ملخص
يتواصل الزعماء وأعضاء الحكومات عبر أنظمة متطورة خصيصاً للمسؤولين الرفيعي المستوى، إذ تقوم كل دولة بتطوير أنظمتها الخاصة باستخدام بروتوكولات تشفير معينة. ويشمل هذا التواصل أحياناً استخدام الأقمار الاصطناعية أو وسائل الاتصال المشفرة، بحيث لا تُستخدم الهواتف المحمولة في الاتصال بين الرؤساء
أثارت واقعة استخدام مسؤولين بارزين في البيت الأبيض تطبيق "سيغنال"، لتبادل معلومات حساسة حول شن ضربة ضد جماعة الحوثي في اليمن، وما تخللها من إضافة رئيس تحرير مجلة "ذا أتلانتيك"، جيفري غولدبرغ، إلى مجموعة الدردشة من طريق الخطأ، ردود فعل دولية واسعة.
الحادثة السابقة طرحت تساؤلات حول مدى قدرة تطبيقات الدردشة الاجتماعية على تأمين حماية كافية لتبادل البيانات، بخاصة في السياقات الحساسة مثل التواصل بين الحكومات والقادة الدوليين، التي تشمل أيضاً كيفية إجراء رؤساء الدول اتصالاتهم الهاتفية، وآليات تواصل أعضاء الحكومات، إضافة إلى التحديات المستقبلية التي قد تواجه تطبيقات التواصل المشفر.
بحسب ما اتفق عليه خبراء في الأمن الرقمي واستشاريون في تكنولوجيا المعلومات، الذين تحدثوا إلى "اندبندنت عربية"، فإن رؤساء الدول والحكومات "لا يعتمدون" على تطبيقات التواصل المشفرة المتاحة للجمهور مثل "سيغنال" أو "واتساب" للتواصل في القضايا الحساسة. بدلاً من ذلك يفضلون استخدام تقنيات "أكثر تقدماً وأماناً"، وعادة ما يجري اللجوء إلى وسائل اتصال خاصة تصمم خصيصاً للحفاظ على سرية المعلومات ومنع أي اختراقات محتملة.
اتصالات عبر خطوط مؤمنة
على منصة "كورا"، المتخصصة في فتح نقاشات اجتماعية يشارك فيها خبراء من مختلف المجالات، دارت مناقشة تحت عنوان: "لماذا لا يزال قادة الدول يتواصلون عبر المكالمات الهاتفية بدلاً من استخدام تقنية مكالمات الفيديو أو حتى الرسائل الرسمية التقليدية؟"، إذ اعتبر تشي ألفين، خبير في مجال الاتصالات والبيانات، أن رؤساء الدول ورؤساء الحكومات غالباً ما يعتمدون على "المكالمات الهاتفية الآمنة والمراقبة لأغراض أمنية وحفاظاً على الخصوصية"، موضحاً أن هذه المكالمات تجري عبر خطوط مؤمنة تخضع للمراقبة من قبل وكالات أمنية مثل وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي أي"، ومكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي آي"، ووزارة الأمن الداخلي، مما يجعلها محمية من التنصت أو أي نشاط تجسسي تقوم به دول أخرى.
وفقاً لتشي فإن هذه الوسائل تتيح لقادة الدول مناقشة القضايا الحساسة والسرية، مثل احتمالات اندلاع الحروب أو الصراعات، في بيئة آمنة تماماً، إذ "تظل محادثاتهم بعيدة من آذان الجواسيس والمتطفلين". وفي ما يتعلق بالوسائل الأخرى للتواصل، رأى أنها غالباً ما تكون عرضة للأخطار، إذ يمكن للمتطفلين والجواسيس، الذين يمتلكون الأدوات والتدريب الكافي في تقنيات الاستخبارات، الوصول إلى هذه المكالمات وتسريب معلومات حساسة لأطراف غير مرغوب فيها.
بينما يشير مايك ماكورميك، الذي سبق له العمل بإحدى الشركات المتخصصة في مجال الأمن السيبراني وتقديم خدمات حماية الأنظمة والشبكات من الهجمات الإلكترونية، إلى أن الحكومات تعتمد على الشبكات الخاصة الآمنة للتواصل السري. ومن أبرز هذه الشبكات شبكة بروتوكول الإنترنت السري (SIPRNet) المستخدمة في دول مجموعة العيون الخمسة، وهو تحالف استخباراتي يضم الولايات المتحدة وأستراليا وكندا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة.
ويضيف ماكورميك أن هذه الشبكات تعتمد عادة على أجهزة خاصة غير متصلة بالإنترنت، مما يعزز من مستوى الأمان، كذلك فإن الاتصالات بين الدول تجري عبر دوائر عسكرية خاصة وأقمار اصطناعية، لضمان سرية المعلومات وحمايتها من أي محاولات اختراق أو تجسس.
حقوق السيادة وملكية البيانات
يوضح المتخصص في مجال الأمن الرقمي والبرمجيات الموجهة للمؤسسات الحكومية، المهندس عمر فاروق، أن التواصل بين قادة الدول أو أعضاء الحكومات عادة ما يحدث عبر "برامج خاصة ومؤمنة"، تعالج محلياً لضمان السيادة الكاملة على البيانات، وتتمثل الأهمية الرئيسة لهذه الأنظمة في أن الدول المالكة لها "تمتلك حق السيادة وملكية البيانات المخزنة داخل هذه الأنظمة".
وانتقل فاروق بحديثه إلى أن مستوى سرية البيانات المتداولة بين المسؤولين هو الذي يحدد نوع الأنظمة المستخدمة للتواصل، موضحاً أنه يُتوصل إلى اتفاقات بين الدول حول الأنظمة الأنسب للتواصل بناءً على درجة حساسية البيانات، فإذا كانت البيانات غير سرية يمكن استخدام وسائل الاتصال العادية، أما في الحالات الحساسة فتُعقد غالباً لقاءات شخصية أو تُنقل الرسائل عبر مندوبي الدول، وبناءً على ذلك يُنسق بين الدول في شأن طرق التواصل المناسبة وأشكال التشفير الملائمة لضمان حماية المعلومات.
كما يلفت إلى أن تطبيقات التواصل الاجتماعي غير مصرح باستخدامها في المؤسسات الحكومية، مثل البنوك والجهات الأمنية، ويعود السبب في ذلك إلى أن هذه التطبيقات "تعتبر أدوات تجمع معلومات".
ويعتمد بعض القادة أدوات اتصال خاصة تربط الدول بعضها ببعض، لضمان سرية التواصل وحمايته. من أبرز الأمثلة التاريخية على ذلك الخط الساخن بين واشنطن وموسكو الذي أُنشئ عام 1963، بعدما اقترب الرئيس الأميركي آنذاك جون كينيدي ورئيس الوزراء السوفياتي الراحل نيكيتا خروشوف من الحرب خلال أزمة الصواريخ الكوبية، وهي المواجهة التي تفاقمت بسبب تأخير الاتصالات، إذ كان النظام يعتمد على محطات تلغراف وطباعة يديرها مترجمون عسكريون، مهمتهم نقل رسائل القادة عبر نظامين مختلفين.
وتعتمد بعض الحكومات على أنظمة اتصال مشفرة مصممة خصيصاً للأغراض الرسمية، لضمان تأمين البيانات وحمايتها. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة تستخدم تقنيات مثل "جي إي آي" (Joint Enterprise Defense Infrastructure)، التي توفر شبكات مشفرة وآمنة للغاية لوزارة الدفاع، مما يضمن حماية المعلومات الحساسة والحفاظ على سرية التواصل بين الأجهزة الحكومية المختلفة.
ويشير عمر فاروق في حديثه إلى "اندبندنت عربية" إلى أن الرؤساء والمسؤولين الحكوميين يعتمدون على أنظمة محلية مخصصة، لضمان حماية كاملة للبيانات عبر تقنيات التشفير المحلي. وتستخدم تقنيات متقدمة مثل "مفاتيح الشفرة" أو "شهادات التشفير"، وعلى رغم أن تطبيقات مثل "واتساب" تعلن تشفير المراسلات بين أطراف الاتصال، فإن مفتاح التشفير في هذا التطبيق يبقى ملكاً للشركة المالكة، مما يعني أن هناك إمكان للوصول إلى البيانات حتى وإن كانت مشفرة في بعض الحالات.
بينما شروط استخدام تطبيقات الدردشة الاجتماعية غالباً ما تتضمن استثناءات تتعلق بحماية وتشفير البيانات، مثل معالجتها لأغراض تحسين الأداء وقياس الجودة والتدريب والأمن والتسويق، وغيرها. وفقاً لما يؤكده خبير تكنولوجيا المعلومات، لذا التواصل بين الدول يجري عبر أنظمة محلية توطينية تضمن سرية البيانات وتطبيق السياسات الخاصة بها، حيث تمنح الجهات المعنية صلاحيات محددة للوصول إلى هذه البيانات فحسب، بما يضمن حمايتها من أي تهديدات أو تسريبات.
آليات تشفير محكمة
يتفق استشاري تكنولوجيا المعلومات محمد الحارثي مع الآراء السابقة، ملقياً الضوء على أن كل دولة تمتلك أنظمة اتصال مشفرة خاصة بها حتى تمنح حماية حين تجرى اتصالات بين المسؤولين، إذ تُطور أنظمة تواصل مباشرة مشفرة وفق آليات تشفير محددة تتناسب مع متطلبات كل دولة. مشيراً إلى أنه من الغريب أن يتواصل بعض المسؤولين الأميركيين عبر تطبيقات دردشة رقمية لمناقشة قضايا حساسة، إذ إن جميع الحكومات عادة ما تخضع أنظمة الاتصال لديها لتدابير تشفير صارمة لضمان حماية تداول المعلومات.
ويؤكد الحارثي أن الزعماء وأعضاء الحكومات "يتواصلون عبر أنظمة متطورة خصيصاً للمسؤولين الرفيعي المستوى، إذ تقوم كل دولة بتطوير أنظمتها الخاصة باستخدام بروتوكولات تشفير معينة. ويشمل هذا التواصل أحياناً استخدام الأقمار الاصطناعية أو وسائل الاتصال المشفرة، بحيث لا تُستخدم الهواتف المحمولة في الاتصال بين الرؤساء، ويرتكز هذا التواصل على بروتوكولات تشفير متقدمة، وتوجد وحدات اتصالات غالباً ما تكون تابعة للجهات العسكرية، والمسؤولة عن ضمان تأمين الاتصال بين الرؤساء". لافتاً إلى أن هناك أيضاً وسائل اتصال تناظرية قديمة، مثل شبكات الاتصال الأرضية أو أبراج الراديو، التي تستخدم في بعض المستويات السرية داخل الدول، لتجنب تعرض الإشارات للاعتراض.
بدوره شدد مساعد وزير الداخلية المصري السابق لأمن المعلومات، اللواء محمود الرشيدي، على أن شبكة الإنترنت العالمية لا يمكنها ضمان حماية كاملة للبيانات والمعلومات، إذ إن نسبة الأمان ضعيفة، نظراً إلى أنه يمكن اختراقها من قبل الهاكرز ووكالات الاستخبارات العالمية، إذ يُعتمد على شبكة المعلومات الداخلية للتواصل بين المسؤولين داخلياً.
واستشهد الرشيدي بأن وزارة الداخلية في مصر تتعامل عبر شبكة معلومات داخلية مستقلة، لا علاقة لها بالإنترنت، وهي شبكة مغلقة خاصة بتبادل الرسائل والمعلومات بين مختلف أقسام الوزارة، أما على مستوى التواصل بين زعماء الدول فتُستخدم تقنيات التشفير لحماية المعلومات المتداولة بينهم، كما يُعتمد أحياناً على خطوط اتصال مباشرة مشفرة ومحمية لضمان أمان الاتصال.
وأشار الرشيدي إلى أن تطبيقات الدردشة لا تخضع لأي مواثيق أو بروتوكولات محددة لضمان أمان البيانات المتبادلة عبرها، مما يجعلها غير مؤهلة للاستخدام في المؤسسات الحكومية أو أي اتصال يحمل بيانات حساسة.
بينما اعتبر المسؤول بإحدى شركات الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية، محمد الغامري، أن أي اتصال بين جهازين لضمان سرية المعلومات يتطلب استخدام التشفير، ويعد "التشفير من الطرف إلى الطرف" من أقوى أنواع التشفير، إذ يضمن أن البيانات لا يمكن قراءتها إلا من قبل الطرف المتلقي، ويعتمد هذا الأسلوب بصورة أساس بين قادة الدول وأعضاء الحكومات والمسؤولين في الجهات السيادية للدول.
وأوضح الغامري أنه على رغم أن بعض تطبيقات الدردشة مثل "سيغنال" و"واتساب" تشير إلى أنها تستخدم نظام التشفير، فإن الوصول إلى مفتاح التشفير الخاص بأي تطبيق يمكن أن يتيح الوصول إلى البيانات، وعملية التواصل بين الجهات الرسمية في الدول تعتمد بشكل كبير على تقنيات تشفير معقدة لضمان حماية المعلومات، إذ تستخدم مفاتيح تشفير يصعب فكها لضمان سرية الاتصالات.
وأشار إلى أن الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية تستخدم بشكل خاص في أثناء الحروب، إذ تتيح الجيوش هذه الأداة للتواصل مع قواتها الميدانية. وتستخدم أجهزة الاستخبارات تقنيات تشفير متقدمة وفقاً للغامري، لضمان أن هذه الاتصالات تبقى محمية ولا يمكن فك تشفيرها بسهولة. لافتاً إلى أنه لا توجد وسيلة اتصال يمكن اعتبارها أكثر أماناً من الأخرى، لكن مستوى الأمان يعتمد بشكل أساس على أسلوب التشفير الذي تضعه الدول لتأمين اتصالاتها.
هواتف مؤمنة
يتوافق مستشار الأمن السيبراني ومكافحة الجرائم الإلكترونية محمد محسن رمضان مع الطرح السابق، مشيراً إلى أن رؤساء الدول يتواصلون عبر هواتف مؤمنة خصيصاً لهم، وغالباً ما يجري الاتصال عبر الشبكات الأرضية المؤمنة، إذ تصل المكالمات إلى موظفين في الرئاسة وفقاً للبروتوكولات المعتمدة، ثم يحدد موعد مناسب للاتصال بين الزعيمين، موضحاً أن التواصل لا يحدث عبر الهواتف الذكية، نظراً إلى وجود آليات أمان محددة للمكالمات الرسمية.
"كل حكومة تمتلك أدوات التشفير والتقنيات الخاصة بها لحماية خصوصية البيانات، إذ تستخدم شبكات منفصلة وآمنة بعيداً من شبكات المواطنين، مما يقلل من فرص حدوث عمليات تجسس" بحسب ما يعتقده خبير الأمن الرقمي، ماضياً في طرحه "لكل دولة آلياتها الخاصة، وتختلف الأدوات والبرامج المستخدمة تبعاً للسياسات الوطنية الخاصة بحماية المعلومات. يجري التواصل بين قادة الدول وفق بروتوكولات محكمة ومؤمنة لضمان سرية المعلومات، إذ يحدد لكل اتصال بروتوكول خاص به بناءً على طبيعته وأهميته".
وأنهى حديثه "تختلف إجراءات الحماية وفقاً لأهمية الاتصال ونوعية البيانات المتبادلة، إذ إن القضايا الحساسة قد تستدعي إرسال رسائل مكتوبة بواسطة المبعوثين، وتعتمد الدول في تأمين اتصالاتها على طبقات متعددة من التشفير لضمان أقصى مستوى من الأمان".