ملخص
يسعى جيل جديد من المبتكرين في الطاقة المتجددة إلى تغيير النظرة إليها والانتقال من اعتبارها وسيلة لتقليص الإنفاق إلى التفكير فيها كمصدر محتمل للدخل.
ماذا لو لم تكتف الألواح الشمسية بخفض فواتيرك في الطاقة، بل أعطتك أموالاً بالفعل؟ ولقد لمحت تلك الصورة عن المستقبل خلال هذا الأسبوع في "منتدى الطاقة الجديدة" ببلدة "نارابري" الأسترالية النائية التي تشتهر بالزراعة واستخراج الفحم. وجمع المنتدى حفنة من أكثر المبتكرين الاستثنائيين في مجال الطاقة الشمسية الذين التقيتهم منذ سنوات.
ويندرج مايكل هونغ ضمن تلك الثلة المبتكرة. إنه مهندس شاب تتملكه فكرة كبرى تتلخص في السؤال عن إمكان ألا تقتصر الفائدة من الألواح الشمسية المثبتة فوق سطح منزلك على تزويدك بالطاقة، بل تعمل على تسخيرها لمصلحتك، بمعنى أن تتحول إلى ما يشبه محطة صغيرة لتوليد الطاقة، مما يتيح توليد أرباح لك من تجارة الطاقة.
ويعمل مايكل في شركة متخصصة بالتقنيات النظيفة تسمى "إنيرغوس" Energus، التي تعتبر من الشركات الريادية على مستوى بريطانيا، في تثبيت الألواح الطاقة الشمسية. وفي المقابل، أضافت الشركة بعداً آخر إلى عملها بأن عمدت إلى المزاوجة بين البطاريات والألواح الشمسية، وأضافت إليهما أنظمة مزودة بالذكاء الاصطناعي تتولى إدارة الطاقة، فلا تكتفي بتتبع حاجاتك من الطاقة، بل ترصد حركة سوق الكهرباء كي تبيع الطاقة الفائضة عندك وتتحين أفضل الأوقات لإتمام ذلك.
وتملك تلك المزاوجة قدرة كامنة في إحداث خفض وازن في كلف نظام الطاقة الشمسية. وإذا لاحت ظروف مناسبة ضمن سوق الطاقة، فإنها ستحول ما تنتجه منها إلى فرصة لممارسة عمل مُجزٍ على المديين القصير والمتوسط.
وأثناء هذا الأسبوع قابلت مايكل فشرح لي كيفية عمل ذلك النموذج، مبيناً أنه وضع بالفعل قيد الاستعمال، وعاد بأرباح على مزارعين ومصانع للمنتجات الزراعية وحتى بعض النزل الصغيرة [موتيلات] المشادة قرب الطرق السريعة، بل إنه خفض كلفة فترات التزود بالطاقة الكهربائية التقليدية إلى النصف أحياناً. وبوصفه عملاً تجارياً صغيراً، فسيكون من شأنه تغيير الأخطار والكلف المترتبة على تثبيت ألواح الطاقة الشمسية، بل قد يولد مبيعات في الطاقة خلال سنوات قليلة. ويحدث ذلك بفضل تولي نظام الذكاء الاصطناعي العمل باستمرار على بيع الطاقة إلى شبكة الكهرباء التقليدية في الأوقات الأكثر ملاءمة للحصول على الربح.
ويعد مايكل أحد المبتكرين ممن يسعون إلى توسيع أطر قدراتنا في إنتاج الطاقة من الألواح الشمسية التي ركبناها على أسطح منازلنا. وفي هذا الأسبوع، ضمن معرض "بي بوزيتف" BePositive بمدينة ليون الفرنسية، عرضت شركة "إيميون إنرجي" Imeon، تكنولوجيا مشابهة [للنظام المركب الذي صنعته "إنيرغوس" البريطانية]. ويعني ذلك أن تلك التكنولوجيا الفرنسية تساعدك في تتبع حاجاتك من الطاقة على المستوى المنزلي، ثم تحول نظام البطاريات الشمسية لديك إلى نظام ذكي يمد بيتك بالكهرباء.
وفي المقابل، يعتقد مايكل أن الوقت قد حان لتوسيع حدود مفاهيمنا الحاضرة عن الطاقات المتجددة، فننتقل من اعتبارها أداة لخفض الكلف إلى وسيلة تبدو محملة بفرص الحصول على مردود مالي. وبحسب ما نقله لي، "يجب علينا الانتقال من النظر إلى الألواح الشمسية كطريقة لخفض الكلف، وأن نبدأ باعتبارها فرصة للربح".
وقد دفعتني تلك الكلمات بالفعل إلى التأمل والتفكير في الوضعية الحاضرة للنقاش الذي يدور عالمياً في شأن الطاقة. ولقد بين محللون أن أنظمة الطاقة النظيفة من شأنها أن تخفض الكلف على الأسر البريطانية، وفواتير الأدوية في أميركا، وحتى فواتير الغاز والبترول في أستراليا. ولكن، لن يحدث ذلك بين ليلة وضحاها، بالتالي، صار من الملح إثارة نقاش عام عن ذلك الأمر، لأن المقترعين في كل مكان يريدون رؤية انخفاض في الأسعار، الآن، وليس فيما بعد.
وقد عبرت تلك الرغبة عن نفسها في استطلاع للرأي أجراه موقع "يوغوف" بداية من يناير (كانون الثاني) 2025، وأظهر أن نصف الأسر البريطانية تتوقع أن تلجأ إلى تقنين استعمالها للطاقة خلال العام الحالي، فيما أعرب ثلثاها عن القلق حيال طريقة الحكومة في التعامل مع أزمة كلف المعيشة.
وعلى نحو غير مفاجئ، يصل ذلك القلق إلى ذروته في أوساط جمهور المقترعين لمصلحة حزب "ريفورم" اليميني [يقوده الزعيم اليميني المتشدد نايجل فاراج، ويدعو إلى الابتعاد عن أوروبا والاقتراب من نهج ترمب]. وفي المقابل، حفز انعدام اليقين بين شرائح واسعة من الجمهور النائبة المحافظة كيمي بادينوخ إلى تقديم صورة زائفة عن الطاقة المتجددة، فجعلت من الأخير كبش محرقة لتبرير الزيادات في أسعار الطاقة المدفوعة بارتفاع سعر الغاز، وهي سياسة أشرف عليها حزبها بالذات. وقد ترددت أصداء تلك الصورة الكاذبة في المقاطعات المعتمدة على المزارع بصورة خاصة. وتوصلني تلك المعطيات إلى الحديث عن توني إيندر.
وينتمي إيندر إلى الجيل السادس من مربي الخراف، ويذكرني بجدي. ويرجع ذلك إلى أنهما كليهما لم يكملا التعليم الثانوي، لكنهما يحوزان جاذبية تتأتى من حماستهما للعمل الشاق. وقبل سنوات قليلة، مر توني بسيارته قرب إحدى أضخم مزارع الطاقة الشمسية في أستراليا، ولاحظ أن العشب الأخضر نبت في المساحات التي تفصل الألواح الشمسية، على رغم فترة الجفاف آنذاك.
وأورد أنه ذهب إلى مشغلي الألواح الشمسية وقال لهم "أنا أملك الخراف، وأنتم لديكم العشب". وسرعان ما توصل إلى صفقة مع أولئك المشغلين تقضي بالسماح للخراف بالاستفادة من الأعشاب، طالما "تشذب" الأخيرة العشب.
وحاضراً، يدير توني قطيعاً من ثلاثة آلاف خروف ترعى بين ألواح مزرعة شمسية ضخمة تتولى تزويد 120 ألف أسرة بالكهرباء. وتُبقي الخراف العشب قصيراً (ما يوفر على المزرعة إنفاق 200 ألف جنيه استرليني هي كلف جزِّه)، فيما تحصل خراف توني على الظلال والعشب الطري ومساحة كبيرة من المرعى. ويقسم توني بأن أصوافها صارت أفضل ما رآه في حياته، بما في ذلك زيادة مقدراها 20 في المئة في قوة نسيجها، تبدت أثناء آخر المرات التي جز فيها توني أصواف خرفانه. وأضاف أن "الخراف في حال جيدة بالفعل. وأحب القول إن خراف الألواح الشمسية هي حيوانات سعيدة".
ولا يقتصر الأمر على كون ذلك صفقة ذكية. فهي نموذج يحتذى. ويعترف توني بأن البداية لم تكن سهلة. ويضيف أحب أن أعتبر نفسي شبيهاً بالمكتشفين الأوائل. ووفق ما تعرف، يعني ذلك أنني أتبنى بيئة جديدة وأحاول أن أرتقي بمستوى المزارعة".
ويختلف توني عن مايكل إلى أقصى الحدود، فأحدهما من المدرسة القديمة، والآخر ينتمي إلى التكنولوجيا المتقدمة. ويعمل كلاهما على إيجاد طرق لاستعمال الطاقة الشمسية في توليد الطاقة، مع تحقيق أرباح ومكاسب ضمن ذلك السياق. بالتالي، يؤشر كلاهما إلى مستقبل مختلف في مجال الطاقة، لا يرتكز إلى التضحية الأخلاقية [أي تقديم تنازلات مقابل انتظار النتائج الإيجابية للطاقة المتجددة]، بل يستند إلى الابتكار واقتناص الفرص.
وقد أقنعني كلاهما أن حتى في خضم أزمة كلف المعيشة، نستطيع أن نقدم على الحديث عن إمكان الربح وليس أسعار الطاقة، والانتقال من الكلام عن الأخطار إلى إحراز مكاسب وجوائز. ويرجع ذلك إلى أنه في بعض الأحيان، لا تتمثل الطريقة الأفضل في تحفيز اهتمام الناس بالمستقبل، بالاكتفاء بالكلام عن التوفير، بل بإظهار أنهم قد يستطيعون إحراز ربح.
© The Independent