ملخص
بصورة عامة لن تتأثر أسعار الطاقة كثيراً بحل الأزمة الأوكرانية وعودة صادرات الطاقة الروسية لاعتبارات يفصلها التقرير من خلال سيناريوهات محتملة عدة نتيجة صفقة التسوية في أوكرانيا بضغط أميركي.
منذ تولي الرئيس الأميركي دونالد ترمب مهام منصبه ومع زيادة احتمالات وقف الحرب في أوكرانيا من خلال صفقة مع روسيا تردد الحديث عن عودة صادرات الغاز والنفط الروسي إلى دول أوروبا التي توقفت نتيجة الحظر والعقوبات على موسكو، لكن مؤسسة التصنيف الائتماني العالمية "فيتش" ذكرت في تقرير لها هذا الأسبوع أن احتمالات عودة الغاز والنفط من روسيا إلى أوروبا بالصورة التي كانت عليها قبل في حال التوصل إلى اتفاق سلام في شأن أوكرانيا يبدو ضعيفاً.
وفي كل الأحوال فإن عودة الصادرات الروسية من الطاقة، بأي قدر، إلى أوروبا قد لا تؤثر كثيراً في أسعار الغاز في دول الاتحاد الأوروبي.
في حال عودة صادرات الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا فلن يكون بالكميات السابقة، حين كانت موسكو توفر لأوروبا ما يقارب نصف حاجاتها من الغاز، فقد تمكنت دول أوروبا خلال العامين الماضيين من تنويع وارداتها من الغاز عبر مصادر أخرى بخاصة من الغاز الطبيعي المسال لتحل محل الغاز من روسيا عبر خطوط الأنابيب.
وبالنسبة إلى النفط فقد تمكنت روسيا من تحويل صادراتها النفطية التي كانت تذهب إلى الاتحاد الأوروبي باتجاه آسيا، كذلك فإن أوضاع سوق النفط العالمية مستقرة إلى حد كبير بما يجعل أوروبا لا تحتاج إلى العودة إلى الاستيراد من موسكو.
وبصورة عامة لن تتأثر أسعار الطاقة كثيراً بحل الأزمة الأوكرانية وعودة صادرات الطاقة الروسية لاعتبارات يفصلها التقرير من خلال سيناريوهات محتملة عدة نتيجة صفقة التسوية في أوكرانيا بضغط أميركي.
سيناريوهات عودة الغاز
يفصل تقرير المؤسسة ثلاثة سيناريوهات محتملة لعودة صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا، إضافة إلى الصادرات الحالية في صورة شحنات الغاز الطبيعي المسال أو عبر خط الأنابيب "تورك ستريم".
ومنذ بداية هذا العام انخفضت صادرات الغاز الطبيعي المسال من روسيا إلى أوروبا لتصبح عند نسبة 13 في المئة من واردات الدول الأوروبية.
وبعد توقف ضخ الغاز الروسي من خلال خط الأنابيب عبر أوكرانيا في الأول من يناير (كانون الثاني) 2025، وقبلها توقف الضخ عبر خط أنابيب "نورد ستريم" وخط الأنابيب "يامال" لم يعد هناك سوى ضخ الغاز عبر خط "تورك ستريم".
وفي العام الماضي 2024 انخفضت واردات أوروبا من الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب إلى 33 مليار قدم مكعبة، مقارنة بواردات عند 153 مليار قدم مكعبة عام 2021 قبل حرب أوكرانيا مباشرة.
وهكذا إجمالاً، أصبحت صادرات الغاز الروسي، سواء من شحنات الغاز الطبيعي المسال أو بالضخ عبر خط الأنابيب الوحيد المتبقي تمثل حالياً نسبة 18 في المئة من واردات أوروبا من الغاز، انخفاضاً من نسبة 41 في المئة قبل حرب أوكرانيا.
في ظل التفاؤل بالتوصل إلى اتفاق سلام في أوكرانيا، فإن عودة صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا لن تكون كبيرة، ويتراوح تأثيرها في أسعار الغاز الأوروبية ما بين "ضئيل" و"متوسط".
وفي أفضل الحالات ستكون كميات الغاز الروسي الإضافية ضاغطة على أسعار الغاز الأوروبية لتنخفض بما بين نسبة 50 و60 في المئة.
ينقسم السيناريو الأول إلى احتمالين، أولهما عودة ضخ الغاز الروسي عبر أوكرانيا عند مستويات العام الماضي (16 مليار قدم مكعبة)، وفي هذه الحال لن يكون هناك تأثير واضح في أسعار الغاز في أوروبا، لكن ذلك قد يفيد الاقتصاد الأوكراني وجهود إعادة الإعمار.
أما التوقع الآخر ضمن السيناريو الأول فهو عودة ضخ الغاز الروسي من خلال خط الأنابيب عبر أوكرانيا إلى مستويات عام 2021 (40 مليار قدم مكعبة)، وفي هذه الحال يمكن أن تنخفض أسعار الغاز في أوروبا بنسبة تراوح ما بين 30 و40 في المئة لتصل إلى نحو 7 دولارات للمليون قدم مكعبة.
يتضمن السيناريو الثاني احتمال عودة ضخ النفط الروسي من خلال خط الأنابيب عبر أوكرانيا بالكامل (40 مليار قدم مكعبة) وعبر خط أنابيب "يامال" بطاقة 33 مليار قدم مكعبة، وفي هذه الحال يمكن أن تنخفض أسعار الغاز في أوروبا بما بين نسبة 50 و60 في المئة لتصل إلى سعر 5 دولارات للمليون قدم مكعبة.
أما السيناريو الثالث فيتضمن إلغاء العقوبات على روسيا تماماً، ويعني ذلك إضافة شحنات أخرى من الغاز الطبيعي المسال الروسي إلى أوروبا، لكن تلك الإضافة، وستكون في حدود 9 مليارات قدم مكعبة من الغاز الطبيعي المسال، لن يكون لها تأثير كبير في أسعار الغاز مثلما هي الحال مع عودة الضخ عبر خطوط الأنابيب.
استقرار أسواق الطاقة
في سياق التركيز على أمن الطاقة، تمكنت دول الاتحاد الأوروبي من تنويع مصادر الغاز في الفترة الأخيرة، لذا خلص تقرير مؤسسة "فيتش" إلى "نعتقد أن عودة إمدادات الغاز الروسي (إلى أوروبا) بصورة كاملة إلى مستويات ما قبل الحرب هو احتمال بعيد، فقد خفضت أوروبا اعتمادها على الغاز الروسي بتنويع مصادرها، لذا لا نتوقع عودة انسياب كميات كبيرة بعد نهاية الحرب".
ربما تعيد نهاية الحرب بعض الكميات من الغاز، إلا أن مشروعات الغاز الطبيعي المسال الجديدة ستوفر فائضاً من المعروض.
ويتوقع التقرير أن تزيد إمدادات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا من قطر والولايات المتحدة مع بدء تشغيل مشروعات جديدة بحلول عام 2027 – 2028 مما سيعني خفض أسعار الغاز في أوروبا، وبالفعل أصبحت الولايات المتحدة مصدراً مهماً للغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا.
وتعمل "قطر إنيرجي" على زيادة سعة إنتاج الغاز الطبيعي المسال من 77 مليون طن سنوياً حالياً إلى 126 مليون طن بحلول عام 2028.
وتقدر وكالة الطاقة الدولية زيادة صادرات الغاز الطبيعي الأميركية بنحو 100 مليار قدم مكعبة في الفترة من 2024 إلى 2028.
أما بالنسبة إلى النفط، فإن روسيا تمكنت من تحويل صادراتها التي كانت موجهة إلى أوروبا شرقاً ومقابل انخفاض استيراد أوروبا بما يصل إلى 2.8 مليون برميل يومياً، زادت روسيا صادراتها إلى الصين والهند وتركيا بمقدار 1.8 مليون برميل يومياً من النفط ومشتقات التكرير.
وإجمالاً، لم يؤثر حظر أوروبا استيراد النفط الروسي والعقوبات المفروضة في موسكو كثيراً في صادرات النفط، إذ تراجعت الصادرات الروسية بمقدار 0.5 مليون برميل فقط العام الماضي 2024 عن مستويات صادراتها عام 2022.
ذلك إضافة إلى استقرار سوق النفط العالمية، مع فائض سعة إنتاج لدى دول تحالف "أوبك+" بأكثر من 5 ملايين برميل يومياً، ومع أن روسيا تمثل نسبة 10 في المئة من إنتاج النفط العالمي ونسبة خمسة في المئة من صادراته، إلا أن سياسات الإنتاج لتحالف "أوبك+" تضمن استقرار الأسواق بما يوفر لأوروبا مصادر نفطية تضمن حاجاتها.
وكانت صحيفة "فايننشيال تايمز" نشرت مطلع هذا العام تقريراً حصرياً ذكرت فيه أن المسؤولين بالاتحاد الأوروبي في بروكسل يدرسون اقتراح عودة دول أوروبا لاستيراد الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب، لتشجيع موسكو على الجلوس إلى طاولة مفاوضات وقف حرب أوكرانيا وتسوية الأزمة، ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أوروبيين مطلعين على المحادثات أن مؤيدي اقتراح استئناف استيراد الغاز الروسي عبر الأنابيب يدفعون بحجة أن ذلك سيؤدي إلى انخفاض أسعار الطاقة في أوروبا بصورة كبيرة.