Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

إسرائيل تبدأ بشق طرق وأنفاق مخصصة للفلسطينيين فقط

يجعلهم مجبرين على سلوك مسار واحد تحت الأرض بين رام الله في شمال الضفة وبيت لحم في جنوبها

نفق "نسيج الحياة "يقطع الطريق أمام الفلسطينيين نحو حلم الدولة المستقلة (اندبندنت عربية)

ملخص

-البدء بتنفيذ ما يسمى "طريق نسيج الحياة" وبناء نفقٍ يجبر الفلسطينيين على سلوك طريق واحد تحت الأرض، بين رام الله في شمال الضفة وبيت لحم في جنوبها، وتحويله إلى طريق خاص بالفلسطينيين فقط، بحيث يُمنَعون نهائياً من استعمال الطريق رقم "1"

-"الرؤية الإسرائيلية للدولة الفلسطينية باتت تركز على خلق تجمعات فلسطينية صغيرة مربوطة بين بعضها البعض عن طريق الأنفاق، وهو الأمر الذي سيجعل قطع الطريق بين شمال الضفة وجنوبها أمراً سهلاً لا يستدعي أكثر من حاجزٍ عسكري واحد".

على رغم الازدحام المروري على الطريق السريع رقم "1"  الذي يمتد من مناطق شرق القدس وصولاً إلى حيفا على سواحل البحر الأبيض، لا تشعر سراج الصالح (35 سنة) بالضجر، فالمناظر الطبيعية الخلابة للسهول والجبال وما تحتضنه الوديان من أشجار وأزهار، التي تناظرها طيلة الطريق التي تستغرق نحو ساعتين، تخفف عنها عذاب الانتظار وضغط المركبات على الحواجز العسكرية التي تخضع الفلسطينيين للتفتيش. إلا أن هذا الطريق لن يعود متاحاً بعد الآن، إذ قررت الحكومة الإسرائيلية، وفي إطار مساعيها إلى فرض واقعٍ جديد في القدس، وتجاهل القرارات والمواثيق الدولية التي تصنف التوسع الاستيطاني ضمن انتهاكات القانون الدولي، البدء بتنفيذ ما يسمى "طريق نسيج الحياة" وبناء نفقٍ يجبر الفلسطينيين على سلوك طريق واحد تحت الأرض، بين رام الله في شمال الضفة وبيت لحم في جنوبها، وتحويله إلى طريق خاص بالفلسطينيين فقط، بحيث يُمنَعون نهائياً من استعمال الطريق رقم "1" الذي يمتد من وسط مدينة القدس ويخترق الأحياء العربية في المدينة، ثم يمر أمام مداخل مستوطنة "معاليه أدوميم" في طريقه إلى أريحا، والذي كان يضطرون لاستعمال جزء من هذا الطريق المخصص للمستوطنين للتنقل بين شمال الضفة الغربية وجنوبها.

وفقاً لأحدث تقرير أصدره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، تسيطر إسرائيل على أكثر من 85 في المئة من الأرض في فلسطين التاريخية، حيث بلغ عدد المواقع الاستيطانية والقواعد العسكرية الإسرائيلية في نهاية العام الماضي بالضفة الغربية، 551 موقعاً، تتوزع بواقع 151 مستوطنة و256 بؤرة استعمارية، منها 29 بؤرة مأهولة تم اعتبارها كأحياء تابعة لمستوطنات قائمة، و144 موقعاً مصنفاً أخرى، وتشمل مناطق صناعية وسياحية وخدمية ومعسكرات للجيش. وأفاد التقرير الذي صدر الشهر الماضي بأن عام 2024 شهد زيادة كبيرة في وتيرة بناء المستوطنات وتوسعها، إذ صادقت السلطات الإسرائيلية على العديد من المخططات الهيكلية لبناء أكثر من 13 ألف وحدة استيطانية في جميع أنحاء الضفة بما فيها القدس، من خلال الاستيلاء على نحو 12 مليون متر مربع من الأراضي.

نفق واحد

ووفق الخرائط التي نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية، فإن الإعلان الأخير لبناء الطريق المخصص للفلسطينيين فقط سيزيد من حدود بلدية القدس ليضيف إليها 3 في المئة من أراضي الضفة الغربية، بحيث يجري ضمها بصورة رسمية إلى إسرائيل في أكبر عملية ضم فعلي في تاريخ الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ عام 1967 لأراضي المناطق الواقعة خارج حدود بلدية القدس من جهة الشرق، إذ إن عملية شقِّ النفق بين بلدتي العيزرية والزعيم شرق القدس تمهد لضم مستوطنة "معاليه أدوميم" للمدينة، ومنع الفلسطينيين من المرور بجانبها، ما يعني قطع الطريق بين مدن بيت لحم والخليل بأريحا. وبالتالي تصبح شبكات الطرق الكبيرة التي تصل مستوطنات شرق القدس كلها واحدة تخصُّ المستوطنين وحدهم لا يشاركهم فيها الفلسطينيون بأي شكل. وهو ما يسهل تدريجياً وفق خبراء، الربط بين تكتل "غوش عتصيون" الذي يضم 14 مستوطنة في الجنوب الغربي من القدس ويعيش فيها نحو 80 ألف مستوطن، وكتلة "معاليه أدوميم" التي تضم 8 مستوطنات تمتد من شرق القدس وحتى غور الأردن ويعيش فيها 50 ألفاً، إضافة إلى كتلة "جفعات زئيف" التي تضم 5 مستوطنات وتقع في الجزء الشمالي الغربي من القدس، ويعيش فيها 15 ألفاً. كما أن استحداث الطريق خلال مرحلة البناء، سيقطع التواصل بين 25 تجمعاً بدوياً تقع في برية القدس وبين بلدات العيزرية وأبو ديس وحزما التي يعتمدون عليها في التواصل والخدمات، مما سيسهل على السلطات الإسرائيلية إخلاء الخان الأحمر وجبل البابا ووادي جمل وغيرها من التجمعات البدوية في برية القدس، خصوصاً بعد أن سحبت الحكومة الإسرائيلية في يونيو (حزيران) من العام الماضي صلاحيات البناء والتنظيم في برية القدس التي تبلغ مساحتها نحو 3 في المئة من مساحة المناطق المصنفة "ب" في الضفة الغربية، من السلطة الفلسطينية إلى إدارة الشؤون المدنية التابعة للجيش.

ويرى مدير الأراضي والخرائط في مركز الدراسات العربية في القدس خليل التفكجي، أن ضم التكتلات الاستيطانية الثلاثة، سيوسع المخطط المعروف بـ "القدس الكبرى" الذي طرحته إسرائيل عام 1995، من 126 كيلومتراً مربعاً بما يعادل 1.2 في المئة من مساحة الضفة، إلى مساحة تزيد على 600 كيلومتر مربع بما يعادل 10 في المئة من مساحة الضفة، بعدما كانت حدود مدينة القدس إبان الحكم الأردني لا تتجاوز 6.5 كيلومتر مربع. وأضاف "الرؤية الإسرائيلية للدولة الفلسطينية باتت تركز على خلق تجمعات فلسطينية صغيرة مربوطة بين بعضها البعض عن طريق الأنفاق، وهو الأمر الذي سيجعل قطع الطريق بين شمال الضفة وجنوبها أمراً سهلاً لا يستدعي أكثر من حاجزٍ عسكري واحد".

لحظة تاريخية

مقترح الطرق الذي قدمه وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، كان يجري التخطيط له منذ أعوام، لكنه تأخر مراراً وتكراراً بسبب المعارضة السياسية عليه، غير أن كاتس أجرى مشاورات عدة مع مسؤولي الدفاع والأمن قبل عرض الأمر على مجلس الوزراء الذي وافق على تنفيذه من خلال الصندوق الفلسطيني للإدارة المدنية، الذي يجمع أموالاً من الفلسطينيين تخصص للخدمات في الأراضي الفلسطينية. ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة المشروع نحو 91 مليون دولار، ويشمل شق طريقين رئيسيين. الأول يربط بين قريتي العيزرية والزعيم (شرق القدس) والمخصص لحركة المركبات الفلسطينية من دون المرور داخل كتلة "معالي أدوميم" الاستيطانية. أما الثاني فيتعلق بتخطيط ما يُعرف بـ "الطريق البديل 80"، وهو مسار التفافي جديد شرق مستوطنة "معالي أدوميم" سيربط بين بلدة العيزرية وبين المنطقة الواقعة قرب قرية خان الأحمر إلى الشرق من مدينة القدس. وبحسب ما ورد في بيان رئاسة الحكومة الإسرائيلية، فقد جاء قرار المصادقة على المخطط بناء على توصيات أمنية اعتبرت أن "الظروف الأمنية التي نشأت خلال الحرب على غزة تستدعي شق هذه الطرق"، في إشارة إلى عملية إطلاق النار التي نفذها 3 فلسطينيين في محيط حاجز الزعَيّم شرق القدس العام الماضي، وأدت إلى مقتل جندي إسرائيلي وإصابة 8 آخرين.

وبحسب ما جاء في صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" الإسرائيلية، فقد أشاد مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالمخطط الذي صُودِق عليه، وقال إن "هذه الخطوة ستقلل من الازدحام بين القدس ومعاليه أدوميم، وتعزز البناء الإسرائيلي في منطقة E1 شمال شرقي القدس". في حين وصف رئيس بلدية "معاليه أدوميم" غاي يفراح، القرار بأنه "لحظة تاريخية". وأضاف "هذا القرار ينهي 25 عاماً من الانتظار وسيحسن بصورة كبيرة الأمن ويقلل من الازدحام المروري لسكان المستوطنة والمناطق المحيطة بها". في المقابل، دانت حركة "سلام الآن" اليسارية الحقوقية القرار واصفة إياه بـ "طريق فصل عنصري، سيقسم الضفة الغربية ويمنع وصول الفلسطينيين إلى مناطق واسعة". وقالت في بيان: "لا علاقة لهذا بتحسين المواصلات الفلسطينية، بل يتعلق بتمكين ضم ما يقرب من 3 في المئة من الضفة الغربية، مع تمويله بأموال تجمع من خلال سيطرة إسرائيل على الأراضي، وهي أموال مخصصة قانوناً لتلبية حاجات الفلسطينيين". وتابعت "هذا خبر سيئ للغاية لإسرائيل، وقد ينذر بنهاية أي حل قائم على دولتين قابل للتطبيق". من جهته حذر الباحث المتخصص بشؤون الضفة الغربية عدي جعّار، من أن قرار شق الطرق والأنفاق وضم مستوطنة "معاليه أدوميم" ومحيطها لحدود بلدية القدس يعني مصادرة ما يزيد على 12 مليون متر مربع من الأراضي، وتهجير من يسكن في محيطها، الأمر الذي سيؤدي بحسب تقديره، إلى تقليل نسبة الفلسطينيين في القدس لتصل إلى 15 في المئة".

تعديلات كبرى

مع اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000 ظهر مفهوم "طرق الفصل العنصري" التي عززت الفصل المادي والديمغرافي بين المستوطنات الإسرائيلية والتجمعات والمدن الفلسطينية، وأدت إلى ترسيخ واقع جغرافي وسياسي يخدم مشروع الضم. إذ إن زيادة عدد المستوطنين في الضفة الغربية الذي ارتفع خلال العقدين الأخيرين من 198 ألف مستوطن إلى 519 ألفاً، دفع باتجاه تعديلات كبرى على شبكة الطرق، إما من خلال بناء طرق التفافية تربط المستوطنات ببعضها البعض، أو عبر تشييد أخرى لتسهيل دخول المستوطنين إلى إسرائيل من دون الدخول إلى طرق المدن والبلدات الفلسطينية. ووفقاً لتصنيف نشرته منظمة "بتسليم" اليسارية الحقوقية في وقت سابق، فإن الطرق بالضفة الغربية تنقسم إلى ثلاث فئات مما أسمتها "شوارع الأبارتهايد"، الأولى طرق يُمنع على الفلسطينيين المرور خلالها بشكل كامل، وطرق يسمح للفلسطينيين بالمرور عليها فقط إذا كانوا يحملون تصاريح خاصة، وطرق لا يمكن للفلسطينيين استخدامها إلا في بعض الحالات الخاصة، مثل اجتياز نقاط التفتيش العسكرية. 

ومنذ تولي عمل الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، تشهد مشاريع شق الطرق الاستيطانية والاستثمار بالبنى التحتية في الضفة تسارعاً غير مسبوق، فقد تم تخصيص نحو 3.6 مليار شيكل (973 مليون دولار) لشوارع المستوطنات، إضافة إلى تطوير خطة خمسية (2023-2027) لرفع عدد المستوطنين إلى مليون مستوطن في العقد المقبل، عبر تطوير البنى التحتية للاستيطان بما يشمل المياه والكهرباء والإنترنت والبنى التحتية المطلوبة. ويرى باحثون وخبراء أن إسرائيل خلال الأعوام الأخيرة تدمج البنية التحتية للمستوطنات ضمن الشبكة الوطنية الإسرائيلية، بقصد إزالة "الخط الأخضر" وكل ما قد يحوّل المستوطنات إلى جيوب ما وراء الخط. في المقابل تسعى عبر شبكة الطرق والأنفاق الجديدة إلى تعميق الانفصال الجغرافي بين المدن والمناطق الفلسطينية في ما بينها، وفصل الاحتكاك قدر الإمكان بين الفلسطينيين والمستوطنين.

المزيد من تقارير