Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

  دونالد ترمب يتحدر من تراث قومي مرجعه الثابت نيكسون

يبدو أن الرئيس الأميركي يعود على بدء جمهوري

أوجه تشابه كثيرة بين سياسات دونالد ترمب وريتشارد نيكسون (أب، غيتي)

ملخص

على رغم تناقضاته، يبدو أن الرئيس الأميركي الحالي، دونالد ترمب، يسير على خطى سلفه الجمهوري، ريتشارد نيكسون

قد يبالغ الرئيس دونالد ترمب في انتقاداته ويميل إلى مواقف متطرفة، لكنه ثابت في آرائه في السياسة الخارجية وحرية التجارة والالتزامات العسكرية وثابت في خروجه على إجماع الحزبين الأميركيين الكبيرين على بعض القضايا البارزة. والحق أن انتقاداته لا جديد فيها. فمنذ 40 سنة وهو يكرر وصف حلفاء الولايات المتحدة بالطفيليات. ما تقدم هو خلاصة ما ينبه إليه مايكل ليند، أستاذ شريك في جامعة تكساس، وأحد مؤسسي موقع Commonplace، منبر "اليمن الجديد" الأميركي، إذ نشر مقاله في الخامس من أبريل (نيسان) الجاري.

وسبق لترمب في حملته الانتخابية والرئاسية الأولى في 1992، ثم في الثانية في 1996، منافساً المرشح المستقل الخائب، روس بيروت Ross PEROT  (والمرشح الفائز بيل كلينتون)، أن أعلن خروجه على بنود الإجماع الحزبي الأميركي المعروفة على السوق الحرة في العلاقات الاقتصادية، وعلى المظلة العسكرية الأميركية في السياسة الخارجية. وتقتفي مخالفة ترمب الإجماع التقليدي أثر تقليد قومي استند الرئيس ريتشارد نيكسون (1969- 1974)، والمرشح المستقل روس بيروت (ترشح إلى الانتخابات الرئاسية مرتين، عام 1992 وفي 1996).

ويشير ليند إلى أن إجراءات ترمب، وفي ولايتيه، لا يرقى تطرفها إلى تطرف إجراءات نيكسون في 1971، واستحقت وصفها بـ"صدمة نيكسون". فيومها ألغى الرئيس الأميركي، من غير مفاوضة ولا مشورة، النظام النقدي العالمي الذي صيغ في بريتون وودز، غداة الحرب العالمية الثانية وربط العملات العالمية بالدولار وبالذهب، وفرض رسماً إضافياً، بلغ 10 في المئة، على الواردات الخاضعة للتعرفة الجمركية. ولم يكن جون كونالي، وزير خزانة نيكسون ليتردد في إجراء ما يراه في مصلحة الولايات المتحدة أولاً، وضرب عرض الحائط بمصالح الدول الأخرى، على ما يذكر المؤرخ جيفري غارتين. وكان نيكسون على علم بذلك. واستعاد المرشح روس بيروت، وهو رجل أعمال وملياردير، شأن ترمب، من تكساس، النزعة القومية الاقتصادية التي رفع جون كونالي لواءها. وكان بيروت يعارض معاهدة التبادل الحر بين بلدان شمال أميركا، وأجازت هذه المعاهدة إلى مصانع السيارات في الولايات المتحدة نقل منتجاتها إلى المكسيك، إذ الأجور أقل مستوى من مستواها الأميركي، والنقابات ضعيفة. وكان كونالي يتهم اليابان، وغيرها من حلفاء الولايات المتحدة، بالسطو على جيوب الأميركيين ويعد بإلزام اليابان وألمانيا، إذا ما انتخب رئيساً، بتسديد 50 مليار دولار (أي 114 مليار دولار على سعر صرف اليوم، إلى الولايات تعويضاً عن الكلفة التي يتحملها الأميركيون) دفاعاً عن الدولتين، الآسيوية والأوروبية.

واقترع لروس بيروت، وهذا برنامجه، نحو 20 في المئة من المقترعين في انتخابات 1992. وهذه أعلى نسبة من المقترعين يحصل عليها مرشح مستقل عن حزب ثانوي منذ الرئيس الجمهوري ثيودور روزفلت الذي ترشح عن الحزب التقدمي في 1912. وحملت النخب الأميركية، بعد إخفاق روس بيروت في 1992 و1996، عقيدة نيكسون القومية الاقتصادية على فكرة بالية، اقتصر الأخذ بها وتصديقها على بعض الشخصيات السياسية الهامشية المتفرقة، شأن بات بوكانان، مستشار نيكسون السياسي سابقاً.

ومن 1992 إلى 2016 انتهج الرؤساء الثلاثة بيل كلينتون وجورج دبليو بوش وباراك أوباما، استراتيجية الهيمنة العالمية الأميركية، كل واحد منهم على طريقته. ويرى الكاتب والخبير السياسي مايكل ماندلباوم، في كتابه "مثال غوليات أو كيف اضطلعت الولايات المتحدة بحكم العالم في القرن الواحد والعشرين" (نشر بابليك أفيرز، 2006)، الذي يتناول الهيمنة الأميركية - أن الولايات المتحدة وحدها، وليس الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، في وسعها توفير الأغراض العالمية العامة جراء قيامها بدور مهيمن. والأغراض الأساسية هذه، بحسب نظرية الهيمنة، هي:

- المدخل إلى السوق الأميركية.

- والمظلة العسكرية التي تظلل أنحاء العالم كلها، وتردع الأعمال العدوانية، وتقنع القوى العالمية الأخرى بالتخلي عن التسلح لانتفاء حاجتها إلى حماية نفسها (وتولي الولايات المتحدة الدفاع عنها).

- والدولار بصفته عملة احتياط عالمية.

ولا شك في أن السياسة الخارجية وعلاقاتها ونزاعاتها تنتج، في المحصلة، رابحين وخاسرين داخل البلد الذي يتولى قيادة هذه السياسة. والفريق الذي يناصر استراتيجية الهيمنة الأميركية، داخل الولايات المتحدة، يتألف من الشركات المتعددة الجنسيات. فتحرير التجارة على أنواعها، يمكن هذه الشركات من تنقيل، أو تعهيد إنتاجها، إلى بلدان منخفضة الأجور مثل الصين أو المكسيك، في معسكر الرابحين، ينبغي احتساب صناعة الدفاع الأميركية، فهذه الصناعة تربح من كون الولايات المتحدة هي شرطي العالم، وبائع السلاح إلى حلفائها. فأوروبا تشتري نصف عتادها العسكري، تقريباً، من المصانع الأميركية. وتعود الهيمنة بالفائدة، أخيراً، على قطاع المال، فعلى رغم العجز المزمن في الميزان التجاري بين الولايات المتحدة وبين الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، تجني الولايات المتحدة فوائض متواضعة من الخدمات المالية والخدمات إلى الشركات. والحق أن قوة الدولار، وهي ثمرة أدائه دور عملية احتياط عالمية، تضر بصادرات السلع المصنعة، ولكنها تعود بالنفع على الشركات، وعلى الرأسماليين الأميركيين وتيسر استثماراتهم خارج الولايات المتحدة.

اقرأ المزيد

والخاسرون من استراتيجية الهيمنة هم صناعيو قطاع الصناعة والبناء الخاص ونقاباته. ودفاع نيكسون وبيروت دفاعاً اقتصادياً وعسكرياً قومياً استمال إليهما أصحاب الشركات الصناعية التقليدية والطبقات العاملة، وكلا الفريقين يعارض العولمة النيوليبرالية. وهي حال ترمب اليوم. وهو يعامل حلفاء الولايات المتحدة معاملة الطفيليات، ويتهمهم باستغلال الولايات المتحدة، والمدخل إلى سوقها، وموازنتها العسكرية، لمصلحة صناعة بلدانهم. وفي الثاني من سبتمبر (أيلول) 1987، وترمب يومها مقاول عقاري نيويوركي، سدد 95 ألف دولار (266 ألفاً على سعر الصرف الحالي) ثمن نشر صفحة كاملة كتبها في صحف "نيويورك تايمز"، و"واشنطن بوست"، و"بوسطن غلوب". وجاء في إعلانه أن اليابان وبلداناً أخرى تستفيد، على حساب الولايات المتحدة، منذ عشرات السنين. ولاحظ ترمب أن نفط الخليج في حماية الولايات المتحدة، وهي تسدد ثمن هذه الحماية، بينما تستفيد منها بلدان أخرى فائدة حيوية. ولا يعود على الولايات المتحدة إلا بفائدة هامشية. ويخلص المعلن إلى أن العالم يسخر من القادة السياسيين الأميركيين الذين يتولون حماية سفن لا يملكها أميركيون، ومحملة بنفط لا يستهلكه هؤلاء، وينقل إلى حلفاء لن يتكلفوا أدنى مشقة عوناً لنا، وعليه آن أوان التخلص من أعباء العجز الثقيلة التي ينوء بها الاقتصاد الأميركي، وذلك بحمل البلدان الأخرى على تسديد ما عليها.

مفاوضان كبيران توليا منصب الرئاسة

في عام 2000، بينما كان يحاول عبثاً الاستيلاء على حزب "ريفورم"، وهو حزب صغير أسسه روس بيروت، تمهيداً للترشح إلى الانتخابات الرئاسية، نشر ترمب بيان الحملة، ووسمه بالعنوان التالي: أميركا التي نستحقها. وكتب في بند السياسة الخارجية: "ينبغي أن يعهد بإدارة السياسة الخارجية إلى رجل أعمال. فاثنان من كبار المفاوضين توليا تصريف شؤون هذه السياسة: فرانكلين روزفلت الذي أسهم في إخراجها من الحرب العالمية الثانية، وريتشارد نيكسون الذي بادر إلى محاورة الصين، وأجبر الروس على المفاوضة على أول إجراءات أدت إلى تقليص الأسلحة النووية. وتابع ترمب قائلاً: إن ميزان مبادلاتنا التجارية مع الصين يشكو خللاً حاداً، فالصين تبيعنا أربعة أضعاف ما تجيز لرعاياها شراءه منا في أسواقها، وعلينا إبداء التشكك في عقد اتفاقات مع الصين، وعلى الخصوص في مجال تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية والصواريخ، ففي مستطاع الصينيين أن يلحقوا ضرراً فادحاً في المصالح الأمنية الأميركية، إلا أن خبراء السياسة الخارجية يؤمنون إيماناً راسخاً، مهما صنعت الصين، بأن قادتها سيسلكون في نهاية المطاف طريق الصواب والعقل، وما علينا إلا استجابة رغباتها ومطاليبها في الانتظار.

في الـ27 من فبراير (شباط) 2025، صرح ترمب إلى صحافيين: أنشئ الاتحاد الأوروبي لأجل قنص الولايات المتحدة، هذا هو القصد من وراء الاتحاد الأوروبي، ولا شك في أنهم أحسنوا العمل، وبلغوا الغاية من مسعاهم. وقول ترمب هذا يردد ما سبق جون كونالي إلى قوله في عهد نيكسون، وإبان "صدمته"، حين خاطب فريقاً من الاقتصاديين الأميركيين بالقول: الأجانب يأتون إلينا من أجل قنصنا، ومهمتنا هي أن نقنصهم نحن أولاً.

ترمب وأسطورة الحدود

وفي مقابلة صحافية قريبة زمناً، شرح سكوت بيسنت، وزير ترمب، لماذا ترفض إدارته استراتيجية الهيمنة الأميركية، فقال تعوض الولايات المتحدة وحدها عجز النفقات العسكرية الذي تتكبده بلدان العالم الأخرى، وتنفق على هذا الباب ما تحجم الدول الأخرى عن إنفاقه في الدفاع عن نفسها. وإلى ذلك توفر الولايات المتحدة الأصول الاحتياطة، وتؤدي دور المستهلكين الأوائل والمستهلكين الثانويين الذين يشترون فوائض السلع والخدمات المعروضة حين يحجم الآخرون عن شرائها. وهذه الحال يستحيل دوامها.

وخلص ليند إلى أن كلفة أداء دور القوة العالمية المهيمنة، مع صعود الصين، وبعثرة موارد الثروة والسلطة خارج الولايات المتحدة وأوروبا، هذه الكلفة لا تنفك تتعاظم وأمست باهظة وثقيلة على الحمل. ويبدو أن ترمب يعود على بدء جمهوري.

المزيد من تحلیل