تقول مصادر سياسية مطلعة في العراق إن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي أجرى اتصالات برئيسي الجمهورية برهم صالح والبرلمان محمد الحلبوسي، طالباً مساندته في مواجهة ضغوط كبيرة تمارسها المرجعية الشيعية العليا في النجف، ممثلة بعلي السيستاني، على الحكومة، لمنعها من الاستمرار في قمع حركة الاحتجاج وملاحقة النشطاء والصحافيين وتهديد وسائل الإعلام.
الحلبوسي متحمس... وصالح متردد
المصادر أبلغت "اندبندنت عربية" بأن "رئيس البرلمان أبدى استعداداً كبيراً لتقديم المساندة المطلوبة، لقاء تسوية سياسية، بينما جاء رد رئيس الجمهورية فاتراً". وتعكس هذه المواقف، وفقاً لمراقبين، الارتباك الكبير لدى القادة العراقيين في تقدير الموقف من حركة الاحتجاج، إذ يخشى معظمهم إلى أن يكون لدعم التظاهرات أو الاعتراض عليها، ضريبة سياسية كبيرة.
وكان السيستاني اتهم الحكومة علناً بقتل المتظاهرين السلميين، الذين نظموا احتجاجاً شعبياً واسع النطاق، كاد يسقط النظام السياسي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لجنة تحقيقية
لكن استجابة رئيس الحكومة لموقف المرجعية النادر، اقتصرت على تشكيل لجنة تحقيقية، وقال رئيس الوزراء العراقي في بيان "استجابة لخطبة المرجعية الدينية العليا، واستكمالاً للتحقيقات الجارية، قامت الحكومة بتشكيل لجنة تحقيقية عليا تضم الوزارات المختصة والأجهزة الأمنية وممثلين عن مجلس القضاء الأعلى ومجلس النواب ومفوضية حقوق الإنسان"، مشيراً إلى أن مهمة اللجنة تتمثل في الوصول "إلى نتائج موضوعية وأكيدة لإحالة المتسببين على القضاء لينالوا جزاءهم العادل وعدم التواني في ملاحقتهم واعتقالهم وتقديمهم إلى العدالة مهما كانت انتماءاتهم ومواقعهم".
وبالنسبة إلى كثيرين، لم تكن التعهدات التي تضمنها البيان، بشأن المتورطين في قمع التظاهرات مفهومة، لأن معلومات من جهات عديدة تؤكد أن رئيس الوزراء، وهو القائد العام للقوات المسلحة، وفقاً للدستور، هو من أصدر الأوامر بفتح النار على المحتجين أو اعتقالهم، متسبباً في قتل وجرح وسجن حوالى سبعة آلاف شخص، ما يعني أن عبد المهدي يجب أن يحاسب نفسه، أولاً.
مؤامرة كبرى
ويعتقد عبد المهدي أن العراق يتعرض لمؤامرة كبرى، يجب التصدي لها بشراسة، ولو اقتضى الأمر إسالة دماء. يقول الباحث العراقي المقيم في الولايات المتحدة رياض محمد إن الحكومة العراقية قتلت خلال أسبوع واحد من الاحتجاجات "ما يعادل ما قتله نظام عمر البشير في السودان خلال أربعة أشهر من الثورة السودانية التي أطاحته، و40 ضعفاً ما قتله النظام العسكري في الجزائر خلال ثمانية أشهر من الاحتجاجات التي أدت لإقالة الرئيس بوتفليقة".
أضاف أن ضحايا حركة الاحتجاجات الأخيرة في العراق، أكثر ممن "قتلتهم إسرائيل في تسعة أشهر من الاحتجاجات الفلسطينية على حدود قطاع غزة، وأربعة أضعاف ما قُتل في كل التظاهرات التي جرت في إيران خلال سنة كاملة".
القتل قنصاً
لكن أكثر طرق القتل إثارة للجدل خلال الاحتجاجات الأخيرة، تمثلت في نشر قناصين على أسطح مبان عالية محيطة بساحة التحرير وسط بغداد، حيث يتجمع المتظاهرون. واندلع الجدال، عندما تحدثت مصادر طبية عن أن معظم القتلى في صفوف المتظاهرين، سقطوا برصاصة في الرأس، ونشر نشطاء صوراً لقناصين على المباني العالية قرب ساحة التحرير يومي الثاني والثالث والرابع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري. وارتبكت الحكومة في تفسير الأمر في وقت لجأ أنصارها إلى الإعلان عن معلومات "غريبة" بهذا الصدد.
بلاك ووتر
وعلى سبيل المثال، قال قيس الخزعلي زعيم حركة عصائب أهل الحق التي تملك 15 مقعداً في البرلمان ووزارتين في حكومة عبد المهدي، إنه يملك أدلة "على تورط الإدارة الأميركية في تأجيج أوضاع البلاد"، مؤكداً أن "من قام بقنص المتظاهرين والقوات الأمنية هم أفراد الشركات الأمنية الأميركية"، مسمياً منها شركة "بلاك ووتر" التي جرى حلها منذ أعوام.
ويضيف الخزعلي، وهو مقرب من إيران ويتبع دينياً لمرشدها الأعلى علي خامنئي "نحن نعلم هذه المعلومات كما كنا نعلم بوجود مخطط مسبق لزعزعة استقرار العراق".
قدموا من الفلوجة
وقدم الصحافي العراقي المناصر لإيران نجاح محمد علي تفسيراً مختلفاً لقضية القناصين، مستخدماً إشارات طائفية لتسويقه. وقال علي إن القناصين الذين قتلوا "المتظاهرين الشيعة" في بغداد قدموا من مدينة "الفلوجة السنية"، القريبة من العاصمة، ووفر لهم سكان سنة في بغداد ملاذات آمنة لتنفيذ عمليتهم. لكن موجة السخرية الواسعة التي قوبل بها تعليقه، أجبرته على تعديل النغمة قليلاً، ليشير إلى إن القناصين "الذين قتلوا متظاهرين لإكمال مخطط الفتنة، قدموا إلى بغداد من حواضن داعش المعروفة"، وأضاف أن أجهزة الأمن ألقت "القبض على عدد منهم".
وكان قائد عمليات، وهو المسؤول العسكري الأعلى عن أمن العاصمة العراقي، الجنرال جليل الربيعي، نفى الإمساك بأي من القناصين مؤكداً أنهم تمكنوا من الهرب، لكن نشطاء شاركوا في الاحتجاجات قدموا روايات مثيرة عن القناصين الذين شوهدوا على أسطح المباني العالية.
الحارس الخاص لعبد المهدي
في هذا الوقت، قال مهند نعيم، وهو ناشط قانوني يوجه انتقادات شديدة اللهجة للحكومة العراقية بانتظام، إن "قناصي التحرير، هم فريق سري، ينتمي إلى الحرس الشخصي لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي"، مضيفاً أن "آزاد إبراهيم، مسؤول حرس عبد المهدي الخاص، يقود شخصياً فريق القناصين". ويذهب محتجون إلى أن هؤلاء القناصين هم "عناصر في ميليشيات شيعية موالية لإيران، مثل سرايا الخرساني وعصائب أهل الحق"، بينما يقول آخرون إن "القناصين هم ضباط نظاميون في وزارتي الدفاع والداخلية، تلقوا أوامر صريحة من القائد العام للقوات المسلحة تنص على قتل المتظاهرين".