ملخص
استعرض ممثل منظمة الصحة العالمية في لبنان عبدالناصر أبو بكر في حديث خاص مع "اندبندنت عربية" لمناسبة اليوم العالمي للصحة، الوضع الخاص للبنان في المنطقة، خصوصاً بوجود ما يقارب مليوناً ونصف المليون لاجئ على أراضيه، منوهاً بأن هذا ما يستدعي التعامل مع لبنان بخصوصية في ظل الأزمات والوضع الأمني ووجود اللاجئين، وتداعيات الأزمة الاقتصادية على مختلف القطاعات في البلاد.
في الأعوام الأخيرة مر القطاع الصحي في لبنان بتحديات كبرى، إذ زعزعت الضربة تلو الأخرى هذا القطاع الذي شارف على الانهيار أحياناً، قبل أن يعاود النهوض ويؤكد قدرة فائقة على الصمود.
بموازاة هذه الأزمات التي واجهها القطاع في لبنان لم يكن الوضع أقل صعوبة في المنطقة، خصوصاً في سوريا وغزة في ظل الحرب وتداعياتها، من تلك التي خلّفتها مباشرة، أو ما يُخشى منه للمدى البعيد، كل ما حصل انعكس على الخدمات الصحية وعلى إمكان الوصول إليها بحيث لم تعد متاحة للكل، وهذا ما يهدد بزيادة الأزمات الصحية وانتشار أمراض كان من الممكن السيطرة عليها في الأعوام الماضية.
في حديث خاص مع "اندبندنت عربية" لمناسبة اليوم العالمي للصحة، أشار ممثل منظمة الصحة العالمية في لبنان عبدالناصر أبو بكر إلى الوضع الخاص للبنان في المنطقة، خصوصاً بوجود ما يقارب مليوناً ونصف المليون لاجئ، هذا ما يستدعي التعامل معه بخصوصية في ظل الأزمات والوضع الأمني ووجود اللاجئين، وتداعيات الأزمة الاقتصادية على مختلف القطاعات فيه، أما انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من منظمة الصحة العالمي بناء على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، فله تداعيات خطرة على الوضع الصحي على مستوى العالم، ولا بد من التعامل معه بجدية خشية التأزم الذي تستحيل معه العودة إلى الوراء.
أزمات متتالية وقطاع ينهار
وقال إنه بعدما اعتُبر لبنان "مستشفى الشرق الأوسط" طوال أعوام، أتت جائحة كورونا لتلقي أعباءها على القطاع الصحي في لبنان، إلى جانب الأزمة الاقتصادية التي كانت لها تداعيات كارثية على القطاع، فتسببت بهشاشة قطاع الرعاية الصحية المنهك أصلاً، وذلك بسبب الضغوط الشديدة عليه المرتبطة بالتحديات المالية، وهجرة الأطباء والممرضين، مما أدى إلى عدم توافر الطواقم الطبية خصوصاً في البلدات النائية، وعدم قدرة المواطنين على الوصول إلى الخدمات الصحية بسبب الوضع المعيشي المتأزم، وتحوّل العلاج إلى ترف لا تستطيع كل الفئات الوصول إليه، وتراجعت معدلات تلقيح الأطفال، ورفعت الدولة الدعم عن الأدوية.
وتابع أنه في مرحلة لاحقة سجلت عودة وباء الكوليرا بسبب تلوث المياه بعد عشرات الأعوام من القضاء عليه واختفائه من الخريطة الصحية من عام 1993، وبعدها أتى انفجار مرفأ بيروت، ليشكل ضربة إضافية لقطاع كان على شفير الانهيار، ويحاول جاهداً النهوض مجدداً، وهذا ما أدى إلى هجرة مزيد من الأطباء والممرضين، وخروج مستشفيات عن الخدمة وزيادة الأعباء على القطاع.
ومع بداية الحرب الإسرائيلية الأخيرة أتت تفجيرات البجر التي تسببت بمئات الإصابات غير المسبوقة دفعة واحدة، ومن بعدها الحرب الإسرائيلية بمزيد من التحديات، خصوصاً مع خروج مستشفيات عدة عن الخدمة في المناطق التي تعرضت للقصف، فأُغلق أكثر من 100 مركز فيها من أصل 207 نتيجة الأضرار، كذلك تعدى عدد القتلى 4 آلاف مع إصابة أكثر من 13 ألفاً، ووفيات بين العاملين في المجال الصحي، كلها أمور انعكست على النظام الصحي، وفق أبو بكر.
ويضيف أبو بكر في حديثه أن وجود أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ في البلاد يشكل تحدياً أساساً للقطاع الصحي، ويجعل من لبنان حالة خاصة بين دول المنطقة لما يترتب على ذلك من أعباء، وكل ما واجهه القطاع الصحي أدى إلى بلوغ مرحلة بات فيها كثر عاجزين عن الوصول إلى الخدمات الصحية بسبب الوضع المعيشي الصعب، وعدم القدرة على تسديد نفقات الخدمات الصحية، بما أن معدل الفقر في لبنان بلغ نسبة 55 في المئة.
على رغم محاولات الجهات الصحية ومن ضمنها منظمة الصحة العالمية مواجهة هذه التحديات، سُجّل ارتفاع في معدلات الولادات المبكرة ووفيات الأطفال عند الولادة وانتشرت أمراض عدة كالحصبة والكوليرا التي كان من الممكن القضاء عليها بشكل تام من عقود، وذلك بسبب تلوث الماء وتراجع جودته، مما يؤكد هشاشة النظام الصحي في البلاد، حسب قول ممثل منظمة الصحة العالمية في لبنان.
وعن الحرب، يقول أبو بكر كان المطلوب تخصيص كثير من الإمكانات لها وتوفير الحاجات الصحية لأكثر من مليون نازح، وآلاف الجرحى، مما زاد من الضغوط على القطاع الصحي، متابعاً "في الوقت نفسه لا يمكن أن ننكر بأنه بفضل كل جهود الجهات الصحية والمعنية، كان من الممكن التعاون استعداداً للتحديات المرافقة للحرب، فكان القطاع في جهوزية عالية أمام هذا التحدي الجديد، وكانت الاستجابة ممتازة وبلغت أعلى المستويات بسبب الاستنفار في التحضير قبل أشهر من اندلاع الحرب، إنما بقيت تسجل هشاشة في القطاع العام مقارنة مع القطاع الخاص الذي أثبت جهوزية تامة بفضل الإمكانات المؤمنة، ولا يدرك الكل أنه في لبنان تسجل أعلى نسبة إنفاق خاص من المواطنين على الخدمات الصحية مقارنة مع بقية الدول بسبب عدم توافر نطام التغطية الصحية الشاملة، لذلك يعجز المواطنون عن تسديد نفقات الخدمات الصحية والطبية".
حول الاستراتيجية الوطنية للصحة
وذكر ممثل منظمة الصحة العالمية في لبنان عبدالناصر أبو بكر أنه على رغم كثرة الأعباء على القطاع الصحي في لبنان وعلى المواطن الذي أصبح عاجزاً عن الوصول إلى الخدمات الصحية، برزت الإستراتيجية الوطنية للقطاع الصحي التي وضعها وزير الصحة السابق فراس الأبيض عام 2023، فأتت بمثابة قارب نجاة للقطاع الصحي، مشيراً إلى أنها أدت دوراً جوهرياً في المساعدة على مواجهة التحديات والنهوض بالقطاع بعد الأزمات المتتالية، واستندت إليها بصورة أساسية الهيئات الصحية الوطنية ومنظمة الصحة العالمية، لذلك كان من الممكن تحقيق كثير بالاعتماد عليها في العامين الأولين، بالتعاون بين الجهات الصحية المحلية والمنظمات غير الحكومية ومنظمة الصحة العالمية والجهات المانحة، وكان الهدف من ذلك الحرص على وصول الكل إلى الخدمات الصحية بجودة عالية وإنصاف بما يكفل حقوق الإنسان، وعلى تعزيز دور القطاع الصحي العام وقدراته، وتوفير الأدوية على نطاق أوسع وغيرها من الأهداف للارتقاء بنظام الرعاية الصحية.
أخطار أمراض تعود إلى الواجهة
بعد الأزمات والحرب في لبنان ودول المنطقة التي واجهت ظروفاً مماثلة، تزيد المخاوف من عودة أمراض نتيجة الظروف التي تمر بها البلاد فتحقق انتشاراً واسعاً، الكوليرا والحصبة والدفتيريا والأمراض التنفسية وغيرها من الأمراض تحقق انتشاراً في ظروف تتراجع فيها معدلات النظافة، وهي أمراض تستعد الجهات الصحية لمواجهتها بعد الحرب، ومعها منظمة الصحة العالمية، وإضافة إلى الأمراض التي تنتقل بالعدوى هناك أمراض يمكن أن تستجد وتحقق انتشاراً واسعاً في ظل نظام صحي هش، ومن جهة أخرى تعتبر الأمراض المزمنة والأمراض المستعصية من الهموم الأساسية أيضاً مع انتهاء الحرب، ومنها السرطان وأمراض القلب والسكري وغيرها من الأمراض التي تتطلب استجابة صحية وتوفير الخدمات الصحية والمتابعة والعلاجات اللازمة لها، وفق عبدالناصر أبو بكر.
ويشدد أبو بكر على الصحة النفسية التي تبدو هاجساً اليوم نظراً إلى الظروف الصعبة التي مر بها المواطنون بعد الأزمات والحرب، وتستدعي أيضاً الاستجابة، ويضاف إليها سوء التغذية التي لا بد من أخذها في الاعتبار أيضاً، هذا ولا ينكر أنه ثمة تداعيات بعيدة المدى وأخرى قصيرة المدى لا بد من التعامل معها، وثمة إصابات في الحرب تتطلب المتابعة البعيدة المدى والرعاية، ومن جهة أخرى، في ظل تراجع معدلات التلقيح وارتفاع خطر عودة أمراض كان من الممكن القضاء عليها، وضعت منظمة الصحة العالمية خططاً لرفع معدلات التلقيح عبر حملات ستنطلق قريباً بالتعاون مع وزارة الصحة العامة و"يونيسيف"، إضافة إلى التعاون مع وزارة الطاقة والمياه بهدف تحسين جودة المياه وتوفير المياه النظيفة لتجنب الأمراض، كذلك فإن ثمة مساعي للعمل على تعزيز الصحة النفسية واللجوء إلى إجراءات عدة، منها تحسين نمط الحياة والحد من التدخين للوقاية من الأمراض للمدى البعيد، مع مواجهة مشكلة سوء التغذية.
انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية
أحدث قرار الولايات المتحدة الانسحاب من منظمة الصحة العالمية بعد توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمراً تنفيذياً ينهي عضوية واشنطن في المنظمة بعد 12 شهراً، حال قلق على مستوى العالم، وبشكل خاص على قطاع الرعاية الصحية، إذ إن الولايات المتحدة تعتبر أكبر مانح منفرد لمنظمة الصحة العالمية ومثلت مساهمتها نسبة 18 في المئة في ميزانية المنظمة عام 2023، هذا فيما تقوم بدور حيوي في حماية صحة وأمن شعوب العالم وتصل إلى مناطق لا يستطيع الآخرون الذهاب إليها مثل غزة واليمن وأفغانستان والسودان، وتشكل جزءاً لا غنى عنه في النظام الإنساني الدولي، وفي هذا الإطار أوضح أبو بكر أن الولايات المتحدة لم تنسحب وحدها من المنظمة وثمة دول أخرى فعلت بالمثل، وهذا ما يهدد بتراجع التمويل والدعم من قبل هذه الدول، وبطبيعة الحال ينعكس ذلك على النظام الصحي في العالم، وعلى مستويات التمويل التي تؤمن له بما في ذلك لبنان.
ونوه ممثل منظمة الصحة العالمية في لبنان بأن الهيئات الصحية تتعاون حالياً بصورة استباقية لتجنب تداعيات هذه الخطوة والانتقال إلى بدائل ومصادر تمويل أخرى لسد الثغرة، فإذا لم يُعالج ذلك بصورة مسبقة، فمن المتوقع أن ينعكس ذلك لا على النظام الصحي فحسب، إنما على قطاعات عدة منها المياه، لذلك تتكثف الجهود للقيام بما يلزم، حتى لا يؤثر ذلك في المبادرات الإنسانية في العالم.