في إشارات جديدة على الاتجاه نحو مزيد من الأزمات الاقتصادية، شهدت الأصول التركية وأسواق الأسهم والعملة، أمس الاثنين، خسائر جديدة وعنيفة، لتضيف المزيد من الأعباء التي يواجهها الأتراك في ظل السياسات الخاطئة التي تمارسها إدارة الرئيس رجب طيب أردوغان.
وربما انتقلت الخسائر هذه المرة إلى أسواق المال التركية، والتي تراجعت بشكل عنيف أمس بعد تحركات جديدة للحكومة التركية بشأن الملف السوري، اعتبرها الرئيس الأميركي دونالد ترمب تجاوزات لن يقبل بها المجتمع الدولي.
وأمس، أظهر الرئيس الأميركي تراجعاً ملحوظاً في قراره بإعطاء تركيا الضوء الأخضر للقيام بعملية عسكرية في شمال سوريا، محذراً أنقرة بتدمير اقتصادها بالكامل إذا اتخذت إجراءات تتجاوز الحدود.
وأثار دونالد ترمب انتقادات حادة من الكونغرس لبيان البيت الأبيض، حيث أعلن الكونعرس أن الولايات المتحدة لن تقف في طريق التوغل التركي في شمال سوريا.
وقال ترمب، في تغريدة عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر "كما ذكرت من قبل، وأكرر فقط، إذا فعلت تركيا أي شيء اعتبرته خارج الحدود فسوف أقوم بتدمير اقتصاد أنقرة بالكامل، لقد فعلت ذلك من قبل".
وتابع "يجب عليهم مع أوروبا وغيرها مراقبة مقاتلي داعش المحتجزين والأسر، لقد فعلت الولايات المتحدة أكثر بكثير مما توقعه أي شخص، بما في ذلك القضاء على 100% من داعش، لقد حان الوقت الآن للآخرين في المنطقة، الذين يتمتعون ببعض الثروة الكبيرة، لحماية أراضيهم. الولايات المتحدة كبيرة".
وجرى هذا التهديد في الوقت الذي بدأت فيه الولايات المتحدة سحب قواتها من شمال شرق سوريا قرب حدود تركيا، تزامناً مع استعدادات الأخيرة لشن عملية عسكرية لتطهير هذه الأراضي من "وحدات حماية الشعب" الكردية التي تنشط ضمن تحالف "قوات سوريا الديمقراطية" في الحرب على "داعش"، وتعتبرها أنقرة تنظيماً إرهابياً وذراعاً لـ"حزب العمال الكردستاني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أن ترمب رفض تقديم أي دعم لأردوغان في حملته العسكرية المرتقبة على بعض المناطق في سوريا، في اتصال هاتفي رغم توسلاته.
ونفى مسؤول موافقة الرئيس الأميركي على توغل تركي في شمال سوريا، وقال "نحن لا ندعم هذه العملية بأي شكل من الأشكال"، وأضاف أن ترمب رفض طلباً من أردوغان للحصول على مساعدة عسكرية لتنفيذ الهجوم.
وذكرت الصحيفة أنه مع حلول الليل، وعلى الرغم من تعهد أردوغان بدء هجوم جوي وبري على المناطق الكردية، فإنه لم يبدُ أن القوات التركية قد تقدمت. وقال مسؤول أميركي إن الجيش الأميركي كان على علم بالقصف أو الغارات التحذيرية من قبل القوات التركية، ولكن يبدو أنه خارج "المنطقة الآمنة".
اضطرابات كبيرة في أسواق الأسهم والعملات
على خليفة هذه التهديدات الأميركية، شهدت الليرة التركية أكبر هبوط منذ نحو شهر مقابل الدولار الأميركي بنحو 2%.
وتراجعت الليرة التركية وسط مخاوف من تداعيات عملية أنقرة المرتقبة شمال شرق سوريا إلى 5.8050 مقابل دولار أميركي واحد، مسجلة هبوطا بلغ 1.94%. كما أسفرت هذه التطورات عن هبوط ملحوظ لسعر السندات السيادية التركية بالدولار الأميركي.
وبنهاية جلسة تداول أمس، عادت الأسواق المالية في تركيا إلى الخسائر مجدداً فاقدة أكثر من 600 نقطة عند الإغلاق، بعد أن كانت تمكنت من التحول للنطاق الأخضر وسط التعاملات.
وعند الختام، تراجع مؤشر "بي.آي.إس.تي 100" للأسهم التركية بأكثر من 0.4% ليهبط إلى 102993.2 نقطة فاقداً نحو 470 نقطة، بعد أن تأرجح بين الصعود والهبوط خلال التعاملات.
كما تحول مؤشر "بي.آي.إس.تي 30" للخسائر بنسبة تزيد على 0.5% متراجعاً إلى 127276.6 نقطة ليخسر نحو 654 نقطة، بعد أن كان مرتفعاً بنحو 0.2 بالمئة في وقت سابق من التعاملات. وفي وقت مبكر من الجلسة كان المؤشر قد تراجع دون مستوى 127 ألف نقطة على خلفية التوترات السياسية.
عملات الأسواق الناشئة تتضرر بعد خسائر الليرة
وتسببت الخسائر العنيفة التي تكبدتها الليرة التركية في تراجع عملات الأسواق الناشئة بشكل ملحوظ أمام الدولار الأميركي. وضغط صعود الورقة الأميركية الخضراء على عملات الأسواق الناشئة مع عدم اليقين التجاري، وسط تقارير صحفية تشير إلى أن المسؤولين الصينيين يزدادون تردداً بشأن الرغبة في التوصل إلى اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة.
ويأتي ذلك مع ترقب بدء محادثات رسمية بين واشنطن وبكين يومي الخميس والجمعة المقبلين.
وبعد العملة التركية، كانت عملة البرازيل ثاني أكبر الخاسرين، حيث تراجعت بنحو 1.3% مقابل نظيرتها الأميركية لتصل إلى 4.1028 ريال برازيلي. وأعلن المركزي البرازيلي، أمس، أنه أرسل مشروع قانون إلى البرلمان يهدف إلى تحديث وزيادة مرونة سوق الصرف الأجنبي في البلاد، وبالتالي جعله أسهل وأكثر جاذبية وأقل حواجز أمام ممارسة الأعمال التجارية في البرازيل.
كما تأثر "الراند" الجنوب أفريقي بعدم اليقين التجاري ليتراجع بنحو 0.8% أمام الورقة الخضراء ليسجل 15.1792 راند. وتراجعت عملة الأرجنتين أمام الدولار الأميركي بنحو 0.2% لتصل إلى 57.8350 بيزو أرجنتيني.
وخلال نفس الفترة، ارتفع مؤشر الدولار الرئيس، الذي يقيس أداء العملة الأميركية، أمام 6 عملات رئيسة بنسبة 0.2% إلى 98.989.
صندوق النقد يحذر أنقرة: القادم أصعب
وقبل أيام، قال صندوق النقد الدولي إن تركيا لا تزال عرضة لمخاطر خارجية ومحلية. وأضاف في بيان بعد زيارة فريق من خبراء الصندوق إلى تركيا، أنه سيكون من الصعب تحقيق نمو قوي ومستدام إذا لم تنفذ الحكومة المزيد من الإصلاحات.
وتابع صندوق النقد "الهدوء الحالي (في أسواق المال التركية) يبدو هشاً، ولا تزال الاحتياطيات منخفضة في حين لا يزال الدين الأجنبي للقطاع الخاص واحتياجات التمويل الخارجي مرتفعين"، بحسب "رويترز".
وقال إن التحدي الرئيس فيما يتعلق بالسياسات يتمثل في تحويل التركيز من النمو قصير الأجل إلى نمو أقوى وأكثر مرونة في الأجل المتوسط.
ورأى الصندوق أنه يمكن تحقيق ذلك من خلال تنفيذ خطة من خمسة محاور، تتمثل في سياسة نقدية مشددة لتعزيز مصداقية البنك المركزي ودعم الليرة وخفض التضخم بشكل دائم وزيادة الاحتياطيات، مع ضرورة اتخاذ خطوات لتعزيز المالية العامة في الأجل المتوسط.
وشدد صندوق النقد على ضرورة إجراء تقييم شامل للأصول المصرفية واختبارات جديدة لقدرات البنوك على تحمل الصدمات، ينفذها طرف ثالث مع إجراءات للمتابعة عند الحاجة، لتعزيز الثقة في البنوك. مع أهمية اتخاذ خطوات إضافية، للبناء على الإصلاحات القائمة، لتعزيز إطار إفلاس وإعادة هيكلة الشركات. وأخيراً أهمية عمل إصلاحات هيكلية مركزة لدعم نمو الإنتاجية وزيادة المرونة الاقتصادية.
تراجع ثقة المستثمرين وخسائر جديدة حتى 2020
وتعاني تركيا من تراجع ثقة المستثمرين، وهو ما يرجع إلى تذبذب مؤشرات الاقتصاد التركي، والسياسيات العامة للحكومة التركية، وعلى رأسها الرئيس رجب طيب أردوغان.
وتشير التقديرات إلى تراجع توقعات منظمات اقتصادية بخصوص نمو الاقتصاد التركي خلال العام المقبل من 3.2% إلى 1.6% مع انتشار حالة عدم اليقين في الاستثمار العام ونتائجه غير المتوقعة.
وبسبب العقوبات الأميركية التي فُرضت على أنقرة خسرت الليرة التركية أكثر من 30% من قيمتها مقابل الدولار خلال العام 2018، مما أسهم في دفع الاقتصاد صوب الركود، فيما تتوقع منظمات اقتصادية تواصل تراجع العملة إلى نهاية 2019.
يذكر أن أنقرة دخلت أزمة اقتصادية منذ 2009، لكن المؤشرات العامة للتراجع المزمن بدأت منذ 2016. وأسهمت العقوبات الأميركية على تركيا والمتمثلة في حظر التعامل مع الشركات التركية المتخصصة في قطاع الصناعات الدفاعية وبعض التشديدات المالية في تراجع مؤشرات الاقتصاد العامة. وعلى أساس بقاء ذات السياسات، فإن جميع التوقعات تشير إلى استمرار النزيف والخسائر التي تنتظر الاقتصاد التركي خلال العام 2020.