Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

الخرافة تواجه الواقع في قصص "حواجز خشبية"

شوقي عقل يصور أحوال البؤس والاغتراب في مصر

مشهد مصري بريشة مصطفى رحمة (صفحة الرسام - فيسبوك)

ملخص

في المجموعة القصصية الصادرة حديثاً للكاتب المصري شوقي عقل بعنوان "حواجز خشبية" تبرز ظواهر الاستلاب والوحدة والفقد والغياب بصفتها تيمات رئيسة تدور حولها القصص.

لعل تيمات الاغتراب والوحدة والفقدان في قصص "حواجز خشبية" (دار الأدهم)، تعود إلى انتساب غالب شخصيات المجموعة إلى الطبقة المتوسطة التي تخشى الوقوع تحت طائلة الفقر من دون أمل في ترقيها الاجتماعي إلى طبقة أعلى. والغريب أننا نلاحظ في بعض القصص أن لعنة النبذ المسببة لهذا الاغتراب تلازم بعض الشخصيات السردية منذ ولادتها من دون أن ترتكب – بداهة - أي ذنب، ففي قصة "بداية التكوين"، "لم تنظر المرأة الحزينة صوب الرضيعة الباكية التي كانت تبحث عن ثدييها"، لا لشيء إلا لأن والد هذه الرضيعة قد مات قبل ولادتها بثلاثة أيام، فنظر الجميع إليها كما لو كانت سبباً في ذلك، فسموها "آسيا"، بمعنى قاسية.

وظلت هذه اللعنة تطاردها حتى أصبحت شابة، مما دفعها إلى الاستسلام لرغبات ابن عمها، وعندما تفرض الأم عليها رجلاً من أقاربها تهرب إلى القاهرة، وهناك تحب رجلاً خمسينياً تعيش معه، وتنفتح أمامها بداية حياة جديدة، بعدما كان كل ما سبق أشبه بالموت، ويعبر الكاتب عن ذلك من خلال الحديث عن شجرة جعلها معادلاً موضوعياً لها، تقول لـ "مدحت"، هذا الرجل الخمسيني: "عارف الشجرة اللي قلت لي إمبارح إنك حتقطعها علشان ماتت؟ النهارده الصبح لقيت فيها ورقة خضرا صغيرة جداً مستخبية، يعني الشجرة لسه عايشة"، ويتفقان على أن يسميا الشجرة "آسيا"، تمر القصة بمراحل عمرية متعاقبة قائمة على بنية زمنية متصاعدة متنامية وتتسم بكثرة الأحداث مما يؤهلها للتحويل إلى رواية.

هذه المعاناة نفسها نجدها في قصة "ظلال" التي تعبر عن إحساس صبي يتيم الأم، ورغبته في رؤية أمه حين يقول لصديقه "حسن": "هترجع لما أكون عايزها"، ولا يجد وسيلة سوى انتظار "صندوق الدنيا" الذي سيريه - كما قال صاحب الصندوق له - ما يحبه، وعندما ينظر في عدسة الصندوق يراها ويسمع صوتها تنادي عليه ليصعد إلى البيت، تماماً كما تفعل أمهات أصدقائه، وهنا يتحول الخيال إلى واقع "أخذ يقص عليها كل شيء حدث منذ أن غابت، غسلت وجهه وهو ما زال يقص، كانت تستمع إليه مبتسمة"، هذه اللحظات المختلسة تدفعه إلى أن يسألها: "هل ستعودين ثانية؟".

لبنان البعيد

تدور أحداث قصة "من غير حبك" في الإسكندرية التي سافر إليها البطل من القاهرة لإنجاز بعض المعاملات المالية مع "الخواجة إلياس"، ويعرف أن زوجته من لبنان التي أقام فيها فترة فيتذكر الجميع في أسى واضح: بيروت والجبل وبكفيا وضهور الشوير ومار عبده، وعندما تأتي سيرة لبنان تحضر فيروز التي تبكي زوجة "إلياس" من سماع أغانيها التي تحمل رائحة لبنان البعيد الذي فقدته، وبعد أشجان الذكريات هنا، نجد في قصة "وردة بيضاء" - الآلام الحسية التي تتعرض لها الزوجة التي ظلت سجينة شقتها شهرين لا يراها أحد ولا ترى أحداً، وعندما تسأل زوجة السارد أم هذه المعذبة تقول إن زوجها "يضربها منذ ليلتهما الأولى، يضربها دائماً لأي سبب وأحياناً من دون سبب، إنها خائفة أن تموت بين يديه"، وبالفعل تموت الفتاة بين يدي زوجها من شدة الضرب.

إن أهم ما يعني السارد في هذه القصة هو تصوير القهر، سواء كان قهر الزوج لزوجته أو قهر الفقر الذي يطاول الأسرة كلها، من دون أن نعرف سبباً لهذا القهر حتى ينتهي الأمر بالموت. وتقدم قصة "حبابة" حالة غريبة عن زوجين حرما من الإنجاب بسبب عجز الزوج، لكن الزوجة - التي أصبحت أماً للجميع في رعايتها أبناء أقاربها وصديقاتها - لم ترغب في الانفصال عن زوجها، والغريب - حقاً - أن الرغبة في هذا الانفصال تأتي من الزوج بمجرد أن تعرض عليه أخته أن يتزوج لعله يستطيع الإنجاب، وما كان من زوجته إلا أن "لزمت بيت أبيها ورفضت أن تغادره". وتتبدى تيمة القهر في مستويات عدة، منها علاقة السيد الاستشاري بالمهندس الصغير في قصة "المشروع"، حين يفرض الأول على الثاني ارتكاب خطأ مهني، وفي قصة "حواجز خشبية"، يعرض الكاتب للفقر الذي يدفع امرأة إلى البغاء، لكنه يلمس جانباً آخر وهو رغبتها في أن تعيش حياة طبيعية، فتقول لمن أحبته: "عاوزه أخرج معاك، نتمشى على الكوبري، عندي لبس واسع، وهاغطي شعري، مش حتتكسف مني"، لكنه يندفع نحو الباب ويخرج مسرعاً.

محاولات محبطة

هذا الواقع المأسوي الذي عرضت له، لا بد من أن يفضي إلى محاولات الخروج عليه، لكننا نفاجأ – دائماً - بكونها محاولات محبطة لا تمكن الشخصيات من تحقيق أدنى رغباتها، فيحاول البعض السفر، كما في قصة "أغاني غربة"، مثل "إبراهيم السيد"، ذلك الرجل العجوز الذي يموت من الإجهاد والعمل المضني قبل أن يتقاضى ما يسدد ديونه.

اقرأ المزيد

هذه المعاني تقريباً نجدها في قصة "الصندوق" مع هذا العامل الذي يسافر إلى الكويت ولا يمضي شهران حتى يغزوها صدام حسين، ولا يدري هذا العامل البسيط ماذا جاء بالحرب للكويت، ويتساءل: "هي إسرائيل مالها ومال الكويت؟"، حتى يعرف حقيقة ما حدث، فيقول "حرب ووقف حال وما زال الدين لم يسدد"، وإذا كانت أحلام الثراء مجهضة فإن أحلام الحب تنتهي - هي الأخرى - بالفقد، ففي قصة "زهرة" يتعلق المصري المغترب في باريس بممرضة جزائرية لكنها تختفي فجأة من دون أن يعرف عنها شيئاً، يقول: "انتظرت حضورها في نوبة المساء التالية، لكنها لم تأت، سألت عنها، فقالت زميلتها إنها في إجازة مدة أسبوع، سألتها إن كانت تستطيع إعطائي رقم هاتفها، صمتت ولم ترد، لم أرها بعدها". والحياة - كما يقول السارد في قصة "اختلاجة" - هي مجرد رحلة ستنتهي حتماً، ففي إحدى رحلاته بالقطار يصرح بأنها ربما تكون رحلته الأخيرة، ويبدو الكلام في ظاهره عن القطار لكنه في الحقيقة حديث عن رحلة العمر ذاته، وهي رحلة تنتهي بالموت كما لاحظنا سابقاً أو بمحاولة الانتحار.

في انتظار الغائب

ففي قصة "الدائرة البيضاء" يحكي السارد عن ذلك الرجل الموغل بقاربه في البحر منتظراً "الموجة الكبيرة التي قد تحرره من صخور القاع، أو تحرره من كل شيء حين تعلو القارب وتملأه بالمياه وتقذف به إلى الأعماق"، لكن "الموجة الكبيرة لم تأت بعد"، وهكذا يظل منتظراً هذا الموت الذي يخلصه من أعباء الحياة، وهذا ما يتحقق مع شخص آخر يعاني الفقر في قصة "كيلو بصل" حين يعطي صاحب محل الخضراوات 10 جنيهات طالباً ثلاثة كيلوات من البصل فيطلب الخضري 100 جنيه أخرى، فيتعاركان، وأثناء هذا تأتي سيارة لتصدمه وتنهي حياته.

حال التمرد هنا تنتهي بالموت، وفي قصة "ضبع يا ضبع" تنتهي بالسجن حين يعترض بطلها على اعتداء رجال الشرطة على بائعة فقيرة، فتهم بـ"الاعتداء على موظفين عموميين في أثناء أداء عملهم"، إضافة إلى ما سبق يحتل السحر حيزاً كبيراً في تلك المجموعة، فحين تسأل الأم - في قصة "صيف حزين" - ابنها لماذا لم يختر أياً من البنات اللاتي تضعهن في طريقه، يرد جاداً بأنه متزوج وزوجته تقيم معه في غرفته، ولكن لا أحد يستطيع رؤيتها سواه، تصاب الأم بالذعر وتدرك أن ابنها "مخاوي" وتبدأ في البحث عن شيخ يعالجه، ومع الوقت يؤمن الجميع بكرامات هذا الابن ويذهبون إليه ليحل لهم مشكلاتهم "ظلوا يأتون وينتظرون أن يخرج إليهم، ويتبركون بقطع من ملابسه يلقيها إليهم، حتى أتى اليوم الذي لم يعد فيه الشيخ يخرج إليهم، فيقول قائل: إن الشيخ غاب ولن يعود"، لكنهم للمفارقة ظلوا موقنين بعودته يوماً ما.

المزيد من ثقافة