حسم مجلس السيادة في السودان اليوم الخميس 10 أكتوبر (تشرين الأول)، الجدل الذي استمر قرابة الشهرين حول تعيين رئيس القضاء والنائب العام، بعد توافقه مع قوى الحرية والتغيير على أسماء المرشحين لهذين المنصبين، بتسمية القاضية نعمات عبد الله رئيسة لسلطة القضاء، لتكون أول سيدة تتولى هذا المنصب في تاريخ السودان، وعلى مستوى العالم العربي، والخامسة أفريقياً، إضافةً إلى تعيين القاضي السابق تاج السر الحبر، نائباً عاماً.
ويأتي هذا التعيين بعد اعتماد اجتماع مشترك لمجلسي السيادة والوزراء عُقد أخيراً، نسخة من الوثيقة الدستورية تمنح مجلس السيادة الحق في تسمية المنصبين.
طوي الخلاف
أوضح عضو مجلس السيادة، الناطق الرسمي باسم المجلس محمد الفكي سليمان أن قرار التعيين اتُّخذ بموجب الوثيقة الدستورية بعد إيداعها لدى وزارة العدل ونشرها في الجريدة الرسمية (الغازيتا)، مضيفاً "أن المجلس يكون بهذا القرار، قد طوى صفحة شغلت الشارع السوداني لفترة".
ولفت إلى أن رئيس القضاء والنائب العام سيباشران بعد توليهما منصبَيْهما، تكوين المجالس المعنية لممارسة مهامهما في اختيار رئيس القضاء في الفترة المقبلة وفق جدول زمني محدد، كما سيبدآن مهامهما بالتصدي لقضايا الفساد وغيرها.
قوة شخصية
تمتاز نعمات عبد الله محمد خير بقوة الشخصية، وهي من مؤسسي نادي قضاة السودان وشاركت في وقفات وتظاهرات وإضراب القضاء ونظمت الوقفات الاحتجاجية وقادت مواكب القضاء في ثورة ديسمبر (كانون الأول) التي أطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير في 11 أبريل (نيسان) الماضي. وتلقت القاضية خير مراحل تعليمها الأساسي في العاصمة السودانية، قبل التحاقها بجامعة القاهرة فرع الخرطوم وحصولها على إجازة في الحقوق.
في حين بدأت خير أولى خطواتها في السلك القضائي عام 1983 مساعدة قضائية، ثم تنقّلت بين عدد من المحاكم الجنائية والمدنية ومحاكم الأحوال الشخصية، حيث رُقيت إلى درجة ثانية فدرجة أولى ثم قاضي استئنافات (قاضي مديرية) عام 2003.
وبين عامي 2009 و2014، شغلت منصب قاضية محكمة الاستئنافات في السلطة القضائية، قبل أن تُرقّى إلى قاضية محكمة عليا، عام 2015.
ومن أشهر القضايا التي حكمت فيها، رفضها طعن وزارة الأوقاف التابعة للرئيس السابق عمر البشير في 2016 ضد الكنيسة الإنجيلية السودانية، التي شكلت لجنة لإدارتها في 2013، إذ إنّ المحكمة العليا (الدائرة الإدارية) كانت قد أصدرت في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 قراراً بشطب الطعن عن طريق الاستئناف المقدم من وزارة الإرشاد والأوقاف ضد الكنيسة الإنجيلية المشيخية السودانية.
وتدرّجت خير في السلك القضائي وعملت في محكمة الاستئناف والمحكمة الابتدائية، فيما وصفها مقربون منها ممّن تعاملوا معها قضائياً، بأنها "تمتلك شخصية قوية"، إلى جانب كفاءتها المهنية العالية ونزاهتها واستقامتها.
وفي وقت سابق، نشر مغردون على مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة من الصور ظهرت خير في إحداها وهي تشارك في موكب القضاة إلى ساحة اعتصام القيادة العامة للقوات المسلحة في 25 أبريل 2019.
جدل ومسيرة
وتمثل الجدل حول تعيين رئيس القضاء والنائب العام في أن الوثيقة الدستورية منحت سلطة انتخاب رئيس القضاء إلى مجلس القضاء العالي، وكذلك تعيين النائب العام من مجلس النائب العام. لكنّ قوى إعلان الحرية والتغيير، رأت ضرورة تعيين رئيس للقضاء ونائب عام بشكل مؤقت، قبل تشكيل مجلسي القضاء العالي والنائب العام، للحيلولة دون سيطرة رموز النظام السابق في الجهازين على المنصبين المهمين، المنوط بهما محاسبة رموز نظام الرئيس المعزول عمر البشير. ومنحت الوثيقة الدستورية حق التعديل عليها إلى المجلس التشريعي الذي لم يتشكل بعد.
وفي ظل احتدام هذا الجدل، سيّر ألاف السودانيين في العاصمة الخرطوم في سبتمبر (أيلول) الماضي، تظاهرة حاشدة للمطالبة بتعيين رئيس قضاء ونائب عام، في إطار جدول تصعيدي دعا إليه تجمع المهنيين السودانيين يحمل اسم "تحقيق أهداف الثورة"، واستمر الجدل بين قوى الحرية والتغيير والعسكريين في مجلس السيادة منذ التوقيع على الوثيقة الدستورية في 17 أغسطس (آب) الماضي الذي تركز على الجهة التي يحق لها تعيين رئيس القضاء والنائب العام، ما دفع المكون العسكري إلى رفض تعيين مرشح قوى إعلان الحرية والتغيير آنذاك القاضي عبد القادر محمد أحمد، رئيساً للسلطة القضائية، إضافةً إلى اعتراضهم على تعيين المرشح لمنصب النائب العام، المحامي محمد عبد الحافظ.