امسيتان جمعتا بين الشعر والسينما، استعاد فيهما جمهور مؤسسة سلطان العويس الثقافية الشاعر الفلسطيني الكبير الذي يعد احد ابرز رموز فلسطين، واستمع خلالهما الى نقاد عرب يقدمون مقاربات جديدة تلقي اضواء على مسار الشاعر واعماله. وحمل الملتقى (9و10 الجاري) عنواناً معبراً هو "محمود درويش أثر الفراشة لا يزول" بمشاركة نخبة من الكتاب والأدباء الاماراتيين والعرب. ورافق الملتقى صدور كتابين جديدين عن درويش وعرض فيلم وثائقي بديع أنجزته المخرجة الفرنسية سيمون بيتون.وشارك في الجلسة الأولى من الملتقى الناقد اللبناني شربل داغر بورقة بعنوان «محمود درويش.. سياسات القصيدة بين الجرأة المحسوبة والحيطة المحافِظة»، والناقدة المغربية حورية الخمليشي بورقة عنوانها «حوار الشعر والفن في شعر محمود درويش.
في اليوم الثاني من الندوة قدم الناقد والمترجم الفلسطيني محمد شاهين ورقة بعنوان "محمود درويش: على هذه الأرض ما يستحق الحياة، موقع البقاء" وتطرق خلالها إلى جدلية ترجمة معنى عبارة درويش المشهورة "على هذه الأرض ما يستحق الحياة" إلى اللغة الإنكليزية وسط اعتراض ليمينيين إسرائيليين لأن صورة الأرض لها خصوصيتها إذا ما قورنت بمثيلاتها من الصور عند سائر الشعراء الآخرين. خصوصيتها هذه تعود إلى واقع متميز يشتق منه صورة "الأرض" عند درويش.
ثم قدمت الباحثة الاماراتية مريم الهاشمي بحثاً بعنوان "الذاتية في شعر محمود درويش" وذهبت فيه نحو حضور الذات الذي هو السمة الأوضح التي يقف عليها الدارس، فتارة نجد الذات تخاطب الأنا الشاعرة، وتارة أخرى نجدها ضائعة مشتتة، وثم تثور محاوِلة استرجاعها وانتشالها من الضياع . وأحيانا أخرى تقف الذات أمام الزمان بتحدٍّ غير مجد لترجع إلى الذات الحقيقية للشاعر وهي الذات التي تنبع منها كل الذوات الأخرى التي تخاطب وتقارع واقعها طامحة للتغيير أو باحثة عن مخرج لها من خلال ألفاظ وأشطر وإحالات.
وفي الجلسة الثانية قدم الشاعر والناقد اللبناني عبده وازن ورقة بعنوان " محطات في مسار محمود درويش الشعري" فتتبع مسار محمود درويش بدءا من مرحلة الثمانينات مع التحول الذي طرأ على شعره وخصوصا مع ثلاثة دواوين:"لا تعتذر عما فعلت"، "سرير الغريبة"و"جدارية".ورأى ان درويش عرف كيف ينسج علاقته بالذاكرة المزدوجة: ذاكرته الشخصية وذاكرته الثقافية، موائماً بين اغراء الشعر الصرف الذي لا غاية له سوى نفسه، بحسب ما يقال عن قصيدة النثر الحديثة، ونداء الأرض بصفتها حنين الفرد والجماعة ومآل الذات والآخر.وقد مثّل ديوانه "لا تعتذر عما فعلت" احدى ذرى نزعته الشعرية الجديدة المتجلية في البحث الدؤوب عن إكسير الشعر، في اللغة كما في الحياة، في الذاكرة كما في الحلم . بينما سرد الكاتب والصحافي المصري سيد محمود في ورقته " محمود درويش في مصر، السيرة شبه المجهولة وارهاصات الروح الجديدة" حياة درويش في مصر وعلاقته بأجوائها الثقافية والسياسية ذاكراً أسماء لشخصيات فكرية إعلامية معروفة ساهمت في دخول الشاعر إلى عالم مصر الصحفي في سبعينيات القرن العشرين وما أحدثه ذلك الحضور من تجاذبات سياسية وثقافية بين مثقفي مصر واعلاميّها.
وفي ختام الملتقى عُرض فيلم وثائقي عن محمود درويش من كتابة السينمائية الفرنسية سيمون بيتون والمؤرخ الفلسطيني الياس صنبر، واخراج بيتون، يتناول سيرة الشاعر، مشتملاً على مقتطفات من اماس ٍ شعرية أقامها درويش في بيروت والقاهرة وباريس وأماكن اخرى.
ويتضمن الفيلم الذي أنتج عام 1999 فقرات من حوار طويل في بيت درويش ومسقط رأسه قرية البروة التي غدت أطلالاً، و تسجل عدسة المخرجة لقاء درويش مع عائلته بعد غياب 30 عاماً، فضلاً عن مشاهد للجليل وحيفا وعكا وعمان والبحر الميت ورام الله وبيروت والقاهرة.
وتتقاطع قصائد درويش في الفيلم مع موسيقى واغاني للفنان مارسيل خليفة الذي لحّن كثيرا من أشعاره، وخصوصاً قصيدة "ريتا" المرأة التي شاهدها الشاعر غداة مغادرته الأرض المحتلة عام 1948 وهو يقدمها بصفتها واحدة من المحمولات الرمزية للعلاقة بين الفلسطيني والإسرائيلي. اما الكتابان الجديدان الصادران في المناسبة فواحد منهما للباحث شربل داغر "محمود درويش يتذكر في أوراقي"، والثاني للناقد محمد شاهين "مختارات من شعر محمود درويش.