ملخص
الارتفاع الملحوظ في متوسط أعمار لم يكن وليد الصدفة، وفقاً لوزارة الصحة بل كان نتيجة حزمة من الإصلاحات والمبادرات الصحية، شملت تعزيز أنماط الحياة الصحية عبر حملات التوعية، وتشجيع النشاط البدني، ونشر ثقافة المشي، إضافة إلى إصلاحات غذائية مهمة
أعلنت وزارة الصحة السعودية تزامناً مع يوم الصحة العالمي، عن ارتفاع متوسط عمر لسكان المملكة من 74 سنة عام 2016 إلى 78.8 سنة عام 2024، مسجلة بذلك واحدة من أسرع القفزات الصحية في المنطقة، ضمن مستهدفات برنامج تحول القطاع الصحي، إحدى ركائز رؤية السعودية 2030، الساعية إلى بناء "مجتمع حيوي" واستدامة صحية عالية.
هذا الارتفاع الملحوظ في الأعمار لم يكن وليد الصدفة، وفقاً لوزارة الصحة بل كان نتيجة حزمة من الإصلاحات والمبادرات الصحية التي نفذتها وزارة الصحة بالتعاون مع جهات حكومية متعددة، شملت تعزيز أنماط الحياة الصحية عبر حملات التوعية، وتشجيع النشاط البدني، ونشر ثقافة المشي، إضافة إلى إصلاحات غذائية مهمة كإيقاف استخدام الزيوت المهدرجة، وخفض نسب الملح في الأغذية، والإلزام بالإفصاح عن السعرات الحرارية في المنتجات والمطاعم. كما توسعت الوزارة في برامج الفحص المبكر للأمراض المزمنة والأورام، وأسهمت هذه الجهود مجتمعة في تحسين الصحة العامة وتقليل معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة.
"برنامج جودة الحياة" ودوره المحوري
في السياق ذاته، أظهر التقرير السنوي لرؤية المملكة لعام 2023 أن "برنامج جودة الحياة"، أحد برامج الرؤية، حقق تقدماً ملموساً على مختلف المستويات. إذ بلغت نسبة البالغين الذين يمارسون النشاط البدني لمدة 150 دقيقة أسبوعياً نحو 62.3 في المئة، متجاوزة المستهدف البالغ 51 في المئة. كما ارتفعت نسبة رضا المرضى المنومين عن الخدمات الصحية إلى 87.45 في المئة، مقابل مستهدف 80.2 في المئة.وبلغت نسبة تغطية الخدمات الصحية للمناطق نحو 96.4 في المئة، فيما وصلت جاهزية المناطق لمواجهة الأخطار إلى 90 في المئة، وسجل متوسط العمر المتوقع عام 2023 مستوى 78.1 سنة، في طريقه لتحقيق الهدف الاستراتيجي بالوصول إلى 80 سنة بحلول 2030.
التحول الصحي والاستثمار في القطاع
وفي ملتقى الصحة العالمي بالرياض أخيراً، شدد وزير الصحة فهد الجلاجل على أهمية التحول الصحي، مشيراً إلى اعتراف منظمة الصحة العالمية بخلو المنتجات الغذائية في المملكة من الدهون المتحولة، لتصبح السعودية في طليعة الدول عالمياً في هذا المجال. كما أشار إلى أن المملكة، ممثلة بهيئة الغذاء والدواء، أصبحت أول دولة في الإقليم تصل إلى "مستوى النضج الرابع" في تنظيم الأدوية واللقاحات، وهو أعلى تصنيف معتمد من منظمة الصحة العالمية.
وأكد الجلاجل كذلك نمو الاستثمارات في القطاع الصحي، لافتاً إلى أن الرياض أصبحت الأعلى إقليمياً من حيث استثمارات الرعاية الصحية، مما يجعل القطاع الصحي من بين الأسرع نمواً في السوق السعودية. كما توسعت برامج "البورد السعودي" إلى 170 برنامجاً صحياً، مع اعتماد أكثر من 3 آلاف ممارس دولي.
التحديات المرافقة لارتفاع متوسط الأعمار
ورغم الأهمية الكبيرة لارتفاع متوسط الأعمار واعتباره مؤشراً إلى التقدم الصحي والاجتماعي، فإن هذا التقدم يفرض تحديات استراتيجية أمام المملكة وغيرها من الدول التي تسعى إلى الارتقاء في مؤشرات التنمية البشرية. ومن أبرز هذه التحديات، مثل زيادة الضغط على الأنظمة الصحية والتأمينية، مع ارتفاع نسبة كبار السن في المجتمع، مما يتطلب استحداث برامج رعاية طويلة الأجل. وكذلك تنامي الحاجة إلى خدمات التمريض والرعاية المنزلية، وتوسيع قاعدة الكوادر المؤهلة. إلى جانب ارتفاع كلفة الرعاية الصحية المستدامة، وضرورة تطوير نماذج تمويل مرنة لتلبية الطلب المتزايد.
ومن تلك التحديات وفق المؤشرات الدولية الجانب المتعلق بسوق العمل والتقاعد، مع الحاجة إلى سياسات توازن بين فرص الشباب ومتطلبات كبار السن. فضلاً عن الوقاية من أمراض الشيخوخة مثل ألزهايمر وأمراض القلب والسكري، التي تزداد شيوعاً مع التقدم في العمر.لكن رغم ذلك يمثل ارتفاع متوسط العمر في السعودية خطوة لافتة في تحقيق إحدى مؤشرات رؤية المملكة 2030 في إعادة تشكيل المنظومة الصحية والمجتمعية، لكنه في الوقت نفسه يتطلب استراتيجية شاملة للتعامل مع التحديات المستقبلية المرتبطة بتغير البنية السكانية وحاجاتها المتنامية.