ملخص
يقترح مشروع الموازنة الجديدة لـ"ناسا" عام 2026 خفضاً قدره 3.9 مليار دولار تقريباً من موازنة مديرية البعثات العلمية بالكامل وهو أقل بكثير من 7.3 مليار دولار المخصصة للقسم في العام المالي 2024.
بدأت وكالة الفضاء بالفعل تسريح بعض الموظفين في إطار إعادة الهيكلة الشاملة للوكالات الفيدرالية الأميركية التي تُجريها وزارة كفاءة الحكومة (DOGE)، وهي فرقة عمل مستقلة بقيادة إيلون ماسك.
لم تتعرض وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" لخفض يصل الى النصف في موازنتها العلمية منذ عقود. لذلك لا بد أن نسأل: ما هو مستقبل الفضاء الحكومي الأميركي ممثلاً بـ"ناسا" في ظل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب؟ إذ تتضمن الموازنة السنوية التي اقترحها ترمب للإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء "ناسا" لعام 2026 خفضاً مضاعفاً تقريباً لموازنة قسم العلوم في الوكالة. والجدير بالذكر أن التخفيضات تدعو إلى وقف تمويل مبادرات رئيسة مثل مهمة إعادة عينات المريخ وإطلاق تلسكوب فضائي جديد.
الموازنة الجديدة
يقترح مشروع الموازنة الجديدة لـ"ناسا" عام 2026 خفضاً قدره 3.9 مليار دولار تقريباً من موازنة مديرية البعثات العلمية بالكامل، وهو أقل بكثير من 7.3 مليار دولار المخصصة للقسم في العام المالي 2024. ووفقاً لوثيقة اطلعت عليها بعض الصحف ومواقع العلوم المتخصصة، يدعو طلب الموازنة إلى تخفيض تمويل بعثات علوم الأرض التابعة للوكالة بنسبة تزيد على 50 في المئة، وتخفيض تمويل قسم الفيزياء الفلكية بنسبة تقارب الـ70 في المئة مقارنة بالتمويل المُعتمد لهذا العام. كما ستواجه أقسام علمية أخرى تخفيضات كبيرة. وأكد متحدث باسم "ناسا" أن الوكالة تلقت طلب الموازنة الأولي للعام المالي 2026 وبدأت بمراجعته، لكنه لم يؤكد أرقاماً محددة.
بعثات المريخ في خطر
ويتضمن الاقتراح استمرار تمويل تلسكوبي "هابل" و"جيمس ويب" الفضائيين، اللذين لا يزالان يعملان في المدار. وعلى رغم ذلك، لا يذكر أي تمويل لتلسكوبات أخرى، مما يشير إلى احتمال إلغاء الإطلاق المخطط له لتلسكوب "نانسي غرايس رومان" الفضائي، وهو مرصد قوي مصمم لدراسة تطور المجرات والنجوم والكواكب الخارجية البعيدة. وذلك وفقاً لتقرير بقلم الصحافية كاترينا سيروهينا نشر قبل أيام قليلة على موقع RBC Ukraineفي المملكة المتحدة تحت عنوان "ترمب يريد خفض تمويل ‘ناسا‘: التلسكوبات وبعثات المريخ في خطر".
رفع السقف
في سبيل تدشين عصر ذهبي جديد للفضاء الأميركي لا بد من رفع سقف الطموحات كثيراً عما كانت عليه خلال العقود الماضية. وفي هذا السياق، أشارت الصحافة العالمية عبر مقالات عدة إلى أن الوكالة تلقت اقتراح الموازنة الجديدة بعد يوم واحد فقط من تصريح مرشح الرئيس دونالد ترمب لقيادة "ناسا" الملياردير ورجل الأعمال ومستثمر رحلات "سبايس إكس" جاريد إيزكمان الذي حدّد فيه اتجاهاً جديداً لأبحاث ومهمات "ناسا". إذ صرّح إيزكمان قائلاً: الوكالة يجب أن تكون قادرة على تنفيذ مهمات مأهولة إلى القمر والمريخ في آنٍ واحد. وأكد إيزكمان أن ترمب يهدف إلى تدشين عصر ذهبي جديد للعلم والاكتشاف. وقال لأعضاء مجلس الشيوخ الأميركي خلال جلسة استماع لتأكيد تعيينه في واشنطن "أنا شغوف بالعلم، ولا شيء يعجبني أكثر من مواصلة رؤية ‘ناسا‘ تسعى جاهدة لكشف أسرار الكون".
تجاوزات للموازنة وتأخيرات
تقول الصحافية كاترينا سيروهينا في مقالها "كان من المقرر إطلاق تلسكوب رومان بحلول مايو (أيار) 2027، بموازنة إجمالية للمهمة قدرها 4.3 مليار دولار. وقد جُمع التلسكوب بالفعل ويخضع للاختبار في مركز ‘جودارد‘ لرحلات الفضاء التابع لـ‘ناسا‘، مما يعني أنه من المحتمل إطلاقه في خريف 2026". وتعليقاً على بعض برامج استكشاف المريخ تقول "كذلك لم يُخصص طلب الموازنة المقترحة تمويلاً محدداً لمبادرة ‘ناسا‘ لإعادة عينات المريخ".(MSR) وتوضح أن هذا البرنامج بدأ بإطلاق مركبة "بيرسيفيرانس" الجوالة، التي تجمع عينات من تربة الكوكب الأحمر منذ فبراير (شباط) 2021. ومع ذلك، أقرت "ناسا" في عام 2024 بأن تكاليف تطوير المكونات المتبقية اللازمة لإعادة العينات تجاوزت الموازنة الأولية بكثير، وواجهت تأخيرات كبيرة. ولمعالجة هذا الأمر، تواصلت الوكالة مع قطاع الفضاء التجاري ومنظمات أخرى لطلب مقترحات بشأن مناهج أكثر فعالية لتنفيذ البرنامج. وفي يناير (كانون الثاني) من هذا العام، أعلنت "ناسا" عن خطط لوضع اللمسات الأخيرة على استراتيجية التنفيذ في النصف الثاني من عام 2026.
بصمات إيلون ماسك
تحت عنوان: تغييرات في عمليات "ناسا"، يشير واحد من المواقع العلمية إلى ما أفادت به وكالة" بلومبيرغ" www.bloomberg.com الإخبارية أخيراً ومفاده بأن موظفي إدارة كفاءة الحكومة (DOGE) التابعة لإيلون ماسك مُنحوا حق الوصول على مدار الساعة إلى مرافق "ناسا" وأنظمة بياناتها. وشمل ذلك الوصول إلى معلومات حساسة عن الموظفين في جميع أنحاء البلاد. ووفقاً لـ"بلومبيرغ" أيضاً، فإن طلب الموازنة يتضمن تخفيضات كبيرة في قسمي علوم الكواكب والفيزياء الشمسية التابعين لـ"ناسا". وقد تؤدي هذه التخفيضات إلى إلغاء البعثات قيد التطوير حالياً أو التي تعمل بالفعل في الفضاء. وبعد أن تلقت "ناسا" النسخة الأولية من طلب الموازنة، يتعين عليها تقديم ملاحظاتها إلى مكتب الإدارة والموازنة في البيت الأبيض قبل إصدار النسخة النهائية في وقت لاحق من هذا العام. ومع ذلك، فإن القرار النهائي بشأن الموافقة على تخفيضات موازنة عام 2026 المقترحة يقع على عاتق الكونغرس الأميركي.
مستقبل قاسٍ
بدوره، أكد موقع أخبار علماء الفضاء على الإنترنت newscientist.com أن "ناسا" قد تضطر إلى إلغاء مهمات فضائية رئيسة بسبب تخفيضات الموازنة. إذ تؤدي التخفيضات المحتملة التي تصل إلى 50 في المئة من موازنتها إلى إلغاء مهمات، بما في ذلك تلسكوب "هابل" الفضائي ومسباري "فوياجيه". وفي قصة إخبارية بقلم جوناثان أوكالاغان نشرت في 13 مارس (آذار) 2025، حذّر خبراء من أن "ناسا" تستعد لتخفيضات كبيرة في الموازنة قد تجبرها على إلغاء مهمات جارية ومقبلة عبر النظام الشمسي، مما يضعها في مواجهة مستقبل قاسٍ.
إنهاء 23 وظيفة في الوكالة
بدأت وكالة الفضاء بالفعل تسريح بعض الموظفين في إطار إعادة الهيكلة الشاملة للوكالات الفيدرالية الأميركية التي تُجريها وزارة كفاءة الحكومة (DOGE)، وهي فرقة عمل مستقلة بقيادة إيلون ماسك. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أعلنت أنها ستغلق مكتب التكنولوجيا والسياسات الاستراتيجية ومكتب كبير العلماء، وفرع التنوع والمساواة والشمول وبرنامج إمكانية الوصول التابع لمكتب التنوع وتكافؤ الفرص في واشنطن العاصمة، وهو ما يُمثل 23 وظيفة في الوكالة. وفي هذا السياق كتبت جانيت بيترو القائمة بأعمال مدير "ناسا"، في رسالة بريد إلكتروني إلى الموظفين: إن تغييراً بهذا الحجم ليس سهلاً، لكن قوتنا تنبع من التزامنا المشترك تجاه مهمتنا وبعضنا البعض. أشجعكم على دعم بعضكم البعض في مسيرتنا للأمام. وقال أحد موظفي مكتب التكنولوجيا والسياسات والاستراتيجية الذي علم بتسريحه لوسائل إعلام طالباً عدم الكشف عن هويته "كنا هدفاً سهلاً لأن مكتبنا أُنشئ في عهد إدارة جو بايدن". وأضاف "اعتقد بعضنا أن هذا قد يحدث. إن منصبي كبير التقنيين وكبير الاقتصاديين في ‘ناسا‘ كانا ضمن هذا المكتب، الذي ساعد في التخطيط الاستراتيجي على مستوى الوكالة".
مجرد بداية
من المتوقع أن تكون هذه الخسائر مجرد بداية لخفض أكبر بكثير في "ناسا"، يقول كيسي دراير من مجموعة مناصرة استكشاف الفضاء الأميركية "جمعية الكواكب"، ويضيف "هناك إشاعات تفيد بأن الرئيس دونالد ترمب سيوجه في طلبه المقبل للموازنة بخفض الموازنة العلمية الإجمالية لـ‘ناسا‘ بنسبة تصل إلى 50 في المئة، لمصلحة إنفاق الأموال على استكشاف الفضاء المأهول. سيكون ذلك بمثابة ضربة لمكتب مديرية البعثات العلمية، الذي يتعامل مع كل ما تفعله ‘ناسا‘ تقريباً مما لا يتعلق بمهمة رحلات فضائية مأهولة". كما يقول دراير "تبلغ موازنة المكتب حالياً نحو 7 مليارات دولار من إجمالي موازنة ‘ناسا‘ السنوية البالغة 25 مليار دولار". وفي السياق ذاته يقول عالم مطلع على قرارات "ناسا" السياسية رفض الكشف عن اسمه أيضاً: إن أية تخفيضات يطلبها الرئيس ستظل بحاجة إلى موافقة الكونغرس، الذي قد لا يؤيدها بسهولة. ويضيف "‘ناسا‘ تحظى بشعبية كبيرة بين الحزبين في الكونغرس، ولكن إذا ما تمّت التخفيضات فستشكل نهاية للعلوم في ناسا، ولن تكون أية بعثة آمنة".
تداعيات دولية
أخيراً وفي رسالة إلى القائمة بأعمال مدير "ناسا" جانيت بيترو حثت زوي لوفغرين العضوة الديمقراطية البارزة في لجنة العلوم والفضاء والتكنولوجيا بمجلس النواب الأميركي، العاملين في "ناسا" على مقاومة التخفيضات. وكتبت "ستسعى وزارة الطاقة إلى تقليص الوظائف الأساسية لـ‘ناسا‘ ومن الضروري أن تدافعوا عن عملها الحيوي". وفي حديثها مع مجلة "نيو ساينتست"، حذّرت لوفغرين من أن هذا الوضع قد تكون له تداعيات دولية. وقالت "سيمثل تفكيك القوى العاملة الماهرة في ‘ناسا‘ قفزة هائلة إلى الوراء بالنسبة للولايات المتحدة، ويتيح للصين قفزة هائلة إلى الأمام". وأضافت "ستقوض التخفيضات غير المبررة والمتهورة قدرة الوكالة على الحفاظ على ريادتها في الابتكارات المتطورة والعلوم القائمة على الفضول والاستكشاف البشري".