Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المقاتلون الأجانب في سوريا الجديدة... معضلة الوجود والمصير

تتوزع خياراتهم بين الاندماج والتجنيس والمغادرة باتجاه أماكن توتر أخرى حول العالم

يستبعد مراقبون تسليم المقاتلين الأجانب إلى دولهم من دون تسوية أوضاعهم لأن عدداً كبيراً منهم لديه قضايا أمنية في بلدانهم الأصلية (اندبندنت عربية)

ملخص

يرى مراقبون أن التحدي الكبير أمام الإدارة السورية الجديدة سيكون التوفيق بين ضرورة إقامة علاقات ودية مع المجتمع الدولي والدول التي تنحدر منها كتل المهاجرين، والوفاء بتعهداتها بألا تتحول سوريا إلى مصدر تهديد لدول العالم، وبين إقناع هؤلاء المهاجرين بتعديل أجندتهم والتخلي عن فكرة القتال في أوطانهم.

منذ إسقاط نظام الأسد اعتاد السوريون تنظيم احتفالاتهم في مختلف المدن السورية بعد صلاة الجمعة، أما دمشق فالاحتفال فيها له نكهته الخاصة حيث يقام في ساحة الأمويين الشهيرة وسط العاصمة ويشهد تجمع آلاف وربما عشرات آلاف الأشخاص الذين يحملون العلم السوري الجديد مرددين أهازيج الثورة وأغانيها.

وعلى هامش مسيرات الاحتفال يتجمع عشرات الأشخاص يهتف بهم أحد عناصر "هيئة تحرير الشام" مرددين شعارات دينية، وهذا ما يعزز فكرة المخاوف من قيام حكم متشدد قد لا يتفق عليه جميع السوريين، لكن الحكم المتشدد هو رغبة لدى تيار داخل الهيئة وفق مراقبين، فالخطوات البراغماتية التي تصرف بها قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع ليس بالضرورة أن تلقى موافقة غالبية مجموعات الهيئة، إذ يوجد تيار لا يُخفي تشدده.

المقاتلون الأجانب

والتقت "اندبندنت عربية" عدداً من عناصر "هيئة تحرير الشام" من الجنسيات الأجنبية رفضوا التحدث للإعلام لأنه غير مصرح لهم بذلك وغير مخولين للتحدث للصحافة، فيما أوضح أحدهم بأن لديه رغبة بالبقاء في سوريا والاندماج مع السوريين، وقال إنه "درس الحقوق وينوي فتح مكتب محاماة في دمشق".

من جانب آخر تحدث آخرون بأنهم لن يتعايشوا مع الوضع الراهن وينتظرون تطورات الأمور في الساحة السورية، فإما أن تقام دولة تحمل طابعاً متشدداً أو أن الرحيل إلى بلد آخر هو مصيرهم.
وعند التحدث مع هؤلاء كان أغلبهم يتحدثون اللغة العربية الفصحى، فيما تحدث أحدهم باللهجة العامية السورية دون ركاكة.
والوجود الأجنبي، ولو على مستوى الأفراد، في سوريا يسبب حرجاً كبيراً للحكومة السورية الجديدة، ومن جهة فإن وجود عناصر تختلف ثقافتهم عن ثقافة الشعب السوري سيخلق مشكلات اجتماعية على غرار ما حصل بين السوريين والأتراك في تركيا، وهناك مخاوف من عدم ذوبان هؤلاء الأشخاص في المجتمع.


أجانب في مناصب قيادية

وارتفعت مخاوف الشارع السوري حيال ما أعلنته الإدارة الجديدة عن تعيينات عسكرية وضعت مقاتلين أجانب في مناصب قيادية ومنحهم رتباً عسكرية ضمن الجيش السوري الجديد الذي يجري تشكيله في خطوة لدمج الجماعات المسلحة في هيكله الرسمي، وأبرزهم الأردني عبدالرحمن حسين الخطيب الذي مُنح رتبة عميد.
وبدأت هذه المخاوف تتزايد ولا سيما لدى الأقليات بعدما أقدم مقاتلون أجانب ظهروا في مقطع مصور يضرمون النار بشجرة عيد الميلاد في مدينة السقيلبية ذات الغالبية المسيحية، إذ تعهدت "هيئة تحرير الشام" بإصلاح الشجرة، بينما تصف إدارة العمليات العسكرية هذه الأحداث وما يرافقها من انتهاكات من قبل هذه الفصائل المتشددة والمقاتلين الأجانب بكونها "تصرفات فردية".
وتلتزم "الهيئة" بحماية الأقليات في كل اللقاءات الديبلوماسية التي أجراها الشرع مع الوفد العربية والغربية، إذ انضم آلاف المقاتلين الأجانب إلى صفوف المتمردين في سوريا منذ بداية الحرب الأهلية في مواجهة نظام حكم بشار الأسد ومعه ميليشيات مدعومة إيرانياً، بينما انقسمت قوات المعارضة المسلحة إلى فصائل أبرزها "الجيش الحر" وعماده ضباط وجنود انشقوا عن جيش النظام، وفصائل متشددة في مقدمها "جبهة النصرة" وهي فرع من تنظيم "القاعدة"، علاوة على تنظيم "داعش".

وخسر النظام خلال الأعوام الأولى للصراع ما يقارب 70 في المئة من مساحة البلاد، لتعيد طهران وموسكو السيطرة على تلك الأراضي وينحسر نشاط قوات المعارضة في الشمال السوري بإدلب وأريافها مع حلب منذ عام 2017 وحتى سقوط النظام في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024.


مقبولية التجنيس

وحول مصير المقاتلين الأجانب قال السياسي السوري عمر رحمون، وهو أحد رموز النظام السابق، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن "هذا السؤال أجاب عنه أحمد الشرع نفسه عندما قال سنعطي الجنسية للمقاتلين الأجانب الذين ساعدونا في القتال ضد النظام السابق وبعضهم تجاوز السبعة أعوام ويمكنهم الانسجام مع المجتمع، ولكن هل يقبل السوريون وهم من كانوا ضد تجنيس الإيرانيين وغيرهم من باكستانيين وأفغان؟".

ويرى مراقبون أن مصير العناصر الأجانب في "هيئة تحرير الشام" بعد سقوط النظام السوري مرهون بخيارات محدودة، تتمثل في بقاء الوضع الراهن، وهذا الخيار سيكون هو الأمر الواقع في حال لم تشهد سوريا استقراراً، فإذا تجدد النزاع فسيكون لتلك العناصر دور في القتال، ويبقى وضعهم القانوني كما هو.

أما الخيار الثاني فهو التفريق بينهم، أي فصل العناصر الأجانب الذين يندمجون مع السوريين ويجري تجنيس هؤلاء بعد استيفاء الشروط القانونية، وينضم من يرغب منهم إلى الجيش الرسمي بينما يتابع الآخرون حياتهم المدنية، أما القسم الثاني فهم المتطرفون غير الراضين عن سياسات أحمد الشرع الجديدة، وهؤلاء سيكون مصيرهم التصفية أو الاعتقال أو الترحيل خارج البلاد.

والخيار الثالث هو المغادرة الطوعية، فربما تقرر فئة من العناصر الأجانب في "هيئة تحرير الشام" اختيار الخروج من سوريا لعدم بقاء سبب يتطلب وجودهم، فمنهم من يعود لبلده الأصلي ومنهم من ينتقل إلى مناطق نزاع أخرى.

ويعد تجنيس المؤهلين منهم خياراً رابعاً، وهو ما تحدث عنه الشرع بصورة غير مباشرة وتحدثت عنه مصادر مقربة منه بصورة مباشرة، ويشمل إجراء درس قانوني لتجنيس كل من يستوفي شروط الحصول على الجنسية، وخصوصاً المتزوجين من مواطنات سوريات، بينما يجري منح الإقامة لمن لا يستوفي شروط الجنسية، والبحث عن خيار ثالث لرافضي الاندماج في المجتمع السوري.

وهناك خيار خامس يتضمن ترك مصيرهم للحكومة السورية المعترف بها دولياً، فقرار التجنيس وغيره في ما يتعلق بالأمن القومي ليس من صلاحيات حكومة تصريف الأعمال اتخاذه، ولذلك فمن المرجح جداً ترحيل هذا الملف إلى انتهاء المرحلة الانتقالية لتبت فيه الحكومة السورية المقبلة التي من المقرر أن تحصل على اعتراف دولي في حال كانت حكومة شاملة.

تسليم "دواعش"

وفي السياق صرح مصدر مقرب من "هيئة تحرير الشام" لـ "اندبندنت عربية"، رفض الكشف عن هويته، أنه "في عام 2023 جرى تسليم 17 شخصاً يحملون الجنسية الأذربيجانية من المتهمين بالانتماء لتنظيم 'داعش' إلى بلدهم الأصلي"، مضيفاً أنه "في عام 2020 كان عدد الأجانب مع عائلاتهم نحو 10 آلاف شخص، وبعد سقوط أفغانستان بيد حركة طالبان غادر كثير من الأفغان، وخلال الأعوام الماضية جرى إبعاد عدد كبير من المتشددين أو المتهمين بالانتماء لتنظيم 'داعش' وبقي اليوم نحو 4 آلاف أجنبي، وهذا العدد يشمل المقاتلين مع عائلاتهم".
وقال الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية عباس شريفة إنه "من يقبل منهم بالاندماج والمواطنة السورية وفق القانون، إذا كان مؤهلاً للحصول على الجنسية السورية، فسيجري في الغالب منحه الجنسية، أما من ليس له رغبة في الاندماج داخل الدولة السورية وفق قانونها الجديد فأعتقد أنه سيجري التعامل معه بطريقة أو بأخرى".

ويستبعد شريفة أن يجري تسليم هؤلاء العناصر إلى دولهم من دون تسوية أوضاعهم لأن عدداً كبيراً منهم لديه قضايا أمنية في دولهم الأصلية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"أصبحت من الشعب السوري"

واستطاع عدد من المقاتلين الأجانب في صفوف "هيئة تحرير الشام" خلال فترة بقائه الطويلة من الاندماج مع السوريين، ومنهم من تزوج من مواطنة سورية، ويقول مقاتل من طاجيكستان خلال حديثه لـ "اندبندنت عربية" إنه تزوج من فتاة سورية وأسس عائلة، مضيفاً "أنا أعيش هنا منذ أعوام وأصبحت من هذا الشعب ومندمجاً للغاية، وأشعر أني ولدت في سوريا، فهي وطني وأدافع عنها وزوجتي وأولادي سوريون".

ويتوقع الباحث في شؤون الصراعات العربية والإسلامية عبدالغني مزوز أن "شريحة عريضة من المقاتلين الأجانب سيجري دمجها في أسلاك الجيش السوري الجديد، ولا مشكلة لديها في هذا التوجه، وقد ظهر هذا في منح رتب عسكرية رفيعة لقادة المهاجرين، فمنح رتبة عميد قائد 'الحزب الإسلامي التركستاني' وقائد 'جيش المهاجرين والأنصار' أما كتل المهاجرين الأخرى مثل المغاربة والتونسيين والمصريين فقد دمجت نفسها قبل أعوام في البنية التنظيمية للهيئة".

وأضاف مزوز أن "هذا الخيار ستسبقه بالضرورة خطوات إجرائية أخرى مثل التجنيس والحل الكامل للمجموعات العسكرية الوافدة من خارج سوريا وتسوية الأوضاع القانونية للعناصر المطلوبة في بلدانها"، معتقداً أن "قيادة الهيئة تراهن على خيار الدمج في الجيش السوري الجديد لمعالجة مسألة المهاجرين، لكن ثمة إشكالات عدة مرتبطة بهذا الخيار مثل هل سيوافق كل المقاتلين الأجانب على هذا الإجراء؟ وماذا عن أولئك الذين اعتبروا سوريا مجرد محطة عبور موقتة يعودون بعدها للقتال في بلدانهم الأصلية، وقد حافظوا طوال أعوام الثورة على هويتهم المميزة ولم يخفوا أجندتهم القائمة على العودة للقتال في أوطانهم بعد إعداد العدة في سوريا وصقل مهاراتهم الحربية مثل مجموعات التركستان والقوقاز والطاجيك والأوزبك والإيرانيين من جماعة مهاجري أهل السنّة".


لا احصاءات دقيقة

في غضون ذلك لا توجد احصاءات دقيقة عن أعداد المقاتلين الأجانب العاملين مع "هيئة تحرير الشام" منذ حضورهم للقتال عام 2013، لكن التقارير تشير إلى 3800 مقاتل من جنسيات عدة أبرزهم الإيغور والألبان والقوقاز والتركستان والأوزبك والشيشان، في وقت اعتبر أحمد الشرع أن "المقاتلين الأجانب الذين يقاتلون في صفوف المعارضة المسلحة يستحقون المكافأة، إذ ساعدوا هيئة تحرير الشام في الإطاحة بنظام بشار الأسد". وأضاف خلال اجتماع بمقر مجلس الوزراء أنه "إذا أخذنا في الاعتبار أن الأشخاص الذين كانوا في بلد آخر مدة سبعة أعوام يحصلون على الجنسية، فيجب أن يكون ذلك خارج نطاق المستحيلات، ويمكن دمجهم في المجتمع السوري إذا كانوا يحملون أيديولوجية وقيم السوريين نفسها".

"سوريا للسوريين فقط"

ومع هذا يجزم الباحث والكاتب السياسي أحمد سعدو في حديث خاص بأنه "لن يكون في سوريا الجديدة أي مكان للمقاتلين الأجانب"، سواء الذين أتوا من جبال قنديل أو من أمكنة أخرى، "سوريا للسوريين وفقط، وعلى كل من أتى لأسباب عسكرية أو قومية أو أيديولوجية أن يعود من حيث أتى".

ولم يخف الكاتب سعدو تخوف السوريين حيال تلك المسألة واعتبر أن "ذلك من حقهم، فاستمرار وجود مقاتلين غير سوريين على الأرض السورية من الممكن أن يشكل عامل جذب لإشكالات ليست مريحة لمن يبني بلده بعد 54 عاماً من حكم الطغاة". وتابع، "لذلك لا شك أنهم سيعودون ولا مكان لهم في سوريا، ويكفي ما حصل للبلاد خلال 14 عاماً من القمع والعنف الأسدي"، مردفاً "بحسب تصوري فإن منح الرتب موضوع شكلي وفخري ولن يترتب عليه أي شيء آخر، لا جنسية ولا امتيازات، إذ لا يمكن فعل ذلك في ظل إدارة جديدة تبني الوطن السوري وتتجنب أية مشكلات مع الدول الأخرى، وهو ما قاله السيد أحمد الشرع في أكثر من تصريح".


الوجهة الجديدة أوكرانيا

وفي المقابل يتوقع مراقبون أن يتجه المقاتلون الأجانب في سوريا إلى أوكرانيا للقتال إلى جانب كييف خلال الحرب الروسية المندلعة منذ فبراير (شباط) 2022، وتشير تقارير روسية إعلامية بوصول ضباط أوكرانيين إلى الشمال السوري في مايو (أيار) الماضي حيث أجروا اجتماعات مع قيادة "الحزب الإسلامي التركستاني" و"أجناد القوقاز"، وهما فصيلان مدرجان على لوائح الإرهاب الدولية، وأعلنت كييف منح هؤلاء الجنسية الأوكرانية في حال مشاركتهم بالحرب ضد روسيا.
وفي الأثناء لا يقتصر انتشار ميليشيات أجنبية في سوريا على المعارضة، إذ انسحبت فصائل كانت تساند النظام من جنسيات عربية وأجنبية إلى طهران، ومنهم عبر الحدود اللبنانية بينما يوجد مقاتلون أجانب يساندون "وحدات حماية الشعب" الكردية في حربها ضد الجيش التركي والفصائل المحلية السورية، ومنها "الجيش الوطني السوري" خلال تصاعد العمليات الميدانية بعد الإطاحة بالأسد وفراره إلى موسكو، وتمكنت تركيا والفصائل السورية المدعومة من قبلها من السيطرة على مدينة منبج.

وكشف القائد العام لـ "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) والتي تعد "وحدات الحماية الكردية" عمودها الفقري، مظلوم عبدي، عن عودة المقاتلين الأجانب الذين قدموا الدعم للقوات الكردية لسوريا، ومن المرجح مغادرتهم في حال التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار مع أنقرة، وهذا مطلب تركي إذ تعتبر أنقرة أن هذه الوحدات المقاتلة تهدد أمنها القومي.

ومع كل ذلك يعتبر الباحث في شؤون الصراعات العربية والإسلامية عبدالغني مزوز أن "التحدي الكبير أمام الإدارة السورية الجديدة سيكون التوفيق بين ضرورة إقامة علاقات ودية مع المجتمع الدولي والدول التي تنحدر منها كتل المهاجرين، والوفاء بتعهداتها بألا تتحول سوريا إلى مصدر تهديد لدول العالم، وبين إقناع هؤلاء المهاجرين بتعديل أجندتهم والتخلي عن فكرة القتال في أوطانهم"، مضيفاً أن "انصياع المقاتلين الأجانب لقرارات الإدارة السورية الجديدة رهن بمدى استجابة النظام السياسي المزمع تأسيسه لتوقعاتهم في شأن شكل الدولة ومطالبهم بتطبيق الشريعة وإلا فإنهم سيكونون أمام خيارات ثلاثة، إما التمرد على النظام السياسي الجديد أو التسرب نحو مناطق سيطرة 'داعش' أو مغادرة سوريا إلى بؤر توتر جديدة في أفريقيا أو اليمن أو حتى أفغانستان".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير