سن قوانين تسمح بذلك.

وانتشرت الظاهرة بصورة كبيرة في عدة مدن كالرقة ودير الزور أثناء سيطرة تنظيم الدولة وكذلك في المحافظات الداخلية التي انتشر فيها المقاتلون الأجانب. وأُثيرت مخاوف وتحذيرات أطلقها عدد من الناشطين السوريين خلال فترات وأماكن مختلفة مفادها ضياع حقوق المرأة والأطفال الذين يولدون جراء هذه الزيجات غير الرسمية حكومياً، لا سيما أن ذلك ترافق مع مخاوف اجتماعية كأن يكون الزوج الأجنبي غير معروف النسب أو العائلة، ناهيك بعدد منهم قُتل في المعارك أو ترك البلاد أو اعتُقل، وبخاصة أولئك الذين قاتلوا إلى جانب تنظيم "داعش" والمحتجزين في سجون قوات سوريا الديمقراطية.

هذه الظاهرة دفعت في مناسبات عدة ناشطين داخل المجتمع المدني إلى إطلاق حملات ودعوات للتوعية بأخطار الزواج من المقاتلين الأجانب، إذ أطلقت مجموعة من الناشطين الإعلاميين والحقوقيين في مناطق إدلب وريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي مبادرة مطلع عام 2018، دعت فيها السوريات لعدم الزواج من المقاتلين الأجانب تحت عنوان "مين زوجك؟".

وبحسب موقع "سناك سوري" خلال العام ذاته، فإن هناك نحو 1750 حالة زواج لسوريات من مهاجرين، 1124 منهن أنجبن أطفالاً، وبلغ عدد المولودين لآباء مهاجرين 1826 طفلاً، في حين لا توجد أية إحصاءات لزواج رجال سوريين من أجنبيات مهاجرات لفصائل إسلامية.

ماذا عن مناطق "قسد"؟

في شمال شرقي سوريا يبدو مشهد المقاتلين الأجانب وعائلاتهم مختلفاً، فطوال أعوام القتال بين تنظيم "داعش" وقوات سوريا الديمقراطية قُتل عدد من المقاتلين الأجانب ومنهم من كان إلى جانب عائلاتهم إثر الغارات الجوية التي شنتها طائرات التحالف الدولي على مقراتهم داخل المنطقة، لكن ما إن انتهت المعارك واستسلم الآلاف من مقاتلي التنظيم بمن فيهم المقاتلون الأجانب داخل آخر معاقلهم في الباغوز أواخر مارس (آذار) 2019، أصبح الجميع معتقلين في مراكز الاحتجاز والبالغ عددها حالياً 26 سجناً وتحوي أكثر من ألف مقاتل ينتمون إلى أكثر من 50 جنسية أجنبية، في حين نُقلت العائلات المرافقة لأفراد التنظيم المقاتلين حتى آخر معقل، ويبلغ تعدادهم نحو 8 آلاف يقيمون داخل مخيمي الهول وروج في ريف الحسكة.

وخلال الأعوام الماضية سلمت الإدارة الذاتية عدداً من هؤلاء الأطفال خصوصاً الأيتام منهم وبعض النسوة لدولهم، التي لم ترضَ غالبيتها باستقبالهم في مجتمعاتهم المحلية، في حين تمكن بعض عائلات التنظيم من الهرب من مخيم الهول والتوجه نحو مناطق تحكمها الفصائل في إدلب، وكذلك الموالية لتركيا مثل جرابلس وإعزاز وتل أبيض وسري كانيه (رأس العين)، واستطاعوا تكوين تجمعات سكنية خاصة خلال الأخيرة والإقامة في منازل سكانها الأصليين الذين نزحوا منها جراء عملية "نبع السلام" خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2019.

في حين تمكنت منظمات إنسانية تركية مثل "IHH" من إخراج بعض هذه العائلات من المخيم من طريق التهريب بحسب اعترافات أدلتها نساء أجنبيات، وتمكنت المنظمة من نقل عائلات التنظيم من الجنسية العراقية من مدينة رأس العين إلى داخل الأراضي التركية وتسليمهم إلى دولتهم على عدة دفعات.  

المزيد من تقارير