تتوالى الأزمات التي تحاصر الإيرانيين، بخاصة الاقتصادية، مع استمرار العقوبات الأميركية والاتجاه الفعلي إلى تصفير صادرات النفط الإيراني، الذي يعد أحد أهم مصادر تمويل الموازنة الإيرانية.
وربما كانت الأزمة الأعنف التي واجهت الإيرانيين خلال الفترة الماضية ما شهدته العملة المحلية من انهيار كبير مقابل الدولار الأميركي، والذي دفع النظام الإيراني إلى التدخل وحذف عدة أصفار من قيمة العملة. لكن فشل هذا الإجراء في احتواء معدلات التضخم التي تواصل الارتفاع بشكل عنيف ما يزيد من الضغوط التي يواجهها الإيرانيون في الوقت الحالي.
ركود عنيف وانهيار حاد للعملة المحلية
في سياق متصل، توقع البنك الدولي أن ينكمش اقتصاد إيران بنسبة 8.7% خلال العام المالي 2019- 2020 مع تضرره من العقوبات الأميركية التي تكبح صناعتها للنفط والغاز.
وتسببت سياسة واشنطن لممارسة "أقصى الضغط" على إيران من خلال العقوبات في تقليص الإيرادات النفطية للبلاد، وزجّت باقتصادها إلى الركود وانخفاض قيمة العملة المحلية (الريال).
وقال البنك الدولي، في تقرير اقتصادي إقليمي، إن "التدهور المتوقع في النمو الاقتصادي سيعني أنه بحلول نهاية 2019- 2020 سيكون الاقتصاد عند 90% من حجمه السابق مقارنة مع ما كان عليه قبل عامين فقط". وتبدأ السنة المالية في إيران في مارس (آذار) من كل عام.
وردّ متحدث باسم البنك المركزي الإيراني على التقرير قائلا "بسبب الحرب الاقتصادية التي تشنها أميركا ضد إيران، فإنه يوجد ضغط اقتصادي لكننا في المسار الصحيح والاقتصاد يظهر أداء جيدا وسيتحسن أداؤه مع الحلول التي نعمل عليها".
العقوبات الأميركية ترفع حدة الأزمات الاقتصادية
وكانت إيرادات إيران النفطية قد قفزت بعد الاتفاقية النووية التي وقعتها في 2015 مع ست قوى عالمية، والتي أنهت نظاما للعقوبات كان فرض قبل ثلاث سنوات بسبب برنامجها النووي المتنازع بشأنه.
لكن عقوبات جديدة فرضتها الولايات المتحدة بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاقية في 2018 هي الأكثر إيلاما وتستهدف كل قطاعات الاقتصاد تقريبا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال البنك الدولي إن التضخم السنوي في إيران قفز إلى مستوى 52% في مايو (أيار) الماضي، بسبب الشكوك الاقتصادية وانخفاض قيمة الريال على مدار الاثني عشر شهرا السابقة، مضيفا أن التضخم انحسر منذ ذلك الحين، ومن المتوقع أن يهبط إلى 38 بالمئة.
وتوقع البنك أن يبقى التضخم فوق 20% خلال العامين المقبلين، وأن تنخفض قيمة العملة في الأعوام المقبلة مما قد "يسمح لبضائع وخدمات البلاد بأن تصبح أكثر قدرة على المنافسة على الصعيد الإقليمي ويساعد في سد العجز المتوقع في ميزان المعاملات الجارية بشكل تدريجي".
وتوقع البنك الدولي أن العجز في ميزانية إيران، الذي بلغ 5.4% خلال العام المالي 2018- 2019، سيتسع في الأعوام المقبلة ليصل إلى 6% في العام المالي 2021- 2022 مع زيادة الحكومة الإنفاق على إجراءات للحماية الاجتماعية، بينما تحصل على إيرادات نفطية أقل.
عائدات إيران من النقد الأجنبي تواصل التراجع
في سياق متصل، هبطت عائدات إيران من النقد الأجنبي القادمة من عائدات صادراتها السلعية غير النفطية، مع استمرار حجب نظام التحويلات المالية الدولي "سويفت"، امتثالا للعقوبات الأميركية المفروضة على طهران منذ أغسطس (آب) من العام الماضي.
وقبل أيام، قال وزير الاقتصاد والمالية الإيراني، فرهاد دجبسند، إن صادرات بلاده من السلع غير النفطية بلغت نحو 61 مليار دولار خلال الأشهر الـ18 الأخيرة، أي منذ بداية السنة المالية الماضية. لكنه أشار إلى أن إجمالي عائدات الصادرات بلغت خلال الفترة الماضية 27 مليار دولار، ما تشكل نسبته 45% من مجمل قيمة الصادرات السلعية.
لكن البيانات والأرقام الصادرة عن البنك المركزي الإيراني قبل أيام، أظهرت أن 80% من إجمالي قيمة العائدات المالية بالنقد الأجنبي المستلمة للحكومة في البلاد (21.8 مليار دولار)، كانت خلال الشهور التي سبقت حظر نظام "سويفت" الخاص بالتحويلات.
وذكر الوزير الإيراني أن الكثير من المصدرين يسعون لإعادة عوائد العملة الصعبة إلى البلاد، "وعلينا العمل من أجل عودة المزيد منها لتدخل عجلة الاقتصاد في البلاد".
وتابع "من المؤكد أنه لو عاد حتى نصف العوائد المالية المتبقية، سنشهد حل قسم ملحوظ من المشاكل القائمة"، في إشارة إلى أزمة شحّ النقد الأجنبي وتسببها في انهيار سعر صرف الريال الإيراني مقابل النقد الأجنبي.
ويبلغ سعر الدولار الأميركي في إيران عبر السوق الموازية نحو 115.5 ألف ريال لكل دولار واحد، بينما يبلغ السعر في السوق الرسمية المقر من البنك المركزي قرابة 42.9 ألف ريال لكل دولار واحد.
وارتفعت حدة تذبذب وفرة النقد الأجنبي في إيران، ما دفع البلاد إلى محاولات تصدير النفط الخام (المصدر الأبرز للعملة الأجنبية)، عبر طرق ملتوية اعترفت بها الحكومة الإيرانية في تصريحات سابقة.
موجة خسائر جديدة تنتظر الاقتصاد الإيراني
وتنتظر إيران موجة جديدة من الخسائر بخاصة بعدما قالت مصادر مطلعة إن شركة الصين للبتروكيماويات (مجموعة سينوبك) ومؤسسة البترول الوطنية الصينية، أكبر شركتي تكرير مملوكتين للدولة، تخلتا عن شراء نفط إيراني للتحميل في مايو (أيار) الماضي، بعد إنهاء واشنطن العمل بإعفاءات من العقوبات لزيادة الضغط على طهران.
ولم تجدد الولايات المتحدة أي استثناءات من العقوبات المفروضة على إيران، لتتبني موقفا أكثر تشدداً عما كان متوقعا مع نهاية أجل الإعفاءات. وجرى منح الإعفاءات في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي لعدد من مشتري النفط الإيراني.
وتعتبر الصين أكبر عميل لنفط إيران مع استيرادها 475 ألف برميل يوميا في الربع الأول من العام الحالي، وفقاً لبيانات الجمارك الصينية. لكن هذا الاتجاه الصيني ربما يزيد من أزمة النفط الإيراني الذي يبحث عن مشترين جدد.
وقال مصدران إن "سينوبك" ومؤسسة البترول الوطنية الصينية تخلتا عن حجز شحنات للتحميل في مايو (أيار) مع قلق الشركتين من أن الحصول على نفط من إيران قد ينتهك العقوبات الأميركية ويؤدي إلى عزلهما عن النظام المالي العالمي.
وذكرت المصادر أن "سينوبك" التي تشتري غالبية واردات الصين من نفط إيران، لا ترغب في خرق عقد توريد طويل الأجل لكنها اختارت تعليق حجز شحنات جديدة حالياً بسبب المخاوف المتعلقة بالعقوبات.
ومن بين خمس ناقلات عملاقة قامت بتحميل نفط إيراني في أبريل (نيسان) لنقله إلى الصين، فرغت ناقلتان شحنتيهما، بينما تنتظر ناقلتان أخريان قبالة نينغبو وتشوشان في شرق الصين لتفريغ شحنتيهما، وفقاً لبيانات "رفينيتيف". فيما تتجه ناقلة خامسة إلى شويدونغ في إقليم قوانغدونغ جنوب البلاد.