ملخص
من خلال التعاون الفني بين "غاليري مصر" في القاهرة و"غاليري إرم" في الرياض، تشارك الرسامة المصرية علياء الجريدي في أسبوع فن الرياض، الذي تنظمه هيئة الفنون البصرية السعودية من 6 إلى 13 إبريل (نيسان) الجاري. ويأتي هذا التعاون ليعكس حرص الطرفين على تعزيز الحوار الثقافي بين البلدين وإبراز المواهب الفنية المبدعة.
تتميز أعمال الرسامة علياء الجريدي برؤية فنية عميقة تعكس قلقاً وجودياً تجاه مستقبل العالم، فتترجم في لوحاتها انشغالها الدائم بالتداخل بين الحقيقة والخيال. ترى الجريدي أن الأساطير والحكايات الشعبية ليست مجرد خيالات، بل غالباً ما تكون جذورها ممتدة في أرض الواقع. في أعمالها الأخيرة، تتناول الفنانة فكرة الصراعات وانقسام العالم، محاولةً تجسيد الصورة الجديدة للعالم في ظل التحولات الجذرية التي يشهدها.
تقول الجريدي: "يمر عالمنا في السنوات الأخيرة، وخاصة منذ العام 2010، بحالة من الارتباك والفوضى المتزايدة، نتيجة أحداث متشابكة وعنيفة تترك أثراً عميقاً على النفس البشرية. لم يعد تأثير هذه الأحداث مقتصراً على فئة معينة أو بلد محدد، بل أصبح كل فرد في مواجهة مباشرة مع تيارات العالم المتلاطمة". وتضيف: "التطور المتسارع لوسائل التواصل، رغم إيجابياته، زاد من حدة التضارب والتشويش، مما جعل المستقبل أكثر غموضاً. وفي أعمالي، أحاول استكشاف هذا التحول".
تميزت الجريدي بأسلوبها الفني الذي لا تعتمد فيه على الرسم التقليدي، بل تلجأ إلى تطريز أشكالها على مساحات متنوعة من القماش، مما يمكنها من دمج تفاصيل دقيقة وألوان متعددة وخامات مختلفة في عمل واحد. يُعد الخط عنصراً محورياً في أعمالها، بحيث يتشكل عبره نمط العلاقات داخل اللوحة، وتتشكل الحدود بين العناصر من خلال تقنيات متنوعة في معالجة الخيوط.
يمكن وصف مساحات القماش التي تنتجها الجريدي بأنها فراغات بصرية غنية بالعلاقات اللونية والخطوط المتشابكة، التي تثير خيال المشاهد وتدعوه إلى التأمل. تتيح هذه الطريقة للمتلقي حرية تفسير الأشكال وفقاً لرؤيته الخاصة، تماماً كما يفسر العقل البشري الصور من بين تفاصيل عشوائية. هكذا تتحول كل لوحة إلى فضاء للتفاعل والحوار بين الفنان والمشاهد، فيكتشف عالماً خرافياً يتشكل بين الخطوط وتقاطعاتها. في هذه الأعمال ترسم الجريدي مساراً للحركة، لكنها تترك للمشاهد حرية اختيار رحلته البصرية داخل هذا العالم الفني.
لعل ما يضفي سحراً خاصاً على أعمال الجريدي هو قدرتها على استثارة حاسة اللمس لدى المشاهد. فالعناصر المطرزة تدفع المتلقي إلى الرغبة في اكتشافها، كما لو كانت تدعوه لمساعدتها في فك ألغازها. تكاد هذه الأشكال أن تخرج من إطار اللوحة لتعانق المشاهد، وعندما تمر الأصابع على تموجات القماش والأشكال البارزة، يشعر المرء بدفء العمل الفني وحياته، وكأنه يحاور كائناً ينبض بالطاقة والإيحاء.
علياء الجريدي فنانة مصرية متعددة المواهب، تمتد أعمالها بين التركيب الفراغي، والفيديو آرت، والرسم، وصناعة الحلي. ولا تقتصر رؤيتها على الجانب الجمالي، بل تسعى إلى فتح مساحات لإعادة التفكير في المسلمات الاجتماعية التي تحكم العلاقات الإنسانية المعاصرة. منذ عام 1998، استخدمت الجريدي الفن كأداة للتحول الاجتماعي، وفي عام 2003 شاركت في تأسيس جمعية "جدران للفنون والتنمية"، التي تهدف إلى تمكين النساء في المجتمعات المهمشة من خلال تنمية مهاراتهن الفنية، وتعزيز مشاركتهن الإبداعية. أقامت الجريدي العديد من المعارض الفردية داخل مصر وخارجها، وحصلت على جوائز مرموقة، منها جائزة "القاهرة للتجهيز" عام 1995، ومنحة الأكاديمية المصرية في روما عام 1997.